.
.
.- لا تُجيب؟!
الأصوات من حوله كانت تصل إلى أذنيه مكتومة بعيدة، كمن كان يستمع إليها من مكان بعيد، بل كمن كان يغرق في بئر سحيقة لا تصل إليها الأصوات إلا خافتة هامسة، محوّرة تقريبا..
عيناه اِلْتصقت على هيئة يوجين التّي حرّكت رأسها لتنفيَ بعبوس كبير قبل أن تُهمل هاتفها على طاولةِ المقهى، و تشانيول الذي ربّت على كتفها مواسيا بكلمات لم يفهمها..
- لا بأس حبيبتي، ستُجيب عندما تشعر بأنّها مستعدّة للحديث..
أخفض كيونغسو عينيه نحو كوب القهوة البلاستيكي بين يديه، نظراته تتيه بين كرات الثّلج السّابحة في السّائل الأسود حينما حركه، وذاكرته عادت به نحو اللّيلة التّي حدث فيها ماحدث..
فقط لِمَ كان عنيدا جدًّا ليقبل اِتصالاتها؟
لِمَ كان غبيًّا جدا ليتجاهل الرِّسالة اليتيمة التّي حمّلتها جملة اِعتذاريّة وحيدة؟
فقط لمَ؟
- ألَا عِلم لك بما حصل معها كيونغسو أوبا؟ ألم تخبرك شيئا؟
كلُّ الأصوات الخافتة حول أذنيه اِنفجرت فجأة لتدبّ الحياة من حوله، صوت الضحكات في المقهى وأصوات العاملين ينادون بالطلبات..
مقلتاه دارت في الأرجاء للحظات بتشتّت قبل أن تستقرّ على هيئة يوجين،
الفتاة السمراء كانت تحمل تعابير متأمِّلة أن يعرف عنها أيَّ شيء، رغم الشكِّ الذي اِختبأ في اِنحناءة عينيها المرتابة ليهزَّ رأسه رافضا بصمت..فمالذي يمكنُه أن يخبرها به بالتّحديد..
أنّه قد ترك هايون وحيدة في منتصف الشارع البارد بعدما زلَّ لسانها بكلمات آذت كبرياءه؟
بم سيبرِّر لها ذلك؟
بأنّه تركها حتى تهدأَ فورة مشاعرها و تفكِّرَ بشكل منطقيّ كما برّر لنفسه تكرارا..
أم أنّه خشيَ أن تُقَال كلماتٌ جارحة أخرى تزيد الشّرخ بينهما فكان أخذ كليهما لمساحة خاصّة للتفكير أنسبَ شيء خطر له ليلتها..
- لا.
تحدّث بصوت مبحوح، هو لم يكن في الوضع المناسب و لا اِمتلك صلاحيّة إخبارها بما مرّت به هايون دون إذنٍ منها..
كما أنّه لم يمتلك بالتأكيد الجرأة الكافية للبوح بأيِّ شيء بعد أن صدّها بتلك الطريقة البشعة حينما اِحتاجت إليه أكثر من أيِّ شخص آخر.. نفسهُ تعذِّبه رغم كلِّ الأسباب المنطقيّة التّي عدَّدها يعزِّز بها موقفه و يؤكِّد لنفسه قبل أيِّ شخص آخر أنّه فعل الصواب..