بنتُ شاهين

14.6K 375 75
                                    



في قديم قديم الزمان ..
قبل التاريخ وبعد النقش على الحجر..
قبل وأد البنات وبعد انتشار السحر...
في صحراء المدينة العربية هرجاء ...بين الكثبان الرملية ..
بين النخيل ورطبه وبين الجبال الصخرية ..
تلك هناك قبيلة نمر العاتية الباسلة بفرسانها و المُهابة من أعدائها..
تلك القبيلة العزيزة التي لا تنجب نسائها سوى الذكور كأغلبية والإناث بِندرة ..

في خيمة إحداهن هي زوجة الشيخ..
هي رملة بنت الحارث ..إمرأةٌ فذة أنجبت رجالًا ، إمرأة فاز بها شيخ النمور وإنتصر بها على كل الشيوخ .. عيناها كانتا الدعجاء مليحة هي وهيفاء الجسد ...
قد اتاها مخاضها و عن يمينها جاريتها التي تدعى ليلى تحاول أن تهون عليها ألامها ..
لم يكن زوجها الشيخ بجانبها حينها بل كان في رحلة صيد كونه لا يأبه فهذا إبنه الثامن إن كان ذكرًا ...
دلفت احدى الجاريات الى خيمتها وهي تحمل بيدها إناء مياه ساخنة وبرفقتها امرأةٌ بيضاء البشرة بأنفٍ معقوف وشعر أشعث ترتدي السواد وهو يرتديها ..
قالت تلك الجارية وهي تُحدث شيختها مُطمئنةً إياها:لقد أتت القابلة ياشيختنا.
ولكن بدلاً من أن تهدئ رملة وتطمئن صاحت غاضبةً قائلة والألم ينهش جسدها: ماهذه إلا ساحرةٌ لعينة ستقتلني أخرجيها من هنا!.
إكفهر ملمح المرأة ذات السواد ولكنها تمالكت نفسها بالرغم من ان ماقالته لم يكن خاطئاً فالرومية كانت من أعتى سحرة الروم المُهاجرين الى بلاد العرب..
خطت الرومية اليها لتولدها فقاومتها رملة ولكن أطبقت الجاريات على يديها لتصيح بهن ولِشدة ألمها لم تعد تقوى على المقاومة فتركهن  ..
ومضت ثلاث ساعات في محاولة لتوليد رملة المسكينة ..
مسحت العرق عن جبينها فقالت الرومية وهي تحاول بكل قوتها :إن ولادتها متعسرة وعلى هذا الحال ستموت هي وطفلها .
سقط رأس رملة وأغشي عليها حينها ...فظهر القلق جلياً على ملامح الجاريتين وبدأ الحزن يتملكهما واجتمعت بقية الجاريات في خيمة شيختهم وهم يتضرعون للإله أن يُنجي شيختهم وطفلها ...
بعد ساعتين أخرى وبعد انتظارهم ملياً اتى طفلها ..
نهضت الجاريات وهن يتحلقن حول شيختهم فرحات بنجاتها وبطفلها ...
رفعت الرومية الطفل الى الأعلى فنظرت إليها لتتوسع أعينهن جميعًا  وصاحت إحداهن قائلة: إنها صبية..إنها صبية،سيفرح الشيخ كثيراً.
بدأ الهرج والمرج والضجيج وصيحات الفرح تتعالى في خيمة رملة ولم يلحظ احدهم يدها التي سقطت مع رأسها  بعد أن ابتسمت لطفلتها ...
تنبهت الرومية لكونها قد فارقت الحياة فربتت على رأس رملة قائلة وهي تبتسم بدفئ: حسنٌ فعلتِ .
ثم أمسكت بالصغيرة ورفعتها ضامة إياها الى صدرها قائلة بصوتٍ مرتفع ومتحشرج: فلتشهد الرمال والجبال والنخيل والجاريات أنني بذلت مابوسعي لإنقاذ رملة عقيلة شاهين شيخ قبيلة نمرومن سيشهد بغير ذلك فماعلي إلا قتله.

صمتٌ خانق تبعه بعد ذلك نحيب الجاريات وولولتهن ركضن إلى خارج الخيمة يلطمن ويندبن يبحثن عن الشيخ الذي كان مُقبلاً عليهم وهو يحمل بين يديه ثعلباً برياً وماأن توقف متسائلًا عما حدث بصوته الأجش حتى ركضت الجارية ليلى وهي تنتحب وتلطم خديها تُخبره بأن رملة قد وافتها المُنية ...
ترجل شاهين عن جواده الأصيل مُقطباً حاجبيه وذهب مهرولاً الى خيمتها كي يتفقدها ...

•||عذراء الشيطان||•حيث تعيش القصص. اكتشف الآن