ماذا بك؟
يجذبه من ذراعه ليدخله فيجلس على أقرب كرسي بإرهاق، يربت سالم على كتفه وكأنه يزيح عنه عبئه، فيتنهد بألم ينظر إلى السقف ممسدا رأسه ويقول
-ظننت أن بتحقيقي انتقامي منها ساشعر بالراحة لكني لست كذلك.
يستند برأسه فوق كرسيه بألم مضني يجتاح جسده بشراسة
-هي مريضة يا سالم، أتعلم ذاك الحب الذي يجعلها تضعني في أولوياتها تجعلني مدارا لكونها، الحب الذي نفقد أرواحنا معه فنبدو كالمجانين، قد تموت صدقا إن هجرتها.
يتابعه سالم باهتمام، يستقي كلماته، لايشعر بأدنى تعاطف مع عاليا فيقول بثبات
-لازلنا في البداية، هي الرسائل الأولى التي أرسلناها لها، لقد أعددت لها صيغ..ستذهب النوم من عينيها..كي تتعلم بعد ذلك كيف تعبث بأعراض الناس.
يلتفت إليه عبد الرحمن برأسه..فتابع سالم كلامه بغل زرعته فيه عاليا باستغفالها له
-أنا سأحيل حياتها إلى جحيم فعلي، كانت تعلم بأني أحتاجك حتى لو صببت عليك غضبي، كانت تعلم بأنك كل ما أملك في هذا الكون، أب وأخ وصديق، كيف تجرأت على إحداث قطيعة بيننا؟
عدل عبد الرحمن من وضعيته بسلاسة مناقضة لتعبه، وقد فاجئته كلمات سالم بذلك الصدق، تجري عينيه فوق وجهه الفتيّ، حماسته التي تقطر من عينيه، ينتظر المزيد من الكلمات التي تغذي روحه الخاوية.
مال سالم بجسده لينظر لعيني خاله بثبات ويردف
-عاليا تستحق كل الألم، تستحق سلب الروح، تستحق الإعدام لما فعلت معك.
يهز عبد الرحمن رأسه ينفي كلامه
-لا..هي مريضة يا سالم، أنت لم ترَ وجهها وارتعادها من أن يكون..
بتر جملته سريعا، فسالم لا يعرف قصتها مع كمال..
يبسط كفه إليه ويقول
-اعطني الهاتف ، لقد انتهينا.
يعقد سالم حاجبيه لتزداد عينيه ضيقا
-لن نكمل في هذا الطريق.
-هل أحببتها؟
ينتفض كمن لدغدته أفعى، كيف يحبها وهو يكره قربها، بل كيف يتصالح ولو بالعفو والغفران عن من هددت مستقبله وقلبت حياته رأسا على عقب..
لقد أحالت هي حياته إلى جحيم، لقد تعامل معها بخشونة في لحظته الحميمية ظنا منه بأنه ينفث جزء من سخطه نحوها، فاكتشف بأنها تستلذ بالأمر ولا تشعر بإهانة فيه..
يرى مرضها في ارتعاشة عينيها وانتفاضة جسدها..في تعلقها بعنقه ورفضها هجومه..
يصارع بين آدميته، وتربيته على الشهامة واغاثة الغريق..وبين ما فعلته معه..
-لن أكون خسيس بأن أقاتلها وهي بلا حول ولا قوة، لن تستقيم الكفة وقتها يا سالم، كيف سانتقم منها وهي لا تعي، وهي مسلوبة العقل..
يحتد صوته عليه
-ما بالك تتحدث عنها وكأنها مجنونة.
يلتفت إليه عبد الرحمن
-هي كذلك، صدقني.
-لا تخبرني بأنك قللت من جرعة الحبوب التي تتناولها!
-ساسعى كي تتركها نهائيا.
يصرخ به سالم..
-أنت لم تجبرها يا خالي على هذا الأمر، هي من تطلب تلك الحبوب وتستزيد منها.
-لكن أنا من يجلبها لها..سالم..أعطني الهاتف لقد قضي الأمر.
رغم حنقه وضيقه مما يقوله خاله، رغم رغبته في إكمال ما بدأوه من وقت قريب، إلا أنه أعطاه الهاتف باكبار..
فوجه خاله يعكس صراعه، تشي به عينيه المتعبة، وكتفيه المتهدلين..
يسحب كرسي ليجلس جواره، مستغلا تلك الراحة التي كست ملامح خاله، فيعود بذاكرته لذاك اليوم الذي جمعه وعبد الرحمن في بيته.
(-من؟
لم يجبه الطارق ففتح بصمت ليفاجئ بعودة خاله بنظرة تشبه التوسل.
عبد الرحمن ..غاضب..ويتوسله.
دخل وأغلق الباب خلفه، يوليه ظهره وقد رغب في المكاشفة مبكرا..
يكسب ثقته ومساعدته، فانتقام سالم وتسرعه لن يزيد الفجوة إلا اتساعا وتشتت في عدة حروب، والأصل واحدة.
يضغط سالم على أسنانه وهو يقول
-اخبرتني بكل شيء وفعلت عكسه!
أجابه بصوت خفيض
-كنت مجبور.
يقول ساخرا
-لا أحد يستطيع إجبار عبد الرحمن على شيء لا يريده.
التفت نحوه وعينيه تفيض بالعجز المضني
-هددتني..جعلتني كالفأر وأحكمت المصيدة، وأشهد الله أني حاولت الفكاك لكنها شدت الحبل حول عنقي كي أختنق.
يحني رأسه بخزي
-هددتني بأمينة ..بشرف إحدى أختيها، بفضيحة مدوية لها لو لم أمتثل لمطالبها.
يرتب الأحداث برأسه..يلتمس الصدق في حديث خاله، كان ينقصه التمسك، أن يتمسك به عبد الرحمن فلا يتركه كذريعة للتنصل منه وتركه على قارعة الطريق بقطيعة وتمرد.
كان ينقصه اليد التي تضرب من حديد فوق الخطأ دون التمادي بحجة أنه كبُر وعليه إدارة أموره بنفسه.
ينقصه هذه النظرة، وهذا الحب الذي يحتويك حتى في وقت غباءك وسوء تقديرك.
الجمارك... لا يعلم أحد موعد استلام الشحنة سواها، حتى عبد الرحمن كان جاهلا به حتى يوم الاستلام، لقد أجرى محادثة بالموعد أمامها في مواعدة على الافطار.
حوارها المقصود معه دوما عن عبد الرحمن، وكلما تشعب لشيء آخر كانت تعود لنفس النقطة..
-بمن هددتك من أخوات أمينة.
-لا يهم.
يأنف عن ذكر اسمها فهو لا يعرف بعد في أي جانب سيتخذ سالم..فاردف
-أقسم أني لم أردها لك ولا لنفسي.. ولم اهتم بخسارة أو إفلاس، لولاك و أمينة وخوفي عليها لتركتها تركض خلفي لأميال..ولم أهتم.
يجذب كرسيا هو الآخر ويجلس يسمعه بجدية، وقد تبدلت ملامحه الحقودة، إلى أخرى مشفقة لما يعانيه خاله.
-لماذا تتحدث إليّ الآن يا خالي؟
هدر صدره بأنفاسه، وقد عادت إليه الحياة من جديد..سالم يدعوه ب"خالي"هذا اللقب الذي يشعره بوجوده..
وتذوب معه تلال من جليد..
يملأ عينيه به.
-لا أريد أن تكون معاركي أنت إحداها، إن لم تقف جواري فتنحى من أمامي يا سالم، لا تجعل عاطفتك تسوقك نحو الثأر لنفسك والانتقام ممن هم ليسوا أهلا له..إن أردت فافعل مما كانت السبب فيما يحدث ليس من إيمان، ولا من نفسك.
همهم بعملية، فهو يكره تلك المشاعر التي تجبره على الاعتراف بحبه وانتماءه له.
يضع يده على كتف سالم ويقول
-أنت تشبهني لدرجة قاتلة، لو تزوجت مبكرا قليلا لكان لدي صبي مثلك يا سالم، أنا أخاف عليك كما لم أخف على أحد، إياك وطريق الانتقام المظلم.
-لا تخبرني بأن جعبتك فرغت يا خالي وأنك لن تنتقم ممن فرقتك عمن تحب، بل وقطعت صلتك بي.
يضيق عينه ويقول بثبات
-هذا لا يعد انتقام..بل استرداد حقوق.
-لماذا لم تخبر أمينة؟
-لا داعي لذلك، إن كان لي نصيب معها سيمنحني الله الوقت لاستردادها.
يستمع لصرير الافكار التي تحاك في عقل خاله وهو ساكن أمامه، يعلم بأن عقله ليس سهلا، وانه عندما يرغب في استرداد حقوقه سيستردها بالفوائد.
يتشرب كلماته ويتعلم منه ويقتدي به..
ليس هناك من لم ير حب خاله لأمينة، واهتمامه بها، حبه كالأرض المغلفة بالحرير، يخشى أن يطأها فتنزلق قدمه، ويستمر في نسجها لتكون لتكون كافية لهم معا.
وهي كالفراشة التي تتعلق بزهرة، بعد طول جوع لترتشف رحيقها.
حقا خاله لا يليق بعاليا، هو يحتاج لامرأة يسعد بها بعد نهاية المطاف والتحمل، والمجازفة..
يفرك كفيه بمرح، يؤكد على تصديقه له
-حسنا، ما الخطة.؟
تزور شفتيه الابتسامة أخيرا بعد أيام باهتة
-لا شأن لك بها، فقط..اهتم بشؤونك..وإن احتجت مساعدتك سأطلبها..
قام متعجلا يتوجه نحو الباب
-كن مستعدا.)
يعود من ذكرياته لجلسته على كرسيه ليقول مهادنا يقظة ضمير خاله، فلو حكَّمه أحد على عاليا لأوسعها ضربا ولم يكن ليتركها إلا في مستشفى المجانين.
-هل تتعشى معي، كنت أعد البيض الذي تحبه، ولدي ثلاثة علب من الزبادي..أنا اثنين ولك واحدة،ما رايك؟
يبتسم وهو يرى مكسبه الوحيد في هذه الليلة القاتمة..هو سالم.
كان يعلم..صدقا كان يعلم أنه مكسبه، مع كل انجاز للعمل..مع خوفه على كل قرش جمعاه سويا، لكن كان ينقصه اعتراف كهذا
-موافق.
غادر إلى المطبخ وتبعه عبد الرحمن، يراقب تحركه في هذا المطبخ الضيق..
يضع طاسة ليكسر البيض بداخلها فتسقط بقشرها..يضع أصبعه في الطاسة الساخنة ليزيل قشرة البيض بسهوله وكأنه معتاد على إسقاط البيض بقشره..
-هل توقفت عن ملاحقة ايمان؟
يضع البيض في صحنه، يجيبه بشفافية
-لا..
يخرج تبعه سالم يحمل الخبز والبيض، بينما هو يحمل الزبادي
يجلسا على طاولة بسيطة..يشرعا في الطعام..ليردف سالم بشرود
-لم تتوقف هي عن ملاحقتي.
يضع الطعام في فمه، وعينيه متعلقة بسالم، الذي تقمصته روح غريبة..
يشير عبد الرحمن باصبعه، يدور به..ويقول
-اكمل..
-لا شيء.
توقف عن الطعام للحظات
بينما عبد الرحمن يتناول ملعقة من الزبادي يقول بمشاغبة، متوقفا عن الاسترسال فيما يخص إيمان .
-ظننت الزبادي من صنع يديك في متجر العم ربيع، يبدو أنك لست متفرغا لاي شيء.
يتنحنح بحرج، هو حقا غير متفرغ، إلا لها، والتفكير بها وكل ما يخصها حتى وهو في تمرينات التجديف..تشغل باله دوما.
***
-لابد وأن أذهب لأعد شيئا للضيف يا أمينة.
تجذبها أمينة تجلسها جوارها وتقول
-على ما يبدو هو ضيف غير مرغوب فيه، لا أظن أن الخالة فوقية ستريد إكرامه.
انزعجت أميرة من كلمات أختها، فأردفت أمينة وهي تناولها حجابها
-أنا أمقت استهتاركِ بحجابكِ يا أميرة، خرجتِ هكذا أمام الغريب.
تناولت حجابها منها تضعه حول رقبتها بضجر مغتاظة من تحكمات أختها ولا تستطيع مبارزتها بالكلام الآن.
دقائق وانتبهوا على صوت الخالة فوقية يرتفع، وصمت من جهة الضيف، تتوالى عليه بالكلمات التي يسمعنها بتشوش هي و أميرة بينما إيمان تشير إليهم
-ما الأمر
وهي تجد ملامحهم تتبدل وتتوجه ووجوههم نحو الخارج بتركيز.
أشارت لها أمينة بأن الخالة فوقية منفعلة، وتزعق بالضيف.
شحب وجه أميرة، تضع كفها فوق صدرها تتتوسل قلبها الهدوء، خائفة من انكشاف امرها معه، ستكون فضيحة أمام الجميع.
ترفع كفها نحو شفتيها تكتم انفعالها وأمينة غائبة عنها وهي مصدومة من صياح الخالة فوقية على هذا النحو.
عاصفة أزاحت في طريقها كل شيء حتى سكنت بصمت مطبق منتهيا بسباب لضيفها.
خرجن إليها ليجدوا محمد فوق كرسيه لا ينطق، والخالة فوقية تسيل دموعها بلا تمهل دون أن ترمش، وكأنها دخلت حالة عصبية تمنعها التفاعل مع ما حولها.
أهتمت بها أمينة تمسكها من ذراعها تصفعها برفق وهي لا تحيد بنظرها عن محمد الذي سقطت أميرة عند قدميه تهزه برعب، تهز وجهه وهو بين كفها تضغط على وجنتيه.
دموع تسيل من عينيه ساخنة ولا يسمعها أو يجيبها، فالتفتت نحو أمينة تنشد المساعدة، أزاحتها عنه وهي تقول
-أحضري عطر الخالة من غرفتها.
تضع يديها خلف رأسه تعدلها بدلا من ميلها، تسعفه حتى تأتي أميرة التي نزلت دموعها مدرارا وهي تراه على هذا الحال.
عادت بالعطر بيدها المرتجفة تناوله لأمينة، قدم منثنية بارتخاء للخلف، والأخرى مفرودة باهمال، كفيه متهدلين فوق مسند الكرسي، رأسه كالهلام بين يدي أمينة.
جلست مجددا جواره أرضا على ركبتيها، تهمس بجوار أذنه
-محمد، قم أرجوك.
تمسك كفه لتهزه فوجدتها باردة كالثلج، مع صياح أمينة الذي أفزعها
-احمليه معي هناك على تلك الأريكة يا أميرة، بسرعة.
حاولوا ولم يستطيعوا، ففطنت إيمان لما يريدان سريعا، أزاحت بساط الأرض الذي يفصلهم عن الأريكة، وأشارت إليهم أن يسحبوه إليها .
فسارعت أمينة لفعل ما قالته أختها، فاختزلت الطريق بأن سطحته أرضا
-فكي حزام بنطاله، واخلعي حذاءه.
رفعت كنزته الثقيلة وفتحت حزامه الضيق سريعا، ونزعت عنه حذاءه، حتى انتهت أمينة من توسيع ياقته الصوفية بيديها تبعدها عن رقبته.
وقفت ترفع قدميه حوالي 30سنتيمتر فوق مستوى قلبه تساعد دمه للتدفق إلى دماغه.
لازالت أميرة على ركبتيها تصارع الموت خوفا وهلعا مما يحدث.
أمينة ثابتة على زاويتها، عينيه لازالت تفيض بالدموع، ثم انفرجت قليلا، تشاهده في محاولة بائسة لاسترداد وعيه.
يحرك رأسه ببطء، لحظات وفتح عينه برؤية مشوشة.
خفضت أمينة قدميه برفق وتناولت هاتفها مبتعدة تجري اتصالا هاما، ليجيبها
-سالم، هل يمكنك المجيء إلى بيتي الآن بسيارتك.
-ظنتت بأنكِ تشعرين بالفراغ فاتصلتِ تسبيني.
-ليس هذا وقته، الأمر طارئ، سأتعامل معك كأي سائق غريب، كنت لأتواصل مع تطبيق سيارات الأجرة، لكني أحتاج لشخص أعرفه، هناك ضيف عندي أصيب بصدمة على ما يبدو وفقد وعيه، أريدك أن تعيده إلى بيته وفقط، هي مهمة إنسانية على كل حال.
-دقائق وأكون عندك.
بينما المستلقي أرضا لازال تائها لا يعي أين هو، يلحظ وجود أميرة جواره بشعرها الملتصق بخديها من كثرة الدموع.
هل تسكب الدموع لأجله..!
أين هو؟
يدور بعينيه حوله فلا يتعرف على المكان، هي تضع يديها فوق صدره، وتتحدث بشيء لا يسمعه، طنين بأذنه، ومطارق داخل رأسه.
يشعر بصداع حاد يكاد أن يفتك به.
تهز جسده ولازال يحلم بوجودها..هو حتما يحلم، من أين جاءت أميرة.
تراقب عينيه الغائمة، تجزم على تشوش رؤيته فعينيه غير ثابته فوقها وجفنيه مثقلين.
تهزه وهي تقول
-محمد هل تسمعني؟
بينما فوقية أغمضت عينيها أخيرا التي لم تفارق تسارع ما حدث، تتمزق من داخلها لأجله و شعورها بالتشفي فيه غير مكتمل.
لم تشعر بذرة ندم أو تراجع، كان لابد وأن يعرف، لا أحد يعرف حقيقة ما حدث سواها هي وفق الرسالة التي قد أرسلتها أمه لها قبل انتحارها.
عاش متبجحا طولا وعرضا ولا يعي حجم الكارثة التي خطها بحمقه.
تندم على موافقتها على لعبة أمه وصالح، ليته كان شرطي حقيقي لربما هربت من مصيرها لو كان التحقيق رسمي لأخذ كلا جزاءه.
يمسك كفها متمسكا بحلمه، يجذبها ليعتدل فلا يستطيع، لازالت الدنيا تدور حوله، فيتمدد مجددا.
ساعدنه هي و أمينة ليقف بمساندتهن، ليجلسوه على الأريكة المقابلة.
يستعيد تركيزه قليلا، ويمسك رأسه بقوة عل تلك الطرقات تتوقف.
تناوله أميرة كوب العصير فيرفضه.
يستند بظهره للخلف، ويرفع عينيه إليها ويقول بصوت خشن سحيق
-ماذا حدث؟
طرقات قوية على بابها جعلتها تفتح لتجد سالم يوليها ظهره وهو يطرق باب شقتها، بينما اصطدمت بعبد الرحمن يقف على طرف السلم حتى لا يكشف المنزل.
-ما الذي يحدث، أي ضيف هذا الذي عندكِ؟
يتحدث إليها بسلطوية وتملك، ليتخطى الدرجة الفاصلة بينهم ليسد الرؤية أمامها، فتشير بإبهامها إلى الخلف
-إنه ضيف خالتي فوقية، سقط مغشيا عليه فذهبت لإسعافه.
أزاحها باشارة من يده ليدخل فيتبعه سالم الذي ما إن دخل حتى خفق قلبه لرؤيتها هناك في الزاوية بوجه مترقب، ينتقل ببصره نحو الحزام الملقى أرضا في تساؤل عبد الرحمن الغاضب
-ما هذا؟
لا تستطيع السيطرة على سعادتها البائسة بتجهمه وغضبه، تحقق انتقام بسيط لم تحسب له، الآن ينزعج من وجود رجل وهي معها أختيها وخالتها، بينما هي تكاد أن تتمزق من انفراده بعاليا ونومه جوارها.
أهذا عدل؟!
نفخت في النار
-حزام محمد، لقد اغمي عليه وكان علينا التخلص من كل ما يضيق الخناق حول أنفاسه.
قال بسخرية قبل أن تنتقل عينه نحو "محمد"وقد استفزه نطقها لاسمه بهذا التباسط
-أنفاسه؟
وعندما رفع محمد رأسه المشوش، وأبعد يديه عنها حتى قال عبد الرحمن بغضب حقيقي
-أنت..ما الذي تفعله هنا؟
أمسكه سالم بقوة وقد أشفق على حال الرجل من غضب خاله، ما يسر قلبه هو انزواء حبيبته بعيدا عن كل ذلك، ولا يظن بأنها شاركتهم الإسعافات.
بينما عبد الرحمن ينازع سخطه عليها، حتما فكت حزامه، ولمست صدره، وجبينه، أذنه..
يا إلهي سيموت الآن، سيسقط صريعا لتلك النيران التي تملكته.
-وما الذي أزاح ذلك البساط ولماذا؟
-لقد أزاحته إيمان اشفاقا علينا من حمله، وجهتنا نحو سحبه أرضا، فقمت بإسعافه هناك.
كلمة قمت..أنا..بإسعافه..مزقته..
يشعر بضلوعه الآن تتمزق من شدة غيرته عليها، وهل يحق له؟!
تراخت يد سالم حول خاله ما إن سمع أن إيمان ساعدتهم، يا إلهي..كيف!
انعقد حاجبيه يحاول السيطرة على نفسه كي لا يبدو مثل خاله..
ينظر إليها بلوم فاخفضت نظرها عنه، جلبابها الأحمر الثقيل وحجابها شفعا لها لديه ، فهدأ غضبه..
بينما أميرة تجلس جوار محمد، تحاول البقاء على تركيزه، تدفع نحوه كوب العصير مجددا فيشيح بوجهه مجددا.
فنحت أمينة اختها لتأخذ الكأس منه وتناوله لمحمد، على مرأى من عبد الرحمن وكأنها تخبره بعدم اهتمامها بوجوده..
-لابد وأن تشرب حتى تستعيد وعيك ونشاطك قليلا، هيا.
هذا القرب أشعره برغبة ملحة في تهشيم شيء فوق رأس هذا الكائن أمامه ، لم يشعر بنفسه إلا وهو يختصر المسافات ويجذب الكأس منها يزيحها إلى الوراء، ويناوله هو الكأس بنفسه عوضا عن تكسيره فوق رأسه ورأسها.
فأنهى محمد الجدل الذي يزيد من صداعه، تناول العصير رغما عنه.
ذهب عبد الرحمن إلى حذاءه ودحرجه بقدمه إلى أن وصل إلى محمد فقال
-ارتدي حذاءك.
ففعل بتعب وعينيها تلاحقه بيأس، تود لو تساعده، يدفع عبد الرحمن حزامه إليه بحدة، فانتفضت أميرة تصيح فيه
-ما هذا الذي تفعله، لماذا تتعامل معه هكذا، ألا تملك في قلبك شفقة؟
كانت تصيح فيه ولازالت شعيراتها ملتصقه بوجنتيها، بوجه محمر وصوت متهتك، فناظرها عبد الرحمن بتمهل.
-أميرة، كيف تتحدثين إليه هكذا؟
-ألا ترين طريقته في امتهانه، هو مريض، متعب، ويأتِ هو ليكمل عليه.
ظل عبد الرحمن يراقب انفعالاها، وقد تيقن بأنها أميرة، وتيقن أيضا أنها تحمل في قلبها شيء لهذا الوغد، لكنه يجهل هل ابتعد عنها كما أخبره في لقائهم الدامي الأخير، أم تمادى.
ليس لديه معلومة للأسف .
-أنا آسفة يا عبد الرحمن، أميرة رقيقة القلب، ليست معتادة على هكذا أشياء، عذرا..
التفت يوليهم ظهره منصرفا، تاركا كلماته خلف ظهره لسالم
-اسنده أنت، سأنتظرك بالسيارة.
وغادر بغضبه وغيرته، منحها حضورا طاغيا، ثم ذهب لتبهت ملامحها ويخفت توهجها المشاغب.
يضع حزامه فوق كتفه، يحاول الوقوف فكاد أن يسقط فاقترب منه سالم يسنده، يطوق خصره بينما لف أحد ذراعيه على كتف سالم، ليلقي بجسده عليه، متهالك ومنهك حد الألم.
ودعته بعينيها، هيئته تختلف تماما عن توهجه وقت قدومه، وبين انطفاءه الآن وكأنه ذاهب إلى قبره.
مسحت دموعها وجلست فوق الأريكة مكانه.
وإيمان لم تبرح مكانها بعد وقلبها لازال يدق بسرعة من أحداث اليوم، لقد خافت، وارتبكت، وشعرت بانهيار جدار الأمان الذي يحاوطها حتى جاء، في مجيئه راحة لقلبها رغم ركضه، وانتظام لكونها رغم صخبه.
وأمينة تنظر في أثره، لا تعرف هل هي سعيدة لأنها أثارت حنقه عن قصد، أم غاضبة منه ومن أفعاله .
توجهت انظارهن نحو الخالة فوقية، التي بدأ نشيجها يعلو، فيبدو أن تلك الليلة لن تمر على خير.
***
تضع بعض الملفات فوق رأسها اتقاء الشمس، تنتظره منذ نصف ساعة بعد أن أصبح على عاتقها كل شيء، فكانت الاتفاقات والاستلامات والاستحقاقات من نصيبها هي.
تراه قادما من بعيد..مرهق كثيرا وكأنه لا ينام، طبعا ليست هي وقصة الأمس السبب، مع أنها هي نفسها لم تنم جيدا حتى الصباح، فغادرت هي وأخواتها عند عودة العم سلامة.
وعندما اقترب أكثر لمحت خطوط منهكة حول فمه، دلالة على كثرة زمه بحدة..
هي تعلم ملامحه وقت التفكير العميق أو اشتداد أعصابه وانشغاله بشيء ما.
دون أن يقصد يضغط على شفتيه، يزويها إلى اليسار بشدة..فتترك أثرها خيوطا رفيعة حولها.
يقف امامها بثبات
-لقد انهيت الامور العالقة.
تنزل الملفات عن رأسها فتضرر من أشعة الشمس وتقول
-ليس كلها، لقد هاتفني أحد العملاء، يخبرني بأن شحنة أخرى قادمة وعلينا إنهاء أوراقها من الجمارك.
يسير فتتبعه، يقف في مكان لا تطاله الشمس، بعيد عن الأعين، يخرج نظارته الشمسية المتعلقة بقميصه..
-ارتدي هذه.
تمسكها تنفذ أوامره، وهي ترى العرق يغزو رأسه، فينزلق على جانب وجهه، وتفهم أنه بلغ الحد من الحرارة التي تستوقفه عن الفهم أو التركيز..
فقالت تنجز عملها
- وقع هنا، واذهب..سأكمل أنا باقي الإجراءات.
يوقع في المكان الذي حددته..
يشعر وكأنه سيسقط من كثرة التفكير والإنهاك...يتعامل معها ينهي الأعمال، إلا أن بداخله لهيب غير قادر على اطفاءه منذ الأمس.
كان محمد في حال لا يسمح له بصب غضبه عليه، يبدو أنه نال ما يكفيه هناك فلا حاجة له بالمزيد.
لقد ظل طوال الطريق كالتائه، كمن وجد في زمن آخر بروحه وجسده فلا يعي ما يحدث حوله.
وعندما أوصله عبد الرحمن حيث شقته، أخبره سالم بأنه سيتولى الأمر من هنا وليغادر هو.
يوم حار من أيام أمشير تصحبه الأتربة، والفارق بين الأمس واليوم كثير، تلك الحرارة قضت على تماسكه..وكأنه التقط ضربة قاسية فوق رأسه منها..تضيق أنفاسه ..
تراقب شحوبه
-سيد عبد الرحمن، هل أنت بخير؟
يزم شفتيه كعادته..
يسبل عينيه بتعب..
-هل تناولت فطورك.
لم يجيبها قد تراخت قدميه فمال بجذعه إلى الأمام كوضعية الركوع..
تخرج من حقيبتها مياة باردة تصبها فوق رأسه، ثواني قليلة مرت ولم يشعر بتلك البرودة حتى انتفض برأسه ..يستقيم وقد امتلات ثيابه بالمياة..يتنفس منتفضا..ينظر حوله وكأن الصورة قد اتضحت عما قليل..
زجاجة لبن بطعم الفواكه ناولتها له..اخذها وقد تذكر أن آخر وجبة تناولها منذ الأمس مع سالم..
هل اوصلك إلى السيارة؟-
يرفع وجهه المبلل بالمياة نحوها..يستشعر قلقها ويتشرب لهفتها عليه، مأخوذا بأي بادرة منها.
-هيا لنكمل باقي الأعمال.
يسيران معا ينتظران سويا سير الاجراءات وقد رفض المغادرة..
يراها وهي تتعامل بصوت خشن لم يستمع إليه من قبل تحث العمال على الإنجاز، ربما لأنها تراه منهك، وهو يراها رجل ينقصه شارب..
جفت ثيابه بتأثير الشمس، وشعره القصير عاد لطبيعته الغير متكلفة
في نهاية اليوم غادرا معا بسيارته نحو المكتب..
تعلم جيدا بأنه سيغرق نفسه في العمل ولن يتناول شيئا..لمحت رجل يقف بعربة صغيرة يصنع شطائر الجبن الرومي بشرائح الطماطم.. والمربى بالقشدة..فقالت
-عذرا..هل يمكنك التوقف هنا للحظات؟
كانت إجابته أن صف سيارته في المكان الذي أرادت، يتابعها عبر مرآة سيارته..
تشتري طعام..
منذ متى لم تحضر له عاليا إفطار أو غداء، وهي بالكاد تقف..
تعف عن الطعام وقد بصقت أدويتها آثارها الجانبية فباتت لا تفارق الحمام..من القيء والشعور بالغثيان..
يستمع لصوت باب السيارة يفتح فيخرج من شروده..
تمد يديها نحوه بالطعام
-مربى المشمش بالقشدة، وجبن شهي، لا أعلم كيف يحافظ البائع على سخونة خبزه، يبدو أن هذه العربة المتحركة تحمل الكثير من المعدات.
يتناول منها الطعام ، يشغل المحرك، يأكل وهو يقود كما كان يفعل قديما أيام بناء الذات وضيق الوقت..مع سيارة أصغر من هذه..وأفقر كثيرا..
-من محمد هذا؟
سألها ليعرف مدى علمها بالأمر .
قالت بعمليه، رغم حشر أنفه فيما لا يعنيه
-زميل أميرة في العمل والدراسة.
عين على الطريق ويد بها الطعام وتساؤل متطفل
-وهل ذلك يمنحه الحق لزيارتكم؟
يأكل ليصبغ حديثه بالألفة الممتزجة بالتسلية فتجيب
-كان ضيف خالتي.
-هل جاء لخطبتها
-الأمر مصادفة، أنا لا أعرف من هو بالنسبة لخالتي، ما أعرفه أن أميرة تعرفت عليه هو مجرد زميل، الأمر لم يتعد ذلك.
-انتبهي عليها جيدا.
تحذير مقتضب.
تجيبه وعينيها على طعامها، تزيل عنه الورق
-ستشتد ظهورهم... سيحدث مع الوقت.
يلف بالسيارة في ملف بسيط، يضم يديه معا لياخذه وهو يحمل شطيرته
-لن يصبحوا مثلكِ يا أمينة.
قالها وقد استبدت عاطفته بها عن غضبه بالأمس، بعد أن وضع نفسه مكانها فشعر كم هي تتألم.
لا يستطيع منع كلماته التي تنفلت رغما عنه، ولا السيطرة على غضبه كما حدث بالأمس.
يهز رأسه متفهما مشاعره التي قاطعها بتساؤله
-هل هناك شيء يحتاجني اليوم؟
-لا سيد عبد الرحمن.
قال بنفاذ صبر
-توقفي عن مناداتي سيدي يا أمينة.
تلعثم غاضبا من نفسه ومن تلك اللفظة التي تضعه فيها في مكانة حازمة بعيدة، لابد وأن يكمل جملته فقال مندفعا بغضبه
- اعتبريني أخ أكبر لكِ
لقد توقفت فعلا ..لكن عن الطعام..
لقد هزتها لفظة أخ ..
تنهر نفسها..وماذا لو لم يكن أخيكِ، رب عملكِ..لكن أبدا لن ترقي لأكثر من هذا..ثم كيف..وهو متزوج..إن كان يكن لكِ المشاعر لاختاركِ انتِ ايتها الغبية..
وصلا إلى وجهتهم..تجمع المخلفات..تحملها وتلقيها في أقرب مكان..
غير منتبهة لتجهمه وهو يسر خلفها..
**
لقد حافظت على الحد الأدني من التعقل وهي تتمالك نفسها الممزقة وهي تشاهده بهذا القرب منها لينفلت هذا التعقل الآن وقد رأته يدخل إليها بوجه هادئ متزن بينما هي تحترق، هو يتنازل عنها كالشجرة التي تتبرأ من أوراقها فتتساقط في الخريف
-كنت معها؟
تصرخ فيه محمرة العينين مشدودة العروق، بلغ منها الغيظ مبلغه
-تعطيها نظارتك، تأكل معها..تحميها من ظلال الشمس..أنت لازلت تحمل لها مشاعر يا عبد الرحمن أنا أقسم على ذلك.
باتت تمثيليته سقيمة..لم يعد بقادر على تحمل المزيد منها
-كنتِ تعلمين بحبي لها قبل زواجنا ، ألم يكن حبي لها واهتمامي لأمرها ولأخواتها سببا رئيسي في قبول زواجي منكِ.
تضرب صدره بعنف واهن فيقول وقد ثار خروجها تساؤلاته، هو جعلها تحمل اسمه لأنها وعدته بالمكوث في البيت..ما الذي يدريه لعلها خرجت لمواعدة أحدهم..
هو لا يثق بها..
-كيف خرجتِ وانت بهذا الحال؟
-أنت تركتني وأنا في عز حاجتي إليك، لقد استيقظت ولم أجدك.
-هل تريديني جواركِ وأنتِ تتعافين من ذنبك القديم، من علاقتكِ برجل شوه معالمكِ، حطم هويتك لتتكففي الحب ممن يكرهونكِ.
يفك أزرار قميصه ويلقيه على وجهها
-ازيلي عن هذا الوسخ..ليت باستطاعتي أن ازيلك عن حياتي التي لوثتها.
-لا تنكر علاقتك بها، هل تماديت معها يا عبدالرحمن..لربما تزوجتها..كانت تهتم بك اهتمام الأزواج.
تصرخ وتصرخ، حلمها الذي حاربت لأجله يتلاشى، فشلت في جعله يحبها، لقد حاولت..تقسم بأنها حاولت لولا ماضيها الذي هاجمها بضراوة..حاولت أن تحب نفسها وتلبي طلباتها في الفوز به عوضا عن كرهها لنفسها طوال الوقت..
ألم تكن أولى نصائح طبيبتها أن تحب نفسها أولا..وهل هناك أكثر من حبها لعبد الرحمن الذي أدر عليها حبا مماثلا لذاتها.
يخلع بنطاله يدفعه نحوها
-وهذا أيضا..إن كان ما تفعله معي حب زوجة لزوجها..إذا أريني أنتِ كيف تحبيني يا عاليا، أريني إخلاصكِ لي وتفانيكِ لإرضائي وأنتِ غير قادرة على الوقوف..امنحيني سببا واحدا لأبقيك على ذمتي..أنتِ مجنونة..هل تعلمي معناها..أنا لست مكافأة لصبركِ فأنتِ لم تصبري إلا على الأذى..تصبرين على التفريق بيني وبين من أحب ..تشوهين سمعة فتاة بريئة لا تفهم قبح العالم، تفرقين بيني وبين ابن أختي المتبقي لي من عائلتي..أنتِ فرغتني من كل شيء وتطالبيني بالمنح..كيف؟
يهزها بقوة
-أخبريني كيف وأنا فارغ..؟
تهز رأسها وقد مسح عقلها كل اتهاماته عدا حبه لأمينة
-لا..لا..لا تقل بأنك تحبها يا عبد الرحمن..لا.
-بل أحبها..أحب اهتمامها بي وحرصها على صلاح حالي حتى وأنا بعيد عنها..أحب حيائها وخفض بصرها عني رغم معرفتي جيدا بمشاعرها..أحب عفتها وبرائتها يا عاليا وذلك مالا تملكينه..أمينة التي تزن مئة رجل أو يزيد تكافح لتبقى هي وأخواتها..تربي وتعمل وتلبي بينما أنتِ تخططين لهدم بنائها، أنتِ خلقت للدلال..أنا أعلم كل صراعاتكِ والتي فشلتي في حلها باقتدار..حتى علاجكِ.
تجلس على كرسي قريب، تبلع ريقها باهتزاز وكأن جفاف حلقها عقوبة أخرى ..
تلتحم أسنانها بفقر مدقع فلا تملك قوة لضغطها..
يتركها خائرة القوى ليذهب إلى الحمام..يغسل عنه قذارة حديثهم..
تحاول رفع يديها تزيح شعرها عن وجهها المتعرق ولا تستطيع..
بوهن تفكر..
يقارن بينها وبين أمينة الوضيعة..
يقارن ما حدث لها بما تعانيه أمينة ..
يكفيها ما حدث لها حين شاهدت فيديو موت سلمى على الإنترنت ..
جسدها العاري الذي ذكرها بجسدها هي بين يدي كمال، تلك العلامات والكدمات على جسدها كالتي خلفها كمال على جسدها..مؤكد كان برضاها كما كانت هي راضية..
تحتوي رأسها بكفيها..
تتذكر أول مرة شاهدت فيه السوط ملقى أسفل السرير، أول هدية أهداها لها كانت القيد..أول درس تعلمته.أان تكون مقيده به وله..
ربما لم تشفى لتستبدله بعبد الرحمن..
هي مجنونة!
الأنها أحبته وامتلكته..
ألأنها استمعت لكلمات العجوز بأن العالم لم ينتهي وعليها بتجاوز الأمر ..
تصرخ عالياً ..
تسيل دموعها دون أن تشعر..هي تجن الآن وليس من قبل..هي ستفقده..تشعر بذلك..كيف ستعيش بدونه وقد طيب جروحها باهتمامه..
تنظر إلى ثيابه الملقاة ارضا..
تسقط جوارها تقربها من صدرها، تدس أنفها متنعمة في رائحته..
-لا..عبد الرحمن أنا احبك.
يسقط شيء من بنطاله ..تتناوله بشغف..
إنه هاتف..الذي اشترته لمحمد.. فتحت الهاتف تقلب في قائمة الإتصالات لتجد رقمها، رسائل مرسلة إليها ..
تتسع عينيها..تزيح البنطال عن رقبتها..تزحف على مؤخرتها للخلف حتى التصقت بالحائط..
تبكي وتبكي..جلدها الأبيض التهب من شدة البكاء..والرثاء..
عقلها يئن من شدة عمله، مؤامراتها، صلابتها، حقدها على كل من اهتم به غيرها..
ترفع نظرها إليه كالاموات..تصرخ..
تصرخ مجددا..يرمقها وقد شلت ردوده مما تفعل..يتركها حتى تفرغ كل غضبها..
مر وقت طويل عليه حتى فرغت وانهكت قواها..فتقول بوهن
-انت من تخيفني؟
يتعجب من انقلابها
-تتحدث إليّ وتغلق الهاتف..ترسل لي رسائل!
يزم شفتيه بتعب، وبخيبة أمل استند بيده على الحائط خلفه
-أنت كنت مخاوفي؟
بل حققت انتقامي فيكِ، لكنني للأسف لم أكمله.
قامت تتحامل على ما تبقى من قوتها تواجهه
-أنت مجنون لا تختلف عني في شيء.
-بل طالبا ثأري وثأر كل من ظلمته.
-من منحك الحق لتفعل هذا بي، أنت مخادع، أنت أخذت مني الكثير يا عبد الرحمن، الكثير في حين أنك لم تمنحني شيء.
-لقد منحتكِ زفاف تحاكى به الجميع، منحتكِ الستر الذي سيظل جميل يكبل عنقكِ ليوم الدين يا عاليا، منحتكِ صك الحرية من آثامكِ لتبدأي من جديد مع غيري.
تمسكه من تلابيب ثيابه تهز جسده بجنون، كيف يعايرها بأشياء لم تسعَ إليها .
لم تسع للستر، ولا للزواج من غيره، هي تريده هو..فقط هو.
-وأنا أعطيتك عقلي وقلبي، وجسدي يا عبد الرحمن.
يرد كلماتها المتخثرة، يقذف بيديها عنه وكأنها ستلوثه
-إن كان عقلكِ فقد صدقت، لقد استهلكته كثيرا للإيقاع بي، واما الباقي فكذب وافتراء، قلبك أحب لعبة بجنون فكسرتيها قبل امتلاكها، وجسدك فكان لغيري فاستباحه دون الحلال، توقفي عن الكذب وتصديقه.
تمسك رأسها بألم، تشعر بالدوار ورغبة عارمة في التقيؤ..
الآن يبصقها من حياته..يكفيها معاناتها من كمال..
تلك الأنفاس القذرة التي تعلمها..، همهمات مرعبة تصلها عبر الهاتف فيرتجف ثباتها، تلتهم المزيد والمزيد من المهدئات حتى اصبحت لا تستطيع التفرقة بين الواقع والخيال..بين الكوابيس والحقيقة.
تجلس بوهن أمامه..تشعر بالبرد..
تجذب سترته من جوارها تحتمي بها..تنتفض بخوف..
تمسك رأسها متزعزعة الروح..
-هل ظننت بأني ساذج إلى هذه الدرجة يا عاليا..اتنازل عن أحلامي بسهولة ولا أقاتل لأجلها..أنا لا أحبكِ، ولا أريدكِ، لقد دخلت إلى حياتي عنوة..تجاوبت معك تعلمت من ذكائك لاسترد حقي منك..حق أميرة التي اقحمتها بيننا، أمينة التي انطفأ النور بعينيها لفقدي..سالم الذي ابتعد وأوشك على تدمير ذاته.
ينزع سترته عنها بلا شفقة..
-أنتِ شيطان غير قادر إلا على الإيذاء..لا يحب، ولا يقدر قيمة الحب..لقد توقفت عند سن الخامسة عشر بعقدك وجنونكِ، أنتِ لم تشفي بعد يا عاليا وأمامك طريق طويل
يقذف سترته أرضا، يدهسها بقدمه
-طويل جدا..وستسيرين فيه وحدك
يشعر بثقل لسانها وقد أوشكت على التحدث، إلا أنها سقطت أرضا ليرتطم رأسها بقوة..لينتبه أخيرا إلى علبة الدواء الفارغة جوارها..
***متحرمونيش من تفاعلكم 💋

أنت تقرأ
بطل الحكاية
Mistério / Suspenseالجزء الثاني من Abasement(إذلال) تكملة لقصة عاليا وظهور ابطال جدد وقصص جديدة. لقراءة الجزء الأول من هنا https://www.wattpad.com/story/210517528?utm_source=android&utm_medium=link&utm_content=story_info&wp_page=story_details_button&wp_uname=HalaHamdy...