...استطردت ايمان قولها وهي تخرج مهرولة من الغرفة..
.."..انا جاية ياعمتي ..مسافة السكة ..سلام ..سلام .."..
..هب صلاح واقفا وهو يلوح بيده متسائلا بقلق ..
.."..في ايه ياايمان .."..
..اتجهت ايمان لباب الشقة وهي تشير له بأن يتبعها وهي تصيح ..
.."..عمتي اتصلت بيا وبتقول ان جدي تعب فجاة .."..
..وقفت الخالة تهاني عند باب المطبخ وهي تتسارع بقولها قبل خروجهم..
..".. ايمان ..ابقي طمنيني يابنتي ..ان شاء الله هيبقى كويس .."..
..اغلقت زهرة هاتفها وهي تنظر لوالدها قائلة ..
.."..اديني عملت زي ما حضرتك قولتلي ..اتصلت بابراهيم وبعدها بايمان ..بس تفتكر يابابا لما نجمعهم سوا تاني ..ابراهيم هيسامحها او حتى هي هتلين معاه ..الاتنين اعند من بعض .."..
..هز الجد راسه بالايجاب وهو يعتدل بجلسته فوق فراشه ثم قال ..
..".. يتخانقوا قدامي احسن من انهم يبعدوا عن بعض والفجوة مابينهم تزيد ..اهم حاجة عارفة هتقوليلهم ايه لما ييجوا .."..
..هزت راسها وهي تقول بابتسامة عريضة تفترش وجهها ..
.."..ماتقلقش يابابا .."..
..وبعد اقل من نصف الساعة خرجا ابراهيم ومراد من السيارة بخطوات واسعة ناحية درجات السلم الرخامي العريض باتجاه الباب ولكنهما التفتا للوراء عندما سمعا صوت السيارة التي تقل كل من صلاح وايمان تعبر البوابة الحديدية باتجاههم ..
..تلاقت عيني ابراهيم بعيني ايمان للحظة ليشيح هو براسه مسرعا للداخل ..
..وبخلال دقيقة واحدة كان الجميع يلتف كدائرة حول فراش الجد العجوز ..والسنتهم جميعا تتسائل بوقت واحد عما حدث ..رفعت العمة زهرة ذراعيها كأشارة لتهدئة الجميع وقالت بصوت قوي..
.."..ممكن تهدوا عشان تسمعوني .."..
..جثت ايمان فوق ركبتيها ارضا وامسكت بكف جدها تقبله وتقول بعينين دامعتين ..
.."..مالك بس ياحبيبي ..انا كنت سايباك كويس ..جراله ايه ياعمتي .."..
..اجابتها عمتها والكل يرمقها بترقب ولهفة ..
.."..في صديق لبابا كلمه في التليفون وقاله ان في موقع على النت نشر مقال ذكر فيه تفاصيل قضية الحجر وللاسف كان مكتوب فيه كلام لا يليق ابدا بسمعة بابا وبقواه العقلية ..وللاسف اول ما بابا سمع كدة ..تعب جدا ..بس الحمد لله الدكتور قبل ما يمشي قال انها عدت على خير بس حذرني انه يتعرض لأي ضغط عصبي "..
..وبوجه غاضب اتجه ابراهيم لعمته ممسكا بهاتفه وهو يقول ..
.."..اي موقع دا ياعمتي ..انا هاعرف احاسب اللي كتبه كويس اوي .."..
..تلعثمت زهرة وهي تهرب بعينيها منه تنظر لوجه والدها النائم قائلة ..
.."..متقلقش ياابراهيم ..كمال عمل اللازم والمقال اتمسح قبل ما أي حد ياخد باله وينشره .."..
..ضاقت عيني ابراهيم وهو ينظر اليها متعجبا وغير مقتنعا مما سمعه ولكنه ما ان سمع سعال جده اسرع ناحيته وهو يقول ..
.."..حمدالله على سلامتك ياجدي .."..
..ابتسم الجد وهو ينظر اليه وهز راسه ثم التفت لايمان التي ضغطت بكفها الصغير على يده ثم قال ..
.."..انا الحمد لله ياولاد بقيت كويس .."..
..استقامت ايمان لتجلس بجانبه تقبل راسه ثم قالت ..
.."..كدة ياحج تخضنا عليك.. نت ونتيت ايه بس اللي يعكر مزاجك يا حبيبي ..طوز ياجدي .."..
..قطب جبين الجد وهو يقول متسائلا بتعجب ..
.."..طوز في مين يابنت .."..
..تلكئت بكلماتها وهي تقول مسرعة ..
.."..لا ياجدي لا ..اعوذ بالله .. مش حضرتك اللي طوز ..انا قصدي طوز في اي حاجة تزعلك ..المهم صحتك .."..
..انتبه الجد لصوت غريب على اذنيه يقول ..
.."..حمدالله على سلامتك ياحافظ بيه .."..
التفت الجد لايمان مستفسرا عن هذا الرجل الضخم ..
..لتسرع ايمان بقولها ..
.."..دا خالي صلاح ياجدي ...بطل كبير اوي .."..
.. التفت صلاح لايمان وهو يقول بتهكم ..
.."..انا لازم امشي دلوقتي ياايمان ..نظامك ايه ..هتيجي معايا ولا ......"..
..وبتحفز وصوت قوي قال ابراهيم قاطعا استرسال حديث صلاح ..
.."..ايمان مش هتسافر ..هتفضل هنا .."..
..حك صلاح انفه وهو يخفي ابتسامته ثم قال ..
.."..طبعا طبعا لازم تكون جمب جدها ..بس بردو لازم اسألها .."..
..تركت ايمان يد جدها وهي تنظر بتعجب لابراهيم الذي اشاح بوجهه بعيدا عنها .. اتجهت لصلاح لتقف بقبالته وهي تقول بحزن متشبثة بذراعه..
.."..ماتخليك ياخالي بايت انهاردة وسافر بكرة .."..
..ربت صلاح فوق وجنتها باصابعه وهو يقول ..
.."..مش هينفع ..مانتي عارفة ورايا مشغوليات كتيرة اوي..كلها كام يوم وارجع تاني انا وستك هنية .."..
..التفتت براسها لجدها لتقول ..
.."..هوصله ياحبيبي ورجعالك تاني .."..
..اشار لها بيده وهو يقول لصلاح ..
.."..مع السلامة يابني ..شرفت.."..
..نظر الجد لابراهيم واستطرد قوله بصوت هادئ قوي ..
.."..وصل خال مراتك لغاية الباب .."..
..امتعض وجه ابراهيم ولكنه اشار له بيده وهو يقول بنبرة صوت منزعجة..
.."..اتفضل .."..
وعند باب البيت قالت ايمان لصلاح بحزم ..
.."..زي ما اتفقنا ياخالي ..مش هتسكن انتي وستي لما تيجوا الا في بيتي ..هزعل والله لو قلتلي انك اجرت شقة تانية ..وكمان محدش هياخد باله من ستي الا خالتي تهاني ..ماشي ياخالي ..امين .."..
..ضحك صلاح وهو يهز راسه بالايجاب وقبل ان يجيبها صدح صوت رنين هاتفه عاليا ليردد بعد ما وضعه فوق اذنه ..
.."..ايوة ياعمرو ..الحمد لله ..انا هتكل على الله وجاي اهو ......ايمان ...كويسة الحمد لله ......لا ياسيدي مش راجعة معايا ..حاضر هسلملك عليها .."..
كانت ايمان اثناء محادثة خالها تختلس نظرات لذاك الذي يقف بتأفف بالقرب منهما ..وفجاة تعجبت من تلك النظرة النارية التي كان يخص بها صلاح الذي قال بتهكم واضح موجها حديثه اليها بطريقة مباشرة ولابراهيم بغير مباشرة ..
.."..عمرو بيسلم عليكي ..زعل اوي لما عرف انك مش راجعة معايا .."..
..رمشت ايمان عدة مرات وقالت بصوت خافت وهي تقترب منه ..
.."..مين عمرو دا ياخالي فكرني بيه .."..
..ضحك صلاح عاليا ليستشيط ابراهيم غضبا وهو يصيح بغيظ ..
.."..ماتضحكوني معاكم .."..
..التفت اليه صلاح وقال بصوت بارد عن قصد واضح ..
.."..كان نفسي والله ياابراهيم بيه ..نقعد ونضحك لكن زي مانت شايف ..ورايا سفر ..اشوف وشك بخير .."..
..حاوط صلاح ايمان بذراعيه ثم قبل راسها وهو يقول ..
.."..خلي بالك من نفسك ع بال ما ارجع ..ولو في اي حاجة كلميني .."..
..اغلقت ايمان عينيها وهي تقول ممتنة لوجود صلاح بحياتها ..
.."..ربنا يخليك ليا ياخالي .."..
تأفف ابراهيم بصوت عال بعد ان شعر ببركان غضب يفور داخل صدره عندما شاهد صلاح يحاوطها بذراعيه يبث بداخلها شعور بالامان لوجوده بجانبها..
..شعر ببعض الراحة عندما تصور بمخيلته انه يحطم وجهه بقبضته صارخا فيه.. بانها إمراته خاصته ليس لها حضن حب وامان غيره ..ولكنه تذكر تلك الكلمة التي هدرت بها بوجهه فبلع غصته وتحامل على نفسه ..لم ينتبه حوله الا عندما اغلقت ايمان الباب فاسرع اليها قبل اتجاهها لغرفة جدها ليقف بقبالتها مانعا اياها وهو يسألها بصوت حاد غاضب..
.."..مين الزفت دا اللي بيسلم ويسأل عليكي .."..
..قطبت جبينها وضاقت عينيها وهي تفكر عن مقصده بسؤاله فأجابت ببلاهة ..
.."..تقصد مين مش فاهمة .."..
..لم يدري الا وهو يمسك بذراعها يهزها بقوة ..
.."..انتي فاهمة كويس ..قابلتي مين ياهانم وانتي عند الزفت خالك وناسية انك لسة على ذمة راجل .."..
..اتسعت عينيها بعد ما تخضب وجهها بإحمرار الغضب وصاحت به وهي تنفض ذراعها من براثن قبضة يده ..
.."..هي هبت منك ولا ايه ..انا اشرف من اي حد تعرفه ..انا الاسطى ايمان احمد ..محدش يقدر يقول ربع كلمة وحشة في حق سمعتها .."..
..عاود ابراهيم بإمساك ذراعها مرة ثانية وهو يهدر بها بغضب جعلها ولاول مرة ترتجف داخلها ..
.."..وانتي بتكلميني توطي صوتك ..فاهمة .. ولما انتي زي مابتقولي ..ايه اللي يخلي واحد غريب يسال عنك ..والبارد خالك بيرد عليه كدة عادي ..ماتردددي .."..
..لم تستطع ان تجيبه الا بدموع التمعت بمقلتيها التي كانت تنظر بقوة داخل عينيه ..وقفت زهرة كحائل بينهما وهي تصيح معاتبة لابراهيم ..
..".. ابراااهيم ..انت اتجننت .."..
.. امسك مراد بذراع ابراهيم ليرجع به للوراء قليلا ..
..التفتت زهرة لايمان التي وجدتها تبكي بصمت دون ان تنطق بكلمة ..
..فحاوطت وجهها بكلتا كفيها وهي تقول ..
.."..حبيبتي متخافيش .."..
..أمسكت ايمان بكفي عمتهما وهي تقول بثبات..
.."..انا مبخافش غير من ربنا وبس ياعمتي .."..
..تخطت عمتها لتواجه ذاك الذي ينظر لها بتوعد وعينين تبث شرار الغضب ..وقالت بصوت هادئ ..
..".. روح اسال عني هناك في الحارة اللي عيشت فيها تلات سنين لوحدي..لا حد قدر يقربلي ..واللي حاول وقرب.. ابقى اسال بالمرة كنت بعمل فيه ايه ..انا صحيح لسة مراتك ..بس بتصرف زي اجدعها راجل مش عشانك انت ..لا ...عشان انا كدة ..زي حد السيف بالظبط ..فاهم يابن عمي .."..
..تخطته دون ان تسمع منه متجهة بخطوات واثقة ناحية غرفة جدها ..
..نفض ابراهيم عن ذراعه يد مراد ..واسرع ناحية باب البيت ليخرج قبل ان ينجرف ورائها مقبلا شفتيها التي نطقت بكلمات اثلجت صدره وتوجت عقله بتاج اخلاق زوجته ..
..ضربت العمة جانبي ارجلها ببديها وهي تنظر لمراد وتقول بعصبية ..
.."..وبعدين بقى في جوز المجانين دول .."..
..مط مراد شفتيه للأمام وهو يردد بحسرة ..
.."..وبعدين يا عمتي في موضوعي انا..ياعمتي بليز ..ابو اسيا مش هيوافق على جوازي منها الا لما تيجي انتي وجدي تطلبوها منه .."..
..التوت جانبي شفتي زهرة وهي تربت فوق كتفه وتقول وهي تتخطاه ..
.."..بعدين يامراد ..بعدين ..لما ننتهي الاول من موضوع القضية ..وقصة ولاد عمامك المجانين ..وكمان انت غلطان لما روحت من غير ماتقول لحد ..استحمل بقى .."..
..سار ورائها كالابله .. وقال عندما دلفا داخل غرفة الجد والذي كان يحتضن ايمان ويمسد فوق شعرها مهدئا اياها..
.."..ياعمتي انا غلطان ..بعترف اهو ..بس لو تسمعيني ..بليز يازوزو .."..
..التفت الجد برأسه لمراد وقال ..
.."..في ايه يا ولد نازل زن فوق دماغ عمتك ليه .."..
..انتبه مراد لما اقترفه من خطأ بالغ بفتح موضوع طلب يد اسيا أمام جده قبل ابلاغه فتلعثم أمامه بارتباك وهو ينظر بعينين زائغتين فأجابت زهرة ..
.."..بابا في موضوع مهم بالنسبة لمراد وهو عايز يتكلم فيه معاك .....انا هاخد ايمان معايا تستريح في اوضتها .."..
..رفعت ايمان رأسها عن صدر جدها لتنظر لعمتها التي اشارت لها بإلحاح لتنضم اليها ..قبلت راس جدها واستقامت لتقف وبوجه حزين قالت لعمتها ..
.."..حاضر حاضر ياعمتي ..جاية اهو .."..
..خرجت زهرة من الغرفة متأبطة بذراع ايمان ..تاركة ورائها مراد الذي قال بخوف من نظرات جده الثاقبة ..
.."..والله ياجدي انا عملت كدة عشان متضيعش مني وكماان عشان ......"..
..رفع الجد يده يشير له ان يتقدم ناحيته وهو يقول ..
.."..اقعد ..واتكلم بعقل وواحدة وواحدة ..عشان افهم ..لاني مش فاهم منك حاجة..وساعتها تبقى تحلف وتبرر يابن سمير .."..
..جلس مراد وبلع ريقه بصعوبة وبدأ يروي لجده عما حدث معه منذ اول لقاء به بالطبيبة اسيا حتى اخر لقاء به مع والدها وهو يقول له ..
.."..اهلا وسهلا بيك يابني ..بس الاصول بتقول انك لما تيجي وتتقدم لازم يكون معاك اهلك نتعرف ونتشرف بيهم ..ولا هما مش راضيين عن اختيارك لبنتي اكمنها بنت ناس على اد حالهم.."......
****
.. دلفت ايمان لغرفتها ومعها عمتها التي طبعت قبلة عميقة فوق وجنة ايمان وقالت ..
..".. حبيبتي ...لسة زعلانة من جوزك .."..
..جلست ايمان فوق طرف فراشها وهي تقول بعصبية ..
.."..عمتي الله لا يسيئك ..مش عايزة اسمع كلمة جوزك دي ..اهو كلهم كام يوم وكل واحد يروح لحاله ويستريح مني خالص ..البيه المحترم اللي شك في اخلاقي .."..
..جلست زهرة بقبالتها وقالت وهي تمسك بيدها ..
.."..حد بردو يسيب حبيبه كدة يضيع منه من غير مايحارب عشانه .."..
..رفعت ايمان عينيه تناظرها بغيظ وتقول ..
.."..عمتي احنا مش هنضحك على بعض ..هو مش عايزني ..خلاص رمى طوبتي.. وانتهينا من بعضينا .."..
..رفعت زهرة حاجبها وهي تقول بصوت حاد ..
.."..يعني بتقوليها كدة بصراحة انك خسرتي ..وان اصلي والتشين هما اللي كسبوا بعد ما عرفوا ازاي يفرقوا بينكم .."..
..اسبلت ايمان جفنيها وهي تقول بهمس ..
.."..هو اللي مش عايزني خلاص.."..
..اسرعت زهرة بقولها ..
.."..حمارة .."..
..ذمت ايمان شفتيها باستنكار قائلة بصوت خافت..
.."..عمتي ..الله بقى.."..
..ابتسمت عمتها وهي تأخذها داخل حضنها تهدهدها كطفلتها الصغيرة وتقول بحنو ..
.."..حبيبة عمتك ..ايمان بنت اخويا متخسرش ابدا ..وعارفة بقولك حمارة ليه ..عشان ياهبلة ابراهيم مش بيحبك بس ..دا بيموت فيكي كمان ..بس هو واخد على خاطره منك عشان شكيتي فيه واهانتيه اهانة كبيرة اوي ..ومافيش راجل يرضى على كرامته اهانة بالشكل دا.....يبقى لازم نصلح كل الغلط اللي عملناه ونخليه يرجع تاني ..صح ياموني .."..
..ارتسمت فوق شفتي ايمان شبح ابتسامة وهي تردد بخفوت ..
.."..صح يازوزو .."..
امسكت زهرة بكتفي ايمان وهي تقول بحسم ..
.."..اسمعي بقى جدك عمل ايه عشان ترجعوا لبعض ..وانا هساعدك.. بس لازم تفهمي كويس ايه هو المطلوب منك بالظبط ..ديل .."..
..اجابتها ايمان بلهفة وحماس ..
.."..امين ياعمتي .."..
..رفعت زهرة راسها بإستسلام وهي تقول بغيظ باسمة الوجه..
.."..مية مرة اسالك مين امين دا يابنت .."..
..قبلتها ايمان بقوة وهي تردد بفرحة بزوغ امل جديد بقلبها ..
..".. امين هو الديييل ياعمتي .."..
****
..مر يومان دون أي مواجهة بين ايمان وابراهيم الذي تعمد مجيئه متاخرا كل ليلة للبيت حتى لا يكون مضطرا لمواجهة احد ما يعاتبه او يعنفه لما بدر منه لايمان التي كان يخشى رؤيتها فتضعف ارادة عقله أمام خضوع قلبه المتلهف لقبلة منها تروي ظمئه الذي كاد ان يقتله شوقا ..
..لم يكن يعلم ما يحاك من وراء ظهره سواء من جده او من عمته ومحاولاتها المستميتة لتعليم ايمان البعض عن حياة رجال الاعمال ..
..واثناء تأففه وهو يرمي بقلمه فوق سطح مكتبه ..دلفت ليلى السكرتيرة تتقدم بخطوة وتتأخر بالاخرى ..نظر اليها ابراهيم بوجه ترتسم بملامحه علامة استفهام واضحة ..وصل لاذنيه كلماتها التي رددتها بتلعثم واضح وهي تضع الملف أمامه على سطح مكتبه ..
.."..اتفضل ....حضرتك ..."..
..انتقل بنظره بينها للملف الذي فتحه وقال بتعجب ..
.."..في ايه ياليلى ..مانا مضيت كل الاوراق ..بترجعيه تاني ليه ..المفروض تبعتيه للشئون القانونية والنسخة التانية منه للحسابات .."..
..استقامت ليلى بوقفتها وقالت بثبات ضعيف..
.."..حضرتك الشئون القانونية رجعت الملف وقالت انه مش كامل وناقص إمضة ايمان هانم .."..
..هب ابراهيم واقفا وقال بغضب بعد ضربه لسطح مكتبه بقوة ..
.."..نععععم ..إمضة مين ...يعني ايه .."..
..رجعت ليلى للوراء بعد انتفاض كامل جسدها وهي تشير له مسرعة بقولها ..
.."..حضرتك دي اوامر حافظ بيه .."..
..ضاقت عيني ابراهيم وهو يردد بتعجب ..
.."..جدي .."..
..استقام بوقفته وامسك بطرفي سترته ينفضهما للأمام بعصبية ثم وضع بجيبي سترته الهاتف ومفاتيح سيارته واستدار حول المكتب وهو يقول بصوت حاد قوي ..
.."..الغي كل المواعيد لغاية ما ارجع.."..
..افسحت له ليلى المكان ليخرج وهي تنكمش بجسدها ..فزفرت بأريحية فور اختفائه عن ناظريها ..
..لم يمر الكثير من الوقت ..حتى وجد الجد ابراهيم يميل امامه بجذعه يستند بكلتا كفيه فوق سطح المكتب وهو يقول بغضب مكتوم ..
.."..ازاي بس ...عايز افهم ..ايمان ياجدي ...ايمان .."..
.. هز الجد رأسه بالايجاب وهو يقول ..
.."..ايوة ياابراهيم ..ايمان ..ايمان بنت عمك ومراتك.. واللي هتشاركك كل حاجة ..الشغل والعقود والاجتماعات ..وطبعا كل دا هيكون تحت اشرافك وتعليمك ..بس عينيا هتكون عليكم بردو .."..
..كانت ايمان تنزل درجات السلم والرعشة تسير بجسدها من اخمص قدميها حتى شعر رأسها..فالتفتت ناحية التي تقف تراقبها اعلى السلم ..وقالت بتأفف..
.."..ماتيجي معايا ياعمتي ..الله يخليكي .."..
..هزت زهرة راسها بالنفي وقالت وهي تشير لها باستكمال طريقها ناحية المكتب وهي تقول ..
.."..احنا اتفقنا على ايه ...يالا ياايمان ..وخليكي جامدة قدامه ..يالا حبيبتي .."..
..لوحت بكلتا ذراعيها عاليا وهي تردد بداخلها ..
.."..هي شغلانة منيلة انا عارفة .."..
استعادت ثباتها وبخطوات هادئة دلفت لغرفة مكتب جدها بكامل اناقتها وزينتها البسيطة ..كانت ترتدي جيب اسود ضيق يصل الى ركبتيها ..وقميص احمر حريري يرسم نحافة خصرها وملامح انوثتها بوضوح.. فوقه سترة سوداء قصيرة تصل حافتها بالكاد حتى خصرها .. جلست بأريحية فوق كرسيها دون ان تعير هذا الذي يجلس بقبالتها محدقا بها فاغرا فاهه وعينيه متسعة عن اخرها ويكاد ان ينفجر من غضبه الشديد ولكنه ليس غضبا منها بل من قلبه الذي اذدات عدد دقاته فور رؤيته لها بحلتها الجديدة التي اثارته بقوة..
..نظرت ايمان لجدها وقالت وهي تبتسم بهدوء عكس الاضطراب الذي يضرب اضلع صدرها ..
.."..ايوة ياجدي انا جاهزة زي ماحضرتك قولتلي."..
..كتم الجد ضحكته ونقر بأصابعه فوق سطح المكتب وهو يقول بثبات ..
.."..انا قلت لابراهيم على وضعك الجديد بالشركة وهو هيتعاون معاكي في أي مشكلة ممكن تقابلك لما تستلمي منصبك الجديد .."..
..بوجه ناعم الملامح نظرت ايمان لابراهيم الذي عقد ذراعيه أمام صدره ينظر لها بتوعد قالت بصوت هادئ وثقة عالية ..
.."..اهلا استاذ ابراهيم ..لموأخذة مشوفتكش ..المهم دلوقتي لازم تكون عارف ومتأكد ان كل ما تشتغل اكتر اجرك هيزيد ..متقلقش خالص من الناحية دي ..اسبلوتبي.."..
..فك عقدة ذراعيه وهو يصيح بغضب ..
.."..اسبل ...ايه ....."..
..تلعثمت وهي تنتقل بنظرها بينه وبين جدها وقالت بمحاولة واهية للثبات والجدية ..
.."..آآآآ ..قصدي يعني ..انك متقلقش حقك هتاخده .."..
..هب ابراهيم ليقف ويقول بعصبية ..
.."..لاااااا ..ياجدي من فضلك ..لو سمحت ..المهزلة دي لازم تنتهي ..حضرتك مستحيل تسمح ان واحدة خبرتها زيرو تكون في منصب زي دا .."..
..هبت لتقف هي الاخرى لتصيح امام وجهه ..
.."..ايه اللي خبرتها زيرو دي ..حاسب على كلامك يااستاذ..انت بتتكلم مع الريس بتاعك اللي هو انا ..وكلمة كمان وهخصم من يوميتك انا بقولك اهو.."..
..ضرب جانبي ارجله بكلتا كفيه وخطى بارجاء الغرفة عدة خطوات وهو ينظر للسقف ويصيح بغيظ..
.."..الصبر ياااارب .."..
..اقترب منها بوجه كساه الاحمرار من الغضب والغيظ واشار لها بإصبعه ..فبلعت ريقها بصعوبة من الخوف وهي تتراجع لتجلس بكرسيها تمنع بشق الانفس اظهار رجفتها وارتعاش جسدها وهي تسمعه يقول بصوت قوي حاد ..
.."..لازم تفهمي ياهانم اننا متساويين في المنصب ..وجدك قالي اعلمك ..يعني من هنا ورايح تسمعي الكلمة وتقولي حاضر وبس ..مفهوووم .."..
..اختلست نظرات لجدها الذي يراقب الموقف وبصوت خافت نادت جدها قائلة ..
.."..يا...جدي .."..
..قال الجد بوجه جامد ..
.."..ايوة ياايمان ..لازم عشان تقدري تكوني اد المنصب الجديد انك تتعلمي ..وابراهيم هو اللي هيتولى امر تعليمك ياحبيبتي زي ما اتفقنا .."..
..انتقلت بعينيها بينهما وقالت بامتعاض ..
.."..الامر لله .."..
..استقام ابراهيم بوقفته واشار اليها بيده ناحية الباب وهو يقول بلهجة قوية ..
.."..اتفضلي ياهانم ع الشركة ..الشغل كله واقف على امضة حضرتك .."..
..وقفت أمامه وهندمت نفسها ..ونظرت لجدها تقول بعتاب ..
.."..ماشي ياجدي ..ماشي خليك فاكرها .."..
..ثم التفتت تقول بوجه ترتسم بملامحه الضيق والغيظ..
.."..اتفضلنا ياسيدي .."..
..استدارت باتجاهها للباب لتخرج وهي تدب الارض من تحت كعبي حذائها بقوة..تاركة ورائها ذاك الذي ينظر لها بعينين تريد التهامها مرة واحدة ..ولكنه انتبه لجده الذي همس وبيده يشير..
..".. بالراحة عليها ياابراهيم ..ومتزعلهاش ..هي ممكن مش هاتكون مراتك بعد كام يوم ..بس هتفضل بنت عمك لاخر العمر.."..
..تغضنت ملامح وجهه وشعر بغصة مريرة تخنق حلقه من تذكيره بقرب انفصاله عنها والذي طلبه بلسانه الذي لم يستطع ان ينطق بكلمة ..فلم يجد غير اجابة جده بإيماءة الايجاب والطاعة لما سمعه منه ..
..كان الصمت هو سيد الموقف بينهما وهما داخل السيارة بطريقهما للشركة..تنهدت بصوت عال لكي يسمع لعله يتساءل ما السبب ..ولكنه ظل جامدا بمكانه ينظر للطريق لا يحيد بعينيه عنه ..اختلست نظرة لجانب وجهه التي باتت تعشق ملامحه ولكنها حزنت لما راته ..فقد ايقنت انها السبب وراء جمود ملامحه التي قست وبقوة ..
..تذكرت نصائح صديقتها عزة التي ظلت تلح عليها بان تبدأ هي بمحاولة الصلح ..وان كانت لا تستطيع بطريقة مباشرة فلتستعن بطرق اخرى مثل الاغاني ليصل اليه ماتريد ان تقوله..
..امسكت هاتفها وقامت بتشغيل تلك الاغنية ..لعله يفهم ويدرك ويسامح ..
..صدحت عاليا كلمات الاغنية التي تقول ..
..* ..ياللي اسرني هاجرني ليه ...
..انت فاكرني ولا ايه..
..قل يا حبيبي وصارحني حبيبي..ريحني من اللي انا فيه..*..
..ارتعشت وجنته وهو يضغط اسنانه بقوة حتى كاد ان يحطمها...اغتاظ من نفسه عندما ارتج قلبه من سماع كلمات الاغنية ..ولكنه اعلن العصيان حتى التحرر فلم ولن يرضخ ..فمد يده لمسجل السيارة وقام باختيار اغنية ما لتشغيلها ..
..تهللت اسارير وجهها فقامت بغلق هاتفها حتى تسمع ما سيقوله لها عبر كلمات الاغنية التي قام باختيارها ..والتي كانت تقول ..
..*..مابقاش يناسبك ازعل واحاسبك ..
ايه اللي غاصبك ع العيشة دي واللي بقينا فيه..
متشيلش همي موجود مرمي ..
ماتفوق يا عم انا همشي اقول في الشارع هيييه
..انا هعمل مهرجان مهرجان
وخلاص هنسى اللي كان مهما كان
وحكايتي معاك كان ياما كان
هتعيشها عليا ليه..*..
..فغر فاه ايمان بعد ان شهقت بخفوت ..فضربت المسجل بيدها لكي يصمت تماما وصاحت هي بغضب وعيونها تطق شرارا ..
.."..انت هتعمل مهرجان ياابراهيم ...دا انا اللي هعمل ليلة لأهل الله وهفرق فيها عيش ولحمة يوم مانخلص من بعضينا.."..
..لم ينظر اليها وظل على جموده وقال بنبرة باردة..
.."..وانتي ليه اخدتي كلام الاغنية على نفسك ...عايزة تفهميني انك شغلتي اغنيتك كرسالة ليا مثلا ..."..
..التفت اليها ينظر لها نظرة تملؤها العتب والحزن واستطرد قوله بصوت هادئ..
.."..عايزة ترجعيلي ياايمان ..عايزاني اسامحك ..تعبانة في بعدي عنك يا بنت عمي .."..
..اعتدلت بجلستها فوق كرسيها ونظرت للطريق عبر نافذتها الزجاجية..وهي تردد بخفوت ..
.."..انا مش عايزة حاجة .."..
..ابيضت سلاميات كفه الذي اشتدت قبضته حول المقود من الغضب ..غضب من يأسها الذي استسهلته فتراجعت بعد اول محاولة ..كان يريدها ان تصر على الفوز به ..حسنا سيعلمها كيف تحافظ عليه ..ليهمس بداخله ..صبرا ياابنة عمي صبرا ..
..دلفت للشركة بجانبه فشعرت بقبضة تضرب قلبها ما ان تذكرت ماحدث من مؤامرة حيكت بذكاء لطردها من حياة زوجها التي باتت تعشقه ولكن دون فائدة .......