بلا ذنب

1.4K 127 246
                                    

دقائق ثقيلة كالدهر مرت على روح أنس المرهقة.. ظل هو فيها صامتًا ساكنًا يلتقط أنفاسه الخافتة بصعوبة بالغة.. آلام صدره المبرحة تزداد شيئا فشيئا في غير شفقه ولا إستجابة ليداه القابضة عليه في توسل أن يهدأ... ارتسم الألم الشديد على تقاسيم وجهه جليًا و أمله بأن ينقذه وسام يتلاشى تدريجيًا ...

قلبه الضعيف لم يتحمل كل تلك الصدمات النفسية
والجسدية التي تلقاها في تلك الفترة الوجيزة.. تسللت دمعة هاربة منحدرة على وجهه وهو يغمض عينيه في حزن واستسلام.. كأنما استعذب ذلك الظلام الذي يتفق مع حالة الحزن والكآبة التي تغلف نفسه وتحيط بكيانه...

وتخلل ذلك الظلام ضوء غريب...أصوات ضحكات عالية لأطفال يلعبون ويتسابقون في فرح... لكنه لم يشاركهم أدنى سرور وهو يراقبهم وحيدًا من نافذة غرفته  ودموعه تنهمر على خديه بانكسار...شعر بيد توضع على كتفه وتربت عليه في حنان ليلتفت إليه بحزن فيتمتم والده مشفقًا " حبيبي أنس..هل تريد مشاركتهم؟! "

هزَّ هو رأسه نافيًا بعكس ما يبطن داخله...فتلك الذكرى المرعبة لآخر مرة حظى بها باللعب مع الأطفال لا تزال عالقة في عقله وكيانه... شعوره بالاختناق وانسحاب روحه.. ألم قلبه الذي اعتصره.. فقدانه لوعيه فجأة في الشارع وخوف أصدقائه الشديد..هو فقد الرغبة بمخالطة الآخرين وانزوى بنفسه وحيدًا..

لم يكن من الصعب على والده فهم ما يجول بذهن صغيره لذا حمله بين ذراعيه في دلال معانقًا وهو يقول" أنس البطل سيواجه والده في معركة كبيرة.. من سيفوز يا ترى؟! "

ألقاه على السرير وبدأ في دغدغه جسده الصغير لتصدح ضحكاته عالية وتملأ أركان المنزل وهو يحاول التملص من أبيه الذي تركه خوفًا على قلبه الضعيف من أي مجهود زائد..

تلاشت ضحكات أنس وهو يمط شفتيه قائلًا "أبي.. أريد وسام.. لما لا يلعب معي؟!.. هل هو لا يحبني؟! "

ابتسم والده مبعثرًا شعره البني الناعم قائلًا " وكيف لا يحب شقيقه الوحيد والصغير؟!..هو فقط منشغل في دراسته يا صغيري...عندما أعود من العمل سألعب معك طويلًا حتى تمل مني "

تقوست شفتيه عابسًا وهو يتذمر " لا تذهب يا أبي.. ابقى معي.. أرجوك.. سأكون ولدًا مهذبًا.. أرحوك.. لا أبقى وحدي "

عاود الأب حمله ووضعه على ساقيه مُقبلًا إياه في حنان " لا أستطيع يا أنس...يجب أن يعمل بابا ليحضر لأنس كل ما يريد.. لكن لدي فكرة جميلة.. سحر تحبك كثيرًا.. ما رأيك أن تلعب معها ريثما أعود؟! "

"لا..لا أريد...لا أريد سحر... أريد وسام!" ألح أنس وكأنما يصر على شراء لعبته ليتنهد والده في ضيق ويبدأ في محاولة اقناعه مجددًا...

ضوء مألوف تسلل فجأة إلى عيني أنس رغم إغلاقهما تلاه صوت أزيز الباب المزعج ليقفز الأمل لقلبه المتهالك.. جاء.. أخيرًا جاء وسام...!

لأجل أنسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن