الفصل الثالث : خطأ أم صواب ؟

5.7K 444 292
                                    

قد يأخذك القطار الخطأ .. إلى المحطّة الصحيحة أحيانا

**************

هل تعرف ما تعنيه كلمة هيستيريا ؟  .. ‎‫في الواقع أن لفظة هستيريا مشتقة من كلمة (رحم) باللغة اللاتينية .. حيث كان الناس في السابق يظنون أن المرض مقصورا ‬‎ ‎‫على النساء فقط .. وإعتقدوا أن الرّحم سببه .. و بالطبع لم يكن هذا ‎‫الكلام صحيحا .. فالهستيريا كما يعرفها علم النفس الحديث هي هروب من‬‎ ‎‫ضغط نفسي شديد تتعرض له شخصية غير ناضجة .. وقد يصل الأمر‬‎ ‎‫إلى أسوأ صورة فيصاب الإنسان بنوع من إنفصام الشخصية .. أو‬‎ ‎‫يصاب بصداع هستيري .. عمى هستيري .. أو حتى شلل هستيري‬‎ ‎‫فيتصلب تماما وكأنه جثة هامدة ..‬‎ و بالطبع .. هناك الضحك الهستيري .. ذلك الضحك الذي لا يتوقّف و قد يصل صاحبه إلى حدّ النوبة ..

كان هذا بالضبط ما يحدث مع لتين الآن .. فقد دخلت في نوبة هستيرية من الضحك دون توقّف .. حتى أنها إضطرت لوضع يديها على فمها كي تكتم صوتها و لا تتسبب في إستيقاظ أحدهم ..

ظلّ تميم على حالته نفسها من الجمود .. جلسته مرتخية تماما و ملامحه هادئة كليا .. ليس و كأنه قد ألقى قنبلة موقوتة على مسامعها منذ دقيقتين ..

راقبها و هي تحرّك يدها بعيدا عن وجهها لتستقرّ فوق صدرها كأنها بذلك تهدّئ من ضربات قلبها التي تسارعت إثر ضحكها المتواصل .. قبل أن تميل برأسها في الإتّجاهيْن .. و تقول بحمحمة بسيطة مع المحافظة على إبتسامة ساخرة :

" مزحة سخيفة يا إبن عمي .. لكنّها و الحقّ يقال .. مضحكة .."

عدّل تميم من جلسته دون قطع تواصله البصري مع عينيها .. شعرت في تلك اللحظة أنه يحاول إستكشاف أعماقها من خلال نظراته .. يحاول العبث بقلبها كما يفعل دائما .. أو ربما يسعى لإكتشاف ما تخفيه خلف نظرتها ..

لم يكن يعلم .. أنها و إن كانت قد تعلّمت شيئا من حبّه .. فقد تعلّمت كيف تخفيه عن الأعين .. كيف تدفن مشاعرها بحيث لا تسمح لأحد برؤيتها لا على تصرفاتها و لا على تعابيرها و لا حتى على نظرة عينيها .. لم تفشل في ذلك أمام أحد من قبل و لن تفشل أمامه .. بل لا يمكنها أن تفشل أمامه ..

لذلك رفعت رأسها بشموخ و بنظرة حادة .. أردفت بصوت منخفض حمل مسحة من الغضب :

" إن لم تكن ستخبرني بسبب إستدعائك لي .. سأضطر للإستئذان .."

لم يجبها في الوهلة الأولى .. ما جعلها تسحب كرسيها إلى الخلف لتنهض .. لكنها توقفت جافلة و هي تقبض على طرفي مقعدها .. عندما جاءها صوته المبحوح .. يقول بنبرة عابثة :

" لقد أصبحت شرسة أيتها الصغيرة .."

رفعت بصرها إليه ليقع على ذلك الإمتداد البسيط لشفتيه الرقيقتيْن .. و من ثمّ على زرقاويتيه الداكنتين اللتيْن كانتا تلمعان بشيء من التسلية ..

شيء ما بينناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن