"الليلة."

237 32 59
                                    

أن يُقتل لك عزِيز شيء مُمِيت في حد ذاته، وأن يرحل مِن عالمك مَنْ تشاركت معه تفاصيلك وحياتك أنه لشعورٍ قاسٍ، فما المعنى مِن حياتك بعد أن يرحل مَنْ كان لكَ أبًا أو ابنًا أو زوجًا أو أخًا أو صديقًا؟ لا شيء، حتمًا لا شيء، يتوقف هذا العالم كثيرًا عند فراقهُ، وتنسى أي ألم سببه لك هذا الشخص، ويكون فراقهُ ليس بهينٍ، بل أنه أسوء من أي شيء.

رحل عاصف عن حياة الجميع فجأةً، رحل ولن يعود مجددًا، ثم وقفت قوى راغب ضده بعد أن علم بهذا النبأ، وقد تَلَى عاصف في رحيلهُ، ليتركوا تلك المملكة تصرخ ألمًا، لفراقهم.

وقف رواد في طَليعة المكان الذي حَفَل بالقوم المُتسائلين عن كيف قُتِل الأمير عاصف، ومَنْ تجرأ على فعل هذا، وكيف لم يتحكم والدهُ راغب في قوته، وهذا ما عاشوا يتعلمونهُ قرن وراء قرن، وحتى يهدأ الجميع بدأ رواد حديثهُ بصوتٍ جَهُوري ورُسوخ يخفي خلفه الكثير والكثير:

- اغتيال الملك عاصف كان صاعِقًا لنا جميعًا، لم يُخيَّل لأحد أنه قد يحدث، فمَنْ يتجرأ على فِعل هذا في مملكتنا، ولكننا سنعلم مَنْ فعل هذا، وسنُحاسبه بل سيدفع الثمن غاليًا، روح مقابل أرواح ولن نرضى بأقل من هذا، مِن الآن وصاعدًا أنا حاكمكم وسأطلَّعكم على كل شيء عاجلًا أم آجلًا، الملك راغب كان له منزلة سامِية في قلوب الجميع هُنا، وقد رحل حُزنًا على ابنه، رحل حُزنًا على أخي الأكبر، فقد السيطرة على قواه وهذا ليس بيدهُ، لذلك لن نتحدث في ما حدث مجددًا بل سنُخطط جيدًا ما الذي سنفعلهُ، ستندلع الحرب وسيرى الجميع ما معنى العبث معنا.

ثم دخل رواد إلى المملكة قائلًا لعمه حسام بنبرة غريبة:

- يجب أن نعلم مَنْ هم قبيلة جَدل، فيبدو أنهم مَنْ أخذوا تلك الروح يا عمي، لقد أخذوا أخي وأبي.

•••

لنعود إلى سِلسلة الأحْداث التي أدت إلى قتل عاصف، بعدما مَرَّ عام على التدريب، وأصبح الجميع مُتأهّب للمُقَاتِلة في أي وقت، وقد بَذَل كلًا منهم الكثير من الجُهد، الآن هم ينتظرون فقط، ينتظرون اللحظة المناسبة، أو ربما ينتظرون اندلاع الحرب.

وقف الملك مُلهم أمام إليانا وأَوْس، جَدل وأُبي، وقد نطق بما خطط له منذ البداية ولم يعلم أحد به سواهم:

- الليلة، سينتهي كل شيء.

كان يعلم ما سيفعلهُ جيدًا، وكان يعلم أيضًا بكل حركة تحدث في مملكتهم، فهو يمتلك القدرة على التَخفّي، وكُل فرد تابِع للمملكة الخَفِية قادر على التَخفّي، وهذا تحديدًا ما يميزهم عن غيرهم، وهو الآن وضع أُبي في المملكة حتى يُعطيه النبأ إن كان المكان مُناسب، وهو الآن على أتم الاستعداد والقرب من مملكة الأَزْرُ، أخيرًا سيُنهي هذا الأمر.

حَلّ مُنتصف الليل وقد مُنِح مُلهم الإشارة من أُبي، لم يُضَيع ثانية واحدة وبدأ في التسلُّل بمهارةٍ، قد اختار مُلهم نفسه لأداء تلك المهمة دونًا عن غيره، لأنه تمرَّس على تلك الأمور منذ زمن، وسيُعلمها إلى جَدل وأُبي أيضًا، كما أنه يمتلك قوة تفوق على جميع مَنْ في المملكة، لذلك كان يجب أن يُقْتل عاصف على يديه.

•〈 المَمْلكَة العَتِيقة 〉•حيث تعيش القصص. اكتشف الآن