2: الجُثة تتنفّس

151 26 112
                                    

حاسوبه كان مطفَأً.

كان الدوام قد بدأ منذ وقت طويل، مع ذلك كان فصله وككل مرة في هذه الحصة، أقرب لمقهى شعبيٍ مُتخَمٍ بالهمج مِن فصلٍ دراسيٍّ حضاريٍّ ومنظم، والسبب عالِق في الموقع نفسه منذ سنوات للآن.

حصة الإعلاميات تكون دومًا، ومنذ أعوام كثيرة، مترَعة بالكثير من الفوضى وانعدام التنظيم، حتى أن الإدارة نفسها استسلَمَت عن جعلها مكانًا حضاريًا للهمجيين الذين يدَّعون أنهم طلاب.

ببساطة لأن أستاذ الإعلاميات، وكما هو معروف عنه، يملك سجلًا حافلًا بالتأخرات وخرق القوانين المتعلقة بالوقت حتى أنه فقَع مرَّارات الطلاب والإدارة معهم. مع ذلك ورغم كل انعدام انضباطه، فقد كانت هذه المرة الأولى التي يتأخر فيها عن إحدى حصصه لأكثر من خمسٍ وأربعين دقيقة.

« إلهي ألهِمني الصبر. »

شكَّل صوته شديد الخفوت انعكاسًا لنفسيته المضطربة غير المستقرة حاليًا، إذ كان قد بلَغ مرحلةً متقدمةً من السأَم والقنط المبرران تمامًا لكن غير القابلان للتعامل.

التحديق في شاشة حاسوبه المطفأة ودحرجة القلم عشوائيًا بسبابته وإبهامه فوق سطح الطاولة غدَت أشياء مملة لفعلها في مرحلة ما، لكنه مع ذلك لَم يتوقف عن القيام بها بينما يستلهم القليل من الصبر من مكان ما لبلوغ نهاية اليوم بسلام.

كان الوضع في فصله طبيعيًا بالنظر لطبيعة زملائه الذين كانوا هم أنفسهم لثلاث سنوات للآن، طلابٌ مجتمعون في مجموعات متفرقة مع العديد من الأحاديث الجانبية، ما لا يُحصى من النقاشات والكثير من الثرثرة إلى درجة أصابته بالصداع.

وهذا بالضبط لَم يكن جوَّه، هو يحتاج إلى الهدوء والكثير من الصمت والانعزال، أما الموقف الاجتماعي حيث حُشر منذ أربعين دقيقةً للآن فإنه لا يفعل شيئًا عَدَا إصابته بالغثيان وجعلِه يتكلم مع نفسه هامسًا كمريض عقلي.

« ما الذي حصل لعقلي حتى أحضر هذه الحصة بحق؟ » قلّب عينيه على الغباء غير المبرر الذي يصدر منه أحيانًا.

كانت قاعة الإعلاميات واسعةً على نحوٍ غير ضروري مع نافذتين كبيرتين على كل جدار، وثلاث طاولات خشبية طويلة موزَّعة على ثلاثة جدران من أصل أربعة تموضعَت فوقها الكثير من الحواسيب.

مقعده كان جزءًا مِن الطاولة المقابِلة للباب والمحشورة أفقيًا بين الطاولتين المتوازيتين، لذلك كان ظهره مقابلًا للتجمعات المثيرة للغثيان حيث يندمج زملاؤه قلبًا وقالَبًا في الخلف، وهو شيء كان شاكرًا له حاليًا.

لَم يكن الأستاذ سيحضر قريبًا على ما يبدو، لذلك شبَك ذراعيه على سطح الطاولة البرّاق ثم وضع رأسه جانبيًا عليهما، وكان يستعد لأخذ غفوة قصيرة ريثما ينتهي أيًا كان هذا عندما أحسَّ بيَد تصفع ظهره بقوة ربما فصلَت فقرات عموده الفقري وهشمتها.

الليل آتٍ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن