♡التاسع والأربعون♡

11K 399 80
                                    

المُكثِرُ من الصّـلاةِ على النَّبيِّ ﷺ
يُغـاثُ قلبـهُ من بعدِ قحطِـهِ وجفَافِـه 🦋"

| قال ﷻ : "إنَّ الله وملائكته يُصلّون على النَّبِيِّ يا أيها الذين آمَنُوا صَلُّوا عليـهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمـا" | ﷺ
♡التاسع والأربعون♡
داخل عربة النقل كانت تجلس منكمشة، تتأمل القادمين، وتراقب صنيع سائق العربة، تتحفز لأي رجل قد يأتي ويجاورها اللحظة في برود، تشحن الردود والهمة التي ستدفع بها أي متطفل أحمق عديم الرجولة قد يفعلها، حتى آتى هو ببشاشته المعتادة وابتسامته المحشوة بالأمل واللطافة، رحّب به كل من في الحافلة في محبة صادقة، الجميع رفعوا أكفهم في تحية وهي رفعت نظراتها في أجمل تحية تلقاها على غفلة وسهوًا، غض بصره مرتبكًا بشدة، تتأرجح دقاته وتقفز فرحًا مُزج باضطرابه وخشيته من ذنبًا قد تقع فيه تلك المهلكة التي تفتن بنظراتها وعينيها الجميلة.
زفر قبل أن يميل و يهمس للسائق المراقب، فانكمشت بحزن وقد شعرت بأن همسه يخصها ، فبادرت هي منبهةً في كبرياء (لو سمحت متركبش رجالة جنبي ولو عايز هدفعلك أُجرة الكرسي)
ضم شفتيه بابتسامة وهو يتراجع بعدما وصله التحذير، لو لم تفعلها هي لفعلها هو
مازحها السائق بفظاظة وهو يُصدر الضحكات المتهكمة (متخافيش يا آنسة دِه مولانا، لو جعد جنبك مش هيضايجك)
تهكمت وهي تشيح بقرف بينما يخفض هو بصره مبتسمًا ينتظر قولها (هو مولانا مش راجل ولا إيه؟)
ضجت العربة بالأصوات المتفاوتة ما بين الاستنكار والأسف والخجل وتوبيخها وأيضًا الضحكات، ليهتف سليم برحابة صدر وهو يضرب على كتف الرجل متلطفًا معه (الآنسة معاها حج يا راجل يا طيب)
صدح صوت معترض متأفف (خلصونا خلينا نشوف أشغالنا، يا تركب يا مولانا يا تنزل هي)
سخط سليم وانزعج من كلمات الرجل السيئة التي تفتقر اللين والرفق بها، فقال بضيق واضح وهو يسحب باب العربة في غضب واضح (هي متنزلش)
ابتسمت رغمًا عنها، أذعن السائق لقراره وهو يؤكد عليها (هتدفعي يا آنسة؟) أكدت بقرف وضيق (أيوة)
ضرب سليم بنظراته الأرض حتى تغادر السيارة، متحكمًا في رغبته وانفعاله،
وعادت هي لهاتفها بخيبة وضيق، داخلها تمنت لو جلس بالقرب منها، أو شاركها نفس العربة لتكون أكثر اطمئنانًا، ألا يكفي أنه ترك الحلقة وابتعد، زفرت من منحنى أفكارها، نهرت نفسها على هذا الشعور وتلك الرغبة في قربه.. حبستها داخلها وقيدتها بحبال غليظة وصرفت أفكارها إلى اتجاه آخر.
بينما صعد هو سيارة أخرى وجلس مبتسمًا، يندهش من هذا الشعور الخطير الذي يجعله رغم فقر الوصل منتشيًا سعيًدا ينقصه فقط جناحين ليطير، كيف لنظرة عابرة تمنحه هذا القدر من السعادة وكلمات بسيطة ينشغل فيها ويرددها كأنها شعرًا؟ مسح وجهه مستغفرًا يدعو الله ويلحّ أن تكون من نصيبه بعد كل هذا.
                   ♡**"**♡
بالمنزل كانت نفيسة مُقيمة بحجرة عمتها في نفور واضح وهروب من زوجها الذي يعكر صفوها ويُذيقها علقم الكلمات دون سبب أو طلب، يشتمها ويسبها دون مراعاة لسنها ولا اهتمامًا، يأتيها كل ليلة مخمورًا يهذي، يجلدها بكلماته ويعذبها بضربه، يتلو على مسامعها تعاويذ قبيحة لسحر أسود ينشر الفساد في نفسها ويُلّحِق العطب بروحها العليلة المكلومة.. فجأة سألتها عمتها (فين حكيم يا نفيسة؟) طفح السواد على نفسها وامتلأت بالكراهية لكل من حولها فقالت في تشفي وحقد (مات يا عمتي)
ضربت السيدة العجوز على صدرها وهي تطلق صرخة معترضة كانت حبيسة الوعي، وعندما غاب الوعي أطلقتها من سجونها (مات)
طالعتها نفيسة بتشفي وسخرية فقالت الجدة بقهر يعلن بصرخاته مولده في روحها (مات من غير ما أشوفه)
دفعها شيطانها لأن تجلدها اللحظة وترتشف من دماء جبروتها، سحقته تحت أقدام الحقيقة وملأت منه نبيذًا سام وعقارًا يُذهب العقل، قدمته لها في وداعة وأسف كاذب ملعون (مات ومبكتيش عليه)
جحظت عينا السيدة في استنكار وصدمة بالغة، لتقف نفيسة وتدور حولها كشيطان رجيم، انحنت وغاصت في خضار زيتونتيها (أبكي يا عمتي دلوك وكتري بُكا وحِزن، الي راح مكانش هين ولا رخيص، وأبكي على الي جاي عشان شديد وواعر) لاحقت نظرات الجدة وجه نفيسة باستنكار مريع قبل أن تضع كفيها المتغضنان على وجهها وتبكي فلذة كبدها في رثاء حار تعوّض به جفاء عاطفتها يومها (ولدي لاه..)
بارتجاف تعلقت نظرات الجدة بنفيسة التي عادت لتجلس مُنهكةً من عِظَمِ آلام القلب وحرقته، سألتها (فين ولده؟)
ابتسمت نفيسة بخبث قائلة (طردتيه فهج  هو وأمه) غابت السيدة في الرثاء والعويل وسرد أشعار الحزن، تبكي وتلطم تولول وتنادي.
سمعها الجد فجاء وجاورها يستمع كأنما يستدعي الحزن ويشاركها الآسى والفقد ويجلد ذاته.
بكت نفيسة لا تدري سبب بكاءها  لكنها بحاجة للبكاء حتى ينزل الصبر، اليوم تقولها فازت ورد ونجت، وخسرت هي وهلكت.
مسحت دموعها وأخرجت الجد من حزنه قائلة (هنعمل إيه فموضوع عاليا؟)
طرق الجد بعصاه مستفسرًا (هنعمل إيه كيف يعني؟)
اقترحت عليه نفيسة باستنجاد (ما تجوزها للشيخ يا عمي وهمّل ولدك لمراره وصغرنته)
أجابها الجد بحكمة كمن دارت برأسه الفكرة ألف مرة (هيجتل بتك وجتها يا حزينة)
اقترحت نفيسة بقهر (جوزها ياخدها ويبلّغ الحكومة تحميه من شره)
تهكم الجد بحزن عتيق (وجوزك هيغلب يا نفيسة دِه محرات شر)
صارحته نفيسة بوجيعتها (خايفة عليها منهم، خليها تطلع من هِنا الي بيطلع بينفد بعمره، عشان الي مش هيموت بغدر ولدك هيموت بالجهر)
أطرق الجد في صمت حزين موجع، لتفيق الجدة وتعود لوعيها زاعقة (نفيسة جومي جهزي الغدا)
نهضت نفيسة من جلستها مُلبية في صمت وحزن خيّم على ملامحها وألقى بشاعته عليها.
****************
          ♡في القاهرة♡
في المساء غاب عنهم كما توقعت بعد ماحدث الليلة الماضية وانهياره بين ذراعيها، تعرف أن بعدها سيختلي بنفسه وبأفكاره مجددًا، وسينعزل وحيدًا لذا قررت أنها لن تتركه يعاني وحده ويتعافى وحده ستكون شريكته تقتسم معه كل شيء كما يفعل معها دائمًا، هو يحتاجها الآن وبشدة وإن لم يطلب أو يصرّح بتلك الحاجة، يريدها بجانبه ولو صامتة، تقرأها في نظراته دائما وفي ملامحه وإن أغلقها عليها حتى لا تفهم وتعرف،أخذت الإذن من عمتها ورحلت،سألت عنه في المطعم فأخبروها برحيله فعلمت بفطنتها أين هو الآن.
