انسحبت الدماء من وجهها وكذلك الإجابات من صدرها..
وقف ملتفتا لدخولها الغير متوقع إليهم، لقد انتهى الأمر وطمرت الحقيقة..ماذا يحدث معه ليطفو كل شيء على السطح الآن.
-لاشيء..لا شيء يا أمينة..
إجابة قلقة خائفة من أميرة لم تطمئنها..نذالة تعني علاقة وسماح يعني مصيبة.
تختزل المسافة بينهم في خطوة تقيد وجه أختها بنظراتها
-أخبريني فيم السماح إذن..
جاء صوته من خلفها حاسما
-أمينة..أنا أطلب أميرة للزواج.
لم يكن طلبه سبيلا لاستدعاء هدوئها وإنما أجج التساؤلات بداخلها أكثر..
-ما الذي حدث بينكما لتطلب مني هذا الطلب الآن؟
أفكار متضاربة أنهكت عقلها.. الآن يطلبها للزواج..في هذا الوقت العصيب الذي لا يمكنها رفضه فيه..
قالت مرتعشة وهي ترى الخوف والصدمة يتعاقبان على وجه أختها
-اهدأي يا أمينة..
تمسك كتفيها تهزها بعنف، تصيح بها
-أنا أريد أن أعرف ما الذي يحدث خلف ظهري؟
تهافتت الدموع على وجنتيها
-وربي لم يحدث شيء.
تجذبها من شعرها بحركة مباغتة أخرجت شحنتها فيها
-لا تختبري صبري الآن أرجوكِ، شاب يطلب من أختي السماح وعندما رآني طلب الزواج منها، هل خرجتي معه، هل لامسكِ، لا تتركيني لخيالي يا أميرة وأخبريني بما يحدث وإلا كسرت عظامكِ.
قالت متألمة بهمس
-عاليا..
شعرت بتراخي شعرها قليلا وأمينة تفلتها، اسم من أربعة أحرف كانوا سببا في زلزلتها، تتحرك عينيها بارتجافة نحوه، ترتجف الأرض من تحتها أو ربما قدميها.
تعود بنظرها إلى أميرة فتصفعها على وجنتها، رأسها، كتفيها.. وقد ظنت الأسوأ.
انهالت عليها ضربا فباتت لا تشعر بنفسها ولا بشئ حولها، لم تنتظر لاستكمال الحدث وقد فطنت للحكاية كلها في ثواني مرت بثقل.
لم تشعر إلا بجسده الذي حال بينها وبين أمينة وقد تخدر جسدها من شدة الضرب، ليتصدى هو لصفعات أختها التي نالت من صدره وبطنه.
لم تتوقف أمينة وقد بدت كالتائهة حتى خارت قواها فسقطت كالبناء المنهار في سرعة سقوطه.
تلقفتها يد فوقية برفق، تمنحه نظرات كارهه، مؤكدة على أنه السبب في كل شيء.
تبعتها أميرة التي قالت وهي تشهق تصارع دموعها
-لقد قاتل عبد الرحمن لأجلكِ يا أمينة، لقد تزوج عاليا لأجلكِ من الأساس، يمكنني إخفاء الحقيقة وقد زاد هو عني بشهامته وطيب خلقه، ولا أحد سيخبركِ..لكني أنا من ستفعل.
عبد الرحمن هو..هو بطل القصة! تمسك رأسها تصارع تلك الحقائق.
تمزق فؤاده وهو يراها على هذا الحال، لم يحلم في أسوأ كوابيسه أن تظهر الحقيقة بهذا الشكل، بغباءه وسوء تقديره للأمور.
مسحت دموعها تتمسك بخيط الصلابة الرفيع تقص حكايتها على أختها التي ستجن مما يحدث
-لقد أرسلت عاليا زميلي محمد ليمثل علي دور الحب ويمنحها صور تجمعنا لتضغط على عبد الرحمن ليتزوجها..
تضع يدها فوق فمها تكتم شهقاتها، تقول بهمس قاتل
-أنتِ..أنتِ السبب فيما يحدث لنا جميعا.. أنتِ..لا أصدق، هكذا ربيتكِ، هذه تربيتي وسهري عليكِ وحديثي الطويل معكِ عن الشرف والسمعة والعفة.
تضرب فخذيها تنوح على أعوام مضت لم تجنِ منها سوى الخيبة.
-لقد وثقت بكِ، منحتكِ حرية لم تكوني تحلمي بها، يا إلهي.. أنا لا أصدق..
تمسك جبينها وأنفاسها تتقلص، تستمع لصوته المدافع، ونظراته معلقة على فوقية
-أنا السبب فيما يحدث الآن، صدقيني لم أمنح عاليا شيء..
قامت تقاطعه بحدة، تقول وهي تصرخ في وجهه تدفعه في صدره نحو الباب
-كيف وقد وافق عبد الرحمن على الزواج منها اتقاء للفضائح، لا تخبرني أنها صورتك وأنت تحتسي معها الشاي في العمل، ولا تخبرني بأنها فبركت صور لكما.
أجابها بصلابة، يواجه دفعها له بوقوف ثابت
-اسألي عبد الرحمن هو وحده من يعرف تلك الإجابة.
يضرب الهدوء تلك العاصفة المتقدة، تتلاقى أعينهم بشقاء ووهن، تشعر بالخزي يكتنفها وقد أهينت أمامه بأسوأ الطرق، يد أمينة لم تمتد على أحداهما أبدا، دائما ما كان التوجيه والنقاش ثمرة جدالهن العميق، تذرف دموعا خائبة تنعي ثقة أختها فيها ممتنة لما يحدث وقد تطهرت الآن.. الآن فقط من ذنبها.
هو يحميها كدرع من الرصاصات الغاضبة التي تطلقها أمينة، ترقب نظرته المشفقة، كفه الذي افترش صدره كاتما وجعه.. حتما ضربات أمينة تؤلمه، وربما تؤلم قلبه مثلها تماما.
يتزامن ما يحدث مع اتصال من عبد الرحمن.. إنه هو..
يظهر في أشد الأوقات إحتياجا إليه..
تمسح دموعها بسرعة وهي تعي قبح رفضها وهو من قاتل لأجلها وعائلتها، تبكي بشدة وقد ضيعت الكثير من الوقت لتوافق على رجل مثله.
-وربي لن أترك سالم يهنأ بالزواج دوني، سوف آتي وأعرقل لكِ كل شيء وأفسد فرحتكِ يا أمينة أقسم بالله، أنت لم ترِ الوجه الآخر لي.
رسالة كتابية بعد أن لغت اتصاله..
رسالة أخرى
-تعلمين أني أحبكِ، وأحب النسمة العابرة بجواركِ فتحمل عبيركِ نحوي، أرجوكِ يا أمينة، توقفي عن إقصائي عن حياتكِ، وارتدي شيئا يحمل رائحتكِ التي أحبها، سآتي يا أمينة ولن يمنعني أحد.
***
خطوة من قدمه إلى الداخل أبعدتها عن الباب ليقترب وقلبه يخفق مرتعبا من رؤيتها على هذا الحال، ملبيا رسالتها المختزلة(تعالى في الحال)
-أمينة؟
كانت تتمنى بأن تكون أمينة حقا على أخواتها وتكون حفظت الأمانة.
منحتها هذه الخاطرة المزيد من الدمع..
رائحتها، يغمض عينيه منتبها لتلك الرائحة المنبعثة منها فظنها تمنحه موافقتها للاقتراب.
يتمعن في لفت نظرها وهو يقترب بأنفه نحوها
-هل منحتني موافقتكِ أخيرا؟
أزعجته تلك الغمامة الكئيبة التي تطفو على البيت، يراقبها وهي ترفع عينيها نحوه
-أخبرني عن تلك الصور التي تجمع أميرة بمحمد يا عبد الرحمن، في أي وضع كانوا لتجبرك عاليا على الزواج منها؟
قال بتيه خائفا على علاقتها بأختها
-من أخبركِ؟
قالت أميرة بحزن بائس
-أنا يا عبد الرحمن، يجب أن تتوقف عن لومك، يجب أن توافق على الزواج منك، هي لن تجد من يحبها مثلك.
قال مختضا على هشاشتهم..
-ليس بهذه الطريقة يا أميرة ولم يكن هذا وقته.
-لقد فتحت كل الجروح وعلينا مداواتها، كفاها رفضا وفراق.
قال مقتربا من أمينة
-أنا قادر على إقناعها، قادر على الابتعاد لوقت طويل والعودة من جديد لأثبت لها بأني سأعود، دوما سأعود، لن أتركها ولن أقبل بأية مصاعب دونها فالصعب معها يهون، كنت سأظل هكذا لسنوات حتى أقنعها يا أميرة، لم يكن سيعرف أحد والأمر ينتهي، لماذا فعلتِ ذلك لماذا؟
قالت أمينة بتعب
-أخبرني يا عبد الرحمن ماذا وجدت في الصور؟
يحتوي وجهها بعينيه، يملأها بحضورها الواهن
-أنت تؤلمي ذاتكِ، تستمتعين بالعقوبة التي تجديها مناسبة، أنتِ لم تقصري معهن أقسم لكِ على ذلك، لقد ربيتِ وأحسنتِ تربيتكِ يا أمينة، لقد صارحتك أميرة ولم يكن من الأمر بد.
نظر إليها وحرب عينيها تؤكد على بؤسها وحزنها.
-لقد اقتصصت لكِ منه..
يتدخل سالم المستند على الباب منذ حضوره
-وكنت لأقتص منه أنا الآخر لولا أنه تغير.
عقدت حاجبيها بشدة، تمسح دموعها بشرود، الكل يعلم عداها..
تلاقت نظراتها اللائمة لأميرة، لن تسامحها على ما حدث مهما طال الوقت…
-لقد مسحت الصور من هاتف عاليا نهائيا ولا يمكنها استردادها..ومن هاتفي أيضا، ضعي كل ما حدث في خانة الماضي يا أمينة وتوقفي عن لوم نفسك، نستحق الهدوء، والعيش في سلام..
قالت ببؤس
-لقد أتى محمد لخطبتها.
تنبسط ملامح سالم وهو يراها تأخذ رأيه
-أنا هنا بالمناسبة، هذه العائلة وقراراتها في رقبتي أنا.
وخزه عبد الرحمن في صدره فسعل بشدة
-وأنا الأكبر سنا، والأقدم حبا، والمدافع الأول فالقرار قراري.
متوجها ببصره نحو أميرة، التي تورد وجهها بشدة رغم انتفاخه من شدة البكاء.
لم ينصرف محمد إلا بتوسلها له بأن يغادر فالأمر لا يحتمل وجوده..
لم يمشي إلا وهي تمنحه وعدها بالتفكير في طلب زواجه منها..وطالما القرار بيد عبد الرحمن..هي حتما مطمئنة.
***
-عاليا!
يقترب بصحبة أمينة من تلك الشجرة البعيدة، يرغب بتجربة الهواء برائحة النيل معها وهي هكذا، بحجابها، مرصعة، تضوي ككريستالة مبهجة.
يتوقف ليحجب عنها ما خلفه بجسده، فيغمرها بسحر عينية المكحلة بالشوق.
-أترقب اللحظة التي سأنفرد بكِ فيها يا أمينة.
تبتسم بنعومة زادتها توهجا بعينيه فيردف
-أنا أحبكِ.
بذات الهمس، في تلك الأجواء، بعد عقد قرانهم، قاتلة.
تذبح تماسكها بقربه.
-أنتِ جميلة جدا.
بهذا الخفوت، وتلك النظرة، بانفراجة شفتية، مؤلمة لقلبها.
كم ترغب الآن في الاندساس بين أحضانه لتخبره بأن يتوقف عن الكلام، الذي يذهب بعقلها ولا يزيدها إلا جنونا ووقوعا في حبه.
-هل أقاطع شيئا ما هنا؟
يلتفت على الفور نحوها وقد أثار صوتها غثيانه، كم هي قاتلة للذات؟
يلتفت إليها بكله فبات يرى ركض سالم نحوه بصحبة إيمان هاتفا باسمها، حاجبا عن أمينة خلفه رؤيتها.
-ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟
قالت بصراحة وصلت لمسامع سالم الذي اقترب
-جئت أفسد ليلتك.
أمسكها سالم بقوة يلفها إليه
-كيف تجرؤين على المجيء إلى هنا؟
واجهت صخب عنفه بحديثها البطئ
-كما جئت شقتك من قبل يا سالم.
وكأنك أسقطت عملة معدنية في سكون تام فقرعت بصوتها لتصدمك بترددات سقوطها.
تكمل حديثها مستغلة صمت الجميع واهتمامهم بما تقول
-أم نسيت ذلك اليوم الذي عرضت فيه مهاراتك، وأنا بصحبتك.
تستدير وتكمل حديثها الذي تتابعه إيمان ملتقطة ما تلملمه من حروف شفتيها
-يوم أتى خالك لينقذني من تهورك.
تشير باستهتار وسخرية
-لم أتخيل أن نهايتك ستكون على يد تلك الصماء!
لا يصدق نفسه من كذبها، لقد جاءت خصيصا لتفسد ليلته أيضا مع إيمان، يقف كالتمثال لا يصدق ما تفعله، بينما إيمان أمسكت ذراعه وتبدلت ملامحها.
خطوة منها لليسار حتى باتت أمينة تراها جيدا
-كيف حال العروس؟
أصبح عبد الرحمن يواجههم فأكملت بغل هاديء
-أتمنى أن تسعدي بليلتكِ كما سعدت أنا بليلتي.
تلتف حولها كأفعى تلقي سمها
-أصدقكِ قولا، لم أسعد بليلتي الأولى.
تكمل دورتها حولها لتقترب منه تربت فوق صدره وتقول بفحيح
-ليس عيبا فيه لا سمح الله، وإنما دلالا مني.
تمسك طرف بلوزتها القصيرة تنوه على وشمها وأربعتهم يناظرنها بحذر، لا يعلموا ما الذي تفعله تلك المجنونة عداه هو، يصدقها عندما أخبرته بسبب مجيئها، وهو لن يستوقفها في شيء، فلتنه مسرحيتها وتغادر بهدوء.
_وشم من كلمتان..ألم يخبركِ عنه؟
اقتربت أكثر من أمينة تمعن في إغاظتها
-هل صنعتِ واحد مثله، لقد أحبه كثيرا، وقبله مرارا.
تقول بإصرار
-حدثيني إن فشلتِ في إغواءه، فعبد الرحمن ليس ككل الرجال.
تنظر إلى سالم وتردف
-لا يخضع بسهولة.
تهم بالمغادرة وقد حاول سالم التهجم عليها فمنعه عبد الرحمن بإشارة من يده
-تمنياتي لك بالعمر المديد يا عبد الرحمن، وبالذرية الكثيرة.
ومع خطواتها الأخيرة بالقرب منه ألقت آخر سمومها
-أما عن طفلك مني، فقد أسقطته بنفسي، بشربة دواء، انتهى به داخل المرحاض، دم كريه تخلصت منه كي لا يجمعني بك طريق.
يضغط على أسنانه بعنف أوشك على تكسيرها، كيف تخبره بمنتهى البرود عن قتلها لروح أودعها الله في رحمها، كيف من السهل عليها إنهاء علاقتها معه بهذه القسوة المشينة!
تقترب من فتح سيارتها ليهتف باسمها يستوقفها، تلتفت إليه ويقترب منها بوجه حاد متجهم.
وما إن وصل إليها صفعها، بكل ما أوتي من قوة فانهارت تصرخ به
- أيها الحقير، هل نسيت نفسك، لقد كنت تعمل خادم عندي.
يمنع طارق نفسه من التدخل وهو بين الشجيرات القريبة، لقد راهن على عودتها واللهاث حوله من جديد، جيد أن حضر ليلة عقد قران عبد الرحمن ليراها.
تلك اللطمة التي استقرت فوق وجنتها شعر بها فوق وجهه، انتفض متألما..عازفا عن الظهور لينتهي الأمر ويتبعها.
يلف عبد الرحمن شعرها حول يده في الوقت الذي شهقت فيه أمينة من رؤيته يعنفها
-يبدو أنكِ إشتقتِ لجنون كمال وجلده لكِ.
تزعزع ثبات بؤبؤها بعد إتيانه على سيرته، تخرج أنفاسها متقطعة برعدات متوالية من أنفها فيشد على شعرها أكثر
-يمكنني ركلكِ الآن، أو تقييدك خلف سيارتكِ وأنا أقودها لأسلخ جسدكِ الآن ولن يعاتبني أحد.
يسحب أنفاسه بحدة آلمت صدره
-عن أي ليلة تلك التي تتغنين بها يا سليلة الحسب، أنسيتِ بأنكِ لستِ بكر.
يستمع لأنفاس سالم التي وصلت لأوجها ويعلم لو أنه تركها له لسحقها بين يديه.
ويستمع لشهقة أمينة التي حتما من أجل رؤيته على هذا الحال ومواجهته لها على هذا النحو.
إيمان بملامح مستفهمة وعبد الرحمن يوليها ظهره فلا ترى شفتيه ولا تستطيع سماعه، لكنها تتابع إنفعالات سالم جيدا.
-أم نسيتِ بأنكِ كنتِ نزيلة في مصحة نفسية وأن زواجي منك ليس رفعة أو مكرمة، أم فاتكِ ركضكِ خلفي حتى أتزوجكِ وأنا أرفضكِ بالكلية.
برقت عينيها بشرارات ملتهبة
-هذا مبررك للانتقام مني ودفعي نحو الجنون.
يلتفت اليها
-أنتِ مجنونة بالفعل، ألم تعِ هذا بعد، مجنونة، منبوذة، تجلبين العار لكل من يقترب منكِ.
يترك شعرها بعنف مبتعدا عنها، ينفلت صوته منه مرتفعا قويا
-أنا لم أرَ امرأة في بجاحتكِ صدقا.
تهجم عليه تجذبه من سترته ليواجهها
-تفضل تلك علي.
-بل أنا من ركضت خلفها، فهكذا هم بنات الأصول الشرفاء، تبحثين عنهم بالمجهر، وعندما تلتقيهم لن تفرطي فيهم أبدا.
يرد كلماتها منذ قليل عليها
-يختلفن كثيرا عمن هم من نوعيتكِ اللائي يزرن البيوت بحجة العمل.
تلك الكلمات قرأتها إيمان فكانت كدليل البراءة لسالم، الذي لن يزعزع حبها له كلمات حاقدة مؤججة للكراهية كتلك.
لا تنكر غيرتها ولا رغبتها في سحق قدمه بكعب حذائها وهو جوارها، لكنها تعرف تلك الأفعى جيدا مما فعلته بأختيها.
-تتصنع الشرف وأنت مخادع، لقد دفعتني نحو الحبوب وكنت تعلم ما أعاني، لقد أشعلت خوفي وجعلت منه حفل لتتشفى بانتصارك.
هنا تدخلت أمينة بحدة
-بل كنتِ تتناوليها من قبل معرفتكِ به.
-حسنا، لنسأل الشريفة عمن كان يجلبها لي.
يقف أمامها جامد الجسد متصلب الأطراف، يود لو يخنقها ليحرر العالم من شرورها.
-لقد سرقتك مني.
تدخلت أمينة مجددا
-بل أعدته إليكِ متمسكا بطفله منكِ، طفلكِ الذي تتغنين بفقده كدم كريه.
-ها هي المضحية تمجد ذاتها.
يبتعد عنها خطوات محسوبة
-لقد فعلت، وجئت إليكِ لا للرجوع، إنما لتخليص طفلي من أم مجنونة مثلكِ، ولم أكن لأردكِ أو أجتمع بكِ مرة أخرى.
تغمض أمينة عينيها، لا تعلم إن كانت غاضبة منه أم عليه، هل تضمه إليها بعد أن علمت معاناته، أم تهرب منه لرؤية وجهه القبيح في مواجهة عاليا.
تلك المواجهة ستترك في نفوس الجميع أثر لا محالة.
مطر خفيف بدأ في التساقط، لم ينتبه له أحد، والجميع منقبض مما يحدث.
تقول بحنين كاذب
-وأنت يا سالم، نسيت فطورنا سويا في الكافية القريب، نسيت جنوننا وقيادتنا، نسيت المقطم، فيض أرواحنا، نسيتني يا سالم، لم تشفع لحظاتنا في إثناءه عن تدميري.
-أنتِ من دمرت نفسك يا عاليا، أنت من توددتِ لي وكأني سلمة سريعة للوصول إليه، إخترت أصعب الطرق لشراء رجل يعرف كل ماضيكِ، ليس كل الرجال يمكنكِ شرائهم.
تتميز غيظا من رده الحاسم، تحرقها النيران وقد رأت إيمان تدفعه خلفها وتقف عاقدة ذراعيها أمام صدرها تواجهها.
تبتعد عنها لترمي بحقد مفاجأتها، من جاءت لأجلها
-أتمنى قبل مغادرتي أن تسأل الشريفة عن صغيرتها وما تفعله في الجامعة مع حبيبها، ألم ترَ الفيديو الذي يجمع أميرتها معه، في ذاك المكان الخالى.
لقد قرأت إيمان شفتيها جيدا، وفهمت ما تعني، تضع كفها على فمها من بجاحتها، تنظر إلى أمينة التي اندهشت من ابتسامتها، ليأتيها الجواب من خلفها
-اطمئني يا عاليا، لقد أخبرتها أميرة بنفسها.
اقترب محمد خطوات بسيطة، وأميرة تتوسد ذراعه، بينما ذراعه الحر ملتف حول خصرها بحميمية معذبة، يقول بحسم
-من دعاكِ للحضور، أعتقد أن الجميع يكره وجودكِ، أنتِ شيطان يسعده الوقيعة والكراهية، واليوم ليس لكِ مكان بيننا.
كان قد وصل في الوقت المناسب وقد تأخرت خطواته لينفرد بحبيبته عن الجميع، فيشد من سرعته حالما رآها واستشعر التوتر البعيد لعائلته الجديدة.
حاولت الاسترخاء وهي تقول
-لقد انصعت لأوامري وفعلت ما أريد ، انتظرت الأموال ومنحتك هاتف جديد لم تكن لتحمله براتبك الضعيف.
قال ببساطة مغيظة
-لم أنكر، الجميع يعرف.
احتدت نبرته وهو ينظر إليها بكره
-أتيتي إلي لانكِ تعلمين جيدا أن أمينة تحاوطها وتهتم بها ولا مدخل لكِ إليها إلا بمساعدتي.
التفت برأسه إلى أميرته مردفا
-أنتِ لا تعلمين كيف أصلحتني، لقد كانت لعبتكِ من حسن حظي لأتقرب من أميرة، بل وأتأكد من أنها كالسيف لا تصاحب ولا ترافق وقد تملكتني فكرة أن الفتيات في هذا الزمن لا يعلمن للعفة معنى، حطمت صنم الخيانة بداخلي وأثبتت أنها لي، أنا.. هي لي وحدي. .
ابتلع ريقه مبتعدا عنها وقربه الخطير منها يؤجج خواطره.
تبدلت نبرته إلى البرود ليردف
-ورغم ذلك..أؤكد على عدم سعادتي برؤيتكِ.
احكم عبد الرحمن قبضته حول ذراعها بغضب وقد ضاق ذرعا بما تقول، يفتح سيارتها، يدفعها بقوه بداخلها ويغلق الباب بعنف.
ينزل نحو نافذتها، وبصوت خشن يأتي من الأعماق، وعينين يتطار الشرر منهم حتى يحرقها، بعنق متضخم، وعرق نابض وسط جبهته من إنحائته يقول
-إن رأيت وجهكِ ولو صدفة مرة أخرى سأقتلكِ.
يضغط على أسنانه، تلفحها أنفاسه الساخطة يكرر
-هل سمعتني، سأقتلكِ، دون تردد.
رفع جسده عن نافذتها، تكابد خوفها منه ومن تهديده، تتفكر في كلماته مرتعدة، وقد انقلبت تخطيطاتها عليها ليهنأ الجميع وتنبذ هي، إستمعت إلى قبضته فوق سيارتها يخبط بقوة بأن تنصرف، ففعلت بسرعة، تخشي صدق تهديده.
***
يلف السلاسل الدقيقة حول معصمها مستغلا لعمق نومها وثقله، انتفضت في محاولة للتخلص منهم فور انتهاءه من قفلهم بإحكام.
تنام على بطنها وشعرها القصير يفترش وجهها بعبثية، مهمل هو ككل ما فيها.
ملابس غالية لكنها متسخة، غرفة مفروشة على أحدث طراز لكنها مكتظة بالأطباق البلاستيكية الفارغة، وأكواب القهوة الكارتونية.
لقد تبعها ذاك اليوم وعرف مكانها، ترك لها الوقت لتهدأ بعد تلك المواجهة العصيبة.
-فك قيدي يا طارق أرجوك.
يخبط بقدمه مطفأة السجائر التي تعلقت رائحتها بجدران الغرفة.
يعلو صوتها مع انقلابها على ظهرها بتعب
-طارق فكني، لم أعتد منك على ذلك، أرجوك فكني.
يدور حولها وقد بلغ غضبه الذروة، تلف برقبتها نحوه وهي تراه يحدق بها بحاجبين أوشكا على الإلتحام.
-أنا لم أفعل شيء، لقد هربت، فقط هربت من الجميع عل حياتكم تستقيم بدوني.
تواصل حديثها الدفاعي بنهم
-لقد استمعت إليك أنت وخلود..لقد أثقلت كتفيك، لقد وصفتني بالمجنونة..تمنيت لو أسقطت جنيني كي لاتتحمل عبء آخر مثلي.
جنون توسلها جعل من عقدة صمته عقدتين، يخفي انفعالاته عن عينها بينما داخله صراع أجوف لا يملك حسمه.
-أنا.. أنا أسقطت جنيني، لست بحاجة لأحد ولا أحد مسؤول عني منذ طلاقي، لقد رفعت حمايتك عني منذ وقتها ولا أريد استعادتها.
قيدها أعادها للوراء سنوات ليتشنج جسدها بعنف ذكرياتها مع صراخها
-أرجوك يا طاارق.
لسعة السوط، مع لمسة حانية وتهويدة لروحها بالعشق، كلمات مثخنة بالعاطفة وفعل وحشي تجاه جسدها.
ترجي آخر لأخيها رد في صدرها بصمته، تمثال بغير إشارة أو ملامح.
سيل الدموع يختلط بشعرها مع استلقائها وروحها تتفتت بذكرياتها المؤلمة.
صورة كمال وهو يعرج ويقترب منها هامسا بشوقه لتعذيبها..
دواء تدسه في حقيبتها فتعطيه للجد لحقن أبيها، جد خلود وهو يطبطب على قلبها، تضغط قدميها فوق سريرها تحاول تخليص نفسها من القيود فتبدو كمن تلقى جرعة من الكهرباء فسرت نحو دماغه مباشرة.
تصرخ بفشلها تشهق باكية
-لقد قتلت أبي.
نواح الأطفال، واهتزاز المجاذيب، وحديث الأسوياء.
خلطة من التناقضات قد اقتنع بها من قبل وتركها تتعافى وتواجه الجميع، حتى فطن جنونها وتلونها.
لن ينخدع بتلك الأقاويل فلقد سمع شبيهاتها من قبل وتفتت قلبه عليها، أما الآن فيقف صلبا ضد كذبها.
يقترب إليها بفحيح
-كنت لأفتخر بتعذيب أبيكِ أمامكِ لو كنت أعلم بمازوشيكِ.
يقترب أكثر وقد خافت من قسوة ملامحه
-كنت لأهبكِ أنا السوط، بل لاشتريته لأجلك وألهبت جسدكِ به كالطفل الذي يتعلق بشيء يضره لكنه يسعده، لربما افقتِ من جنونكِ ونجحت في تربيتكِ منذ بادئ الأمر.
شعرت برغبة عارمة في المهانة
-اضربني يا طارق، هيا، كفر عن أخطاءك واصفعني يا أخي، إفعل بي ما شئت، والآن.
يعدل هيئته، يتأملها ببطء، وقد عاد لصمته من جديد مع انقطاع أنفاسها أمامه واحمرار وجهها.
لحظات مرت عليه ليفهم ما حدث للتو.
يكاد يسقط صريعا مما فهمه..
هي لم تتخطَ خطوة واحدة نحو علاجها؟
أم هي انتكاسة؟
ملامح الامتعاض على وجهه غير قادر على إخفائها، ولا يستطيع أن ينظر إليها.
دقائق يستمع لنشيجها بحيرة، مستاء مما يستقيه منها، قال يخفي عنها هواجسه بظهره.
-عبد الرحمن طلقكِ.
تبتلع ريقها ودموعها، تتبدل ملامحها..
تضغط على أسنانها وكأن تحتهم إسفنجة الصعق، قدميها متخشبة بأنفاس متسارعة.
-قبل هروبكِ بالمناسبة.
جلس جوارها يصارع رغبته في شتمها ينظر إلى عينيها المهتزة، يحاصرها بأسئلته
-لماذا يطلقكِ وأنت تحملين طفله، هل أخبرته؟
تسيل دموعها أنهارا تزامنا مع حدتها
-أنا أكرهه، أكرهه، لا تتحدث عنه أمامي.
-ماذا عن عالم الأعمال، ألن تعودي إليه؟
-لا.
-هل خططتِ للإيقاع به؟
تعالى نشيجها كالأطفال، كمن فرقعت بالونتها، مخزون من الدموع تماسكت لئلا تسقطه منذ شهور.
أخيها هو سندها وظهرها الصلب، علاقتهم أبدية لن تنتهي إلا بالموت، من ستظهر خيباتها أمامه إلاه، من يثأر لها ويهمه أمرها سواه!
-طارق أرجوك، فكني ونتحدث بالعقل.
قال بهدوء وهو يعي توسلاتها المريضة، مؤكد اشتاقت لمن يمتهنها.
-أنتِ لا تملكي ذرة تعقل، لم يهمك من دهستهم وأنتِ في طريقكِ لتحقيق حلمكِ الذي هو رجل؟
بجسد ساكن متماسك يكتم اشتعاله أردف
-كيف عدتِ إليه متحججة بافساد ليلته والتبجح بتخلصكِ من جنينك؟
يضرب على جنون مشاعرها
-كيف تخلصتِ من قطعة منكِ فقط للانتقام، لقد قتلتِ طفلكِ يا عاليا، خنقتِ طاقة الأمل التي ربما أنقذتكِ.
-أنا لم أكن طاقة الأمل لأحد، لقد نبذتوني، كرهتوني، لماذا أكرر أخطاء أمي مع طفلي يا طارق.. لماذا؟ لماذا يسعد ويهنأ بطفل ولن أكون معه، سيأخذه لأمينة..
تتعذب بصراخ
-يحبها، ويحظى بطفلي.. سعيد.. وأنا..أنا..أين سأكون..
قال وهو يجذبها بصلابة لتقوم معه
-أخبركِ أنا، ستذهبين إلى مصحة نفسية حتى تتعافي، ومنها إلى أخرى حتى أتأكد بنفسي من علاجكِ، ومنها إلى الخارج ليُصدَّق على كلام أطبائكِ هنا.
تمتنع عن السير معه تدفعه بكتفها بعنف
-لن تعودي إلى الفيلا إلا ومعي تقارير تثبت تعافيكِ التام وبعدها ستكونين تحت رعايتي مجددا، ولن أرفع عيني عليكِ، سأسجنكِ في القبو لو تطلب الأمر ذلك حتى موتكِ.
تناظره بتصلب شفتيها تهتز كأنها تكتم حديثا فاض به قلبها، تضرب رأسها بصدره مرارا ومرارا، تصرخ بشدة.
لم يرها سوى نفسه، ذات الصراخ بين يدي خلود، المطر، رجفة النوافذ، يوم اعترافه لخلود عن وجعه..مشهد يتكرر أمامه الآن وعاليا بطلته.
لم تحتويها ذراعيه وقد اكتفى من خداعها..
تسقط على ركبتيها تكمل صراخها..
يشفق عليها، يدعي القوة يقسم على ذلك لكنها أخته، التي لطالما دعمها واحتواها..
سيغير وسيلته هذه المرة لربما نفعت الشدة..
نشيجها المختلط بحديثها لا يفهمه، ينزل أرضا نحوها فيرفعها إليه.
-أنا أحتاج للعلاج..عالجني..أنا موافقة لكن فك قيدي.
أمسك هاتفه يجري محادثة كتابية، ليرن بابها سريعا، تلاحقت الصور أمامه بين جذب اثنين لها، ودفعها لهم، بين بكائها وقوتها..
لم يتمنَ رؤية ذلك في حياته، يتقطع فؤاده ويتمزق إربا، لكن أذيتها للغير باتت في رقبته.
يخرج من سترته هاتفه الذي سجل عليه هذا الحديث، الذي دون العرض على طبيبتها يكشف جنونها ومازوشيتها.
***
![](https://img.wattpad.com/cover/329011417-288-k832779.jpg)
أنت تقرأ
بطل الحكاية
Mystery / Thrillerالجزء الثاني من Abasement(إذلال) تكملة لقصة عاليا وظهور ابطال جدد وقصص جديدة. لقراءة الجزء الأول من هنا https://www.wattpad.com/story/210517528?utm_source=android&utm_medium=link&utm_content=story_info&wp_page=story_details_button&wp_uname=HalaHamdy...