1: الجُثّة مِن القبر.

182 25 108
                                    

جسد متفتِت.

على بلاط الرصيف المُلوَّن، استلقَى -ما افترض الفتى- أنه جثة فقدَت روحها توًا مُضرجةً بالدماء، وقعَت من الطابق الواحد والعشرين من شركة العقارات المجاورة تمامًا لحيث كان يسير حتى وقت قريب.

الجسد المُمدد على ظهره والغارق في بركَة دماء ساخنة تتوسع حوله بتوالٍ، كان مهشمًا ومفككًا كدمية قديمة، لكن ذلك لَم يكن مثيرًا للاهتمام بِما يكفي كي يأسر انتباه الفتى، لأنه تقريبًا كان حانقًا على الجثة التي قطعَت طريقه وتركَت قدمه عالقةً في الهواء في منتصف خطوة لَم تُكمل.

لكنه رغم ذلك، كان لطيفًا كفايةً ليمنح الجثة المتفتتة لحظة تأمل صغيرة دون تعابير مميزة، يحدق بفتور بالشعر المُبعثَر الذي ابتَلع لون الدم زرقته الباردة والوجه النضِر لفتى يكبره بأربع سنوات أو خمس ليس إلا، ما زال صغيرًا وكانت الحياة حتى قبل دقيقتين ممتدة إلى اللانهاية أمامه.

كانت ملامحه المُصطبِغة دماءً ما زالت تنبض بحياة تفتقر إليها أمارات الأحياء أنفسهم، فكر الفتى أنه من المحتمل جدًا أن يفتح الميت عينيه الآن ويصرخ ضاحكًا بـ « ألم أُضحكَّ؟ »

كان ذلك غبيًا جدًا لكن غير مستبعَد، فكَّر بينما يُعدل قلنسوة معطفه الأبيض فوق القبعة الصوفية البيضاء التي تبتلع تحتها خصلات شعره.

« لِم كان عليكَ أن تموت أمامي أنا تحديدًا؟ »

قلَّب الفتى عينيه على حظه الذي لا يقف في صفه عندما يحتاجه أن يفعل، كان عائدًا من دوامه الصباحي في المدرسة، ناويًا العودة لبيته بسلام ليتناول غداءه ويأخذ قيلولةً قبل أن يبدأ دوامه المسائي.

وانظر إلى ما حدث الآن! تنبثق من العدم جثة واقعة من سماء غائمة لا شمس فيها، متى كانت السماء تمطر جثثًا؟

كيف انتهى به الأمر هكذا؟ واقعًا من هذا الارتفاع أمام قدميه هو بالضبط دون غيره؟ لِم لَم يسقط أمام شخص سيهلع بالشكل المطلوب ليستدعِ ثلاث سيارات إسعاف وعشر دوريات شرطة؟

كانت أسئلةً تستحق أن يرد عليها أحد ما، لكن لا أحد ما في الجوار ليفعل، لذا تجاهلَها وقرر أن يسأل شيئًا منطقيًا أكثر ...

الآن كانت الساعة الواحدة والربع ظهرًا تقريبًا، في هذا الوقت يكون هذا الشارع عادةً مكتظًا بِما شئت وتمنيت من أنواع البشر الذين يتدافعون ككرات بيسبول عشوائية في كل اتجاه، لذا ...أليس من المفترض أن ينتبه أحد للشيء غير الحي المُتموضِع عند قدميه؟

عندما التَفَت يمينًا وشمالًا مِن باب التأكد أنه في الشارع الصحيح، وجد فعلًا أن الشارع مكتَظ حتى آخر نقطة فيه بالناس مِن شتى الأنواع، حتى أن اثنين أو ثلاثة يمرون بجانبه كل دقيقتين.

الليل آتٍ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن