السحب المتفرقة الصغيرة رُسِمَتْ على صفحة السماء وأخذت تتنقل بهدوءٍ وببطىء... إذ أقبل الخريف على هذه المدينة من جديد.. وتحولت طرقها لبساط من أوراقٍ صفراء وبرتقالية متيبسة قد فُرِشَتْ على الأرصفة والطرقات وانتشرت مع هبوب رياح الخريف الباردة..
وفي تلك المدرسة التي امتازت بتعداد الأشجار فيها... كانت قد شكلت فوضى عارمة من الأوراق الصغيرة التي أخذت بالانتشار على نطاق واسع في محيط باحة المدرسة بعفل الريح التي هبت وعصفت في ليالي عطلة نهاية الأسبوع الفائت.
ويالحظ طلاب السنة الثانية.. كان قد تصادف وجود حصة الرياضة منذ الصباح.. ولأنهم لايستطيعون اللعب في مكان فوضوي كهذا... اقترح عليهم أستاذ الرياضة لعب منافسة بين الطلبة..~عليكم يا طلاب أن تتقاسموا إلى مجموعات في كلٍّ منها أربع طلاب... ثمَّ توزعوا في الباحة وتعاونوا لجمع أكبر قدر من الأوراق وتنظيف هذه الباحة... والفريق الذي يجمع أكبر قدر من الأوراق المتساقطة سيحصل على درجاتٍ إضافية!!!
تحمس الطلاب فقط لفكرة الدرجات الإضافية.. وما إن أنهى الأستاذ توزيع الفرق بين بعضهم.. حتى سارعت جينيت لابنة عمها فعانقتها قائلة لها بإحباط:
~أوه آثي! أنا وأنت لسنا بالفريق ذاته!
~ههه... لا بأس.. أتمنى لك التوفيق على أية حال!
~مهلاً.. ايجيكل معك بنفس الفريق ، صحيح؟
~أجل.. لِمَ؟
~هييه.. هل هو قائدكم؟
~نعم.. كلَّفهُ الأستاذ بذلك!
~وااه.. بدأت أعتقد أن فريقكم من سيفوز.. هو قائد ممتاز بالفطرة.. سيساعدكم على الفوز بلا شك! يالحظك ستربحين الدرجات الإضافية!
~اهيهي.. حقاً! هذا يطمئن!
فجأة رن صفارة الأستاذ فودعت جينيت قريبتها على الفور وراحت تباشر عملها..
نظرت أثاناسيا من حولها وشعرت أن هناك شيئاً ما ناقص.. لتدرك بعدها ذلك الأمر..*مهلاً..أين هو لوكاس؟!*
لم تعر الفتاة الأمر أهمية بالبداية وأكملت عملها بهدوء..*لم أنا مهتمة أصلاً؟!*
ولكن وريثما هي تقوم بذلك سمعت صوتا غريباً قادم من وراء مبنى المدرسة..
..~ها-تشو! ~..
أدركت أن الصوت الغريب ذاك هو مجرد عطاس لا أكثر، مع ذلك أرادت التحقق من الأمر فذهبت إلى هناك..
*من يكون هذا؟*
هناك... خلف المبنى... وبين الظلال، كان هناك شجرة صغيرة يوجد تحتها مقعد صغير، لكن هذا لم يكن ما أثار دهشة أثاناسيا، إنما رؤيتها للفتى ذا الشعر الأسود مستلقياً على المقعد كما لو أنه في سريره..
من دون أن تفكر حتى... تقدمت الفتاة نحوه وأيقظته من غفوته قائلةً له:
~هي أنت! لم لا تعمل؟! هذا غش!
بالكاد فتح الولد أعينه وعندما رآها أدار وجهه عائداً للنوم بعد قوله لها:
~ومن قال لك أني لا أعمل؟!
~أنت نائمٌ بالفعل! أين هو عملك؟!
تنهد واستقام من نومه مشيرا إلى الشجرة من فوقه وأردف حينها باستخفاف:
~انتظر هبوب الرياح فتتساقط الأوراق وأجمعها... وها أنا ذا أكون قد أنجزت عملي!
~أتمزح معي! ماذا لو لم تهب الريح! وماذا لو تساقط القليل.. أنت على هذا المنوال لن تجمع الكثير، أي يبدو أنك لست مهتماً بالدرجات الإضافية صحيح؟!
~حسناً.. من هذه الناحية أنت محقة، لكن لو ذهبتُ الآن وتركت الأوراق تتساقط.. سيظن أعضاء فريقي بأني لم أعمل وبالتالي سيكون حينها غشاً.
~؟؟! هذا احتيالٌ يا فتى! ليس عدلاً أن نعمل وأنت مستلقٍ هكذا!
~أنت أيضاً لا تعملين الآن! فقط تقومين بالانتقاد!
~هيه! أنا_
~فقط! لم تتدخلين فيم لايعنيك!
~؟؟؟
~أجل.. أنا كنت أعمل بصمت.. وفجأة أتيتي ورميتي علي بوابلٍ من الأسئلة.. لِمَ تهتمين لأمري لهذه الدرجة؟!
~لا! هذا..
وقبل أن تجد الصغيرة أثاناسيا ما تجيبه فيه هبَّ نسيم الخريف البارد مما جعل خصلات شعرها الحريري الذهبي تتطاير، وكذلك انهمرت الأوراق عليهم متساقطةً كالمطر.. كان منظراً ساحراً لم يدم سوى لثوانٍ خلَّف معه لحظات من الصمت حيث صُبِغَ وجه الفتاة المسكينة باللون الوردي المحمر.
نهض لوكاس من مكانه ليقول لها باستهزاء:
~حسناً..يبدو أن دوري قد حان بالفعل.. هل أنتِ سعيدة الآن؟
لم تصله أي إجابةٍ منها فالتفت إليها ليجدها على مسافة عدة أمتار مبتعدة عنه.. باختصار لقد تمَّ تجاهله!
فجأة راح يناديها لتتوقف مكانها..
~ماذا الآ_
سرعان ما ابتعدت تلك الفتاة عدة خطوات واعتلى وجهها نظرات مليئة بالدهشة و الإحراج وأصبح أحمراً كالدم ما إن رأت لوكاس على مقربة منها ويمد بيده نحوها..