رغم مرور شهر واحد فقط..لا أكثر ولا أقل إلا أنه شعر فيه بكل دقيقة.. وبكل ثانية ثقيلة مرت على روحه المنهكة كالدهر...بات يستثقل ساعات النهار الطويلة ويهرع ليلًا إلى سريره ملتجئًا إلى بضع ساعات يهدأ فيها عقله عن التفكير فيه ويريحه قليلًا..
أمسيات كثيرة قضاها بين دموعه وآلامه...ابتساماته كذلك أصبحت واهنة مزيفة لا تظهر إلا مجاملة لأحدهم..ثقل أنفاسه هو الآن مؤنسه وجليسه الوحيد في هذا المنزل..
هو أصبح هكذا بدونه.. وحيدًا من جديد.. بعد أن اعتاده وألف وجوده...شعور بالاختناق يلازمه وتلك الجدران التي تحاوطه تطبق على صدره كحجر ثقيل.. ذلك المنزل الجديد الذي استأجره ورغم توافر كل ما يحبه به وقربه من البحر إلا أنه لا يشعر سوى بكونه سجينًا بين حجراته الواسعة..
غياب والده كذلك يزيد على الهم همًا...غرف المنزل الخالية سوى منه هكذا تثير جنونه حتى أنها أفقدته السيطرة على نفسه ليلةً سابقةً وجعلت منه مجنونًا يصرخ ويحطم كل ما يرى...
مستلقيًا على ذلك السرير ذو القائم البني القاتم ومُسندًا رأسه على وسادته القطنية.. حبات العرق تتلألأ على وجنته مُلصقة خصلات شعره بجبينه أنفاسه مضطربة متسارعة وصراخ أمه اللائمة يملأ عقله...
شهق في فزع وهو ينهض جالسًا بشفاة منفرجة يلتقط أنفاسه الهاربة وصدره يعلو ويهبط بقوة...تنهد بعمق وهو يفرك عينيه في تعب.. ذلك الرنين المزعج لذلك المنبه ولأول مرة يسعده سماع صوته...
نهض في تأفف يفرك شعره في كسل.. كما يحدث كل يوم سيخرج مبكرًا ويؤخر نفسه عمدًا كي لا يعود إلا بعد منتصف الليل مُنهكًا هاربًا من أفكاره التي تؤرقه تلك..النوم فقط ما يريحه والذهاب لزيارته.. رغم عدم تلقيه أي رد إلا أنه يشعر براحة كبيرة كلما ذهب إليه..
انتهى من ارتداء ملابسه وأداء فرضه وهمَّ بالخروج دون تناول فطوره كالعادة...حتى وإن أراد فالثلاجة فارغة ولا رغبة له بوضع شيء بها...خسر الكثير من وزنه في تلك الفترة الوجيزة واعتماده على تناول وجبة واحدة في اي مطعم او لذلك الطعام التي تحضره سحر معها خلسة عند مقابلتهم..
ارتفع صوت رنين جرس الباب ليقفز قلبه في أمل بين ضلوعه.. هو رغم علمه بعدم إمكانية حدوث ذلك إلا أنه ينتظر قدومه بفارغ الصبر وبكل لهفة...خطواته
تسارعت وهو يقترب من الباب لترتجف يده رغمًا عنه وهو يدير مقود الباب هذا..بهتت ملامحه وهو يراها واقفة بابتسامة مرتبكة بادلها الابتسام وهو يتمتم في خفوت " صباح الخير"
كاد يسألها ولكنها أسرعت بالتفسير قائلة " صباح الخير لك أيضًا...سأذهب لزيارته اليوم.. ومررت لعلك تريد المجيء؟! "
أشاح بوجهة في ضيق قائلًا " ذهبت بالأمس...وانتي أيضًا ألم تكوني موجودة؟!...موعدنا غدًا وليس اليوم"
أنت تقرأ
لأجل أنس
Misterio / Suspenso«كل ما فُعِل لأجل أنس.. لم يكن حقًا لأجله..!» "القصة فكرتي ولا أحلل السرقة أو الإقتباس " بدأت: ٢٠٢٣/٢/٣ ❤✨ انتهت: ٢٠٢٣/٥/٨ ❤✨