وقفت مليكة في الشرفة الخاصة بجِناحها، وقد تأخر الوقت زيادة عن اللازم فأصبح سواد الليل حالكًا للغاية، والنوم لم يكن حليفها تلك الليلة، بل رحل عن عينيها منذ أن استحضرت صورته في مخيلتها، وقد شعرت بالغضب الشديد تجاه نفسها، لأنها ببساطة لا تستطيع تحديد ماهية المشاعر التي تكنها لعاصف، تارة تشعر أمامه بعاطفةٍ جياشة، تارة أخرى تشعر بغضب يُعميها عن كل شيء، تارة أخرى تحسَّ بأنها تمقته بشدة، ثم في بعض الأحيان تشعر بأنها تحبهُ!
أنكرت تلك الفكرة بداخلها وما زالت مُصرة على أنها اعتادت عاصف في حياتها فقط، كان موجُودًا منذ صغرها وما زال حتى الآن، يتحكم في زِمام بعض أمورها رغم أنها لا تنصَاع له وتُعيد عليه الأمر مرارًا وتكرارًا بأنه ليس إلا زواجًا صوريًا وأنه ليس بزوج حقيقيّ لها ولكنه يفجعها بتصرفاته في كل مرة، متناقض هو كما الحال معها، يُعاملها مرةً بكبرياء وثقة.. غرور لم تراه في حياتها في أي شخص، ثم يُعاملها أحيانًا بِرقة بالغة وكأنه يخشى أن تجرحها حروفه، وأحيانًا أخرى يتجاهلها بطريقة تستفزّ كيانها.
ولكنها في كل مرة وفي كل حديث خاضته مع عاصف كانت تعلم بأنه ليس مزاجيَّ، وأن السبب من وراء هذا التناقض أنه يترك نفسه لمشاعره فأما لا ينصاع لها ويُكابر ويظهر بمظهر مغرور أناني، أما أن يفشل مقاومة أحاسيسهُ فتخرج منه كلمات دون قصد تظهر ما في باطنه، وأحيانًا أخرى يتجاهل تلك المشاعر فيتجاهلها معها.
تنهدت بضيق وهي تشعر بمشاعر مُتضاربة تجتاحها، دُمُوع هطلت منها دون أن تشعر، تبكي بقوة لعلَّ يكون هذا طريقة لتخفيف ذلك الآلم القابع بين أضلعها، انتفضت على صوت شقيقتها عِناق وهي تستأذِن بالدخول إليها، سرعان ما جففت دموعها وكأن شيء لم يحدث، كأنها لم تكاد أن تنهار منذ قليل.
- تفضلي يا عزيزتي.
هكذا نطقت بسلاسة فأطلت عِناق بوجهها الجميل، تلك الفتاة لديها مفعول السحر على قلبها، تستطيع أن تبتسم فقط لرؤيتها، تُحبها وكم تُحبها حقًا! أنها غاليتها الصغيرة.
طالعتها عِناق ثم قالت لها بضيقٍ طفولي:
- لا أشعر برغبة في النوم يا أختي!
- وهذا ما تشعر به أختكِ أيضًا.
اقتربت عِناق من مليكة لتسكن أحضانها بهدوء، فتحدثت الصغيرة بنبرة ساكنة:
- ما بكِ يا مليكة؟
ربما تلك الجملة الصغيرة قد تكون قادرة على النبش في جروح قديمة وجديدة بكل قسوة، عندما تشعر أنك على حافة الانهيار ثم يأتيك شخصًا ما ليسألك "ما بك." حينها فقط ستشعر بتلك الرغبة الملحة في البكاء، وبالفعل بكاء حاد أصاب مليكة وشهقات تعلو دون وعي أو إدراك منها، حيث أنها فقط أرادت البكاء في هذا الوقت وقد فعلت لأنها إن كتمت تلك الرغبة بداخلها أكثر فستزداد الأمور سوءًا أكثر مما هي عليه.
أنت تقرأ
•〈 المَمْلكَة العَتِيقة 〉•
خيال (فانتازيا)نحن لا نعرف الإجابات قبل الأسئلة، نحن لا نعرف النتائج قبل الأفعال، أو ربما نعرف ولكن لم نعتقد أن النتيجة ستكون سيئة إلى هذا الحد، فماذا يفعل المرء عندما تتمحور حياته لألغاز حلها في مُنحدر أخر من العالم؟ في مكان مجهول لا يعلم أحد بماهيته. - جميع الحق...