فتحت بابا الشقة فتعلقت نظراته بالباب مندهشًا، قبل أن ينهض ليعرف هوية القادم طلّت ملأت المكان بعطرها الشذي ونشرت شمس ضحكتها قبل أن تصله، تحية له من قلبها العاشق... أغلقت خلفها وتقدمت منه بعدما وضعت ما بيدها جانبًا، بنفس الابتسامة التي تمنح السلام وتمتص الحزن... سألها وهو ينفث من سيجاره (عرفتي منين إني هنا؟)
تربعت أرضًا أمامه وهي تخبره بشقاوة ونظرات متألقة (عرفتك إنت فعرفت)
مال فمه بابتسامة هازئة خشنة لم تهتم لها، قال وهو يدهس سيجاره المنتهية ويشعل غيرها (جيتي وسيبتي أختك تاني؟)
وضعت كفها على كفه تمنعه وهي تنظر لعينيه مؤكدة كلماتها تضغط حروفها (وأسيب كل الدنيا عشانك يا حمزاوي)
قال بخواء وضياع وهو يسحب كفه من كفها متهربًا (ولا تسيبي ولا بتاع أنا مش عايز حاجة مكنتيش تعبتي نفسك؟)
واجهته بقوة وهي تنظر لعمق عينيه حبيبتاها (ولا عايز سكن؟)
أشعل سيجارة أخرى بإهتزاز، يتهرب من سؤالها وهو ينظر بعيدًا (جومي أمشي يا سكن)
استنكرت وهي تنهض من مكانها متجهة ناحية ما تركته من حقائب(أمشي!  دا أنا جايبة عشا وحلو وهبيت معاك هِنا)
طالعها بنظرة ممتنة،لسانه عاجز عن التصريح مقيّد بالكثير المؤلم، تعجب كيف أن تُختزن الحياة في شخص قادر على تغيير مزاج من حوله ومنحهم السعادة المرغوبة، كيف بدلت حاله للنقيض بطلتها الساحرة وكلماتها العفوية المُحبة. حررت خصلاتها كما تحب ثم افترشت الأرض معاتبةً وهو يطاردها بنظراته (ينفع تيجي شجتي جبلي يا دكتور البهايم ومكركبلي الدنيا وسجاير)
ثم جلست وأخرجت الأواني قائلة (مكلتش من الصبح عشان أكل معاك)
دهس سيجاره قائلًا بزهد وشهية مُغلقة
(ماليش نفس)
نهضت وجذبت بعلبة التبغ ، اتجهت للشرفة وألقتها ثم عادت له تحادثه ببراءة كأنها لم تفعل شيئًا يُغضب (معلش عصبتني)
وضعت الطعام في الأطباق قائلة (أنا طبخت شوية حاجات كل وخمن إيه؟)
صفعها بجملته الساخرة المتوجعة التي تحمل قدرًا من وجيعة قلبه (علمهملك حسان؟)
أخذت الصدمة وابتلعتها ثم قالت بهدوء وابتسامة رقيقة ناعمة متفاخرة (جوزي الشيف حمزة)
شجعته وهي تمنحه معلقة نظيفة (يلا بجا يا دوك)
سألها بوجع حقيقي (علّمك ايه حسان؟)
أجابته وهي تقترب منه جالسة على ركبتيها (علمني إزاي أحبك أكتر يا واد عبد الحكيم)
صمت بجمود ومشاعر مختلطة غير مفهومة غامضة لكن وحده الاستنكار نطق مُعلنًا عن نفسه في ملامحه،همست بصدق (معذب نفسك أنت ومفيش في الجلب غيرك)
همس بنبرة غريبة مثقلة بالهم مرتجفة بالترقب، خائنة لوعد عشق منحته له يومًا(أنتِ بتحبيني يا سكن؟)
هالها السؤال، أحزنتها النبرة، زعزع الخوف ثقتها واقتلع جذور الأمان من روحها، هل يُخفى عليه حبها؟  أم لم يصدقها؟ أم تراه  يشك فيما تحمله له؟ توترت في انهزام قاتل قبل أن تشحذ همتها وترتب أفكارها المبعثرة في كل اتجاه، هو فقط يحتاج لأن تخبره أنها تحبه ومازالت، أن تحتوي ما فيه متفهمه، لا ضرر إن كررتها على مسامعه مرارًا ألف مرة لا يهم العدد، وبكل الطرق حتى تهدأ نفسه الثائرة،  منحته ابتسامة رائعة وهي تقترب منه، أمسكت بكفيه وفردتهما أمامها ثم انحنت وقبلت باطنهما هامسةً (لو هيبجى للحب فجلب سكن اسم تاني كان بجا اسمه حمزة) رمقها بصمت مرتعشًا بتأثر من فعلتها، فهمست وهي تضع راحتها اليمنى فوق خده متلمسة بحنو (بحبك طبعًا)
سألها في شتات ونظراته تتسرب من نظراتها وتدور بغير هدى (وليه بتحبيني يا سكن؟) راوغته بابتسامة دافئة (وليه محبكش حد يستاهل الحب غيرك ؟)
سألها مجددًا بتوهة (يمكن فاهمة غلط)
ضيقت عينها على ملامحه ممازحة (عايز تخلع ولا إيه وجو اتمنالك حياة سعيدة، بس أنا لازجة فيك يا حمزة مهما تعمل)
ابتعدت تهز حاجبها في مرح وتخبره في مزاح (حد طايل يا عم، راجل وسيم وحلو وعنيه ملونة وأكل عالجاهز وعز ده يبجى بتر)
هتف بجدية لا يجاريها في مزاحها يتوسلها بين أحرفه (اتكلمي جد يا سكن شوية)
تنهدت ثم أجابته وهي تنظر لعمق عينيه (حمزة هو احنا بنختار هنحب مين وليه؟)
أجابها بخفوت وهو يزفر بيأس (مش عارف)
أجابته بابتسامة ونبرة صادقة (بحبك من غير أسباب عشان أنت حمزة، لجيت نفسي جواك ولجيتك جوايا)
أردفت بتوضيح متفاخرة (مين يعرفك وميحبكش، أحن جوز وأجدع صاحب وأحسن ابن  ، لما أنت متتحبش مين يتحب يا حموزتي خالي رفعت؟) 
ابتسامة رقيقة رفرفت فوق ثغره وهو يفرد ذراعيه في دعوة صماء حروفها في صدره وبين تنهيدات عشقه، اندفعت ضاحكة تلبي في احتياج شديد، همس (أنت بتحبني؟  ولا لاه؟)
همس وهو يبعدها عنه قليلًا ينثر قبلاته فوق وجهها وجيدها الناعم(بموت فيك يا سكني، حبي ليكِ بيزيد كل يوم ويتملك مني)
ردت إليها روحها بقبلاته التي اشتاقتها ولهفة قربه التي حُرمت منها، شوقه الذي خرج قويًا عنيفًا من مخابئه..، ابتعد يضع جبهته فوق جبهتها هامسًا وهو يحيط وجهها بكفيه (خليكِ جنبي دايما يا سكن)
همست بأنفاس متسارعة امتزجت بأنفاسه (حاضر يا حبيبي، بس عشان خاطري كفاية انسى وأرجع، مرت خالي حزينة حتى لو متكلمتش)
همس بتنهيدة مستسلمة (حاضر)
ابتعدت عنه قليلًا تقول بمرح (يلا عشان جوعت والله)
عادت للطعام تغرف في الأطباق قائلة بلوم وعتاب (حموزتي متى هتعملي فرح)
صمت يستمع بصبر وابتسامة معطرة بعشقه،فغمزته بشقاوة ومرح 
(مش أنا فتحت الهدية بتاعتك الي كنت مخبيها في الدولاب )
ابتسم وهو يتأمل شقاوتها ومحاولتها إرضائه وإخراجه من حزنه، تأثيرها خطير يربك دواخله ويعيده إليها صاغرًا يغرق فيها، أثنت عليها بإعجاب شابه الخجل اللطيف
(جميلة يا حمزة كان نفسي فيها من زمان)
صمت يتحاشاها اللحظة قدر المستطاع حتى لا يخل بوعده لوالدته، قالت وهي تكوّر شفتيها معترضة بحماقة (بس مش شايف انها عريانة شوية؟)
ضرب جبهته ضاحكًا يخبرها بتأفف (دماغك رايجة يا سكن)
ناولته الطبق فاعتدل في استعداد لتناول الطعام
(كُل وجوم نرجع لورد زعلانه ومهمومة حتى لو متكلمتش)
سحب معلقة نظيفة ورفعها ليتناول بها، لكنها خطفتها منه وسبقته بتذوق الشوربة ثم منحتها له بابتسامة تدعي بها البراءة والوداعة،لكن نظراتها عكست نواياها الحقيقية، طالع المعلقة المستعملة بضجر وتأفف، لتصرخ فيه (هتجرف مني؟  لازم تاكل بيها)
رماها وسحب الثانية فنهضت في عزم، سحبت النظيفة تناولت بها تحت نظراته المستنكرة ثم منحتها له وجلست جواره، نظر للمعلقتين بقرف مفتعل واشمئزاز مقررًا مشاكستها فهتفت (ليلتك مش هتعدي والله)
سحب المعلقة ونهض متجهًا للمطبخ ليغسلهما، تبعته صارخة(ماشي يا حمزة الزفت مبجاش إلا دكتور البهايم الي يجرف)
كتم ضحكاته وواصل ما يفعل ثم خرج وتربع أمام الطعام منتظرًا قدومها لكنها جلست بعيدًا منفردة وحيدة بحزن وخصام (تعالي اتعشي ولا أجوم؟) امتنعت بكبرياء (لاه)
اقترح عليها بابتسامة، ليرضيها مكتفيًا من مشاكستها (طيب تعالي وكليني بيدك)
طالعته بتشيك في قوله ونواياه، ليؤكد بنبرة حنون جذبتها كمغناطيس (تعالي يا سكني)
سألته قبل أن تنهض وتذهب إليه (مش هتجرف؟)
أجابها بابتسامة رائعة (لا والله بهزر معاكي تعالي واتأكدي)
عادت وجاورته متربعة، قيّد هو ذراعيه منتظرًا، تأكيدًا على رغبته، أخذت الخبز وبدأت في إطعامة وكلما انتهت لعق أناملها متتلذذًا، ارتجفت متأثرة بفعلته التي يؤكد بها حبه ويمسح بها على قلبها ويطرد السوء (متبصليش يا سكن)
سألته متعجبة وهي تواصل إطعامه (ليه أمال أبص فين؟)
مضغ الطعام قائلًا بعفوية (ببص فعينك بشبع، والأكل حلو وأنا مش عايز أشبع بدري كدِه)
مالت ولثمت خده في فرحة، فك ذراعيه وشاركها تناول الطعام، يدس بفمها كما تفعل هي، خوفًا من أن تنسى نفسها وتنشغل وتبيت دون عشاء
حمدالله وابتعد ففعلت مثله ولملمت الفارغ وساعدها هو، ثم غسلا كفيهما تحت المياه الجارية. وخرجا للصالة
تجاورا جلوسًا فبادرت سكن بإحباط (احنا مش هنعمل فرح ونتجوز؟) ثم احتدت بوعد غليظ جلب الضحكات لفمه (لو مودة وعاليا اتجوزوا جبلي هسيبلك البيت يا حمزة)
فكر قليلًا ثم ابتسم ولمعت عيناه بمشاغبة وهو يقول (طب ما احنا فيها لا في ورد ولا حاجه تمنع)
ابتعدت في رهبة وهي تحدق فيه بنظرة تشكيكية مرتعبة (جصدك إيه؟)
أجابها وهو يميل مع ميلها (نتجوز دلوكت حالًا) قالها وتصنع خلع ملابسه فصرخت وابتعدت عنه لتقف وتركض بعيدًا عن محيطة قائلة (لاه أنا رايحة لورد)
كتم ضحكاته وهو ينهض مطاردًا لها (ورد مين أنت ِمش هتطلعي يا أخرة صبري من هنا)
توسلته وهي تضع حقيبتها على ظهرها (اعجل يا حمزة أحنا متفجين وبعدين مش هي دي ليلة فرحي الي اتخيلتها معاك)
أصرّ وهو يركض ناحيتها فتبتعد (جيتي برجلك وطلبتيها وأنا زهجت أمي مبترحمش وحضرتك مش رحماني برضو وأنا صابر وساكت)
قالت وهي تواصل الهرب منه وهو خلفها مطاردًا بإصرار (حدد ميعاد طيب وكمل الناجص في الشجة)
قال بعناد  (اتجوز الأول)
وقفت مكانها تلهث في استسلام وهي تسأله (مصمم يعني يا حمزة؟)
أكد بهزة كتف وهو يقف مثلها ملتقطًا أنفاسه (أيوة لن أبرح حتى أبلغ)
كتمت ضحكتها وصلبت عودها متنفسة بقوة وهي تسأله (حافظ الدعاء ولا إيه)
أكّد وهو يقترب منها مبتسمًا بظفر (حافظة وجولته من زمان ومستني تجيني يا سكن)
خلعت حقيبتها مستسلمة، رمتها جانبًا وقالت (بوظتلي التخيل)
اقترب وجذبها لأحضانه، فرفعت نظراتها اللامعة وهمست (متتهورش)
أصدر بفمه صوتًا رافضًا قولها وهو يرفع وجهها بأنامله هامسًا (هاخد حجي منك تالت ومتلت فاكرة لما جولتلك ليكي روجة، هي دي روجتي وهنتحاسب من أول ماجولتيلي دكتور البهايم ومسكتي إيدي بالغلط لغاية دلوك)
ابتسمت في ابتهاج وهي تحاوط عنقه بذراعيها متسائلة (أنا مسكت إيدك يا حبيبي؟)
مال ولثم جانب شفتيها يُذكرها (لما جيت اسلّم على عمتي وجولتيلي حد يجي الضهر ولما مشيت مسكتي إيدي)
همست وأنفاسها تتسارع (لسه فاكر؟)
أكّد وهو يجوب وجهها بقبلاته (مفيش حاجه منك نسيتها (كل ما فيكي ومنك  يتعشق عشق يا سكني)
همست بضحكة ناعمة خجول وقبلاته تزداد عمقًا (طيب اعشجني بجا)
ابتعد لاهثًا يخبرها بعاطفة 
(وأنا كنت عامل فنفسي كدا ليه عشان بعشجك)
سألته باهتمام مشدوهة ومنجذبة له ولقوله وفعله (كيف  يعني)
عاد لينثر القبلات فوق وجهها وأنامله تمتد وتتخلل خصلاتها
(مش عايزك تشوفي ولا تحبي غيري ولا تتعلجي غير بيا، أنت بتاعتي أنا يا سكني لوحدي حجي)
ابتسمت تؤكد على قولها بقبلات انحنت وطبعتها موضع قلبه (مين جال غير كدا يا حمزاوي)
ابتسم لفعلتها التي خلبت لبه وقال(اجولك سر)
رفعت زيتونتها وهمست بدلال(قول يا حبيبي)
اعترف لها بابتسامة ونفس التأثير يعود اللحظة ويبعثر دقاته (لما كنتي بتجولي حمزاوي جلبي مكانش بينبض كان بيعزف)
ابتسمت مصارحةً له  (لما كنت تجولي حلوة كنت ببص في المراية اتأكد والأقيني احلويت معرفش كيف)
سألها بمكر (مجولتليش إيه تخيلك لليلة فرحنا)
تضرجت وجنتيها بحمرة لذيذة وخجل استنكره وقال هازئًا (بتتكسفي!؟ يا شيخة؟!)
طالعته بنظرة غاضبة قبل أن تكور قبضتها وتضربه على كتفه معاتبة (ماشي يا حمزة الله يسامحك)
ابتعدت عنه تحمل حقيبتها وتلف حجابها،فشاكسها وهو يقترب ويضمها (خلاص بهزر)
رن هاتفها فابتعدت وأخرجته من الحقيبة لترفع له نظراتها وتخبره (عمتي بترن)
  ضحك قائلًا وهو يعود لضمها (لا دِه تنبيه، جرس إنذار يا بجرة أمي حست)
قالت وهي تهز رأسها بضحكة (فاهمة ولدها)
قبّل جبينها وضمها بقوة وهو يقول (ولدها مش هيكسر كلامها ولا يزعل حبيبته ويبوظلها خيالها)
ضمته بقوة هامسةً (تدوملي يا حمزة ويخليلي جلبك الحلو)
أبعدها عن أحضانه ممسكًا بكفها يسحبها للباب قائلًا (يلا جبل ما نلاقي ورد جيالنا هنا بالشبشب)
**************
            ♡اليوم التالي ظهرًا♡
استقر الأمر على أن يلتقيهما في منزل إبراهيم، ابراهيم الذي يقف الآن في الزاوية يعلنهم جميعًا ويصب غضب النظرات الحارقة فوق رؤسهم، يدعو على سكن ويزفر في وجه مودة التي تكتم ضحكاتها وتخبئها بكفها على أفعاله، ولا ينسى وسط كل ذلك أن يسألها (يعني حمزة موافق؟  راضي؟) وتؤكد هي كل مرة بنعم حتى سئمت السؤال والنقاش وجلست منتظرة مثله، وحدها سكن كانت لا تعرف، تظنها زيارة عادية للتعارف تستحقها مودة وطلبها هيما، تنظر لهيما المرتبك من وقتٍ لآخر وتحدجه بنظرة مستهجنة وسؤال ينفلت (مالك يالااا)
قضم نصف أظافره وابتلعهم من شدة توتره وغيظه، تواصلت سكن مع زوجها تخبره بمثقال الجبال شوقًا وعشقًا (وحشتني أبجا تعالى يا حمزة)
أخبرها وهو يدرك عواقب المقابلة عليها، ورغبته هو في عدم رؤيتها بعدها لا يريد أن يشم في كلماتها رائحة حسان ولا أن يشعر به في ضمتها، ولا أن يرى ظله في زيتونيتها التي يحب ويعشق، أشجار عينيها لا يريدها إلا أن تظلله هو وحده دون غيره فكيف إن رأها تظلل من يكرهه.
(هخلص متأخر مش هينفع بكره بإذن الله)
تحمست أكثر من اللازم ولا تعلم أن القدر يخبيء لها شجنًا من نوع خاص ومقابلة ستقف فيها مكتوفة الأيدي عاجزة ما بين عاشق وأب.
(تكون عندي الفجر هستناك أسرجلي من وجتك حبة لحضني ياحمزة)
ابتسم يقرأ بمحبة، ودهشة من جمال كلماتها التي تلامس قلبه وتصل لأعمق نقطة فيه فتزيّن قبيحة وتنير مُظلمه وتنشر السعادة في أرجائه. (هحاول يا سكن)
قرأتها وملامحها تمتلىء بالأسف قبل أن تجيبه بحسم  (هستناك يا حبيبي)
رن جرس الباب فلطم هيما وتحفزت مودة لكنها غارقة في شعور بالشوق يجعلها تطفو فوق الدنيا وتنعزل في فقاعة ملونة تطير بها في الهواء.
دخل حسان المنزل ببطء، لولا رغبته في رؤية ابنته ما فعلها وهو يعلم أن هيما يخشى وجوده ويخاف مجيئه لا يلومه بل يلتمس لصدق شعوره ألف عذر، بل و يشجعه على رد المعروف وصون الجميل واحترام من كان له أب في اليتم وسندًا في الحياة وأخًا يرتكز عليه.
رفعت نظراتها من على الهاتف متفاجئة، تتمزق بين شعور باللهفة وشعور بالخوف على رجل إنهار أمس بين ذراعيها وحمّل قلبها الموشوم بعشقه أمانه كبيرة.
تخشبت في مكانها مرتجفة الفؤاد، نظراتها استنجدت بمن حولها الصامتين المترقبين
لم تجد فهمًا ولا سلوانًا إلا في نظراته هو التي رغم انطفائها الحزين والرماد فيها إلا إنها كانت نبراسًا اهتدت به، اما ابتسامته الخشنة فكانت عصا توكأت عليها في السير إليه وكلماته كانت حافزًا هدم جدار خوفها
(خدنا موافجة حمزة والجيّة بشورته)
فهم ما تعانية رغم قساوته على قلبه، كَرِه أن تمتنع وتبقى بعيدًا لكنه مرغم ومتفهم، ما كانت تحتاج لسؤال من حولها لتتأكد، كلماته مرجعًا وصدقًا تتخذه وقاية لها، ومجيء زين خلفه أكّد ذلك.
بقيت مكانها وهرولت دموعها،تيبست أقدامها وركضت بدلًا عنها لهفتها، حتى وصلتها رسالته وكأنه يشعر بها الآن، قلبها راسله وأخبره بما تعانيه ففعل هو رجل اللحظات السيئة والمواقف الصعبة وفارسها المنقذ المتفهم
(متخافيش يا سكن كله بعلمي، سلمي يا سكن ومتنسيش جلب حمزة بيجولك ودّعيه لإنك لو عيزاه مش هتشوفي حسان تاني)
شهقت بانفعال حاد، بكت بقوة وعصيان كارهة ما يحدث لها ومفارقات القدر العجيبة التي تمنح وتسلب تأخذ وتعطي ولا يدوم شيء ولا يبقى شيء
اقترب منها حسان ملتهمًا المسافة وقد شعر بما تعانيه وتفهّمه، قرأ خباياها وتصفح كتاب نفسها المتوجعة، فنهضت تاركةً الهاتف، ارتمت بأحضانه فضمها بحنو مُقدرًا ما هي فيه، ربت على ظهرها بأبوه سيفتقدها فطفرت الدموع من عينيه.
أبعدها عنه قائلا (غاوية حِزن)
مسحت دموعها وطافت بنظراتها عليه تطمئن (أنت بخير؟  صحتك كويسه)
ثم تذكرت خذلانها له، فاعتذرت ببكاء (حجك عليا معرفتش أجيك واطمن)
أخبرها ونظراته تمتلىء بالتقدير (بس بعتيلي جلبك وحمزة) قهقه بخشونة قبل أن يخبرها بحنوه المعتاد وهو ينظر لعينيها (وه ياسكن جه وجلي جيتك عشانها وعشان راحتها)
ضحكت من بين دموعها فقال وهو ينظر للواقفة خلفها (دي مودة؟)
هزت سكن رأسها فقال حسان بضحكة خشنة (سمعت صوت جلب حضرة الضابط لما سألت فتأكدت إنها هي)
هرش زين مؤخرة رأسه وهو يخفض بصره بحرج لاعنًا في غمغمة خافته، بينما ابتسمت مودة وتقدمت ترحّب به، ضمها هي الأخرى فيما يشبه اسمها رغم حفاظها على تيبس جسدها وعدم طاعته واسترخائه لمبادلته الحضن الأبوي، وحدها سكن التقطت مقصده وباطن قوله الذي يبدو ساخرًا لكنه كان ينبه اختها فيه لحقيقة تنكرها ولا تنتبه إليها وقد يعميها عنادها عنها وهي أن هذا الزين يحبها وصادقًا في مشاعره.
سلّم على هيما المنكمش في مراقبة كعادته (ازيك يا هيما؟)
ليجيب هيما بتعبير بلاهي، وإجابة غير منطقية جلبت الضحكات للأفواه ولطّفت الأجواء وخففت من التوتر السائد (مبشوفش من غير النضارة ولا بسمع)
اقترب حسان وضمه هو الأخر بحنان جلب الدموع لعينيه والآسى لملامحه ومن شدة شعوره بصدق عاطفة خاله ابتعد ينكرها غير مصدق..
جلس حسان وجاورته سكن وكذلك فعلت مودة وعلى مقربة منهم جلس هيما، سأل زين عن الشرفة ليشعل سيجارًا ويترك لهم مساحة آمنة للبوح  فوجّهه هيما وعاد ليجلس، خرجت أخته ورحّبت به ثم جاورتهم صامتة مستمعة كعادتها لا تتدخل تكتفي بالنظر والمراقبة والتدخل إن احتاج الأمر.
أمسكت سكن بكفه وسألته (خفيت يا عم) أجابها بابتسامة (مش كل الوجع مكشوف، لو على المرض خفيت ولو على الي شايله فلسه تجيل ومخفتش حمولته)
انتبه حسان لمودة وقال ينصحها (شوري عجلك يا مودة هيعمل الصح وامسكي يد جلبك اللعمى بصيرته تدلك يابتي)
لوهلة شعرت بالبلاهة والتوهة لكنها أرجأت الفهم لوقته، أخرج حسان من جيب جلبابه ورقة جريدة ملفوفة، فردها وأخرج منها أربعة شطائر، رائحتها جذبت سكن فهتفت بشهية (جبنة بطماطم يا حسان)
منحها جزء ومودة جزءًا ونال هيما نصيبه رغم رفضه في البداية الممزوج باندهاشه واستنكاره المنطوق (جبنة بطماطم!)
قضمت سكن بشهية وهي تخبره بانبهارها الطفولي المعتاد (دوجها ومش هتنساها عمرك) رمقها هيما بإمتعاض وداخله يلعنها ألف مرة قبل أن يقضم في استسلام ويلوكها بسخط وعدم شهية، انبثق طعمها، فتذوقه لسانه، توقف عن المضغ متعجبًا يخشى أن يُصرّح بإعجابه في مكابرة، قضم مرة أخرى يتأكد من الطعم حتى تخلى عن عناده ونطق بذهول كأنه يخبرهم بخرافة (أقسم الله حلوة)
وهزت مودة رأسها بإستحسان هي الآخرى  ، متعجبة من هذا المذاق فسألته (هي فيها إيه؟  ) قال هيما (هي حلوة ليه؟  وعملتها إزاي)
نظر لعيني سكن وقال بعمق (لما تعوزوها جولوا لسكن تعملها، السر عندها، خبيته معاها)
توقفت عن المضغ وقد جلبت كلماته الدموع الغزيرة لعينيها، لم يمنحها سرًا وليس لها وصفة وسر بل هو سحر المحبة الذي علمها إياه، قال لها يومًا أن لكلًا منا سحره الخاص وسره الذي لا يكتشفه إلا من أحبنا بصدق، قال لها أن سرها هي في قلبها وطهارته، وأن لقلبها أيادي تربت وتحنو وتضم وتمسح الدمع، إن أرادت مذاقًا فريدًا وخلطة سحرية  فلتترك صنعه لأيادي قلبها المُحبة وستنبهر.
أخبرها أن قلبها جُبل على العطاء ومهما قست عليها دنياها ستظل تُعطي، وأنها دعوة ورد لحمزة بأن يأخذ من الدنيا حلوها ويجزل عليه القدر بالعطايا فمنحه الله إمرأة مثلها مُحبة موفورة العطاء تمنح دون ثمن وتعطي بسخاء دون مقابل ترجوه، جملته جعلتها تندهش حين ربطت نداء ورد لها بالحلوة ونداء حمزة لها كذلك.
قال لها أن سر حمزة في روحه التي تشبه المعطف المغزول بأيادي الحب، المعطر بالورد ومسك الجنة... هو معطف أمه ومعطفها الذي يقيها عوز المشاعر ويحميها من رياح الزمن العاصفة، روحه انجذبت لقلبها فتوحدا واتحدا ولن يفرقهما شيء مادام كل واحدٍ منهما يقوم بدوره دون طغيان أو نقصان، قال لها أن معطفه قد يتمزق أو يحرق، بصبرها وبأيدي قلبها يمكنها إصلاحه وترميمه بلمساتها، وأن أيادي قلبها قد تتألم وتُخذل، وصقيع الحياة يجمدها فلا تتحرك حينها سيدثرها المعطف وتتدفأ وتعود من جديد لعملها.
في جلسته معهما حرص على إعادة الكلمات والشبع منها قدر المستطاع، نصح مودة بالتريث وأخبرها أن زين صارحه بمحبته لها ورغبته فيها، زين أقدر الناس بقلبها هو رجل واضح صريح أرادها رغم ما بينهم ورغبها رغم الحواجز..
وصىّ إبراهيم على أخيه الكبير(حمزة) وطلب منه أن يصون معروفه أبد الدهر وتمنى لو كان باستطاعته أو يملك الأيام لكان له أبًا..
همس للصامتة وقد أدركت قرب مغادرته واقتراب الرحيل (سكن)
أجابته ملبية بلهفة (أيوة يا أبوي)
كلماتها كانت نسائم باردة أبهجته فقال داعيًا (الله يرضى عنك ويرضيكِ)
صمت بحرج، أخفض نظراته فشدت على كفه تشجعه فهمس بخفوت (مش هوصيكي عليها يا سكن اعملي الي يرضيها ويريحها كوني أنتِ سبيل السماح،صلحي الي خربته أنا ولمي الي بعترته، الي هدّيته أنا ابنيه يابتي ؟)
مسحت دموعها وقالت (حاضر يا أبوي)
شدد عليها بحزم رفيق شابه توسل (أمانة يا بتي فرجبتك هسألك عن أمانتي اتجابلنا تاني في الدنيا أو الآخرة)
هزت رأسها بالموافقة، فهمس (راعي لجوزك ياسكن وكوني السكن يابتي زي ما طلب، خدتي نايبك كله فعمتك وجوزك أحمديه واشكريه تزيد النعمة ويكتر الحب، اتجي نار الفراق بتمرة عشق تجسميها بيناتكم، واتصدجي عن حبك ليه بكلمة حلوة ترديها لجلبه، فيكتر الحب ويتبارك فيه يا بتي)
أنهى كلماته ونهض يُعلن رحيله، فانتفضت متشبثة به، فلثم رأسها واستدار ليفعل مع مودة، وضم هيما وأخته، اعتذر منها على تقصيره وعدم برها ورجاها مسامحته وبعدها سار ووقف أمام الشرفة مناديًا (يا حضرة الضابط)
خرج زين من الشرفة، وزّع نظراته عليهم جميعا بقلق وترقب للوجوه، تأملهم حسان قبل أن يرفع كفه بابتسامة ويرمي سلامه..
تذكر شيئًا فعاد لسكن التي تتبعه ببكائها، فرد كفها ووضع مسبحته وورقة قائلًا (ياريت عندي حاجه أديهالك يابتي بس ملجتش أغلى من سبحة شيخي، والورجة دي اديها لعمتك عشان لو تعبتي تعرف تتصرف
هتداويكي بيها، ثم وصاها( كل ما تضلم يا سكن افتكري
قاطعته تردد من بين دموعها السخية

ملاذ قلبي سكن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن