الحنينُ كائنٌ جائعٌ يتغذا على الإنسان ، ويأكلُ لحمَ القوةِ وقلبَ الحريةِ وشعورَ الحياةِ فيناضحيتهُ أنا مذ أن كوّنت نفسيّ ، بدوتُ هشًا حالما يُصيبُني الحنين ، فأنظرُ لظلالي ، أتفقدُني ، أبحثُ عني
فأراه ...
هذا السواد المُحمَّرُ يجري في عروقي ولا أستطيع إيقافهينعكسُ على ظلّي في رغبةِ الأنهار ، يفترسُ ليالييِّ
يمنعني من التذوق ، يمنعني من الشعور ، فأغدو أستذكرُني...
من أكونُ إن كانت ظلاليّ ليست أنا ؟
وذاكَ الخيالُ
بل تلك الحقيقةُ الحنونةُ شديدَةُ التشبُثِ فيني كمرضٍ عُضّال ، كورمٍ لا يُشفى ، خبيثٌ بوزنِ العالم ، يتكأ على ظهري
حينها في صِغَري ، فكرةٌ كنتُ أُرَدِدُهابأنني و هو ... قد تحوَّلنا في نهارٍ أبديٍ ؛ لبجَعٍ شديدِ البياضِ بسبب أِغنياتِ الأمهات التي تُرَددُ لنا في كُل نهارٍ
ببراءةٍ وحُبورٍ وركضاتٌ وابتساماتٌ تتغذا علينا مثلما نتغذا عليها
بنفسٍ وروحٍ خفيفةٍ ، ندورُ حولَ شجرةٍ الكرزِ العملاقةِ قُرب منزله ، وسطَ تجمعٍ عائليٍ حنونٍ ، والرياحُ تنهشُ قمصاننا البيضاءَ المتماثلة
وأغنياتُ أمي وأمهِ المتزامِنةِ وقتها ، هي من حولتنا لبجعٍ كما قرأتُ مرةً في أحد الأساطير
بأن أغنياتِ الأمهاتِ تصنعُ الكثيرَ من البَجعكُنا بجعٌ يطفوا في الهواء ، يُغرقُنا الأبيض ، يزهو بنا كما نزهوا به
ولوهلةٍ لم ألحَظ لها شكلًا
رفيقيَّ الأبيض ، وبجعتي البيضاءُ الشقيقةُ لم تعُد كذلكصارت بجعةً سوداءَ
أتعبَت بياضي ، ومن كثرةِ محاولاتي لضمِّها ؛ تحولتُ لبجعةٍ رماديةٍ ، تُشبهُ الحُزن ، تشربُ الغضبَ وتشتهي السكونَ في بُعدِ نقيضها .و فكرةُ الوجودِ ...
ربما لم تكُن صعبةً كما كنتَ تقول ليّ دائمًا
رُبما لو تعلّقتَ بها فقط ؛ لغدت أسهل لتُدرَس ، لتنمو فيكَ كما نمَت فيني على حينِ غرّة
لكننا خائفيّنِ من فكرةِ وجودنا ، أحدنا مُتقبِّلٌ والآخرُ ساخِط ، لذلك سنبقى عالقيّن ، ولن ننجوّا أبدًا ...
أنا مِنكَ وأنتَ مِن الوجود .
.
أنت تقرأ
بجعٌ وغَسقْ
Fiksi Sejarahفكرةُ الوجودِ ربما لم تكُن صعبةً كما كنتَ تقول ليّ دائمًا ، رُبما لو تعلّقتَ بها فقط ؛ لغدت أسهل لتُدرَس ، لتنمو فيكَ كما نمَت فيني على حينِ غرّة لكننا خائفيّنِ من فكرةِ وجودنا ، أحدنا مُتقبِّلٌ والآخرُ ساخِط ، لذلك سنبقى عالقيّن ، ولن ننجوّا أبدًا...