الإقتباس الأول:
يحدُث أن تفقد قلبك بينما أنت مازلت على قيد الحياة.. تُجبرك أحقادك على القيام بأفعالًا لا تدري أهي من صُنع يداك أم من صُنع شيطانك.. في كلا الحالتين أنت الخاسر الوحيد مهما صنعت..
فُتح باب مكتبه على مصرعيه بعنفٍ أجفل هذا الجالس على مكتبه يُتابع عمله بذهنٍ مشوش.. ليلة الأمس كانت صاخبة للغاية ومازالت بعض الأفعال مفقودة بين طيات ذاكرته.. شرب الكثير ورقص أكثر واستمتع أكثر وأكثر.. كم تمنى لو يدوم مزاجه الرائق لنهاية اليوم لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفُن.. فها هي أبنة خالته وكبيرة عائلته تقتحم مكتبه بعنفها المعروف عنها.. تطلع نحوها بعينين زائغتين.. يخشاها.. أجل يخشاها كثيرًا ومن الذي لا يخشى " لــيــال الــعــفــريــت ".. عينيها الخضراوين اللتين تتطلع بهما نحوه الأن بنظراتٍ مُبهمة يخفيان عنهُ نيران غضبها منهُ جعلاه على وشك الأغماء خوفٍ منها.. لكنها تقدمت منهُ بملابسها السوداء دائمًا وخصلات شعرها الفحمية الطويلة تتطاير من حولها كالساحرات الشريرات قديمٍ.. يقسم أن كل ما ينقصها الأن فقط مكنسة طائرة وستكون مثلهُن تمامٍ.. توقفت أمامه قائلة بنبرة هادئة هدوء خادع:- كنت فين أمبارح..؟
ابتلع ريقه برهبة محاولًا تمالك نفسه أمامها فهو يعرف أن الكذب عليها ليس من مصلحته.. زاغت نظراته بجميع الزوايا عداها ثُم همس قائلًا:- كنت سهران مع صحابي.
شبه أبتسامة ساخرة أرتسمت على شفتيها الوردية ثُم انحنت قليلًا لتستند بكفيها على حافة المكتب الخشبي وهي تقترب منهُ أكثر قائلة بنبرة سوداء:- سهران مع صحابك ولا سهران مع " لولا " الرقاصة..؟!
توسعت نظراته برعبٍ.. هو الأن بين عداد الأموات بالتأكيد.. وليس هو فقط بل " لولا " أيضًا.. " ليال " لن تتركها حية بعد أن عرفت بعلاقتهما السرية أو الذي كان يعتقد أنها سرية حتى اللحظات الفائتة.. وقبل أن يُجيب اعتدلت هي بوقفتها قائلة بملامح وجهها الصلبة ونبرتها الجامدة:- لأول وأخر مرة هسألك " لولا " ماسكة عليك حاجة..؟
كان على وشك أن يُخبرها الحقيقة لكن لسانه لم يُطاوعه.. ماذا يفعل برعبه منها.. هو رجُل تهتز لهُ شوارب وأبدان أشد رجال مدينته.. لكن " ليال " لم يُخلق بعد من يقف أمامها دون خوف.. في بعض الأحيان ومن شدة قسوتها يشُك بأنها من البشر أو حتى أنثى من النساء الرقيقات.. هي أبعد ما تكون عن كل ذلك..
وللمرة الثانية لم تُعطيه فرصة للرد وهي تلقي عليه نظرة قاتلة وتتحرك خارج المكتب بلحظة كما اقتحمته بلحظة..
خرجت من غرفة المكتب لتهدر قائلة بقوة وهي تمر بجانب رئيس الحرس الشخصي لديها:- جهز رجالتك عشان عندنا مشوار دلوقتي..
----------------------------
بعد ساعة كانت تصطف عدة سيارات من الدفع الرُباعي أمام أحد البنايات بتلك المنطقة الراقية.. ترجلت هي من السيارة الأولى يتبعها عددًا من رجالها الأشداء.. ملامحهم كالصخر وكأنهم تطبعوا بطباع سيدتهم.. لا يعرفون رحمة ولا شفقة.. وصلت إلى الطابق المنشود وتوقفت أمام شقة " لولا " الراقصة.. دقت الجرس وأنتظرت بصبرٍ لا تملكه في الحقيقة حتى فُتح الباب وأخيرًا طلت عليهم " لولا "..