أضاء نور الشمس كل زاوية من منازل وشوارع المدينة، وأقبل نهارٌ جديد ويومٌ جديد... انطلقت فيه آثي إلى المدرسة... لكن هذه المرة برفقة والدها، إذ صعدت سيارة مرسيدس السوداء تلك وجلست بجانبه وظلت طول الطريق صامتةً غارقةً ببحر أفكارها الفسيح، تحدِّق بالنافذة وتنظر للسماء والسحب الرقيقة التي تطوف على صفحتها ببطئ وهدوء..
ترجَّلت من السيارة فور وصولها للمدرسة ونزل من بعدها والدها كلود ولم يتفوه بأي كلمة فقد أشارت له بأن يتبعها..
مشوا عبر الممر نحو غرفة المدير {الذي هو والد فيلكس بالقصة ['•-•]' }.
جميع الطلاب هناك كانوا يرمون بأنظارهم المدهوشة عليهم وحدقة أعينهم قد توسعت إعجاباً بمدى إشراقة هذا المزيج الرائع من الأب وابنته... إنهما كالتوأم يتشابهان بكل شيء عدا التعابير التي اعتلت وجوههم فتلك الطفلة ملامحها بريئة كالقطة وذاك الأب مع نظراته الباردة والحازمة كالنمر... فكلُّ من مرَّ بجانب كلود كان يتنحى جانباً وقد اقشعر بدنه بسبب البرود والأعين الحادة التي ارتسمت على وجهه الأبيض ذاك... لم تدري آثي ما إن كانت ردود أفعال الطلاب تلك خوفاً منه أم إعجاباً به أو الأمر ومافيه تقديراً واحتراماً لشخص مهم مثله.. وأنا أقول خير الأمور أوسطها !!
كسر صمت المكان في غرفة المدير المنهمك بأعماله طرق الباب وفتحِهِ ليدنو منه والد الطالبة الصغيرة برفقتها... دخل مغلقاً الباب وراءه بعد إلقاء التحية والإستئذان منه ليجلس أمام مكتبه بينما بقت الفتاة الشقراء منتصبة عند الباب بصمت تام.
لحظات لتخرج أثاناسيا من مكتب المدير متجهة للصف وما إن وصلت إليه أخذت تنظر بالأرجاء فلم يكن هناك الكثير من الطلاب الواصلين بعد... إلى أن وقعت أنظارها على ذاك النائم لوكاس ... دنت منه لتنقر على رأسه وتوقظه فرفعه بتأفف وحدق بها بانزعاج لتبادر هي بالقول:
~مرحبا... اِسمع... أيمكنك المجيء معي للحظة.. المدير يطلبك لمكتبه الآن.
~أياً يكن... أنا لم أفعل شيئاً لأوبَّخ عليه... لم عليَّ الذهاب؟
~ومن قال أنك ذاهب لتتلقى توبيخاً؟!
~لأني ببساطة متى ذهبت لغير ذلك؟ إني ﻻ أذهب لتلقي جوائز... أنا ﻻ أذهب إﻻ للتوبيخ دائماً..
~ إن لم تأت سأجعله يأتي لأخذك..
~هه حسناً هيا..
~سحقاً لك! تعال فحسب!! هو يريدك لأن والدي هنا من أجلك!!!
قالت الفتاة المسكينة تلك الجملة وقد نفذ صبرها فصاحت به بأعلى صوتها، لكن تصاعد الدم لرأسها حرجاً بعدما استوعبت ماقالته..
*يإلهي!! ماكان ينبغي قول هذا فجأة!! *
~مهلاً ماذا؟!
استقام الشاب من جلسته وهو يرمقها باستغراب وقال ذلك بصوت باهت عميق فأطرقت رأسها للأرض ولم تجب وراحت تنظر بعيداً..
مشى الاثنان بالنهاية معاً نحو وجهتهما والصمت كان سيد المكان آنذاك كما أنك تستطيع أن ترى وبوضوح هالةً سوداء أحاطت بعاقد الحاجبين الماشي أمام تلك الشابة الصغيرة..
فتح لوكاس الباب حيث كان يتقدم في المشي عن آثي التي بدروها دخلت وراءه... وما إن رأى لوكاس والدها حتى تجمد أرضه.. وبعد فترة من التحديق به انحنى الفتى بأدب ليلقي التحية عليه وعلى المدير..