في ظلمات تلك الليلة الحالكة يسير هو بخطوات رتيبة متتابعة.. ببال منشغل عزله عن من سواه.. والذي كان في حقيقة الأمر ليس سوى هدوء أغرقه أكثر في تفكيره...في لومه لنفسه ومعاتبة روحه التي قست على نفسها قبل أن تقسو عليه.. لا يعلم لما منذ أن فتح عينيه هذا الصباح وذلك الضيق يعتريه وكأنما يعتصر أحدهم قلبه بقبضة باردة..
حاول في البدء تجاهل الأمر ولكن ذلك الشعور أخذ يزداد شيئا فشيئًا حتى لم يعد يتحمله.. لم يعد يستطيع سوى التفكير به وبنظراته الراجية له بعدم الرحيل.. مزاجه سيء كذلك هذا اليوم وقد تشاجر مع كرم لأتفه الأسباب.. حتى والده لم يقدر على الجلوس معه ومحادثته لوقت أطول كما أعتاد هو...
اشتدت أصابعه على تلك الحقيبة التي يحملها وابتسامة مترددة قفزت على شفتيه.. أسيعجبه ذلك القميص؟...هو متأكد من أن مقاسه سيناسبه فجسده ضئيل على أية حال.. ولكنه لا يدري ما إذا كان لونه سيروق له!...زاد ذلك من ضيقه فكل شيء يذكره بكم هو أخ سيء ولا يهتم بشقيقه الأصغر..
أطلق زفرة حارة وهو يقترب أكثر من ذلك المنزل الذي هجره أسبوعًا كاملًا معاندًا رغبته المُلحة في العودة...أزعجه كثيرًا عدم اتصال أنس به ولو لمرة وجعله ذلك يُصر أكثر على ما فعله...كان ينتظر اعتذارًا أو تبريرًا على أقل تقدير ولكن ذلك التجاهل ضايقه تمامًا ليزداد عناده أكثر..
رغم أن الوقت متأخر كثيرًا الآن إلا أنه فضل هذا وحرص على تأخير نفسه رغم أن قلبه يترجاه بالإسراع منذ ساعات طويلة...سيضع له القميص بجانب سريره ليراه حينما يستيقظ..سيتصالحان ويحكي له ما حدث وينتهي الأمر...أو حتى سيتنازل هو عن رغبته في معرفة ما حدث وينتظر أنس ليبوح بما في جعبته..
جذبه من شروده في مُقلق راحته صوت ذلك البوق المرتفع ليرفع ناظريه نحوه بقلق شديد عجز هو عن تفسيره...قفز قلبه بين ضلوعه وسقطت الحقيبة من يده دون شعوره وهو يرى ذلك الجسد الذي طار بالهواء على بعد خطوات منه... انتفض جسده بعنف وشعر بتحطم عظامه مع ذلك السقوط الذي أصدر صوتًا عاليًا..
لم يكن قادرًا ومع ظلمة المكان حوله برؤية ملامحه أو معرفة كنهته...لكنه شعر بانقباض قلبه المؤلم والقوي وانطلقت قدماه في غير وعي راكضة وبأنفاس لاهثة وأعين فزعة نحوه...
اقترب أكثر لتتسع عيناه على آخرهما في صدمة وهو يرى جسد شقيقه الذي لطخت الدماء ملابسه وسالت غزيرة قانية من طرف جبهته...شعر بإن قبله كاد أن يتوقف وهو يراه بهذه الحالة.. وسرت رعشة مؤلمة في أطراف جسده وتوقفت قدماه كما توقف عقله وانقطعت أنفاسه.. شعر بدون مبالغة أن روحه قد فارقت جسده لثوان ثم عادت مُلقية داخله ذلك الهلع الذي سيطر بكل قوته على كيانه...
صرخة فزعة رافضة مزقت حلقه وهو يسقط على ركبتيه أمامه في إنهيار ودموعه انطلقت غزيرة على وجنتيه وهو يجذب جسده نحوه بأيد مرتجفة..
وضع رأسه على فخذه ليشعر بحراره دمائه تبلل بنطاله..أخذ يتمتم وبكل لوعة الدنيا وهو يتحسس وجهه الذى شحب بقوة كشحوب الأموات "آه.. آه.. ليس أنس....ليس أنس... آه يا قلبي "
أنت تقرأ
لأجل أنس
Mystery / Thriller«كل ما فُعِل لأجل أنس.. لم يكن حقًا لأجله..!» "القصة فكرتي ولا أحلل السرقة أو الإقتباس " بدأت: ٢٠٢٣/٢/٣ ❤✨ انتهت: ٢٠٢٣/٥/٨ ❤✨