السيل الخامس والعشرون

11K 648 92
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
# حدث_بالخطأ
# سلسلة "حينما يتمرد الق در"
    بقلم
# دينا_العدوي
السيل الخامس والعشرون من الجزء الثاني
# رواية
# سيال_العشق
**
من المؤسف أن تخونك توقعاتك في أقرب الناس أليك
ان تنهار ثقتك بمن ظننتهم سندك... أن يتلاشى يقينك بمن أسكنتهم قلبك.. أن تصدمك لحظة اكتشافك أن الجميع يشبهون بعضهم، وما من استثناء بينهم سوى في تفاوت حجم الخذلان...
فقد ظننتك أنتِ الاستثناء الأوحد...اسكنتك قلبي ومنحتك كل ثقتي، فارتبطت بكِ روحي ورأيتك النور في عمري...والضياء لعيني.. فأياكِ وخذلان قلبي...فتحطميه
بكل قسوة...
**
يقود سيارته شارد الفكر بها، هكذا صار حاله في الأونه الاخيرة دائم الشرود بها،  صورتها لا تفارق خياله،  يراها في كل مكان حوله، فقد اشتاقها حد الجحيم وشوقه لها يوازي غضبه منها، كم يتمنى ايجادها واحتضانها بقوة ومعاقبتها كذلك على غدرها به بعدما عشقها ومنحها مقاليد قلبه لتخذله وتتركه بعدما باتت هي سر العيش، فآه لو يجدها ويطمئن قلبه عليها، من ثم ينتقم منها على وجع قلبه منها!..

وكأنها خرجت من أفكاره لتتمثل أمامه، فقد ظهرت لهُ من العدم، جحظت عيناه صدمه يضغط على مكابح سيارته في آخر لحظه وقد كان بصدد دهسها وخسارتها ألى الأبد، فردد اسمها بهلع وهو يستوعب حقيقة تواجدها الأن أمامه، ليراها تفقد وعيها ويصطدم جسدها بالأرض، ترجل من سيارته سريعًا ولسانه يردد اسمها بلوعه.. بشوق.. بقلق ينهش حنايا القلب...
وفي لحظه كان ينحني بجسده، يتلقفها بين ذراعيه وهو يحثها على أن تفيق وتطمئن قلبه الذي انفرطت عقاد نبضاته هلعًا عليها، ليأتي ذاك الغريب وينحني موازيًا له ويهتف بما قال...

لم تكن مجرد كلمات ألقت على مسامعه، بل سهام مغموسة بسمًا فتاك اخترقت قلبه، فأمتزج السم بدمه وبدأ بالانتشار في سائر جسده عبر شرايينه يفتك به ويهلكهُ...
غضب عظيم تبخر من كل أنشًا به...غضب طل من حدقتيه وهدر به فاهُ، مستنكرًا ما قال وهو يهب واقفًا بعدما تركها موضعها، يهجم على الاخر بكل غضب وعنفوان، يمسك به من ياقة قميصه هادرًا:-
  - سمعني كده بتقول إيه يا روح أمك!.. مين دي اللي حبيبتك وكنتم سوا...
ارتعد الرجل بوجل وهو ينظر الى شراسة ملامحه التي أنبهته أنه اخطاء فيما قال أو الاصح في هوية الشخص الذي أخبره بتلك الكلمات الخادعة، فيبدو أنه يعرفها جيدًا وقد أوقع بذاته في الهاوية، فقرر إنقاذ ذاته في الحال ومد يديه بجيب بنطاله يخرج ماديته ليباغت الاخر المنشغل بتعنيفه بالهجوم عليه بها لهيًا اياه بكلماته السامه:-
  - زي ما سمعت  كانت معايا كل الوقت دا.. في حضني كمان...
فزمهرت عيناه غضبًا وغلت الدماء بعروقه حتى كادت ان تذيب جدران تلك العروق وهو يسمع لما يلقى عليه الاخر من كلمات..
فاستغل هذا ونجح بأخراجها، وبكل قوة كان يطعن بها في جانبه الأيسر...
وعلى آخر لحظه كان قد تنبه له، فأمسك بيديه يمنعه من رشقها به، لكن الآخر كان قوي وعنيف، يصر على جرحه،  حتى لامس جانبه الايسر نصله الحاد وقد نجخ في جرحه،  فأسرع ركان بضربه برأسه ناطحًا اياه بقوة في وجهه مما جعله يترنح مبتعدًا فاقدًا لتوازنه والدماء تسيل من آنفه، للحظه واثنان حاول فيها التوازن كما كان حال ركان الذي جرح لكن ليس بقوة،  ليتخذ قراره بالهرب مسرعًا من أمامه مستغلًا جرحه الذي تسبب به وانشغاله بتلك المغشي عليها فلن يتبعه ويتركها،  وبالفعل كان لهُ هذا وكاد ركان ان يتبعه،  يراه وهو يركض ألى سيارته ويصعدها،  لكنه تراجع عن ذلك من أجلها عائدًا أليها  وبغضب مكبوت حملها ألى  سيارته وأستقلها عائدًا بها ألى  المنزل متناسيًا جرحه الذي بدأ ينزف،  لكن ما يدور برأسه من أفكار الأن  يطغي على أي الم بجسده فهي تفتك به من الداخل....
**
مر الاسبوع سريعًا،  فهكذا تكون الأيام الحلوة، وتلك لم تكن أيام حلوة فقط بل كانت أيام غرق بها بالعسل مع أميرته،  تلك التي سلبت منه عقله وقلبه بنعومتها ودلالها الفطري وغرامها له،  غرامها الذي طالما تمنى الشعور به،  فكانت النتيجة أنه ما أن وجده، حتى تمسك به بكل قوة وتوله بمن منحته لهُ...
استقبلتهما صافيه بنظرات اعين يطل منها الخجل،  لما تسببت به من ألم لكلاهما،  فقد تداركت عظيم خطأها في تلك الايام السابقة التي رأت فيها سوء حالة أبنها،  فأدركت ان ما يحتاجه هو وجودها وحبها، لا شيء أخر وأن كان الولد..
أبنها الذي صبر على نيرة لسنوات عدة ولم يشتكي رغم أدراكه بانعدام مشاعرها لهُ، فما بالهُ بمن تعشقه وتمنحه كل هذا الحب،  لذا ليس عليها إلا  الرضوخ والقبول بما قُدر لهما،  مكتفيه بالدعاء لهما بصلاح الحال وان يمن عليهما الرحمن بالذرية الصالحة، لذا حاولت اظهار ترحيب ب جود، لتُعلمها بتقبلها لها،  وبالمقابل لم تكن نظرات جود تحمل لها ضغينة ابدًا بل وللعجيب كانت متفهمه،  مدركه تمامًا لسبب فعلتها  وهي تمني سعادته وحصوله على كل ما يمنحها لهُ،  أو لم تفعل هي وغادرت من أجل منحها لهُ ظنًا انه هكذا يجدها،  فما بالك هي والدته،  والتي يكمن بقلبها أعظم وأكبر حب قد يكون بقلب أحد لهُ...
لذا مر استقبالهما على خير دون عتاب أو حقد،  بل طوت كلًا منهما ما حدث بالماضي وكأنهما عقد اتفاقًا صامتًا بهذا، 
ثم صعدوا للأعلى وحاول أقناعها ان يستقرا بجناحهم السابق،  حتى يتقبلوا كل ما حدث ويتأقلموا على العيش معه، واعدًا اياها بأنهاء كافة اعماله الهامه في تلك الفترة ثم اخذها الى طبيب اخر لبدأ مرحلة علاجها،  حتى لو اضطروا للسفر خارجًا،  سينهي عمله ويتفرغ لها تمامًا، لكنها اعترضت برغبة بقاءها قريبة من غرفة صغير شقيقته كما أنها اخبرته أنها غير مستعدة بعد لتلك الخطوة والعودة للغرفة التي خسرت فيها طفلها، فخضع لها مرغمًا من اجل سعادتها وعادوا لغرفتها القديمة..
وما أن وضعوا حقائبهما بالغرفة، حتى أسرعت بالتوجه ألى  ميار وقد اشتاقت للصغير طيلة هذا الاسبوع،  فأثناء مكوثها بمنزل والدتها كانت ميار تزورها به عدة مرات بطلب من أدم،  مستغلًا تعلقها بالصغير وأدراكه لعدم رفضها مقابلتها،  ممليًا على شقيقته أن تحاول الحديث معها وتلين عقلها وقلبها،  لكنها كانت عنيدة تقابل محاولتها للحديث عنهما بالرفض والاصرار على قرارها، مستمتعة بقرب الصغير الذي لم يتثنى لها لقياه في الايام الماضية التي قضياها سويًا
لينفرط عقاد نبضات قلبها ما ان ضمته ألى صدرها، تستنشق رائحته حتى ملئت رئتيها بها وهي تنظر ألى ميار هاتفه:-
  - تعرفي حاسة كأنه كبر شوية في الاسبوع دا... كان وحشني جدًا جدًا...
  تبسمت ميار وهي تهتف قائلة:-
  - والظاهر أن هو كمان كان مشتاق لك والدليل انه بيسكت فورًا لما تشيليه...
لمعت عين جود فرحه وهي تستمر بالنظر ألى الصغير ومداعبته، من ثم رفعت رأسها أليها قائلة:-
  - طيب إيه رأيك أخده معايا الاوضه نلعب معاه انا وأدم وأنتِ ترتاحي شوية...
  بابتسامة أردفت ميار:-
  - والله عرض ما يتقاله لأ ابدًا.. خاصةٍ اني هموت وأنام شوية...
  امأت لها قائلة:-
  - خلاص هخده أنا وأنتِ ارتاحي..
  وشرعت بالتحرك به ألى غرفة أدم وهي تحدثه كأنه يفهمها:-
  - تعالى معايا يلا نروح عند عمو أدم... اكيد هيفرح كتير لما يشوفك... وهنتسلى سوا..
ثم دمعت عينها بينما تأردف قائلة وهي تضمه أكثر ألى صدرها، تشعر وكأن قلبها يتفتت من شدة الألم الكامن في قلبها والذي لا يتلاشى ابدًا، لكنها فقط تنجح في اخفاءه عن ما حولها، فألم فقدانها لصغيرها لن ينتهي يومًا، سيظل حسرة بقلبها :-
  - تعرف أني كان هيكون عندي طفل صغير وجميل زيك كده.. بس ربنا ما أراد وأخده مني... ولولاك بحياتي ما كنتش قدرت أتخطى الأزمة دي وكأن ربنا طبطب على قلبي بيك....
ثم تابعت طريقها وصولًا ألى الغرفة، التي ما أن دخلتها حتى طافت بعينيها في انحاءها بحثًا عنه، ليأتيها صوت هدير المياه فتدرك مكان تواجده، فتحركت نحو الفراش تجلس عليه والصغير في أحضانها تهدهده حتى يغفا بينما تدندن له أحدى الألحان...
بعد دقائق خرج من المرحاض بعدما تسلل لمسمعه صوتها الشجي واستغرب عودتها سريعًا من غرفة الصغير وقد كان يظن أنها ستبقى ألى ان يجبرها على المغادرة، لتقع عيناه عليها وهو بأحضانها تداعبه وتدندن له، رفت البسمه على محياه لرؤيها، ابتسامه بهتت فورًا وقلبه يتألم لمصير صغيرهما ولابتلائهما ودعا حينها للرحمن أن يغدق عليهما بكرمه وان لا يحرمها من عاطفة الأمومة التي تليق بها..
وأخيرًا انتبهت لهُ، تنظر بذات الابتسامة التي تأثره كليًا وهو تهتف قائلًا:-
  - أخيرًا طلعت.. أنا جبت الباشا السيوفي الصغنن يقعد معانا على ما ميار ترتاح شوية...الظاهر انه كان تعبها جدًا ومسهرها طول الليل..
  اقترب منها وعينيه ما تزال عليها حتى وصل اليها فانحنى يخص وجنتيها بقبلة قبل أن ينحني ويخص الصغير بأخرى كذلك وهو يبتسم له بحنان، فأنزعج الصغير من شعيرات ذقنه وشاربه معبرًا عن انزعاجه بملامح وجهه،  فتوسعت ابتسامتها وهي تصر عليه بحمله، فخضع لها وهو يمد يديه ليتلقفه، شعور غريب يداهم قلبه كلما حمل هذا الصغير، أهو الشوق ألى مشاعر الأبوة لا يفهم، أو لعله ببساطه متأثرًا بما تخبره به عن شعورها نحوه والسعادة  التي تغمر قلبها لدى حملهُ، فيشعر بالمثل هو الأخر، أو ربما هو تأثير الصغير وحقيقة انه ابن شقيقته الصغرى لذا يشعر بأنه ينتمي أليه وبقوة....
لمعت عيناه وطل منها الحنين وهو يتطلع به والأخر منشغلًا بأبهمه الذي يضعه بفمه، فتبسم وهو يبعده عن شفتيه، فأنزعج الصغير وبدأ يموء اعتراضًا، فهدهده بخفه، حتى لا يزيد بكاءه...
**
ولج ألى القصر يحملها بين يديه ودمائه تلوث ثيابه، كان اول من رآه هي سعديه التي صرخت بهلع، فتجمع الجميع أثر صرختها تلك، ينظرون اليه بجزع..
اسرع ظافر يلحق به وهو يهتف بنبرة يغلفها القلق الذي نهش قلبه فور رؤيته لهُ حاملًا اياها قائلًا:-
  - ايه اللي حصل ولقيتها فين؟
تجاهل تساؤله بينما يسرع في خطواته ويهدر به:-
  - مش وقته .اتصل على الدكتور بسرعه...
  ثم اكمل طريقه لأعلى حيث غرفتهما، يلحق به ظافر الذي اخرج هاتفه لينفذ اوامره، بينما تتبعه صافية وسيدرا
**
حينما كان يداعب الصغير، وصل لمسامعه صوت الضجيج بالخارج، فتجلل على ملامحه التساؤل ذاته الذي غلف ملامح جود، فمد يديه لها بالصغير وهو يغمغم بقلق:-
  - في حاجه بتحصل برا.. خدي الولد على ما اشوف فيه إيه!..
  أمأت له تلتقط الصغير منه، فأعطاها أياه وغادر الغرفة ليدرك ما يحدث بالخارج...
**
ما أن فتح باب الغرفة وخرج ليستطلع ما يحدث حتى وقعت عينيه على ركان الذي يتحرك في الرواق حاملًا لأحدهن بين يديه يتبعه ظافر، فخمن فورًا هويتها، فيبدو انه عثر على زوجته المفقودة، لكن ما بها،  لذا تحرك هو الاخر مسرعًا خلفه ليعلم ما يحدث وما بها...
**
في تلك الاثناء كانت تجوب غرفتها ذهابًا وأيابًا والتوتر والقلق ينهشانها من الداخل، بينما تعابير شيطانية ترتسم على محياها، حتى تسلل لمسامعها صوت الجلبة كذلك، لتطرق باب قلبها نبضة هلع وهي تتحرك صوب الباب لتفتحه، شحب وجهها كليًا وانفرط عقاد نبضات قلبها، بينما تجمد جسدها صدمة وهي تطالع ركان يحمل بين يديه زوجته ويتحرك بها صوب غرفته.. تضاعف خوفها، حتى بدى كوحشًا مفترس يتربص بها وهي تنتظر القادم الاسوء...
لتأتيها ضربة أخرى  أوشكت على القضاء عليها،  حينما وقعت عينيها على من تخرج من الغرفة بجوار أدم... صدمة يليها صدمة تفتكان بها، كيف عادت جود ومتى عادت واين كانت هي حينها ولم تعلم كل هذا!، كيف فشلت كل مخططاتها وعادت تلك ألى القصر!، أن كل شيء بنته تشعر به ينهدم فوق رأسها ومؤكدًا كل شيء سوف ينكشف...
بكل عنفوان بدأ قلبها بالطرق حتى كاد يحطم عظام صدرها من شدة الهلع والوجل من اكتشاف الحقائق وخسارة كل شيء..
تحركت بخطوات مثقله، خطوات عجوز كهل لا يقوى على الحراك والوجل يضعفها، بينما دماءها تغلي في عروقها حتى تكاد تذيب جدران تلك العروق من شدة الغضب...

سيال العشق  (مكتمله) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن