9: حُدود العالَم

90 14 48
                                    

كيف ينجو الإنسان في خضم نهاية العالَم؟

الإجابة التي يمكن أن يقدمها ڤادال، كانت الحظ وأخ مختل، رغم أنه لم يكن متأكدًا تمامًا من صِحّة الجزء الأخير.

كان ضوء المصباح اليدوي الذي بدأ يصبح خافتًا ما يزال يلتهم الدجنة التي تحاوط معالِم الدهليز، فيُحيلها أكثر وحشة، رعبًا وألفةً أيضًا، وهيكل الصمت لَم يكن يتوقف عن التداعي تحت وطأة صوت ارتطام أسفل العصا بالأرض الإسمنتية التي شوّهتها النتوءات.

في هذا المكان المألوف أكثر مما يمكن لڤادال أن يتقبل، كان كل شيء يصنع جوًا شبحيًا جالبًا للذعر بدرجة ما.

وجد نفسه عند مفترق طرق في نقطة ما، ودون تفكير كثير، سلَك الممر الأيمن، قدمَاه تغوصان حتى ما بعد الكعب في السائل الأسود الذي يغرق الممرات، والألم الذي ينبض في كل عظم من جسده بقوة تجعله يصك أسنانه حتى يكاد يكسرها لا ينفك يذكره أنه ما يزال موجودًا.

ألم الحروق لم يكن موجودًا، لكن ألم عظامه يكاد يقتله، وڤادال لم يفهم لِم كان ذلك.

معطف يوردان كان كبيرًا جدًا عليه لدرجة أنه كان يغوص في المياه السوداء، والحروق على جسده لم تكن قد التأمَت كليًا بعد، كان ممتنًا لأكمام المعطف الطويلة التي خبأَت يديه عن عينيه، لكن الآثار التي ستبقى تطبع جسده لوقت طويل آتٍ كما يخمن كانت تثير قشعريرته بمجرد التخيل.

‹ سأبدو كرجل مرقع. › لم يكن ذلك تخيلًا يسعده مع الأسف.

الجانب المشرق في كل هذا كان أنه لا يشعر بألم جسيم ينبعث من الحروق في جسده، ولولا أنه عاش الموقف بحذافيره قبل أقل من ساعة، لَما صدّق أن لحمه منقشع تحت جلده المتآكل.

« سوء المنقلب هذا. » ڤادال أراد أن يسخر، لكن الألم الذي يغرس أنيابه في جسده المرة تِلوَ الأخرى جعل الجملة لا تخرج إلا كهسهسة خفيضة متخمة وجعًا، وذلك لم يكن يساهم في جعله أحسن حالًا بأي شكل.

كلما اتخذ خطوةً في أي اتجاه، غدَا هذا المكان أغرب وأكثر سوءًا، الممرات تصير أقذر، والسقف يصبح أكثر انخفاضًا، بالتالي، الدهليز كله يغدو ضيقًا على استيعاب ولو جسد واحد مهما كان ضئيلًا، أو بصيغة أدق، ڤادال.

لشخص طويل جدًا، أو لآخر يعاني من رُهابٍ عميق تجاه الأماكن الضيقة، هذا الدهليز سيكون الجحيم في صورته الأرضية، وڤادال الآن وجد نفسه شاكرًا لأنه ليس أيهما.

انعطف لليمين مرةً أخرى، السقف يغدو أقرب حتى يكاد يلامس رأسه، والبلل يتسع على قماش بنطاله وجلده، فيجعله يكره نفسه من أعمق نقطة في روحه.

إن كان هناك شيئًا يكرهه ڤادال أكثر من ابتسامة يوردان حاليًا، فسيكون شعور البلل، التصاق القماش الرطب بلحمه المنقشع وقطرات الماء المنتشرة على أطراف الجلد المحترق حديثًا، ليس لأجل شيء بعينه، لكن فقط لأن الشعور كان منذ وقت لا يذكره، وما يزال للآن، لا يُطاق.

الليل آتٍ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن