٣

362 15 0
                                    

(مريم)
(ليله الجريمة)
          ________________

لطالما كنت ابنة أبي المدللة. بعكس حال أي ابن أوسط يهمله والداه، لأنهما يعتنيان بالكبير ويعطفان على الصغير، كنت أنا الابنة الأكثر تدليلا بين أخوي.

أبي كان يقول دائمًا: «أنا لم أنجب غير مريم».

كانت جملة تثير غيرة بتول وعيسى، ولكنها كانت

مستحقة، فلطالما كنت أكثرهما تهذيبا وطاعة، لا أجادل ولا أناقش ولا أعترض، ولكن ما جزاء ابنتهما البارة الآن؟

طيلة طريق العودة من المشفى لم ينفك أبي عن لعن اليوم الذي وافق فيه على اختياري

عاتبني ولامني على كل ما صار، وكأنني لم ألم نفسي بما

يكفي.

- أنت السبب يا مريم اختياراتك كلها خاطئة، لا أحد يدفع

ثمن أخطائك تلك غيريغيرك ؟!

أجهل كيف يؤمن أبي بأنه دفع ثمن خطئي، بينما لم يذق

رشفة من الذل والمهانة اللذين تجرعتهما اليوم.

أيظن نفسه ضحية، لأنه تلقى ضربة من كعب بندقية جدتي

على مؤخرة رأسه ؟

يا لك من مسكين ومرهف الحس يا أبي تتعايش مع ضغط حروب أعمالك دون شكوى، إلا أنك تعجز عن خوض معركة

واحدة في سبيل كرامة أولادك.

يتظاهر بالبأس والشدة ويحدثنا عن قوة تحمل الرجال ليلا ونهارًا، ثم ها هو ذا ينهار كليًا في وقت لم نحتج فيه إلى

شيء سوى دعمه وتماسكه.

لم ينهر والدي كالبشر الطبيعيين، لم يبك أو يصرخ داعيًا ربه أن يخفف عنه ابتلاءه، بل عبر عن صدمته بالسب

والتعنيف وباتهامنا بأبشع التهم وكأننا ألد أعدائه.

يظن نفسه فحلا لأنه يختار الغضب في وقت الضيق، أما لأن عيسى المسكين يبكي ويكتئب، فيعتبره مخنثا.

كانت بتول تكرر هذا المصطلح كثيرًا، «الذكورية السامة»

لم أختبر حقيقته إلا اليوم، بعدما رأيت الوجه القبيح لأبي،بحجة أنه رجل شديد لا يعرف الميوعة.

تجاهلت سبابه لي ودعاءه علينا بالموت بأبشع الطرق وأخذت أحك حاجبي بعصبية وتوتر مفرط، حتى وصلنا إلى

العمارة، فنزل من سيارتي وصفق بابها بعنف.

لو صفقت باب سيارته بالطريقة نفسها لشنقني في عمود النور المقابل للجراج

لمحت سيارة بتول فاستنتجت أنها وجدتي وعيسى عادوا

من القسم.

دخلت إلى العمارة وما زلت أجد صعوبة في المشي بسلاسة، وأشعر بألم بغيض في عضلات فخذي وحوضي. توقف المصعد عند طابق شقة أبي، حيث من المفترض أن نلتقي جميعًا لنعرف مستجدات البلاغ، ولكني دخلت الشقة

دليل جدتي لقتل الاوغاد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن