دروس خصوصية

45 6 7
                                    

لا أجيد المقدمات،و في واقع الأمر هذه التجربة تبدو أسخف من أن أتعب نفسي في كتابة مقدمة لذا سأبدأ:حدثت هذه القصة معي في فترة التعايش مع  كورونا.في يوم 15/03 أعلن أول يوم من الحجر الصحي في بلادي الحبيبة،بعد ظهور اول حالة إصابة بالفايرس البغيض امس،أعلنت البلاد مساء امس الحجر الصحي الكامل لمدة اسبوعين لمنع تفشي المرض و بعد انقضاء تلك المدة تم تمديد الحجر لخمسة اشهر .
قيل لي ان ابدأ بتدوين مذكراتي لعلها تساهم في تسريع الوقت كما أني أعاني من وحش الأفكار او كما يسميه الأخصائيون الوسواس القهري و تدوين الأفكار يفيدني نوعا ما.

اووه إعذروني لقد نسيت تماما ان أعرفكم بنفسي...في واقع الامر انا لم انسى أنا فقط لا اعرف كيف ابدأ بأي نوع من انواع الحديث،ليس لاني إنطوائية ،الأمر و ما فيه ان قدراتي الإجتماعية محدودة بعض الشيء أو لكي لا اظلم نفسي "قدراتي في طور النمو".
أسمي آية،عمري ٢٣ عاما،عازبة في عامي الأخير من الجامعة،طالبة حقوق.

كما قلت سابقا،بعد إكتشاف اول اصابة ب كورونا و إجبارنا جميعا على البقاء في المنزل بدأت اشعر بالتوتر بدون سبب يذكر،و كأن حياتي مملة او فارغة نوعا ما...كأن أيامي تضيع دون ان أحقق اي شيء جدير بالذكر؛لا تسيؤوا فهمي،انا ناجحة في دراستي بل و متفوقة إلى حد ما لكن...لا ادري ماذا حدث،لربما هذه اعراض الحجر و البقاء وحيدة لمدة طويلة،اوه نسيت انا اعيش وحدي لأني مغتربة لأجل الدراسة لا أكثر.يكفي مقدمات!يا إلاهي!

بعد أن أخذت اللقاح أصبح بإمكاني الخروج قليلا في أوقات محدد إن كان للعمل مثلا أو للدراسة،و كون الدراسة آن ذاك لاتزال عن بعد لم يكن عندي سبب للخروج و لقد كان أمرا لايطاق حرفيا.أعني أنا حقا كائن بيتوتي لكن مع الحجر و العزلة و الأفكر في رأسي كدت أجن! فوضعت إعلان طلب عمل جزئي على الأنترنت محتواه:طالبة،أجيد تعليم اللغة الإنجليزية للمهتمين...و وضعت بعض المعلومات طبعا كرقم هاتفي...لم أحصل على أي رد لمدة أسبوع تقريبا.وفي أحد الأيام تلقيت إتصالا،كانت إمرأة على الخط و من صوتها بدت كبيرة في السن نوعا ما.أخبرتني أنها رأت الإعلان و أنها تحتاج مدرسة يافعة لإبنها البالغ من العمر 10 أعوام.
ماكنت أستطيع الموافقة إلا إذا قابلت المرأة و إبنها كي أعرف مع من أتعامل ولكني في قرارة نفسي كنت أعلم أني سأقبل العرض و كنت أشعر بالسعادة كوني سأخرج أخيرا من قفصي.أعطتني عنوان منزلها و أخبرتها أني سأزورها بعد الظهر لكي أتأكد من قبولي للعرض.
في الرابعة تقريبا ذهبت للعنوان وقد فوجئة كثيرا،لقد كان المنزل كبيرا و فخما.

قابلتني عند الباب سيدة تبدو في عقدها الستين،بدت أنيقة جدا و تضع القليل من المجوهرات من ما زادها رقة و أناقة.سلمت علي و أخبرتني أنها من إتصل بي،أخبرتني أنها تعيش وحيدة مع حفيدها بعد وفاة إبنها و زوجته في حادث مريع.

أوه نسيت قالت أن إسمها "حورية".سألتني بعض الأسئلة السطحية ك"ماذا تدرسين" و "هل سبق أن درستي أحدا"...إلخ.ما لفت إنتباهي كان المنزل،أعني هو منزل كبير و طبيعي لكن كيف لإمرأة مثلها و طفل أن يعتنيا به،لقد كان نظيفا جدا و مرتبا حتى أن الطلاء كان يبدو جديدا و كما لو أنه لم يسبق أن لمسه أحد!
"تريدين المزيد من الشاي؟"
سألتني بغتة حينما كنت شاردة في أفكاري،فرفضت بأدب.
"أعجبكي المنزل؟"
أجبت بحرج:"نعم..منزل جميل" و إسترسلت:"هل عندك مدبرة منزل؟"
"لا...انا أهتم به"
بدت ودودة وهذا أشعرني بالراحة نوعا ما،فسألتها عن الصبي و إن كان بإمكاني مقابلته،فنادته على وجه السرعةوكان أسمه "حسن" بدا طفلا هادئا و قليل الكلام على عكس الأطفال في عمره.تحدثت معه قليلا وقد كان جيدا نوعا ما في اللغة الإنجليزية بالنسبة للأطفال الذين سبق أن درستهم.نعم نسيت مجددا،لقد سبق أن درست من قبل عندما كنت لا أزال في الثانوية.والدي رجل كادح،وقد رباني على هذا الأمر لذلك بدأت بمحاولة كسب المال منذ كنت في الثانوية.
تحدثت قليلا مع الصبي ثم انصرف،بعدها أكملت الحديث مع الجدة في أمور عامة:الطقس،كورونا،اللقاح...الخ،ثم أخبرتها أني يجب أن أنصرف و أني قد قبلت بالعمل و سآتي مرتين في الأسبوع لدروس "حسن" ثم انصرفت.نعم نسيت مجددا،أخبرتني أنها ستعطيني ضعف الأجر الذي يتلقاه المدرسون الخصوصيون عادة! أعني هذا كرم منها،وقد فسرته هي كوني أبدو "محافظة" و "ثقة" على حد قولها.

على كل حال،مضى شهران على بدأ الدروس و قد كان كل شيء على أحسن مايرام.كان المنزل هادئا و الصبي ذكي و يفهم بسهولة كما أنه مجتهد و يراجع دروسه،حتى أني لم أكن أشعر بالتعب أبدا من عملي هذا.كما أن السيدة كانت تعطيني مالا أكثر من ما إتفقنا عليه قائلة أن حفيدها يستفيد كثيرا مني و أني أستحق أكثر.

بعد إنقضاء الشهر الثالث قررت أن أخبرها أن الشهر الرابع هو آخر شهر لي إذ يجب علي الذهاب لزيارة أهلي.وهو مافعلته،بعد أن أعطتني أجري للشهر الثالث أخبرتها بما قررته فبدت على وجهها الصدمة و التأثر مما أذهلني كثيرا،أعني أنا مجرد مدرسة خصوصية!
أخبرتني أن أعيد التفكير في الأمر مجددا،و أنها ستزيد أجري إن عدلت عن هذا القرار و قد كانت تتوسل و تكاد تبكي و هذا الأمر أصابني بالريبة الشديدة.
"الصبي تعود عليك،و انت أول من يتقبله بعد وفاة والديه...أرجوكي فكري مجددا في هذا القرار،أليس من الأفضل أن تعيلي أهلك؟"

قلت:"أقدر كرمك،لكن أنا في نهاية المطاف لا أعيش هنا.و فور إختفاء الأسباب التي تبقيني سيتوجب علي الرحيل! وفي هذه الحالة الدراسة هي السبب و قد أنهيت إمتحاناتي.."كنت أتحدث و التوتر يتسلل لجسدي و يظهر في كلامي.
طلبت منها الإذن ثم انصرفت.
بعد رجوعي لغرفتي فكرت كثيرا في ردة فعل السيدة،كنت أعلم في قرارة نفسي أنه من المستحيل أن أبقى هنا مهما كلف الأمر،فأنا أشتاق لأهلي و أصدقائي
و مامن سبيل أن أبقى هنا.

يتبع

رسائل مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن