♥️السابع والعشرون❤️

12K 273 10
                                    

السابع والعشرون ♥️
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ♥️
💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚

من طرْح بستان عيونك باقطف الأشعار
واروى شفايفك بشوقى تطرح الأزهار
ياللى رموشك وَنَس فى البعد ودليلى
والشَعر ليلي ، وخدِّك للحيارى نهار !!
بقلم /عادل صابر
🌳🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴
في قلوب كل منا أسقط القدر ثمرة حب
نظل طوال العمر نبحث عمن يتقاسمها معنا
إن خابت اختياراتنا أضحى طعمها مرًا .
وإن وجدنا من يكمّلنا تذوقنا منها شهدًا.
**********
دفع حمزة كف هشام عنه في إستياء وضجر، وهو يقف بصلابة غير مرتعد لا يشوب ثباته شائبة اهتزاز أو يدور داخله نزاع خوفٍ، يسلّط نظراته القوية لوجه هشام في سخريةٍ وتحدي قاتل، هتف حمزة ونظرة استخفاف وتحقير تُكبّل هذا الغاضب المتعجرف (خير يا هشام؟)
لم تقلّ ورد عن ولدها صلابه وإن نازع الخوف دواخلها ورقص فوق قوتها، صوبت نظرات حادة قاسية لهشام الذي خشي مواجهتها لسبب لا يفهمه
فتلك السيدة بوجهها هيبة تفتت عزيمته وبعينيها سيوفًا من قوة تنحر صلابته، كلما داهمت أبواب قلبه بتلك النظرة ارتعد داخله وتبعثرت دقاته وانحنى في انهزام، نور وجهها يعميه وضي عينيها يرديه كسيرًا، الجميع يخشاها بقدر حبهم لها يومًا ما سخر من قولهم والآن هو يحس ذلك الشعور ويعيشه.
من بين أسنانه المطبقة خرجت كلماته لحمزة قوية  (بجا بتحرج الأرض والزرايب يا حمزة)
مازالت السخرية سيفًا يبارز به حمزة غضب الآخر، ليقول حمزة وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله ببرود (أرض ايه يا بابا وزاريب إيه الي جاي عالصبح تتهمني بحرجهم..؟)
قال هشام بغضب حارق يتجول داخله  في جنون وهو يدفع فوهة سلاحه بقوة في جبهة حمزة كعلامة تهديد (أرضنا الي اديتهالنا يا واد عبدالحكيم)
دفع حمزة ذراع هشام وكفه المعتنقة السلاح لافظًا سخريته كبصقة مرةً (إبعد بس دا يا بابا الأول لا تتعور، اهيك جولت اديتهالنا يعني رميتها خلاص معيزهاش يبجا هحرجها ليه )
تأجج بركان غضب هشام، دفع حمزة في صدر بقوة حملت عنفه وجنون ثورته، صاح به ومازال حمزة على ثباته يحرقه بنظراته ويُعلن استخفافه به (بتديهالنا باليمين وتحرجها بالشمال يا ابن عبدالحكيم وعامل راجل وكبير عيلتك)
أخرج حمزة كفيه وقال بإستهانة موضحًا (حريج إيه مشوفتش، بعدين أنا كبير على الي يخصني غصب عنك )
تهكم هشام بغيظ شديد وحرقة قلب  (ما إنت عريس ومش دريان بس يارب تكون العروسة كد مستوى طموحك يا شيف أصل أنا لجيتها مش كد كدِه فسبتها لك)
كلماته كانت كفيلة لأن يخلع حمزة رداء بروده، ويزأر في وجهه بغضب، اقترب منه قابضًا على فكه بقوة فكيف يجرؤ على إهانة زوجته ورميها بتلك الكلمات أمامه لو كان للجنون سيد لكانت ملامحه الآن  وهويهمس من بين أسنانه بغضب (لا خلي بالك دلوجت هي مش بت عمتي بس، كلمة منك زيادة هجتلك ببساطة وهجول اتهجمت عليا ودافعت عن نفسي)
ارتجف جفني هشام بتوتر، نتيجة تهوره غير المحسوب، لتهبط كف حمزة لعنقه فيحكم قبضته حوله في غضب وتهور ملعون، لولا صرخة والدته المانعة المحذرة وإفاقتها له (حمزة) لأكمل دون تردد فلسانه يستحق أن يخرس بعدما أصاب سكنه بكلماته
ابتعد حمزة عنه بعدما دفعه للحائط خلفه يسعل بشدة
سألته ورد بغضب وهي تقترب منه متحديةً له(أرض إيه الي حرجها ولدي يا واد أخوي)
مسد هشام عنقه قائلًا بغضب ونظراته تهرب من قبضة عمته الحديدية (اطلعي شوفي بهايمنا وأرضنا النار كلتهم عشية وبجوا قش)
انقبضت ورد بحزن، قتامة من الأسى واليأس عششت داخلها من كلماته، ليهتف حمزة من بين أسنانه :
(هديهالكم ليه؟ ما أنا لو عايزها الأرض كانت هتفضل معانا ومكنتش هتجدر تعمل حاجه وكنت هتوافج عالصلح وتاني مرة كنت هجدر أخليك تطلج بطريجتي برضو من غير ما تطول حاجه)
هتف هشام بتهكم وهو يشمله بنظرة محتقرة مشتعلة بالحقد (مش مصدجك يا حمزة)
صاح حمزة في وجهه مستهينًا بكلماته لا مبالايًا مكتفيًا من حماقته (براحتك أعلى ما فخيلك اركبه)
ترك هشام سلاحه وأقترب يلكم حمزة في حنق وغيظ، ليبادله حمزة أخرى وقد جاءت له الفرصة لينال منه على كلماته التي ركنت بزوايا عقله.
تبادلا الضرب واحتد الأمر، لتخرج سكن متخليةً عن إبتعادها راكلة صبرها،هربت نظراته إليها في تحذير مانعًا لها من التدخل والاقتراب، بعد ما رأي في نظراتها الخوف والقلق.
لتوقفهما ورد بصرخاتها وجسدها يقف حائلًا بين استمرارهما (بس بس)
توقفا كلاهما ينظر للآخر بحقدٍ وغضب وتوعد، يلهثان بإنفعال، انهت ورد الخلاف وهي توجّه كلماتها لهشام شاهرة سبابتها بوجهه (ولدي معملش كدِه صدجت أو لاااه يا واد عزام)
تهرّب هشام بنظراته منها في قلق واضطراب، لتتابع ورد بصرامة وهي تصلب جسدها متفاخرة  (ولدي لو عملها هيجي يجولك فوشك مش هيتدارى يا واد أخوي،مترميش بلى حد عليه روح شوف مين ليه يد ومصلحة يعمل كدِه ويشكك فيه، أنا الي يرميه ولدي ولا يجع منه ميرجعش ياخده تاني ولا يدوس عليه)
لم يقتنع هشام بما قالت، طرد كلماتها بعيدًا في نبذ عن أفكاره وقال بتهديد صريح (لو عملها هجتلهولك زي ما عمي جتل أبوه)
ارتجف داخلها من نبرته العدائية الشديدة والحقد الذي وجهه لوحيدها كسهام مسمومة أصابت قلبها هي قبله،بعثر أفكارها بما نطق رغمًا عنها خافت وارتعبت على وحيدها من تلك الكراهية.
هتف حمزة مشفقًا على والدته مما قاله  (اكتم واتكلم على كدك)
التفت هشام لسكن الواقفة بعيدًا تطلق زخات دموعها مرتعشةً تحاوط عزيز قلبها بنظرات خائفة.
هتف موجهًا كلماته لها مبتسمًا يرعبها بقوله بعدما رمقها بنظرة هازئة (هرملك زيها استعدي)
كادت تهوي أرضًا في رعب من كلماته التي أصابتها في مقتل،شهقت متسعة العينين لتتسع ابتسامته المتشفية فوق شفتيه رغم غيرته مما رأه بنظراتها الموجهة لحمزة كأن الكون كله مختزل فيه هو، كأنه العالم، نظرات لم تمنحها له ولو مرة ولم يره تخصه بها يوم كان زوجخا وذلك زاده ورمى بأرض قلبه السوداء بذرة انتقام.
هاج حمزة واندفع تجاهه في غضب مجنون لتدفعه والدته مانعة اقترابه تصرخ بهشام (امشي الله يهديك)
دفعته ورد للخارج بقوة وأغلقت ثم اتكأت بظهرها للباب تلتقط أنفاسها تستجمع قوتها وشجاعتها، بينما اندفعت سكن لحجرتها في انهيار تام.
اقترب حمزة من والدته أولًا ضمها يبثها الطمأنينة ويقبل رأسها في حنو، ارتكنت بضعفها وهواجسها فوق صدره مستغفرةً ذاكرة الله، لتتمالك نفسها وتبعده عنها موجهةً (شوف مرتك يا حمزة)
رفض ترّكِها فدفعته وهي تقف في صلابة وحزم تشير له موضحةً (هي محتجاك أكتر)
دخل الحجرة ليجدها نائمة فوق الفراش تضع كفيها فوق أذنيها تمنع عبور كلمات هشام المقيتة متناسية أن الكلمات تتردد داخلها ليس حولها، وأن ما نفثه بحقد عالق في ذهنها مستوطن داخل عقلها، رمى بذرته خالها وولده يوم اتفقا على الخلاص من حمزة ورواها هشام الآن لتكبر وتلتف حول روحها تعصرها.
جلس على ركبتيه أمامها بإشفاق، مد كفيه ونزع كفيها هامسًا (سكني)
فتحت عينيها وقد حافظت على الآسى بهما، رفعت نظراتها إليه في جزع طفولي جلب ابتسامته.
قبّل راحتيها يطمئنها (متخافيش.؟ خايفه من إيه يا حبيبي أنا جنبك..؟)
كأنه منحها الإذن بتحطيم قيود ذهولها، وغربة روحها بين همسات هشام الكريهة، انتفضت جالسة أحاطت وجهه براحتيها هامسةً بتوسل (خلينا نمشي يا حمزة)
كررتها بهستيريا، مرة بتوسل ومرة بزعر احتل قسماتها ليدؤها مشفقًا عليها لاعنًا داخله هشام (اهدي هنمشي يا حبيبي بإذن الله)
مدت أناملها المرتجفه تمسح الدماء عن جانب شفتيه وأنفه وكلماتها تنطلق دون قيود تعبر الحواجز (تتجطع إيده الي اتمدت عليك  يا حبيبي)
اتسعت عيناه فلأول مرة تنطقها وبهذا الشكل،كأنها غمسته في الجنة بقولها الذي بعثر دقاته فطاب له أن يسمعها مرةً أخرى يعيد توازنه بسماعها 
همس بنبرة متوسلًا (بتجولي إيه..؟) نظراته تستحلفها التكرار
لم تكن في تمام وعيها وإدراكها ملتفة بالصدمة معمية ببداية اختناقها ونوبتها، قالت بهذيان (حبيبي يا حمزة خايفة عليك منهم، هما جالوا عايزين يجتلوك بأيد هشام يا حمزة، أنا سمعتهم ووافقت أبعد عشان مودة وعشان إنت تبجا في أمان، مش هجدر يا حمزة أموت جبلك)
ظل يستمع لكلماتها بمشاعر متضاربة مختلطة، يفسرها ويصمت؛ لتتابع الهذيان فيفهم ما غفل عنه وتوارى.. نهض وجلس جوارها، سحبها لصدره وأحاطها بذراعيه هامسًا (اهدي اهدي خدي نفس)
دبدبت بقدميها موضحة بهستيريا مستمرة (مكنتش عايزه هشام، عيزاك إنت كنت خايفة اتعلج بيك لإنك كنت بعيد جوي ومش عايزني مش شايفني ، مودة كانت بتكرهني، ملجتش غيره هو جنبي ومعايا )
أفصحت عما بداخلها، بينما هو يضمها متأوهًا بعشق، يهمس لها عاتبًا (ليه مجولتيش دِه كله يا سكن)
بدأت حالتها تزداد سوءًا كلما سكبت إعترافًا بالعشق له، كلما أخبرته بأسرارها ضاق صدرها أكثر لتدخل نوبتها وظل هو جوارها يحتويها حتى هدأت، على الفور أتى لها بالماء والطعام وبعدها نامت ممسكة بكفها تخشى إفلاتها هامسًا (متسبنيش يا حمزاوي تاني وتبعد)
أسلمت وعيها للنوم ليظل هو جوارها، دخلت ورد الحجرة وجلست فوق الآريكة قائلة بأسف (حبيبتي يا بتي اتحملتي كل حاجه لوحدك)
طالع حمزة وجهها النائم بحزن، لتهتف والدته بحسم (لازم نمشي يا حمزة عمك شكله بدأ شره)
صمت حمزة مُفكرًا لا يستسيغ الهرب الآن وترك كل شيء خلفه في ضعف؛ لتخبره والدته بحدة وقد قرأت أفكاره (سيبهم يولعوا فبعض الي بدأ الشر هو الي هينهيه)
تعمق النظر لعينيها لتخاطبه برجاء وهي تنظر لسكن المتعبة (مرتك مش هتتحمل يا ولدي)
حادت نظراته لسكن النائمة بتعب وإنهاك فتنهد راميًا قراره ُمجبرًا لأجل قلبها (على خيرة الله)
********
صلى الظهر وعاد للمنزل، دخل البيت يسأل عنها (سكن لسه نايمة؟)
أجابته والدته في حزن  (أيوة ادخل شوفها)
دخل الحجرة وجلس جوارها بعدما أطفأ مبرد الهواء، همس لها برفق (سكن)
تململت هامسةً دون أن تفرق جفنيها (أيوة)
عاتبها بحنو ورقة طاغية وأنامله تلملم خصلاتها المتناثرة وتتجول فوق وجهها بحب (حبيبي كفاية نوم اصحي يلا عشان تاكلي وتصلي)
ابتسمت حين طالعت محياه، همست بمرح ومشاغبة وهي تعتدل جالسة (مين فينا  الي أمه دعياله دلوجت يا حمزاوي)
تناول مشط الشعر واعتدل في جلسته يلملم لها خصلاتها هامسًا (أنا طبعًا)
ما إن انتهى عدّ جلسته فاقتربت من ظهره المفرود وعانقت عنقه بذراعيها هامسةً وهي تلصق جانب وجهها بخده (لما أصحى على ضحكتك الحلوة دي وعنيك الي بتحضني من غير طلب يبجا أكيد راضية دعيالي)
أمسك بذراعيها قائلًا بتأثر (أمممم صاحية رايجة)
ضحكت قائلة برقة ونعومة كأنها ليست هي التي انهارت منذ ساعات (هشوفك ومروجش يا حموزتي)
هز رأسه قائلًا بضحكة مستمتعةً (وحموزتي كمان الله أكبر)
أبعد ذراعيها عنه برفق، ونهض واقفًا يسحبها تجاهه فارتمت بين ذراعيه في دلال ليحاوط خصرها ويرفعها قليلًا هامسًا بعاطفة (جربك بياخدني لدنيا تانية يا سكن)
وضعت أصبعي السبابة والوسطى فوق شفتيها تحت نظراته ولثمتهما ثم وضعتهما فوق شفتيه هامسةً بحب أيدته نظراتها اللامعة (يا محلى الدنيا بيك يا حمزة خليني دايما فيها معاك)
تأثر من فعلتها البسيطة العفوية، ارتعش مغمضًا عينيه تاركًا تنهيدته تفشي لها بمشاعره، ليفتحهما نافضًا عن كل تأثير.
وضع قدميها على الأرض قائلًا مبدلًا الحوار (يلااا بلاش كسل)
خطت للخارج لتتوقف عند الباب متذكرة ما حدث ونسيته وأسقطته ذاكرتها، عادت إليه مندفعة ترتمي بين ذراعيه منتفضة تهمس (حمزة)
أحاطها مندهشًا، يسألها بقلق وهو يبعدها لينظر لوجهها (مالك يا سكن..؟)
ابتلعت ريقها وقالت بعدما شردت تستعيد أحداث الصباح (خلينا نمشي من هِنا)
أجابها وهو يداعب خدها بأنامله (هنمشي بكره الصبح بإذن الله استعدي خلاص حجزت)
أراحت رأسها على صدره حامدةً ليقبّل رأسها ويبعدها من جديد مستاءًا (يا بت يلا علشان تاكلي)
ابتعدت مبتسمة، تغزو الراحة ملامحها القت له قبلة في الهواء قائلةً (هخلص بسرعة وارجعلك)
قبلت رأس ورد حين خرجت وداعبتها بمرح، ثم اتجهت للمرحاض ليجاور حمزة ورد منتظرًا سكن حتى تعود.
