كان هذا البئر أغرب من أي مبنى رآه ڤادال في حياته من قبل.
ربما لأن الدجنة كانت تلتهمه حتى النقطة الأخيرة فيه، وملمس الدرجات الحديدية الشائكة المعقوفة التي تحتل كل بئر، كان خشنًا بسبب الصدأ الذي التهم معدنها على طول السنوات التي لا يدري عددها، والتي وُجدت خلالها.
كان كل شيء يضاعف عقدة الأمان التي لا تتوقف عن التضخم عنده مع مرور الوقت، ڤادال كان الآن يدوس على خوفه ومنطقه في كل درجة ينزلها هو للأسفل، وكل خطوة يلحقه يوردان الصامت بها.
ليس وكأنه كان يملك شيئًا لفعله حيال كل ذلك، لكنه لم يكن راضيًا عن الوضع حيث حُشر غصبًا عنه بعد كل شيء.
كانت الخشخشة التي يصدرها احتكاك ثيابهما وتماس جلد أيديهما بالحديد الصدئ يقطع الصمت في كل لحظة، وربما كان ذلك السبب الذي جعل يوردان لا ينطق بحرف للآن.
كانَا ينزلان منذ وقت طويل، ڤادال أصابه التعب، وذراعاه غدتَا ترتعدان تحت وطأة الجهد المبذول لأجل التمسك بالدرجات، يوردان لم يقل أي شيء عن موعد الوصول، أو عن المكان المُبتغى، وذلك لم يساعد في تحسين مزاج ڤادال بأي درجة.
ثم، في لحظةٍ فقدَت نفسها بين طيّات الوقت الذي غدَا شبحيًا على نحو مثير للهلع، كان يتناهى لأذنيه صوت نائٍ في البعد، بعيد جدًا حد أن ڤادال لم يصدق أذنيه لوهلة، ولم يستطع التوقف والإنصات أيضًا، لو أنه فعل، كانت أصابعه لتُسحق تحت قدمي يوردان.
كان صوت انهيار، تحطم وربما ارتطام أيضًا، ولم يتوقف إلا بعد حين، وقتذاك وجد ڤادال الفرصة الملائمة لكسر هذا السكون اللا متناهي وإشباع بعض من فضوله الذي لم يتبلور في سؤاله الهادئ والمختصر بقدر ما أمكنه « ما هذا؟ »
« من الأفضل ألا تعرف. » التمس ڤادال في الإجابة الخافتة المرفقة بأنفاس سريعة خفيضة، واحدة من الابتسامات الكثيرة التي اعتاد رؤيتها على وجه أخيه، وقلّب عينيه على ذلك.
بعد الكثير من السنوات، وإن حدث يومًا وسُئل عن يوردان، فلن يتذكر أي شيء عدا ابتسامته الألطف من أي شيء رآه حتى الآن، والتي سترافق ذاكرته لوقت طويل لاحق.
« حقيقة أني لا أسأل، لا تعني أني لا أريد أن أعلم. » أردف ڤادال بهدوء بينما يتحسس بقدمه الدرجة التالية لينزل بسلام، ودَسّ له رسالةً بين ثنايَا أحرفه الهادئة، أن ما يزال أمامنا حساب طويل لتصفيه.
من موقعه في الدرجة الثالثة أعلى من ڤادال، رمقه يوردان بنظرة جانبية كأنه يراه، مرفقة بابتسامة تكاد تصل لأذنيه، كان يعلم أنه في نقطة ما ڤادال سيرغب في أن يعلم، ويجاري الأحداث، مهما تأخر الوقت الذي سيسأل فيه، فهو سيأتي.
وقد اقترب كثيرًا على ما يبدو.
« لا تقلق. الأجوبة ستأتيكَ وحدها بعد حين. »
أنت تقرأ
الليل آتٍ!
Fantasiaكُتبت النهايات منذ قِدم بحبر من دم ونار، ومن كتبها يسير متبخترًا بين البشر كأنه فرد منهم وبينهم وُلد، وما خلفه وأمامه إلى الهلاك أُلقي. ثم، من رحِم الأساطير المطموسة انبثقت الحقائق المكشوفة، بهيئة الحياة قدِم الهلاك، المأخوذ مُسترَدّ، الكذب صُدق، وا...