أغمضت عذراء عيناها متكأة على كفها ...
رُبما ورُبما ..حائرةٌ هي
من ستسأل إن عادت! من ستأخذ بمشورته...
ستنهرها وتزجرها الرومية إن علمت ..هي لا ترغب بأن ينهاها عنه أحدهم..
لا يمكنها سؤال ليلى ستقتلها بذلك لن تحتمل فاجعة كونها ساحرة تهيم بشيطانٍ هي قربانه..
تستحي من أوس شقيقها وتخجل فكيف ستأخذ بمشورته في شيء كهذا!..
لا أحد سيفهمها..لم يكن أمرًا مقدورًا عليه...
واحرُ قلبكِ ياعذراء مضنية في العشق والكره , مضنية في البر والبحر ..
تنهدت فهمست قائلة بلوعة غرامها: خُذني إليك.
استقامت ثم خطت نحو مضجعها ..اضجعت لتنام كي تهرب من نفسها لكن السهد أرهقها ..
...
مرت ليالٍ عديدة ..يومٌ يتبعه أخر ..تشرق شمسٌ وتغرب حتى أصبحت في يومها الخامس بالسفينة لم تخرج من صندوقها..ولم يظهر لها ..عشر أيام..عشر أيامٍ قد مضت ..
فارغة ايامها ..متكدرةٌ هي..تجوب صندوقها ...تُحصي خرز سوارها الذي لم ترتديه يومًا..
تتفحص خاتمها ثم تقبل حجر قلادتها..
وقفت عذراء لتتطلع من نافذة صندوقها إلى الخارج فإتسعت عيناها..اليابسة!..
رأت اليابسة..تلك حضرموت..
خفق قلبها وارتعشت شفتيها فرحًا ..ماهي سوى أيام معدودة حتى تعود إلى هرجاء..إلى مسقط رأسها!..
أسرعت عذراء بلهفتها تحمل حاجياتها وتجمعهم بقماشتها التي بدت لها فارغة..لا خنجر فقد أحرقه هو ولا كتاب فقد أعاده هو..
تطلعت إلى سوارها ..ليست بحاجته لكنه هدية الرومية لها ..
وضعته بقماشتها لتغلقها ثم وضعت خلخالها وزينة جبينها... بدلت ثيابها فإرتدت جلبابها الأسود ..ثم عمامتها السوداء لتتلثم بها..
الأسود!..كم تحبه !..
حملت سيفها لتضعه عن شمالها..هندمت ثيابها ثم حملت حقيبتها...
ظهرت شيطعونة التي اقبلت نحو عذراء تخبرها قائلة: حضرموت وصلنا إلى حضرموت ياعذراء إنها اليابسة!.
إندفعت عذراء خارج صندوقها ..رأت بأن ربانها كانو ينزلون المرساة فصاحت بأحدهم قائلة:أُسرج لي خيلي واجلبه .
الجارح ..خيلها الحبيب !..
تطلع إليها ميمون من أعلى السفينة ..أظهر إبتسامة جانبية ..يحلق بجانبه عفريته الذي تسائل قائلًا:مالذي تفكر به؟.
قفز ميمون دون ان يجيبه ..وقف أمام عذراء قائلًا:سابتاع سفينتكِ..فلمن ستتركينها بعد رحيلك؟.
عقدت عذراء حاجبيها لِما قاله أيرغب بالسفينة !..
لكنه قال صوابًا لِمن ستتركها ! ..
أومأت له قائلة: و هي لك كما شئت.
أخرج لها ثلاث صرر دنانيرقائلًا:هذا ثمنها وأكثر.
لمعت أعين الربان فهذا مبلغٌ كبير!..
ضيق العازر عيناه ..تلقفها منه ليسمعه يحادثهم قائلًا بصوتٍ جهور: منذ الأن أنا قائد هذه السفينة وقائدكم,من أراد البقاء فيامرحبًا .
ثم صدح صوت بُرهان قائلًا: أنا ووهيب باقيان.
تبعه صوت علّاس ثم ياسين اللذان وافقاه لكن آلمير اعترض قائلًا: أنا لن أبقى,سأعود إلى بلاد فارس .
استدارت عذاء راحلة ..تمسك بلجام الجارح وبجانبها هما يقفان..
وقبل أن تلحقها شيطعونة تطلعت إلى عذراء فحولت بصرها إلى ميمون..
هزت رأسها قائلة تحادث نفسها:انسيٌ وجنية!.. ياللغباء أنا أُفضل الموت وحيدة.
أمسكت عذراء لجام خيلها تجره..يحيطانها تابعاه وشيطعونة خلفها...
خطت حتى ابتعدت عن السفينة...إلتفتت تتطلع إليها لتراها تُبحر ..ستبحر بعيدًا..
السفينة التي شهدت أول مواجهة لها وله...
سفينتها التي شهدت العديد مما كان لها ..معه...
رفعت يدها مُودعة ثم امتطت خيلها لتعدو به..
عادَ إلى هيئتهما ليلحقا بها ...سألتهما عذراء قائلة: يومان أليس كذلك؟.
اومأ امير الجنة مجيبًا قائلًا: في حالتنا ياعاتقة الأسير نعم.
عاتقة الأسير!..ناداها به..تبسمت تتحسس خاتمه..إن قالها سابقًا كانت ستتقزز وتشمئز..
لكنها الأن تحب أن تُنادى بإسمه!...
كم ذكرها الطريق ببدايتها ..من هرجاء إلى العراق ..
إقتربت النهاية ..فما هي فاعلة!..
ستتلقي بإخوتها..لكنها ربما قد لا ترى الرومية..
هي مدللة إخوتها وقبيلتها بأكملها ..لكنهم لن يسامحوها على مافعلته بهروبها ليلًا وحدها ...
شدت لجام الجارح كي توقفه ثم استدارت كي تحادث شيطونة لكنها هزت رأسها متنهدة لتعدو كي تكمل طريقها...
حل الليل سريعًا عليهم ..كانت عذراء قد توقفت عند أحد الوديان لتنزل عن الجارح...
قعدت بجانبه لتقعد شيطونة بجانبها هي ..
العازر وإبن عمه ظهرا بهيئتهما ثم قعدا حولها متفرقان..
جمعٌ غفيرٌ من الناس ..
لا بل من الجان..
كانوا يملؤون الوادي..ضجيجٌ , ضجيج..
ثم صمتٌ مُرعب عاد بعده الضجيج!..
تفرقوا جميعهم ..منهم من تبخر ومنهم من حلق ..
ماجمع بينهم كان الخوف..
الخوف مما سيلحق بهم ان لم يبتعدو عن محيط أتباع الشيطان الأسود , وعاتقته..
إهتاج الجارح لضجيجهم فهدأته عذراء..
هم لا يخشون ذئب الشياطين فقط..بل يخشون أتباعه أيضًا وكل مايتعلق به..
تبخر الإثنان فلم تعد عذراء تشعر بوجودهما..
رأسها ثقيل كذلك عيناها ..كانت نعسة فتوسدت ظهر الجارح ..
لكنها لم تستطع إغلاق عينيها..تخشى عذراء أن تحلم بذلك مجددا ..
شرد ذهنها قائلة تحادث شيطعونة: مامعنى هذا؟..من كان؟..مالذي أراده ولمَ جعلكم جميعًا أوهام لمَ محى حتى جبل كهفه!..ماذا إن كنت قد صدقت كونكم أوهامًا؟..هل كان سينتهي ذلك الحلم ؟..أم أنني كنت ساظل حبيسته حتى فنائي؟.
ثم خبت صوتها وانتظمت أنفاسها دلالة كونها نائمة ..
تبسمت شيطعونة بهدوءٍ قائلة بصوتٍ خافت: سأخبركِ إن كنتُ أعلم..لكنني لا أفعل.
يقظة, جالسة.. تتطلع إلى الأفق ..
حولت بصرها ببطئ إلى عذراء لتحادث نفسها قائلة:لو أنني بمثل عمركِ وأمتلك ملمحًا كملمحك كنت قد تزوجته..ميمون..لكنني لستُ مجنونة مثلكِ ياعذراء ..أنا لا أشبهك في أي شيء..أنتِ صبية باهرة في كل شيء , مجنونة وشجاعة..جسورةٌ كذلك أما أنا فلست سوى قبيحة بشعة و منفية ..أتعجب من كونكِ تبقينني حتى الأن بجانبكِ على الرغم من كوني غير نافعة ..لست أغار منكِ بالطبع بل أنا أغبطكِ فقط ..أغبطكِ كثيرًا.
تنهدت.. ثم عادت لتتطلع إلى الأمام..
تُحرك رأسها يمينًا وشمالًأ ببطئ ..تنتظر الفجر حتى تستيقظ عذراء..لا تحب الخمول.. لا تحب الجلوس كثيرًا ..
بإماكانها أن تحلق لكنها لا ترغب في أن يراودها حلمٌ أخر ولا تكون هي بجانبها ..
فقد تكون حينها نافعة!..
مر وقتها سريعًا ..طلع الفجر ..غردت الطيور .. أرادت إيقاظ عذراء لكنها توقفت قبل أن تفعل عندما رأت غزالًا يتطلع إليها ..
تبسمت ببلاهة قائلة: أنت تراني أليس كذلك؟.
كشرت عن أنيابها ثم زمجرت ليهرب ..ضحكت فنعقت وصفقت ..
أفاقت عذراء التي تطلعت إلى شيطعونة وضجيجها ..وقفت بينما صهل الجارح لتربت على رأسه ..تمغطت ثم زفرت ..بللت ملمحها فإرتدت عمامتها وأحكمت وضعها للثامها ..
إمتطت الجارح لتستمع إلى شيطعونة التي تسائلت قائلة:لمَ لا نوصلك إلى هناك بدلًا من السير هكذا ياعذراء؟.
أرادت أن تجيبها لكنها لمحت رجلًا يتطلع إلى من أعلى التلة يحادثها قائلًا حالما نظرت إليه:أنتِ امرأة!..يبدو لي بأنكِ مسافرة ..هل تسافرين وحدكِ ياصبية؟.
هزت عذراء راسها ثم أجابته : لا, أسافر ومعي إخوتي.
ماهي سوى ثوينات حتى ظهرامير الجنة برفقة العازر يمتطيان خيولًا ليومئ لها الرجل قائلًا وهو يلوح بيده راحلًا: عمتم صباحًا.
....
يقف أمام ست رجال يخبرهم بما رآه يرجوا منهم تصديقه قائلًا: لايمكن لعيناي أن تخطأها..إنها هي عذراء إبنة شاهين ..كانت برفقة رجال إبتاعت مني سفينتي مقابل هذا المال .
أحكم أوسٌ قبضته خوفًا على شقيقته....يعلم هو بأنها حتى وإن كانت برفقة رجال فلن تأتي بشيء يجلب العار لنفسها !..
لكنه يعلم أيضًا بأنها لن تفلت من عقاب هِماد مهما حاول هو ردعه ..أراد قتلها وسيفعلها...
إكفهر ملمح هِماد لما سمعه عن شقيقته التي برفقة ثلاث رجالٍ ..
بقية إخوته كانوا حائرين ..مالذي تفعله في العراق..لمَ قد تذهب إلى هناك! ..ومن أين لها هذا المال !..
أشار خبيبٌ الغاضب لهِماد قائلًا يُحادثه بصوتٍ خافت وحاجباه مقطبان : لأقطعن راس هذا العبد الدخيل..اتى حاملًا معه فضيحةً سيذهب بها إلى قبره !.
ما أن أنهى كلامه حتى لمع حسام خبيب قاطعًا رأس الدخيل ليتدحرج إلى باب الخيمة...
أنت تقرأ
•||عذراء الشيطان||•
Historical Fictionوفي ظلام الليل رأته يبتسم .. لا! كان يزمجر فظهرت أنيابه ثم زأر , إنه غاضب عيناه تقدحان..رباه أتهرب!. لمَ كل هذا الرعب منه .. وقفت بثبات وهي تكاد تخور.. شفتيها ترتجفان لكنها تصر على إظهار ثباتها أمامه .. طرفت بعينها كي تستمجع قواها وقبل أن تفتحه...