4: حُصون العائلة

107 20 57
                                    

عندما استيقظ ڤادال، كانت ساعات ما بعد منتصف الليل قد عانَقت أطراف العالَم وقطَنَت أوساطه مُحمَّلةً بالكثير من الدُّجنة، الظلام والبرد الذي لا ينتهي.

آن فرَّق بين أجفانه فاتحًا عينيه، استقبلته الردهة بمصابيحها المُطفأة وعتمَتها الدامسة التي شقّها نور مرتجف أصفر منبعث من باب المطبخ، وبعَثَت في عُمق جوفه شعورًا غير مألوف بالخوف الممزوج بالكثير من البرد.

« خاصية الانتقال الآني غير مفعلة الآن إذًا. » تمتمته الخفيضة التي تشعّبت فيها آثار الونَس والسخرية من كل شيء غير معقول بدأ يقتحم حياته، كادت تجعله يضحك.

عندما انحسَر بعضٌ مِن خَدَر النوم عن أطرافه، شعَر بغطاءٍ ثقيلٍ مُتمَوضعٍ على جسده، وقاه شرَّ بردٍ لَم يكن ليشعر به فعلًا. ولسبب ما وجد ڤادال تلك المبادرة غير المتوقَّعة مِن شخصٍ معينٍ وجدَه داخل بيته قبل لا يدري كم ساعة، مثارة سخرية لَم يكن سيمَل منها قريبًا.

« يا لَرقة قلبكَ ورهافة مشاعرك! » هذه المرة، ضحك بصوتٍ ساخرٍ مكتومٍ على نكتَتِه السمِجة، ذلك أنه حقًا كان يتساءل عن مقدار العاطفة التي قد يحوزها مقتحم منازل ما ليدفعه لتغطية الشخص الذي اقتحم منزله والذي كان غبيًا كفايةً لينام له على الردهة كأنه في حضن أمه.

« ماذا لو كان قاتلًا متسلسلًا ما؟ » كان السؤال متأخرًا جدًا بالنسبة للوضع حيث هو الآن، والإجابة كانت واضحةً بالمقدار نفسه، لو أن مقتحم منازل الناس في ساعات الغسق الأولى كان قاتلًا متسلسلًا ما فعلًا، لكان رأسه عالقًا بعنقه بقطعة لحم لا تكفِ لتشبع جروًا.

أو ليس عالقًا أصلًا.

أزاح الغطاء عن جسده الخدِر المُفكَّك تعبًا بأكثر طريقةٍ مرهقةٍ قد يشعر بها أحدٌ يومًا، جلَس على ركبتيه أولًا متهيِّأً للنهوض، ثم استند على الجدار بكَفه السليمة ليقف مترنحًا.

ركبتَاه كانتَا هلاميَّتين كليًا، لذلك عندما وقف بخطواتٍ متداخلةٍ وعضلاتٍ مكدودةٍ كاد يقع على وجهه ويشُج جمجمته وثلاثَ فقراتٍ من عموده الفقري في أحسن الأحوال، لولا أنه كان يستند على الجدار البارد بظهر كفه.

كان عطِشًا، لذلك سحَب قدميه للمطبخ كي يشرَب قبل أن يتَّجه للصالة ليُتمِم غيبوبته التي ستمتد طويلًا هذه المرة. وخطته البسيطة لتحقيق السلام لنفسه كانت ستسير بمثاليةٍ لو أنه كان لوحده في البيت.

لكنه لَم يكن، ڤادال الآن ليس وحيدًا، كان يملك رفقةً لَم يكن ليتوقعها ولو عاش لعشرين عامًا إضافية.

« فقط لندعُ ألَّا نقابله في أي مكان، أريد أن أنام. »

لكنه عندما اقتحَم المطبخ دون مواربة، وعثر على الضيف الذي ليس ضيفًا حقًا والذي لسبب ما كان جالسًا يُلمع نصول السكاكين على طاولة المطبخ مواجهًا للباب بابتسامة واسعة وملامحَ حَبورة، نسيَ مبتغاه من المجيء لهذا المكان أصلاً.

الليل آتٍ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن