٠|بَجعْ

2.2K 129 35
                                    






الحنينُ كائنٌ جائعٌ يتغذا على الإنسان ، ويأكلُ لحمَ القوةِ وقلبَ الحريةِ وشعورَ الحياةِ فينا

ضحيتهُ أنا مذ أن كوّنت نفسيّ ، بدوتُ هشًا حالما يُصيبُني الحنين ، فأنظرُ لظلالي ، أتفقدُني ، أبحثُ عني

فأراه ...
هذا السواد المُحمَّرُ يجري في عروقي ولا أستطيع إيقافه

ينعكسُ على ظلّي في رغبةِ الأنهار ، يفترسُ ليالييِّ

يمنعني من التذوق ، يمنعني من الشعور ، فأغدو أستذكرُني...

من أكونُ إن كانت ظلاليّ ليست أنا ؟



وذاكَ الخيالُ
بل تلك الحقيقةُ الحنونةُ شديدَةُ التشبُثِ فيني كمرضٍ عُضّال ، كورمٍ لا يُشفى ، خبيثٌ بوزنِ العالم ، يتكأ على ظهري
حينها في صِغَري ، فكرةٌ كنتُ أُرَدِدُها

بأنني و هو ... قد تحوَّلنا في نهارٍ أبديٍ ؛ لبجَعٍ شديدِ البياضِ بسبب أِغنياتِ الأمهات التي تُرَددُ لنا في كُل نهارٍ

ببراءةٍ وحُبورٍ وركضاتٌ وابتساماتٌ تتغذا علينا مثلما نتغذا عليها

بنفسٍ وروحٍ خفيفةٍ ، ندورُ حولَ شجرةٍ الكرزِ العملاقةِ قُرب منزله ، وسطَ تجمعٍ عائليٍ حنونٍ ، والرياحُ تنهشُ قمصاننا البيضاءَ المتماثلة

وأغنياتُ أمي وأمهِ المتزامِنةِ وقتها ، هي من حولتنا لبجعٍ كما قرأتُ مرةً في أحد الأساطير
بأن أغنياتِ الأمهاتِ تصنعُ الكثيرَ من البَجع

كُنا بجعٌ يطفوا في الهواء ، يُغرقُنا الأبيض ، يزهو بنا كما نزهوا به

ولوهلةٍ لم ألحَظ لها شكلًا
رفيقيَّ الأبيض ، وبجعتي البيضاءُ الشقيقةُ لم تعُد كذلك

صارت بجعةً سوداءَ
أتعبَت بياضي ، ومن كثرةِ محاولاتي لضمِّها ؛ تحولتُ لبجعةٍ رماديةٍ ، تُشبهُ الحُزن ، تشربُ الغضبَ وتشتهي السكونَ في بُعدِ نقيضها .

و فكرةُ الوجودِ ...

ربما لم تكُن صعبةً كما كنتَ تقول ليّ دائمًا

رُبما لو تعلّقتَ بها فقط ؛ لغدت أسهل لتُدرَس ، لتنمو فيكَ كما نمَت فيني على حينِ غرّة

لكننا خائفيّنِ من فكرةِ وجودنا ، أحدنا مُتقبِّلٌ والآخرُ ساخِط ، لذلك سنبقى عالقيّن ، ولن ننجوّا أبدًا ...

أنا مِنكَ وأنتَ مِن الوجود .

.

بجعٌ وغَسقْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن