أعين بنية مُشتاقة كخاصته وحاجبين كثيفين متباعدين...شعر سُكبت القهوة عليه لونًا رغم ذلك الشيب الذي تخلل جوانبه...بشرة حنطية شاحبة تفضح ذلك التعب الذي أنهكه دون رحمة... وابتسامة واهنة تزين شفتيه...يستند بإرهاق بادٍ ومتجلٍ على محياه على عكازه...صديقه ومعاونه الجديد لما تبقى من عمره.. ظهره أصبح منحنيًا بعد أن كان شامخّا ذا هيبة....الحياة انتشلت ما تشاء من وجهه تاركًة خطوطًا و تجاعيد لا تُمحى...
ظلت بندقيتي الآخر تطالعه للحظات متلهفة...انعقدت الكلمات في حلقه لفرط سعادته وتلك المفاجأة السارة أشعرته أنه ليس سوى بحلم جميل تمناه منذ سنوات عدة...ربما أربعة سنوات أو أكثر.. منذ ذلك الحادث الأليم الذي أمضَّ روحه..
نجحت الابتسامة بالارتسام على شفتيه وارتجفت حروفه وهو يمد يده نحوه يتحسس حقيقة وجوده هامسًا " أبي؟!...أهذا أنت؟! "
تدفقت مشاعره في حرارة وهو يسكب روحه معانقًا الآخر الذي بادله في شوق غير مُصدق رغم شعوره التام بجسده بين ذراعيه...عيناه ما تزال متسعة في صدمة والآخر يتمتم بين دموعه التي انسابت حارة على وجنتيه " أشتقت إليك كثيرًا...أنا آسف... آسف يا وسام...تحملت كل شيء وحدك بسببي "
رغم بيان صعوبة لفظه لكلماته وضغطه الواضح على حروفه كأنه يخشى هروبها وفقدانها مجددًا إلا أن وسام شعر بسعادة كبيرة تحتل كيانه وتملأ روحه وهو يستمع إلى صوته أخيرًا...ولكن كيف؟!...هو لم يكن قد إستيقظ بعد من غيبوبته فكيف يقف هكذا ويتحدث أمامه؟!..هل فقد عقله وجُن بنهاية المطاف!
ابتعد يشعر بثقل جسد والده على كتفه وبوهنه ليُسنده بسرعة هاتفًا في قلق " أبي!..أأنت بخير؟! "
جاهد لرسم ابتسامة ضعيفة وهو يستند مُلقيًا ثقله على ذراع وسام مُستغنيًا عن تلك العصاة الجامدة وهو يجيبه بهدوء كعادته قديمًا " بخير.. بخير.. تعبت فقط لإنني لم أسترح منذ خرجت من المشفى...مازال جسدي واهنًا وأحتاج إكمال العلاج الطبيعي "
عاونه على الجلوس على الأريكه خلفهم وركض بسرعة نحو الباب يغلقه...عاد يتطلع مكانه يتيقن من صدق ما يراه ويسمعه.. والده أمامه جالسًا ويشير له بالجلوس بجانبه..
اقترب بخطوات مُسرعة وانحنى يجلس أمامه على الأرض يتأمله عن كثب...لما يبدو الآن أصغر عمرًا وأكثر صبا...اتسعت ابتسامته وهو يمسك بيده بين راحتيه يسأله مُستفسرًا " كيف؟!...كيف هذا؟!.. أقصد أنت بخير.. تتحدث وتسير...كيف ومتى حدث هذا؟!"
بادله الابتسام وهو يجيبه في رضا " حدث كل شيء كالمعجزة...منذ استيقظت وبدأت أشعر بأطرافي وأنني أستطيع تحركيها...كلماتي كانت تخرج ضعيفة غير مفهومة ولكنها تحسنت سريعًا.. رغبت كثيرًا بالعودة وإرادتي كما قال الطبيب كانت الحافز الأقوى...أنا أقوم بالعلاج الطبيعي منذ خمسة عشر يومًا والآن أستطيع السير إلى حد ما كما ترى "
أنت تقرأ
لأجل أنس
Mystery / Thriller«كل ما فُعِل لأجل أنس.. لم يكن حقًا لأجله..!» "القصة فكرتي ولا أحلل السرقة أو الإقتباس " بدأت: ٢٠٢٣/٢/٣ ❤✨ انتهت: ٢٠٢٣/٥/٨ ❤✨