الفصل الثاني عشر : حادث مروّع

5.7K 444 387
                                    


إن لعنة المرء تكمن في أنه لا يشعر بقيمة الأشياء حتى يفقدها

*************


" لأنني أحبّك .."

فقط صدى هذه العبارة هو ما يتردّد داخل ذهنه .. يشعر بها و هي تصمّ آذانه عن كلّ صوت آخر من حوله ..

شلّت الصدمة حركته بالكامل .. فقط وقف مكانه .. مشدوها بها .. مذهولا بكلماتها .. بأيدٍ مرتجفة .. و قلب يكاد يقسم أنّه يشعر به و هو يطرق بأصابعه على أضلع قفصه الصدري ليتمكّن من القفز إليها ..

لم تراوده مثل هذه المشاعر من قبل .. كان مشوّشا .. بفعل كلمة واحدة خرجت منها .. هنا .. أمامه .. و له ..

كان عاجزا أمام تلك الكلمة .. هو عميد القوات الخاصة الذي لا يرفّ له جفن في مواجهة العدوّ و الإرتماء أمام رصاصته .. وقف عاجزا مشلولا أمام المرأة التي عشقها .. فقط لأنها إعترفت بأنها تبادله مشاعره ..

كان يحاول دفع أقدامه للإقتراب منها .. لكنّه وجد صعوبة بالغة في ذلك .. ثمّ ما أن تمكّن من الإقدام على أوّل خطوة .. حتى تجمّدت الدماء في عروقه ما أن سمعها تكمل بصوت قريب من الهمس و هي تخفض رأسها و شلالات دموعها تستمرّ في سيلانها فوق وجنتيْها :

" لم أتوقّف عن حبّك منذ عشر سنوات .."

مهلا .. مهلا لحظة .. يبدو أنه بحاجة لتأكيد ما سمعه .. لا يمكن أن يكون ذلك صحيحا .. من المستحيل أن يكون ما سمعه صحيحا ..

جحظت عيناه .. و تثاقلت أنفاسه حتى إضطرّ لإبتلاع ريقه علّه يستطيع التحكّم في ما حدث داخله من إهتزاز .. تلك الجملة الأخيرة هزّت روحه فعلا .. و كان يتمنّى لو أنّ ظنونه تخيب فيكون ما سمعه مجرّد هلوسات من عقله الباطني ..

لا يعلم كيف .. لكنّ صوته خرج أخيرا بعد محاولات عديدة و هو يسألها بخفوت :

" ما .. ماذا ؟ .."

رفعت لتين رأسها إليه .. بجفونها المحمرّة و وجهها المغرق بمطر عينيها .. ترسم إبتسامة حزينة على ثغرها .. و تجيبه بذات الصوت الخافت الذي حمل مسحة من العتاب :

" لقد كرهتُ كلّ الرجال .. و كنتَ أنتَ الإستثناء .."

لم تكن تكذب .. و لم تكن تبالغ .. فبعد ما حدث و ما رأته من والدها .. أصبحت تقرف من جنس الرجال و لا تحبّذ التعامل معهم و لا الإقتراب منهم .. حتى والدها نفسه .. لكنّ تميم كان إستثناءًا من كل ذلك ..

كان عمره بين الأربعة و الخمسة و عشرين في ذلك الوقت .. بينما لم تكن هي قد أتمّت الثامنة عشر بعد .. لم يكن بالنسبة إليها أكثر من إبن عمّ .. حتى أنها كانت تفضّل خالد عليه .. لأن الآخر كان منعزلا و كتوما و غامضا بطريقة مخيفة .. أضف إلى ذلك كونه إبن تلك المرأة .. إلا أنّ الأمر برمّته تغيّر بين ليلة و ضحاها .. بل بين ساعة و الأخرى .. عندما أنقذها من الحريق الذي أشعلته والدته ..

شيء ما بينناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن