اثمي أني امتطيت صهوة النصيب

7 0 0
                                    

أصابع يد امتدت لجيب مهترئ انتشلت ما فيه وسكبتها على كف يد أخرى كادت العملات تضيع بين غياهب الندوب التي انتشرت برعونة بعضها قد التأم وما تبقى غطى ببقايا دم متخثر مستخدما أطراف أصابعه عد تلك العملات وأشلاء من ورقة صفراء محمومة حادت عن الطريق أخذ نفسًا بعد اطمئناقه أن ما يملكه يكفي ليوصله لعتبات عمله شد الخطى وصعد لحافلة كانت قد ركنت بلا مبالاة وسط الشارع مرر آخر رمق وعبر
لنهايتها، كانت أوصاله ترتجف أراد أن يخفي قسمات وجهه بين يديه وأن يغمض ظن أنه يستطيع الهروب من النظرات المتفحصة له من رأسه حتى أخمص قدميه، وذلك الحذاء الذي قد أظهر أكثر مما أخفى، وبنطاله الذي شابته رقع أخفت شق ورممت جيبا اقتنص مقعدا في الزاوية اليمنى اقترب بثقل، استأذن الرجل الذي بدى من ملامحه القاسية أنه بعقده السابع، وجلس إلى جانبه، غمره شعور بالراحة عندما لاحظ أنه لم يعد مركزا لأنظار البقية، بوجل الشيخوخة و رعونة الشباب اصطك ما تبقى من أسنان في فم العجوز مع نسمة محملة برطوبة لعابه نطق قائلا : "إذا هتتحاشى نظرات الناس بعمرك ما هتعيش يا ابني طول ما إنت عم تكد وتشتغل وتعيش من عرق جبينك لازم تضل رافع راسك ما تطاطي أبدا، ومحدا منا ولد وبتمه ملعقة دهب" بعينيه الجاحظتين وبحركات يديه الهزيلتين أراد أن يوصل له
فكرة لكنه باء بالفشل، وبعد عدة محاولات شد على فكه وكاد حاجبيه يلتصقان إلا أنه تذكر بقايا الورقة الصفراء، فأخرجها على عجل ثم استل قلم رصاص من جيبه المرقوع وبدأ يسطر عدة كلمات عندما انتهى قرب القطعة التي كتبها من وجه العجوز إلا أنه لم يفهم تلك الرسومات، فأسهب قائلا: " يا ابني والله مافهمت عليك شو هالرسمات " رفع الشاب يده وصفع جبهته وسهى في عقله " يالله شو وقعني بهالمصيبة ماعم يفهم عليي، هحاول اتجاهله أظبط الشي " مشادة وقعت بين عقل الشاب وقلبه .. القلب : هل ستتجاهل العجوز ! كلماته محفزة ربما هو الوحيد الذي شعر بك !
العقل : أتظن أني أريد تجاهله ! انظر حاولت جاهدا ان اشرح له لكنه لم يفهمني القلب : ربما هو أمي ! لكنه يفقه أكثر بكثير من أولئك  المثقفين المنتشرين من حولك لا تهمل كلامه حاول من جديد بإشارات من يدك تلاعب بقسماتك افعل أي شيء ! العقل : سأفكر. القلب دائما ما تضيع جمالية اللحظات بتفكيرك . انصاع العقل على مضض وأعاد الشاب صياغة حركات يديه وقسمات وجهه، فهم العجوز بعد جهد مديد أن الشاب أخرس فهمس له " وأنا أمي يا ابني لا بعرف أكتب ولا اقرأ، ولدت بعيلة فقيرة فكان الشغل هو السبيل الوحيد لنعيش"
صمت مهیب تخللته حركات الباس المتعرجة على تلك الطرقات الترابية القديمة سيطر على المكان انهار الصمت فجأة بسؤال أطلقه العجوز : بتعرف شو الفرق بين النصيب والقدرا " نظر الشاب بغرابة اتجاهه ثم حرك كتفيه وشفتيه علامة على أنه ربما يعرف لكن إيصال الفكرة سيكون صعب فهم العجوز فبدأ بالشرح "وقت خاطبتك بالبداية فهمت عليي بس استصعبت ترد النصيب هيك شي تقريبا، النصيب يا ابني هو أشياء منفهما ممكن تكون خير وممكن تكون شر النا منستصعب نغيرها بس تغيرها مانه مستحيل ممكن ،تنغير ومن ناحية القدر في اللحظة اللي أنت حاولت ترد عليي وشرحت وأنا ما فهمت
عليك هالشي بيشبه القدر لأنه حالة بتصير معنا : بس خارجة عن إرادتنا متحاول تجاربها بس ما منقدر تفهمها لأنها مكتوبة علينا وعلى الرغم من هيك لهلق ولبعدين هنبقى نحاول نجاريها مثل ما أنت ضليت تحاول لقدرت تشرحلي ولو جزء بسيط : كان الجو حارا خانقا حبات العرق بدأت تتلألئ على طيات جبين العجوز ترسم خطوطا لامعة على بشرته السمراء، أخرج زجاجة ماء كانت في حقيبته بلل يده ومررها فوق جبينه وصولا إلى أسفل ذقته ثم عاد ليكمل. النصيب والقدر بيشبهوا بعض كتير، حتى أغلب الناس ما بتفرق بيناتون هالشي نتج عن قلة الوعي اللي انتشر بمجتمعاتنا بعرف هتقول شو دخلني بكل هالشي .. هجاوبك بشي بسيط، لا تخجل من قدرك إذا ما قدرت تعمل شي مشانه اخجل من نصيبك وخاصة إذا قدرت تغيره
تراجعت بسبب خوفك، الفقر قدر بس انه تطلع من الفقر. نصيب . الحب قدر بس إنه تتزوج نصيب الكره قدر بس إنه تبعد عن الشخص نصيب الموت قدر بس طريقة الموت هي / النصيب الحياة قدر بس ) ل أنك تختار طريقك نصيب . ملاحظ شي ؟ إنه دائما القدر محتوم ! بس الطريق اللي ه تمشي في النصيب اللي عم يحدد لك ياه والنصيب بإيدك !
فجأة تجمد كل شيء قلبت الصفحة تمدد القلم على المنضدة تسللت سيجارة لتأخذ مكان القلم في المغازلة لثمت ثغرها، ثم ملئت الأرجاء بأدخنتها المخدرة، وعلى مضض قفزت جزيئات الدخان إلى فمها وتابعت مسيرها مدغدغة كل زاوية وكل جزء تمسه حتى وصلت لنهاية المطاف حيثما أرادت تحفيز تلك الغدة داعبتها ثم عانقتها وبالتحامهما ولد الدوبامين كعادته همس للكاتبة فاستلت القلم، راقصته على تلك الصفحة الجرداء ثم فجأة عادت الحياة للمشهد من جديد. كتبت : القدر محطة أجبرنا على الوقوف بها، القطار قادم علينا امتطاء صهوة النصيب تصيبنا لعنة النصيب عنما لا نفقه ماهيته نبقي منتظرين في تلك المحطة على أمل أن يتغير قدرنا لكن لا تعلم أن الأقدار واحدة لكن النصيب مختلف

دردش مع فيصول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن