أكثر شعور كانت آنسيا تكرهه هو الفراغ .
ذاك الإحساس المبهم الذي يشبه انسحاب كافة المزايا الإنسانية من داخلك ، تنسحب الرحمة ،التعاطف ،الحب وكل تلك العواطف الطيبة ،التي تبقيك صامدا في هذا العالم المشوه .
وعند تلك النقطة ،لا يبقى أي فارق بينك وبين تلك الوحوش المفترسة التي تحوم من حولك .
عند تلك النقطة ..تتحول الى مجرد حثالة متبلد الضمير .
مسحت آنسيا وجهها في عملية متكررة ورتيبة في محاولة منها لتفهم .لم تستطع أن توقف البرد الذي كان يزحف داخل أحشائها ويحثها على الصراخ .ظلت صورة كاي تومض بعقلها مثل مصباح مكسور كان يتوسل طلبا لأخذه أيضا .ثم رأت جايد، وآخر ما قاله لها :"أنا بجانبك. تذكري".
علي أن أتذكر .علي أن تذكر .علي أن أتذكر.
لكنها لم تفعل ، لاشيء يمكن أن يواسيها داخل هذا المكان .كل شيء صامت .كل شيء بارد .والرعب هو الحدث الوحيد المتجذر .
هل هي خائفة على كاي ، أم على جايد ؟ سألت نفسها والدموع تبلل رموشها بينما تحاول التركيز .صدمتها الإجابة التلقائية لوعيها .إنها خائفة على نفسها .
خائفة من الموت .
أمسكت برأسها وبالكاد كانت تشعر بملمس وجهها وبشرتها فوق راحة يديها .تبدو غريبة عنها ، كأنها شخص آخر لا تألفه .
تذكرت جلوسها في ساحة البلدة رفقة باقي المذنبين كما تم تلقيبهم .تذكرت وجه ليانا وهي واقفة هناك تحدق نحوهم بعيون بيضاء ميتة .كانت بيتي تربت على كتفها مصطنعة ابتسامة زائفة :"انجازك الكبير قد محى كل أخطائك يا عزيزتي ". رددت بيتي بكلمات مجوفة خالية من المعنى وهي تلمس بطن ليانا .
أجل حملها بذاك الطفل البائس قد غفر لها أخطاءها المُلفقة بكل تأكيد .تزايد رعب آنسيا حتى اختنقت.تلك العيون .عيون ليانا البيضاء الزجاجية الكبيرة .إنها عيون الموت .عيون البؤس .عيون تشمل كل ما هو مكسور ومدمر بهذا العالم .
لم تعد تحتمل . فطوت جسدها بين ذراعيها وهي مستمرة في الارتجاف .لم تستطع التوقف ولا السيطرة على أعصابها .وكل ما كانت تتمناه هو أن ينتهي كل هذا سريعا .أيا يكن ما سيحصل فهي مستعدة لمواجهته ، فقط لو يتوقف هذا الفراغ المقيت .
تزايد زخم الدموع المحتشدة داخل عينيها .بالطبع لن تبكي هنا .ما كل هذا السُخف .
إنها في حاجة الى التحدث الى شخص ما ، همست بداخلها :"أيها الطفيلي .هل أنت هناك؟".ولم تجبها سوى صرخات أمعائها الفارغة .كانت جائعة بلا شك فلم تكن قد تناولت فطورها بعد حين تم اقتيادها .
"أنت ".نادته بلطف أكبر من دون أن يحدث أي شيء .
لابد أنه خائف أيضا حيث لم تتمكن حتى من الإحساس بآثاره في أعماقها .هل هناك أماكن في تجاويف عقلها يستطيع الاختباء بها من دون أن يسمح لها بالشعور به .

أنت تقرأ
The cold dance II الرقصة الباردة
Fiksi Remajaكل سنة تختار شجرة الاقدار مجموعة من الفتية والفتيات لتجمع بينهم في رابطة زواج مقدس ، إنهم شبان من نخبة فصائل الآرينش الأربعة ، بهدف إنتاج جيل أقوى يتفوق على الفيروس الذي نشره البشر في الحرب القائمة بين الطرفين. آنسيا بلار هي نصف بشرية ونصف مستذئبة...