وهم حورية

39 4 11
                                    

هل ستنشرين هذه القصص؟ غالبا ستفعلين. لا مانع عندي إن لم تنوي جَني ارباح من ورائهم، -ليس الامر كما لو ان هناك من يقرأ هذه الايام!- لكن بطبيعة الحال سأشارك معك هذه القصة المريبة التي حدثت معي منذ ثلاثة اعوام.

(الاسماء المذكورة في القصة اسماء مستعارة للحفاظ على هوية اصحابها)

بدون مقدمات، انا "علي"، 23 عاما و طالب في السنة الخامسة من كلية الطب بمدينة *****.


منذ عامي الاول في كلية الطب اضطررت للبحث عن شقة و رفيق سكن إذ كانت اول مرة ازور فيها هذه المدينة، كانت جميلة و هادئة .اعجبني المناخ ايضا إذ يميل للاعتدال في فصل الشتاء و انا اكره البرد و بشدة!

لحسن الحظ كنت اعرف احد الشباب من كلية الهندسة ،و طلبت منه ان ينتقل للعيش معي و سيستفيد كلانا من ناحية توفير المال بالإضافة إلى قرب المسافة من كلية الطب و الهندسة على حد سواء. قبل زميلي بدون تردد، و انتقل للعيش معي فورا في بداية العام الدراسي.

منذ صغري كنت اسمع جدتي تقول على الدوام (الوحيد شيطان)، حسنا افضل ان ينعتني الناس بالشيطان على ان اعيش مع احدهم مجددا.


كان العيش مع زميلي من اسوء التجارب التي عشتها في حياتي كلها. بعد شهرين فقط من انتقاله بدأت المشاكل بيننا، كان يجلب كومة من اصدقائه العفنين للبيت و يقضون الليل بأكمله في معاقرة الكحوليات و التدخين. في المرة الأولى طلبت منه برفق و أدب ان يقلع عن هذا الفعل او لا يقلع! لكن لا اريد هذا العهر في مسكني. وعدني بأنها كانت غلطة عابرة و انه لم يكن يخطط من البداية لهذا الفعل و إنما فاجأه صديقه بجلب زجاجة من الكحول معه و تحمس البقية للشرب، فلم يشأ ان يطفئ متعتهم برفضه.



اعرف، عذر قبيح للغاية لكنني تقبلته منه و طلبت منه عدم تكرار الامر مجددا، لأنصدم بعد رجوعي من اختبار الAnatomy في مساء اليوم الموالي بالمنزل يعج من رائحة الكحول و الحشيش. اقتحمت في غضب غرفته، لاجد مجموعة من الشباب عديمي القيمة منتشرين في الأنحاء، اخذت أنادي باسم زميلي لعله ينتعش عند سماع اسمه. وهو ما حدث بالفعل، لكنه افضى لنتائج سلبية. إذ بعد ندائي المتكرر، اخرج رأسه اخيرا من بين كثبان الوسائد و يا ليته لم يفعل.


كان مخمورا ، بوجه احمر وغير واع لما يدور حوله. نظر إلي في تعجب ثم اعطاني ابتسامة حقيرة عرفت منها مباشرة بأنه سيقوم بفعل احمق لن يحمد عقباه ابدا.

وقف في ترنح و هو يصدر قهقهات متقطعة و اتجه نحوي في تعثر وهو يقول:"ع..علييييييي... اشتقت لك صديقييي". كنت على وشك الانفجار من شدة الغضب، اردت فقط ان اضربه حتى أهشم كل اسنانه. ثم ارتطم بي وقال بصوت ساخر، محتقن، قذر :"تبدو اكثر وسامة و انت غاضب"... هذه كانت هي، اشبعته ضربا بين ضحكات اصدقائه الفاشلين حتى فقد وعيه ولم اهتم لحياته حينها، لقد تحملت الكثير بالفعل من هذا السكير المتعاط الفاشل و يستحيل ان اقبل بالمزيد.


اغلقت عليهم الغرفة، و توجهت للنوم في غرفتي، و تمنيت ان يموتوا عطشا او جوعا لا فارق عندي.



في اليوم الموالي ايقظني صوت صرخات تنادي باسمي، عرفت حينها انهم قد استيقظوا. فتحت عنهم الباب على مضض لتنهمر علي الشتائم و الالفاظ النابية دون توقف. لم اتعب نفسي بالاستماع حتى، اخليت لهم الممر لينقلعوا إلى منازلهم إن كانت لديهم اصلا. رجعت لأتغطى باللحاف في غرفتي. توقعت ان يحضر زميلي كي يناقش معي ما حدث امس لكنه لم يفعل و هذا اغاظني اكثر.

سمعت صوة حركته في المطبخ فاتجهت إليه. كان جالسا يتناول بعض رقائق الفطور بوجه منتفخ مزْرق من شدة الكدمات.


لم يلتفت نحوي حتى. جلست قبالته و اخبرته أني لن اعتذر عن ما بدر مني و انها كانت ستكون ردة فعله لو فعلت انا المثل، لكنه لم يجب و اكتفى بالإيماء إيجابا. حينها اخبرته باني غير قادر على تحمل هذه الاوضاع و ان عليه ان يغادر. لكنه كان حقيرا و اجاب "لما علي ان اغادر؟ غادر انت! كلانا يدفع الإيجار هنا! انت لا تستضيفني عندك و هذا البيت ليس بيتك لذلك إن لم يعجبك الامر فيمكنك البحث عن غيره.."



ذلك الغِر... لقد نسي اني من عثر على البيت اولا... حقير
بالفعل بحثت عن شقة تكفي لشخص واحد و عثرت عليها لكن بعد انقضاء العام الدراسي كاملا! اضطررت لتحمل قذارة أولئك الحمقى طول عامي الاول في الكلية و ياله من تحد صعب.

انتقلت في نهاية العام فور عثوري على شقة. رجعت لعائلتي في الصيف و عدت للشقة مع بداية العام الدراسي الجديد.


كانت شقة لا بأس بها إلى حد ما و في حي هادئ نسبيا. كنت اعيش ايامي بطريقة طبيعية جدا إلى ان انتقلت اسرة جديدة للشقة الموالية لي.

كانت تتكون من رجل و ابنته، التقيت بها في الممر يوم انتقالهم. القى علي الرجل تحية عابرة اما الفتاة فلم تنظر في وجهي حتى. كانت تبدو لطيفة الملامح لكن ذابلة العينين و شاحبة البشرة. لا انكر ان جمالها قد فتنني بالفعل منذ اول نظرة لكني لم اعر الامر اي اهتمام في النهاية.



لم يسبق لي ان لاحظت اي شيء مريب حيالهم إذ اني غير متواجد اغلب الوقت في الشقة بسبب ضغوطات الكلية و لا ارجع إلا عند المساء كي اشبع معدتي و اريح خلايا عقلي المسكينة و بالكاد استيقظ على المنبه في اليوم الموالي، وفي عطلة نهاية الاسبوع اذهب لزيارة عائلتي.

وفي احد الايام من شهر نوفمبر البارد، اصبت بحمى و زكان شديدين الزماني الفراش حينها -لهذا اكره فصل الشتاء-. لازمت فراشي، اغفو تارة و اصحى تارة اخرى لعلي اشعر ببعض التحسن.

ثم و انا في حالة من اللاوعي سمعت صوت قرع على الحائط. كان قرعا خفيفا لكنه متواصل بطريقة مزعجة، كان كفيلا بإيقاظي من حالة الهذيان تلك.


جلست في انزعاج و تعب و انا اتوعد -في نفسي -بتلقين الفاعل درسا لن ينساه.


كان الصوت يصدر من الحائط الملاصق لشقة الرجل و ابنته.

ضربت الحائط في غضب و صرخت "يكفييي!" ، فتوقف القرع لثواني معدودة و رجع لكن هذه المرة القرع متسارع و اشد قوة.


لكمت الحائط مجددا وقلت بصوت مرتفع "توقف!"، لأتفاجأ بصوت رقيق مرتعد يقول :"ساعدني... ارجوك ساعدني"...

رسائل مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن