كايير الجزار

26 4 23
                                    

اهلا، انت تنشرين القصص التي تصلك، اليس كذلك؟ ليس و كأني اهتم، انا فقط لا اريد ان تنشر معلوماتي الشخصية للعامة، لذلك ترددت كثيرا قبل ان اكتب لك و توصلت لفكرة بديهية، الا وهي تغيير معلوماتي الشخصية! لنبدأ!

اسمي "إلياس"، 27 ربيعا و اعمل كصيدلي في مدينة *****، حالتي الاجتماعية عازب لأن فتيات هذه الايام لا يملكن لا بصر ولا بصيرة، و إلا لما كنت عازبا إلى حد اللحظة. اعني صدقا، شاب وسيم، مثقف و محترم لما لا تتهافت الفتيات من حوله؟ حقا لا يصدق!

المهم، حدثت هذه القصة معي منذ عام تقريبا، كنت اعيش مع والدي و لا ازال لأنهما لوحدهما في المنزل بعد ان تزوجت اختي و ذهبت لبيت زوجها منذ ثلاثة اعوام.
كانت ايامي كلها متشابهة، استيقظ صباحا، أصلي الفرض، ثم انام مجددا حتى الثامنة، اذهب للعمل في الصيدلية التابعة لمستشفى الكسور، ارجع في الخامسة مساءا ثم ادفن جوع بطني ببعض طبخ امي الساحر و ارمم تصدعات فؤادي بكلامها العذب.

يقول البعض ان طريقة تعامل والدتي معي هي السبب في كوني "نرجسيا" كما يقولون.. اعني، هذا اتهام شنيع اولا، ثانيا امي ربت رجلا واثقا من نفسه هذا كل ما في الامر، لكن البعض يعاني من الهشاشة النفسية و انعدام الثقة الازلي و بالتالي حين يلمح اي شخص بصفاتي المميزة يشعر بالضيق و الحسد اتجاهي! الكارهون سيكرهون دائما...اظن اني انحدرت عن القصة قليلا.. لا بأس بذلك، إذ لحسن حظكِ تفرغت خصيصا كي اكتب لك هذه الاسطر.. لذلك كوني ممتنة..

بدأ كل شيء في نهاية الاسبوع، كان يوم الخميس، كنت لوحدي في الصيدلية إذ كان لدى زميلي ظرف عائلي منعه من المداومة ذلك اليوم.
و يوم الخميس معروف بأنه من اكثر الايام مشقة. اذ بما انه آخر ايام العمل في الاسبوع -الجمعة و السبت راحة-، كثير من الناس يتسابقون كي يأخذوا وصفاتهم الطبية التي يكدسونها عندهم منذ بداية الاسبوع بذريعة انهم "منشغلون للغاية" في الايام الاخرى من الاسبوع.

المهم، كنت لوحدي في الصيدلية ذلك اليوم، و كان الضغط شديدا للغاية كالعادة. كنت اقفز من هنا لهناك تحت اصوات الناس المزعجة. ناهيك عن ذلك النوع من الناس الذي ينسى جلب وصفته الطبية و يبدأ بخلق اسماء غير موجودة مدعيا بأنها اسماء الادوية التي وصف له الطبيب! و بالطبع لن يقتنع ابدا بأن لا وجود لشيء مشابه إلا بعد دهر من الزمن، او النوع الذي لا يعي كيف يصف ما يحس به او من اي شيء يشتكي بالضبط..

رجعت للبيت و عقلي يرقص البالي من شدة التعب. اتجهت مباشرة لغرفتي و ارتميت على السرير، كنت مرهقا إلى ابعد حد و كل ما كنت اطمح له هو معانقة لحافي و النوم لعشرين ساعة متواصلة، لكن والدتي ما كانت لتسمح لي بالنوم بمعدة خاوية، انها افضل ام في العالم..
استلقيت قليلا، ثم اتجهت للحمام كي اطفئ لهيب جسدي إذ كان شهر ابريل آن ذاك و كان الجو يميل للدفء، بعدها اسكت عصافير بطني ثم القيت بجسدي المنهك على سريري المريح عازما على الغوص في سبات طويل.
لم اجد صعوبة في النوم رغم الصداع القاتل الذي زارني ليلتها و الذي فسرته بطبيعة الحال على انه عرَض جانبي للإجهاد الذي عرضت له عقلي في الصيدلية.

كنت نائما بسلام تام حتى اخترقت طبلة أذني اصوات اقل ما يمكن ان يقال عنها انها مزعجة، حادة كحدة صراخ الاطفال و لكن خافتة في نفس الوقت.

لم اتزحزح من مكاني، كنت نصف مستيقظ، غير قادر على رفع جفناي من شدة النعاس و التعب، لذلك حاولت لا اراديا ان استوعب ما تتلفظ به تلك الاصوات دون ان اغير من وضعيتي..

-"لقد وعدتني! لا يمكنك ان تفعل هذا بي الآن!"

="لم اعدك بشيء"

بعد ان تمكنت من التقاط هذه الجملة اصابني عجب شديد اجبرني على فتح عيناي بتكاسل و انزعاج شديدين يغلفهما الفضول. كانت الرؤية ضبابية في بادئ الامر وهو امر طبيعي اذ لم استفق كليا حينها. و بما اني اترك عادة النافذة مفتوحة كي يتسرب شعاع طفيف للغرفة من الشارع، اتضحت الرؤية لي بعد بضع ثوان...

-"بلى فعلت! لقد رفضت في آخر مرة!"

="فعلت، لأننا لم نكن نملك تلك الصلاحية حينها، تماما كحالنا الآن!"

-"لكنك قلت بأنك ستسمح لي بأخذ فخذه في المرة القادمة و التي هي الآن!"

="ليس هذا ما قلته، قلت سأسمح لك إن أعطيت لنا الصلاحية، لما لا تستوعب هذا الامر!"

-"ارجوك *كايير* تعرف اني بحاجة له!"

كان هنالك شخصان، او لأكون اكثر دقة، كانا خيالان اسودان، تنبعث منهما هالة ضبابية رمادية مشؤومة..

-"*كايير*!"

="توقف عن هذا *ماليس* انت تعيق عملنا! اخبرتك، سننفذ فقط ما أمرنا به.. كيف تريدني ان اعطيك الفخذ و نحن اصلا هنا كي نأخذ اطرافه العليا!!"

'هل... هل هذان الكيانان يتناقشان حول تقسيمي؟!..'
هذا ما خطر ببالي حينها..

لا انكر اني فزعت فزعا شديدا و انا استمع لحديثهما.. اعني، هما حرفيا يتناقشان حول تقطيعي و كأني قطعة ارضية او اسوء، كأني قالب كعك!

جلست فجأة و انا انظر إليهما، حينها اوقفا حديثهما و نظر كلاهما إلي بصمت مطبق، و عندها فقط حظيت بفرصة التمعن في وجهيهما و يا ليتني لم افعل.. كانا مرعبين بكل ما تحمله الكلمة من معنى...

رسائل مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن