« لقد تمّ التخلي عنا. »« تَمّ التخلي عنا فعلًا إذًا، لَم تكن مزحةً سخيفةً منك! »
« ما خطب عقلكَ يا أحمق؟ مَن سيمزح في أمر كهذا؟ »
« لا أعلم، الكثير من الأشخاص، أنتَ مثلًا؟ »
كان الوقت مساءً، غرَس الغَسَق أنياب ألوانه الباردة في صفحة السماء المائلة للدجنة منذ وقت، لذلك كان من الطبيعي أن تفرُغ المدرسة كليًا منذ أن جرس الحصة الأخيرة قد رنَّ قبل عشر دقائق تقريبًا.
الممرات الواسعة خافِتة الإنارة كانت خالية، إلا ممرًّا واحدًا يجوبه شخصٌ واحدٌ عرقلَه الإنهاك عن الإسراع في العودة لمنزله، شخصٌ لَم يكن محظوظًا جدًا في أي وقتٍ مِن حياته، " ڤادال".
في ممر الطابق الإدراي الخالي ذو الإضاءة الساطعة أكثر ممّا يجب، كان ڤادال يسحب قدميه المتآكلتين ويجرجر حقيبته الثقيلة خلفه. عمليًا كان واعيًا ومدرِكًا لِما يحيطه، لكن خلايا دماغه المسؤولة عن التفكير كانت تالفةً تمامًا.
إذ أنه كان عاجزًا عن إنتاج أفكار منطقية تتيح له تحليل الأصوات المنبعِثة بصوت عالٍ، من المفترض أن يكون همسًا من غرفة الأساتذة التي لَم يبلغها بعد.
كان أحد الصوتين مألوفًا، وأحسّ ڤادال كما لو كان يعرف صاحبه معرفةً يقينية، لكنه على الرغم من ذلك لَم يستطِع منحه هيئةً وهويةً في عقله المتقلقل.
« هل تأخذ الأمر بجدية أم أنكَ فقط تستمتع برفع ضغط المخلوقات حولك؟ » الصوت المألوف تردَّد بين الجدران بنبرة مستنكرة أكثر منها مستفسرة، ومهما نقّب ڤادال وبحث بين طيَّات ذاكرته، لَم يسطِع أن يجد هيئةً ثابتةً لِمن يكون صاحب الصوت.
والرد على سخريته المبَطنة أتاه فورًا متقوقعًا في صوت مسترخٍ أكثر مِمَّا كان يستطيع أن يستكمل وقتئذ.
« هيا، واضح أني آخذ الموضوع بجدية ، أنتَ المتعصب أكثر من اللازم. »
لَم يعرف ڤادال بعد ذلك إذا كانَا قد توقفَا عن الكلام أو أنهما فقط خفّضَا نبرات أصواتهما التي كانت مرتفعةً بشكل مسموع لأي أحد يجُول في الرواق، وأيًا كان الخيار الصحيح، فإنه لَم يعد يسمعهما، ولَم يهتم ليفعل أصلًا.
ذلك أنه كان في مرحلة متأخرة من الإرهاق الذي لَم يُتح له الاهتمام بأي شيء حوله حاليًا، الشيء الذي دفعه ليتابع سيره المُتململ ملاصقًا للجدار وساحبًا حقيبته خلفه.
كان يشعر بالإنهاك أكثر من أي وقت مضى مؤخرًا، لا يذكر أبدًا أنه كان هَشًا جسديًا للحد الذي يجعله يجر حقيبته خلفه بدَل حملها، أو للدرجة التي تدفعه للاستناد على الجدران كي يسير كالخلق في أي مرحلة من مراحل حياته.
متى بدأ هذا؟ ليس لديه أدنى فكرة.
« هل سأموت؟ » في خَضم سيره المتعثّر، قرَّر فجأةً أن الزمان والمكان مناسبان جدًّا لبعض الكوميديا السوداء التي لن يضحك عليها أحد، متناسيًا حقيقة وجود مخلوقين يتناقشان داخل القاعة التي تبعد عنه مسافة خطوتين بالكاد.
أنت تقرأ
الليل آتٍ!
Fantasíaكُتبت النهايات منذ قِدم بحبر من دم ونار، ومن كتبها يسير متبخترًا بين البشر كأنه فرد منهم وبينهم وُلد، وما خلفه وأمامه إلى الهلاك أُلقي. ثم، من رحِم الأساطير المطموسة انبثقت الحقائق المكشوفة، بهيئة الحياة قدِم الهلاك، المأخوذ مُسترَدّ، الكذب صُدق، وا...