لِمَ أصبحتُ كائنًا شديدَ الحزنِ وبشدّة الآن ، يتقاطرُ مني التعبُ كما تنزفُ منيّ الأفكار
لوهلة ، تبدلَ جلدي ، إنغلقَ مسامي ، وحُبس هذا الكمَّ من الشعورِ فيني ... يُضللني ، يُرديني بين طُرُقاتٍ لا نهاياتَ لهاغرِقتِ الأرضُ الخشبيةُ من تحتِي... وبدا هذا البللُ أيضًا حزينًا جدًا عليّ ، بدا منيّ ، يسيحُ ويذوبُ من مسامي
إذًا مابالُ هذا الحزنِ العظيمِ يا أنثوس
لم تُحزنك الحربُ كما الآن ، ولم يُذوِّبكَ موتُ الجنودِ من خلفك
حزنتُ كثيرًا كثيرًا وقتها لكنني كنتُ متماسكًا ... والآنلاأعلمُ ما كُل هذا الذوبانِ الهزيلِ الذي يشربُ كُل طاقتي في هذهِ اللحظة ، بدا كشيءٍ كان نائمًا بالأساسِ فيني ... خامدًا بين أوردَتي
ولمّا برُقتِ السماءُ ، تفجّر كُل شيء ، وغدوتُ كائنًا من الوضوح والشعور ، بدا كُل شيءٍ ينزفُ مني بينهم ، فعدتُ وأختبئت
يُطلّ القمرُ على ثقلي بوحشيةٍ يودُ لو يُنيرَ تعبي ، وأنا عاجزٌ أعطيهِ ظهري ، أُخفي عنهُ ماينهشني
جالسُ على السريرِ الدافئِ والذي افتقدتُهُ طوال هذه الفترةِ كما لو أنني جالسُ على أمنياتي ، لكنني مُبعثر ، لم أستطع تجميعي رغم مُضيّ الساعاتِ وأنا بمثل هذا الوضع ، بمثل هذا الذوبان والسكونلم يستطع القمرُ إيجادَ حلٍّ لي وحتى الأغنياتُ التي تُطلقها الريحُ لي ، كنتُ كُتلةً من الأفكارِ المجنونة ، والمشاعرِ المُبهمة ، كنتُ أجهلُ مابيّ صدقًا ، أجهلُني لأول مرةٍ بعد أن كنتُ أحاولُ فِهمي
وبين هذا كُلِّهِ ومضّ في ذهني ، كلسعاتِ الألمِ التي لا تنضب ، لم أستطع إبعاد عينيهِ من دماغي ... ذاك السوادُ الذي أكلَ كُل سكوني ، كيف أهدأ وهو سببُ كُل مابيّ
من يقيدُني الآن هو نفسه ، آسترو ولا أحد غيره...
فكرتُ بكل شيءٍ سيصير ويصبح ، فكرتُ حتى بحياتهِ بدلًا عنه ، لأنني وبحمقٍ الآن مشتتٌ ومبعثرٌ بسببه
لم يكن أبدًا طريقًا لسكوني وهدوئي ، لم يكن بيننا تلك الوعود والإلتزامات ، لم نكن شيئًا لبعضنا ، مابيننا منذ زمنٍ طويلٍ قد تجعد ، كورقةٍ قد احتضنت خربشاتٍ من غضب
ورُميّت في القمامةلم تُقطع ولم تُحرق ، كانت ثابته ، تحملُ وصماتٍ لشجارٍ عتيقٍ وتجعد على بعضه واحتضن ذراته ، ليبقى ، ليُذكرنا أننا لم نكن شيئًا
تنهدتُ أنفثُ رمادًا من صدري ، تراكم كبتًا لما شهِدتُ اليوم
نظراتُهُ الساكِنةُ والتي تعلّقت عليّ ، لمَحتُ شيئًا من الصدمةِ فيها ، هل أفقدتهُ الحربَ كُل هدوئه؟
أنت تقرأ
بجعٌ وغَسقْ
היסטורי בדיוניفكرةُ الوجودِ ربما لم تكُن صعبةً كما كنتَ تقول ليّ دائمًا ، رُبما لو تعلّقتَ بها فقط ؛ لغدت أسهل لتُدرَس ، لتنمو فيكَ كما نمَت فيني على حينِ غرّة لكننا خائفيّنِ من فكرةِ وجودنا ، أحدنا مُتقبِّلٌ والآخرُ ساخِط ، لذلك سنبقى عالقيّن ، ولن ننجوّا أبدًا...