٨

198 8 0
                                    

(عيسى)
(قبل الجريمة بخمسة و عشرين يوماً)
            ________________

كنت أسجل على هاتفي كل مرة انتصرت فيها على حوت الاكتئاب الأسود، حتى أقرأ تلك الانتصارات قبل النوم، عسى

أن تمدني ببعض الثقة في ذاتي.

اليوم، استحممت وارتديت منامة نظيفة.

اليوم، فرشت أسناني وسرحت شعري وهندمت ذقني.

اليوم، أنهيت صلاتي دون بكاء.

اليوم ذهبت مع بيجو إلى الصالة الرياضية لأرفع بعض

الأثقال، وأسترد وزني الذي فقدته خلال الشهر الماضي. اليوم، شربت كوب شاي بالنعناع مع جدتي في البلكونة على صوت عبد الحليم حافظ فظ دون أن أتخيل نفسي أقفز من

الشرفة وألقى مصير فرح.

اليوم أكلت شطائر الكبدة الحارة مع بتول في غرفتها وتقاسمنا سيجارة أمام فيلم وثائقي عن سفاح نساء إنجليزي دون أن تطاردني صور نيرة أشرف وهي مذبوحة فيالشارع.

اليوم، نهضت إلى الحمام حتى أغسل وجهي بعدما بكيت لخمس عشرة دقيقة متواصلة بدلاً من الاستسلام للنوم

والدموع تسيل على خدي وتبلل الوسادة.

كانت حرابًا واهنة أغرسها في بدن الحوت الأسود الغليظ وأنا لاهث الأنفاس، ولكنها على الأقل تشعرني بأنني أجاهد

أحارب، لا أخضع كليًا لضراوة الاكتئاب المهلك.

لم يثن ماجد على انتصاراتي الصغيرة فحسب، بل وصفها بالعظيمة والمبشرة، ثم كلفني هذه المرة أن أستيقظ كل يوم

في وقت الفجر لأسير لمدة ساعة كاملة في الشوارع.

لم يطلب مني التريض. فقط التنزه والسير على مهل دون وضع سماعات بأذني حتى أسمع أصوات العصافير المختلفة، ولكي أرى منظر الأشجار وشكل السماء في ساعة الشروق.

لم أكن واثقا من مقدرتي على السير وسط الناس في

الشوارع بعد.

لسبب ما كنت أشعر بأن جبيني مكتوب عليه احذر التعامل مع هذا الكتيب البائس، ولكني صبرت نفسي بأن في الخامسة صباحًا لن ألقى أي شخص.لا أحد يستيقظ في هذه الساعة سوى محاربي الأرق والاكتئاب أمثالي

نبذني النوم ولازمني التوتر وكأنها ليلة امتحان سيحدد مصير حياتي حتى رنّ المنبه في تمام الرابعة فجرا ليعلن عن

فشلي في النوم.

تلكأت في الفراش لمدة خمس وأربعين دقيقة، حتى قررت

أن أتغلب على مخاوفي التي لا أجد لها منطقا.

صليت الفجر ثم وضعت ثيابي الرياضية غير المكوية

وكأنها خرجت من فم كلب، ثم نزلت إلى الشارع.

احتضنني سكون ساعة الشروق التي بسطت جناحيها على

دليل جدتي لقتل الاوغاد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن