المرحلة الأولى "الصدمة"
(عيسى)
(ليلة الجريمة)
_______________حين كنت في الخامسة من عمري، صدمتني بتول بمعلومة
أن جدتنا قتلت زوجها الثاني.
همست إلي حينها بنبرة جادة
في عام ١٩٧٥ ، الجدة نصرة سممت طعام زوجها. إياك أن
تزعجها وإلا سممتك مثله.
حتى الآن، أجهل إن كانت بتول مارست دور الأخت البكرية التي تحترف إخافة أصغر أخويها، أم أن جدتي نصرة قتلت
زوجها الثاني بالفعل
لم أجرؤ على مواجهة جدتي، بالطبع. اكتفيت وقتها بسؤال
أبي عن الأمر، فصاح في:
أمي كانت بطلة حرب إياك وتكرار تلك الترهات يا عيسىفتى أحمق!
أذعنت لأمره كالعادة، ولم أكرر أمامه ما قالته بتول، بل إنني نسيت الموضوع كليا، حتى صدمتني أحداث اليوم
الذي كانت خاتمته لعينة كبدايته.
وقفت خلف جدتي وهي تفتح باب غرفة الاستوديو العازل للصوت، فوجدت أمامي جثة مسجاة على ظهرها بالطبع، لم
أشك في غير الجدة نصرة.
ليس فقط لأنها الوحيدة من عائلتنا التي تملك سلاحًا تحترف استعماله منذ أيام شبابها، بل لأنها فور أن رأت الجثة ربتت على ظهري وقابلت نظراتي المرتابة بابتسامة حنون وكأنها تقول لي: جثة هذا الوغد هي هدية تفوقك
بالثانوية العامة اسعد يا عيسى!».
لا أنكر أن رؤيتي له وهو ميت كانت أمرًا مُرضيا للغاية، إلا
أنني لست سعيدا.
لقد أخبرتهم قبل ذهابنا إلى قسم قصر النيل، إن كانوا حقا
سيقتلونه الليلة، فلا يجوز أن يطلق غيري عليه الرصاص
ولكن يبدو أنهم استغلوا غيابي ليمارسوا العادة الأقرب إلى
قلوبهم؛ تجاهل رغباتي
كانت غرفة الاستوديو في حالة من الفوضى.ليس وكأنها كانت مرتبة قبل مقتله، ولكن فاحت منها رائحة الدماء، وسقطت ساعة الحائط على الأرض بجوار حاسوبه المحمول المحطم، وانقلب الكرسي على الطاولة أسفل الزجاج العازل للصوت، وتمزقت بطانة الحوائط
القديمة.
يبدو أن الأحمق حاول كسر الزجاج ليهرب من الغرفة التي حبسناه فيها، ثم مزق بطانة الحوائط الحمراء، كي يضعف قدرتها على عزل الصوت، فيسمع الجيران صراخه ويأتوا
لنجدته.
كل محاولاته للهرب باءت بالفشل تماما، كما فشل في كل
شيء آخر جربه في حياته البائسة.
نظرت إلى جثته.
كان عاريا، وشعره مبتلا، والكدمات الزرقاء تفترش بدنه ولكن استجد عليه ثقب في رأسه موضع الرصاصة التي
صرعته.
وقع بصري على خط الدم الذي سال من رأسه، فتذكرت أبشع منظر شهدته في حياتي منذ ثلاثة أشهر.
اهتاجت أمعائي مجددًا، وشعرت بفوران داخلي، وكأن كلعصارتها صعدت إلى حلقي. فقدت السيطرة على جسدي وتقيأت سوائل معدتي
الخاوية عند عتبة باب الغرفة.
ربتت جدتي على كتفي، وظلت تسمي باسم الله وتكبر في أذني.
وددت أن أسألها إن كانت هي من قتلته، ولكن منعني من
ذلك وجود ضابط مباحث من قسم قصر النيل.
كان قد دخل معنا إلى الغرفة بنية معاينة مسرح الجريمة إلا أنه ضدم أكثر منا حين أدرك أنه لم يعد هنا لإثبات حالة
فحسب، لقد أصبح يحقق في جريمة قتل مع سبق الإصرار.
كان الضابط الطويل صاحب الاسم العجيب، منشغلاً بمحادثة زميله على الهاتف ليطلب منه الحضور إلى الشقة ومعه رجال المعمل الجنائي، ولكن حين انتبه لوهني وإعيائي، أنهى المكالمة واطمأن علي، ثم اقترح أن نخرج من
الغرفة حتى لا نلوث مسرح الجريمة.
جلست على الأريكة في الصالة تجاورني جدتي.
أعطاني الضابط منديلا تفوح منه رائحة الكاكاو، وانتظرني
حتى أنظم أنفاسي وأتخلص من رعشة يدي، وأمسح دموعالوهن التي فرت مني، ثم قال:
- لقد عانيت اليوم بما يكفي يا بطل لا أريد أن أضغط عليك، ولكن... هل أنت متأكد من أنكم حين حبستموه في
هذه الغرفة كان لا يزال حيا ؟
استشعرت شكا في نبرته واتهاما في نظراته إلي. هكذا، أدركت أنني خلال شهرين فقط تحولت من مراهق
يصارع الاكتئاب إلى مشتبه به في جريمة قتل.
أنت تقرأ
دليل جدتي لقتل الاوغاد
Mystery / Thrillerاكتشفتُ الليلة أن كل فرد من عائلتي قد قُتِلَ مرَّة على الأقل! وقفت خلف جدتي وهي تفتح باب الغرفة لأجد جثة هذا الوغد عارية. بالطبع لم أشك في قاتل غير جدتي! ليس لأنها الوحيدة في بيتنا التي تملك سلاحًا احترفت استعماله منذ أيام شبابها، وليس لأننا نعلم أن...