التعب؟
مالمغزى منه ، مالمغزى بأن نُتعِبَ أنفُسنا بأيدينا ، مالمغزى بأن نحيا بشقاءٍ إن كُنّا سنستطيعُ حلّ شقائنا بأيدينامالمغزى من كُل هذا ، مالمغزى من وجودي ها هُنا مُتسخًا مِن التعبِ يُبللنُي بسخطهِ كما تبللُ الدموعَ الأوجُه
مالمغزى من هذا البللُ إن كان لايعيدُ الأموات ، ولا يرضي الخلافات ، مالمغزى منه؟
مالمغزى من هذه الحربِ التي لم أطلُب بأن أكون فيها ، أن أكونَ جنديًا بائسًا فيها ، مالمغزى منها؟
هل ستُحققُ لي أحلامي التي تركتُها بالمنزل؟ ، هل ستسقي أزهار الأوركيدِ في الفناء عني؟ ، هل ستُجالسُ شجرةَ الكرزِ رفيقتي الحزينةِ وتحميها في سُباتها بدلًا مني؟
لن تفعل ، لن يفعل أيًا كان لأجلي شيئًا ، لطالما فعلتُ ومددتُ يديّ وضحيتُ ولكنني لم أجد مُقابل
لطالما خبّرتني أمي أن غرسَ نبتةٍ من فعل الخير ستعاودُ عليّ بالمنفعه ، ستثمرُ وستُعينني في ضيقي كُل يدٍ لم أرُدها
لكنني لم أرى ما قد قالَته ، كان كُل شيءٍ من جهتي ، كُل فعلٍ أقومُ بهِ أجدُ خلفهُ ترابُ الإنسحاب
ربما الخللُ مني؟ ، لا أعلم ، ولا بأس رُغم كُل البأس فيني ، لكنني تعبتُ حقًا من السعَي ، مامعنى أن تسعى ولا يُغيِّرُ جريانِكَ شيئًا ولا يُسعفُ شُتاتَ حاجاتك قدر ذرّة
وها هُنا ، في هذه اللحظةِ تحديدًا ، والتي تُشبهُ نهايات الفرح ، نهايةَ أخر صفحةٍ في كتابٍ مُفضّل ، نهايةَ أخرِ يومٍ من الربيع ، نهايةَ آخرِ نظرةٍ من أبي ، نهايةَ أغنياتِ أمي ، ونهايةَ صمتي الذي يُنشأُ شجارًا داميًا مع ذاك الشاحِب ...
كُلها هذه النهايات أكرهُها ، ليست حنونةً أبدًا ، ما يُنهي الفرحَ في نظري لا يكونَ إلا سوءًا لن أتقبّله
حدقتُ بنُدَفِ الثلجِ الذي يتساقطُ بغزارةٍ كستارٍ أخيرٍ لمشهدٍ ملوّث ، أصواتُ بكاءِ الجنودِ العائدينَ معي ، وتذمراتهم وشكواهم
لم يكُن منهم أحدًا فرِحًا ، فنحنُ في لحظةِ توقفٍ مؤقتٍ للحرب ، جميعنا فتيانٌ وشبابٌ جُنِّدْنا جبرًا ، لم نكن نرغب بهذه الحرب ، جميعنا نمتلك أحلامًا وطموحاتٍ دفنتها هذه الحرب العقيمةِ ودنّسها الفقرُ
ربما طموحاتنا فقيرةٌ مِثلُنا لكن أين البأس ؟
نحنُ راضينَ ولسنا مجبرين بها كما فعلت هذه السقيمةُ وأصحابُها بنا
قبضتُ على الوشاحِ بين يديّ أفكرُ بكيف سأنقلُ خبر وفاةِ دَامي لوالدته ... كيف سأخبرها بأنني لم استطع أن أحمي صغيرها ..
أنت تقرأ
بجعٌ وغَسقْ
Historical Fictionفكرةُ الوجودِ ربما لم تكُن صعبةً كما كنتَ تقول ليّ دائمًا ، رُبما لو تعلّقتَ بها فقط ؛ لغدت أسهل لتُدرَس ، لتنمو فيكَ كما نمَت فيني على حينِ غرّة لكننا خائفيّنِ من فكرةِ وجودنا ، أحدنا مُتقبِّلٌ والآخرُ ساخِط ، لذلك سنبقى عالقيّن ، ولن ننجوّا أبدًا...