7: العالَم يتقهقر

85 16 50
                                    


الألم في ذراعه أصبح لا يُطاق في مرحلةٍ ما.

دوروتاس كان قد بلغ حدّه منذ وقتٍ طويلٍ، ربما منذ اللحظة التي تجاوز فيها بيته بثلاثة منازل مجاورة، وقتذاك كان يلفظ أنفاسه بالفعل.

لكنه مع ذلك ركَض دون توقف، دون أن يفكر بالتوقف حتى، ولَم تكن تلك غريزة البقاء، إن كان سيلخصها في شيء فسيكون الرغبة في ميتة سريعة ورحيمة.

كان يهرب من الموت بهذه الطريقة التي لم تكن بالضبط جيدة.

الإحساس كان قد غادر جسده منذ وقت طويل، قدمَاه الحافيتان تركضان لا إراديًا ولا شعوريًا، حتى أنه أُصيب بالخدر تُجاه الألم الذي حفرته شظايا الزجاج والحصى المدببة في باطنهما.

بثياب ممزقة، ملامح شاحبة، شعر مبعثر وعينين مغرورقتين دمعًا كان يركض متمسكًا بالأمل، لَم ينظر خلفه على الإطلاق، لأنه كان يرى بصيص النور أمامه، كان يملك قشة الغريق التي ستنقذه ليتمسك بها بينما تغمره المياه من كل حَدب وصوب.

كاد يصل، لَم يبقَ شيء، قطع الكثير وظلّ القليل فقط، كان يدعو بكل جوارحه أن ينتهي هذا ويخلص، أن يبلغ هدفه ويجد من سيرمم جراحه ويطبطب على كتفه ولِم لا، يحتضنه ويكذب عليه بأن كل شيء بخير، وسيكون بخير.

لكن دوروتاس لَم يكن سيصل لهدفه أبدًا، واليد التي ستطبطب على كتفه قُطعت منذ زمن طويل، والأمل الذي تمسك به كان يأسًا وموتًا، والقشة منذ البداية ما وُجدت قَط.

عندما انفصل طريقه عن الزقاق الجانبي والتحم مع الشارع الرئيسي الذي من المفترض أن يؤدي لمنطقة المدرسة، كاد يقع في هوة بلا قاع لولا أنه كبح قدماه في آخر لحظة فسقط للخلف.

أمامه، وحيث من المفترض أن تقوم مدرسة، حدائق، مستشفيات، مباني وعالَم، امتدّت حفرة سوداء لِما بعد مرمى بصره، حتى التحمَت مع الضباب الأرجواني عند حدود العالَم.

كان منظرًا غريبًا، لَم يستوعبه عقله بأي طريقة، حيث أن الشارع كان مقطوعًا من المنتصف، وما تبقى أمامه لَم يكن إلا سواد شاسع لا ينتهي، كأن ذلك الجزء من العالَم التُهم في قضمة من فكٍّ عملاق.

« يا إلهي! » انبعثَت الكلمتين المرتجفتين من حلقه بنبرة مهتزّة وخفيضة، وبين طيّات ملامح مزرقّة كأنما الدم احتقن في العروق، تقوقَع خوف مُبين ما جرّبه من قبل قَط.

أراد أن ينهض لكن قدماه خذلتاه، وبينما يحدق في الفراغ الأسود الذي يبدو بلا قرارٍ أمامه، والشوارع الناجية للآن والمقفرة حوله، كاد يختنق بأنفاسه اللاهثة المتلاحقة ونبضات قلبه المتسارعة.

لَم يكن يختزن في جسده ذرة طاقة تعينه على النهوض، كان متعبًا للحَد الذي شعر فيه بجسده ينساب مِنه ويسيل، لكن لحظة انشقّت الأرض تحته، واهتزَّت المباني حوله، كان عليه أن ينهض استطاع أم لم يفعل.

الليل آتٍ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن