ماذا سأفعل... ؟

144 8 9
                                    

أخذ ياسر عبدالعليم يطبق خطوات تهدئه نبضات القلب المتسارعة بهدوء، يُخرج زفيراً ثم يأخذ شهيقاً، يحاول أن لا يفكر في أي شيء قد يعكر صفو تفكيره..
نجحت محاولته وهدأ نبضه لكن وما إن فتح ياسر عبدالعليم عينيه حتى وقعت تلك الرسالة _ التي كانت سبباً في دخوله في نوبه هلع مصغرة _ تحت عينيه.

متربعة في منتصف مكتبه ذو الخشب البني الثقيل ومن بينها تناثرت الأوراق التي كانت يراجعها قبل ذهابه لإجتماع المساهمين في الشركة بعد أقل من ساعة.

ظرف بني مستطيل كان قد مزقه بإهمال، وورقة بيضاء بحجم A4 تحمل ثنايا مستطيلة، لم يكتب عليها الكثير فقط جملة واحدة كانت السبب في نوبة الهلع تلك:

« أنا ما مت، لاقيني عند ' ست الشاي ' البنمشي ليها طوالي، الساعة أربعه طق، وما تكلم زول أبداً »

لم تكن الرسالة موقعه بأي اسم وقد وصلت إليه عبر شخص أعطاها لشخص أعطاها للصبي الذي يعمل مراسلاً في الشركة الصغيرة التي يعمل فيها ياسر عبدالعليم كمحاسب.

ومع ذلك تعّرف على شخصية المرسل دون تعب، كيف لا وهذا هو الخط المميز بهمزته المعقوفه وحرف التاء المتعرج والراء التي تشبه علامة الكسرة وقد قررت أن تتخذ من السطر نفسه مستقراً لها.

خط حفظه عن ظهر قلب فهو قد رافق صاحبه طوال سنين دراستهما المثيرة للشفقة في الثانوية والدراسة الجامعية التي إستنفذت كل شبابهما المبكر لتخرجهما كمن يبدوان في الخامسة والثلاثين بدلاً عن الثانية والعشرين.

وما المشكلة في تلقي رسالة من صديق العمر؟
المشكلة كما قرأتم في رسالته تماماً.... صديق العمر ذاك قد توفي!

قبل إسبوع فقط تلقى ياسر عبدالعليم الخبر الصادم بوفاة صديقه في حادث سيارة مؤسف بينما كان عائداً من زيارة لعائلته في ' البلد'. كُسر شيء في داخل ياسر عبدالعليم وقتها فهو قد فقد من إعتبره أخاً لم تلده أمه له.

بيديه قام بغسله، بيديه قام بتكفينه، بيديه رفعه فوق ' العنقريب' وحمله على كتفيه بينما يكبح في جماح دموعه، بيديه ساعد على حفر قبره، وبيديه أنزله فيه وغمره بالتراب، بيديه قام بدعاء الخالق سبحانه أن يشمله برحمته وأن يثبته عند السؤال، بيديه مسح تلك الدموع الخائنة التي أبت إلا أن ترثي صديقه الراحل.

بيديه فعل كل ذلك والأن بين يديه رسالة أرسلت من قِبل ذلك الصديق يطالبه بلقائه!

مرة أخرى أخرج ياسر عبدالعليم نفساً ليهدئ نبضات النابض بيساره.

' شكلو ده زول بيهظر ساي'

هتف بها ياسر عبدالعليم بصوت عالٍ عله يقنع نفسه لكن ذلك لم يفلح فلا أحد غيره وصديقه يعلم عن ' ست الشاي ' التي يلتقيان عندها كلما ضاقت الأرض بأحدهما. كما أن الخط يميز صديقه، لا أحد يستطيع تقليد هذا الخط البشع بسهولة.

وقفات قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن