الساحرة البدوية

5K 238 77
                                    




مرت سنواتُ عديدة, كبُرت تلك الصغيرة عذراء وأصبحت تبلغ من العمر السادسة عشر...صارت فتاة بجمالٍ لا يقاوم وبرزت معالم أنوثتها كثيراً.. ملكت شفاهٍ كرزية قرمزية مكتنزة وشعرها الأسود المنسدل الذي أصبح يصل إلى ساقيها صار مضرباً لشعراء هرجاء الذين يأتون لرؤيتها ,غمازتيها لدى ابتسامتها كانت تُذيب قلوبهم عشقا , وعيناها الدعجاء الواسعتين كانت مطلب أعتى الرجال...
ذاع صيت والدها شيخ قبيلة نمر من هرجاء الى اليمامة ويثرب ثم الحجاز حتى وصل الى والي احد المدن المجاورة فطلب من شاهين الحلف ليعطيه كل مايريد من جنود...
في الوقت نفسه كانت عذراء تبلغ من العمر الخامسة عشر ورآها مستشار الوالي ليبُهت وجهه من شدة جمالها فبدأ يروي لرجال الوالي في كل مجلسٍ عن جمالها الخلاب وعن جسدها ممشوق القوام وعيناها الباهرتين ثم غمازتيها ومنذ حينها لا يمُر يومها دون أن يتقدم لها على الأقل خمس رجال بمناصب عالية فتردهم عذراء بإشارة منها ليذهبو وهم يجرون أذيال الهزيمة ورائهم وقلوبهم معها...
كانت تُشارك بغزوات والدها وتقود فيلقاً فأيضاً عُرف عنها بأنها بنتٌ صيبيانية قوية لا تهاب عدواً بل تقطع رأسه فور رؤيتها له,وأن لها خبرة في صنع السموم القاتلة حتى أنها قامت بإرسال رسالةً إلى شيخ أحد القبائل الذين رفضتهم وكان يهدد والدها بقتله وخطفها ...فلم يكن فحوى تلك الرسالة سوا أحد سمومها الفتاكة التي قضت على ذلك الشيخ وأنهت أمره بطرفة عين....
وعلى الرغم من أنها فارسة إلا أنها لم تُحب كونها قاتلة...

و لم تكن سعيدة بهذا كله ..جمالها, نفوذها, قوتها ..كلها كانت تُثقل على قلبها ...
مازالت تستيقظ ليلاً بعد نومها وهي تصرخ وتستغيث ...منذ السابعة حتى السادسة عشر ولم يهدأ بالها , لازالت لا تعلم ماهو سر ذلك الخاتم الذي يأبى أن يتخلى عن يدها ..

كانت تبكي كل ليلة لكوابيسها التي لا تتذكر شيئاً منها بعد إستيقاظها...
تسمع همسات تُدار حولها فتلتفت ولا تجد أحداً...حتى أنه ذات مرة قام أحدهم بجرها من شعرها فرفعت سيفها والتفتت ولم تجد أحداً كذلك...
ليلى ,والدها, وإخوتها ...جميعهم قلقون لتلك العذراء التي بهت لمعانها وزال شغفها ...

وقفت وهي تربت على ثوبها وتعدل عمامتها السوداء ثم تنهدت وتحركت بإتجاه خيمتها وحراسها خلفها كادت لتدلف ولكنها توقفت فأشارت للحراس بالذهاب ونادت الجاريات فأتينها هرولةً وهن ينحنون لها منتظراتٍ  أمرها ...دلفت إلى خيمتها وأمرتهن باللحاق بها ثم أردفت قائلة:أين عصير الخشخاش هل جلبتموه؟.
أردفت إحدى جاريتها  قائلة: نعم إنه هنا ياشيختنا.
قالت ذلك وأخرجته من أسفل خمارها ثم سلمته لعذراء وانحنت...
تبسمت عذراء ثم قالت:جيد.. والأن إخرجن ولا تدعن الحُراس يقفون خارجاً.
عارضتها إحدى الجاريات قائلة:ولكن ياشيختنا والدكِ سيغضب منا إن قلنا لهم ذلك!.
قطبت عذراء حاجبيها وتجهمت ولكنها تمالكت نفسها فأردفت: حسناً لا بأس إخرجن فقط ولكن لا تدعن أحداً يدلف الى خيمتي.
أومأن لها جارياتها وخرجن وهن ينحنين ....
وما أن اُغلقت خيمتها حتى خلعت عمامتها ورفعت شعرها ثم كشفت عن ساعديها وربطت وشاحها على أنفها وثغرها..
وبعدها أردفت تُحادث نفسها قائلة: الان قد أريح قلبي قليلاً.
ثم سكبت عصير الخشخاش في جرة مملؤة بنبات الرجلة وبدأت تطحنه بيدها حتى إختلط ببعضه ...
غطت فوهة تلك الجرة بقطعة قماشٍ ثم تنهدت وقامت بفرك الندبة أعلى غمازتها اليمنى وما أن فعلت ذلك حتى جر أحدهم شعرها ثم سمعت صوت ضحكات شامتة تملئ خيمتها دون أن تدرك مصدرها ...
وضعت يدها بجانب قلبها ثم أردفت تحادث نفسها قائلة:أنا أتوهم ...بالطبع أنا كذلك!.
عادت لتحمل الجرة بين يديها كي تخبئها بين صناديق ثيابها ودخلت بعدها ليلى التي إزدادت بدانةً وسُمرة وأصبحت في بداية عقدها الخامس ...كانت تصطحب معها بدر الذي هو إبن هِماد الأول كان أسمراً بعينان دعجاوتين كعينيّ عذراء ,كان يبلغ من العمر ستة أعوام...وما أن رأى عذراء حتى إندفع نحوها وهو يقبلها ويلعب بشعرها لتداعب عذراء أنفه الشامخ بأنفها وهي تقول:نمرعمتك وصغيرها الجميل.
إبتسمت ليلى وهي تراقبها ,لكم تحبها وتحب إبتسامتها الخلابة تُحب كل مابها ...كانت تبكي لبكاء عذراء وكوابيسها  لكنها لم تكن تحتمل رؤيتها بذلك المظهر عندما تستيقظ فزعاً ثم تنتفض وتصرخ فتستغيث كانت تعود إلى خيمتها وتبكي وحيدة ..تبكي حزناً على ماحل بها ولا تعلم ماهو...

•||عذراء الشيطان||•حيث تعيش القصص. اكتشف الآن