*********
باعزف على جرحى برَغول
والقلب راضى بمنابُه
ماقاهرنى فى الدنيا غير غول
يضحك ودمِّى فى نابُه !!
بقلم /عادل صابر
🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴
قبل غروب الشمس، ارتدى جلباب والده  وهبط درجات السلّم بتؤدة، اقترب من والدته وقبّل كفها هامسًا بوجهته (هزور أبوي جبل ما نمشي يا أمي)
ابتسمت ورد بشجن قائلة  (سلملي عليه)
سأل والدته عن زوجته التي لا يراها بمحيطه (فين البت سكن..؟)
هتفت من داخل الحجرة (أنا هِنا يا حمزاوي)
استدار ذاهبًا إليها، مرق للحجرة ليجدها متربعة فوق الفِراش، وقف أمامها يسأل وهو يتابع بنظراته ما يشغلها ولا يفهمه (بتعملي إيه…؟)
حركت مبرد الأظافر فوق أظافرها وهي ترفع نظراتها متأملة له قليلًا قبل أن تتنهد بهيام وإعجاب تألقت به نظراتها وباحت به له، عودت النظر لأظافرها هامسةً (عادي مبعملش حاجه)
تأملها بإبتسامة وقد تخلت عن إسدالها وارتدت بجامة حمراء بربع كم تعكس بياض بشرتها ونعومة ذراعيها، مفتوحة من عند الصدر تظهر جمال ورشاقة عنقها.
نادها متعمدًا لتقف ويتسنى له رؤية ما ترتديه جيدًا وتأمله (تعالي يا سكن)
قفزت ملبيةً، وقفت أمامه تسأله بإبتسامة (نعم يا حمزاوي)
مط شفتيه وتفحصها بدقة، متحيرًا بأنفاس حارة (مش عارف هي الي لايجه عليكِ ولا إنتِ الي لايجه عليها)
أظهرت الملابس مفاتنها الأنثوية بسخاء، وروعة وتناسق جسدها وبياض و جمال ساقيها ليتنهد مبهورًا بما يرى (سبحان من خلجك يا سكن وجعلك من نصيب حمزة)
توردت بخجل من كلماته ونظراته التي لا تلتهم بل تلثم برقة وإعجاب، اقتربت منه تطبع قبلة على خده شاكرة (شكرًا يا حمزاوي عينيك هي الي حلوة)
انفلت زمام تعقله فسحبها من خصرها تجاهه هامسًا بعاطفة أفلت القرب زمامها (عيني بس إيه الي حلوة دا إنتِ الي مبهرة)
ابتعدت عنه بحياء،تتملص من ذراعيه وهي تسأله (رايح فين..؟)
أجابها متذكرًا مستعيدًا رباطة جأشه (رايح أزور عبدالحكيم وخالي)
قالت هي الأخري بإبتسامة حزينة (سلملي عليهم)
ترك خصرها وابتعد مستديرًا يطلق ع عدة أنفاس يسيطر به على نفسه ويستجمع بها ثباته الذي بعثرته الصغيرة، خرج ليجد والدته بإنتظاره تمنحه سلاح والده قائلة بحزم (خد دِه معاك يا حمزة)
قال بلا مبالاة (مش مستاهلة يا ورد ومفيش داعي ليه)
أكدت والدته بحدة وصرامة وهي تقترب منه وتمنحه له في إجبار (متجادلش ياولدي خده وربنا يحفظك)
تناوله منه ودسه بجيب جلبابه قائلًا بطاعة(حاضر يا حبيبتي متجلجيش بس)
غادر وأغلق خلفه لتتلاقى نظرات ورد بسكينة وقد شاركتها نفس الخوف والقلق على حبيبها.
جاورت ورد وارتمت بأحضانها في زعر لم تفصح عنه لكنها واثقة أن أحضان ورد وحدها الكفيلة بطمأنتها واحتواءها والشعور بما تعانيه.
دخل حدود المقابر في وقار حزين، خطا بين القبور داعيًا حتي وصل للحوش بحيطانه الزرقاء (مقابر عائلته) دفع الباب الخشبي المتهالك ودخل تاركًا الباب مفتوحًا على مصراعيه حتى يخرج، وقف أمام قبر والده صامتًا في بؤس وحزن وعقله ممتليء بالكلمات التي يأبي لسانه إفلاتها، بينما تتأجج داخل قلبه مشاعر الشوق والحنين لصديقه الغائب ونبع أمانه قطعة قلبه، يتمنى لو كان هنا معه يرتكن عليه بضعفه يحتمي به ويشركه في أمره، لأخذ نصيبه من السعادة دون هم وتجرع الفرح دون حساب، لاختلى بحبيبته في راحة وابتعد في اطمئنان أن هناك من سيسنده ويحمي ظهره..
لكنه اليوم دونه وحيدًا يتخبط يحمل كل شيء فوق عاتقه، تتزايد الهموم وتتراكم داخله، الف باب من القلق يُفتح داخله..لولا والدته لمات على قيد الحياة بكل هذا الوجع، لولا عودة الحياة له بمجيء سكن لجف وتساقط كأوراق الشجر.
سكن غيث جاءه بعد دعوة استسقاء ابتهل به قلبه المجدب؛ لترتوي روحه وينبت زهر حياته من جديد.
سكن الصغير التي لم يحسب حساب لعشقها، تاهت منه وعادت، ينتظر اكتمال حبها له ليأخذ نصيبه من السعادة والإكتمال.
بالخارج وقفا ملثمين على مدخل الحوش في انتظار، كل واحد من ناحية في استعداد وتحفز.
لمحهما حسان من بعيد فارتعد وعاد مختبئًا، يترقب لقد رأي حمزة وهو يعبر للداخل وتلك لم تكن المرة الأولى التي يلمحه فيها يزور والده فحمزة يحرص اسبوعيًا على المجيء منذ عاد.
وبحكم تواجده هو هنا وزيارته المتكررة لأخوته يراه ويتابعه في صمت غير كاشفًا هويته.
لكن اليوم لاحظ تتبع الملثمينِ لحمزة وبقائهما في استعداد مُلفت أمام الباب الخشبي مما يوحي بالغدر
ضرب حسان بقبضته في غضب فوق حائط كان يحتمي خلفه، ترى لمن يتبعان لهشام الثائر أم رفعت الحاقد، من يتربص بهذا المسكين لينال منه وكأنه لقمة سائغة ألا يكفيهم ابتعادة طوال تلك السنوات وزهده فيما يملك وتركه لهم، هشام الذي يتوعده بشك، ألا يفكر قليلًا، فحمزة لو كانت تهمه الأرض ما تركها وغادر ما رماها لعمه لكنه الشيطان الي يعمي بصيرة وبصر الهالكين ويقودهم لحتفهم .
انهى حمزة الزيارة وخرج، استدار مغلقًا الباب خلفه، فتطلعا الرجلين لبعضهما قبل أن يندفعا تجاهه متسائلين (إنت حمزة..؟)
التفت لهما حمزة بثبات يجيبهما بصلابة (أيوة)
نظرا الرجلان لبعضهما في إشارة غامضة جعلت حمزة يتحسس سلاحه الموجود بجيب جلبابه مستعدًا بعدما لمح الشر بنظراتهما المصّوبة تجاهه.
سألهما حمزة بقلق أجاد تخبئته(خير جايين تزوروا حد)
أقترب منه واحدًا مبادرًا بلكمة سريعة مفاجئة ارخت ذراعي حمزة وزعزعت ثباته، فمال في ترنح يتحسس خيط الدم المنسل من أنفه نتيجة قوة الضربة، وقبل أن يرفع رأسه عاجله الآخر مستغلًا في دناءة، إلتقط حمزة أنفاسه ووقف في صلابة يبادلهما الضربات بقوة وغضب شديد حتى اتفقا عليه وشتتاه أدخل حمزة كفه في جيبه ساحبًا سلاحه ليدفع أحد الرجلين بقدمه فيصطدم بالحائط في قوة ألمت ظهره ليتكالابا عليه بعدها ويتبادلانه
ركض حسان باتجاهه في استعداد شاهرًا سلاحه الذي يحتفظ به بين طيات ملابسه للضرورة، أطلق عدة أعيرة نارية وهو يقترب منهما صارخًا سيبوه، التفت الرجلان إليه في دهشة وغضب، ليقترب حسان بحذر متطلعًا لحمزة المتهالك ينزف من فمه وأنفه بشفقة، صوّب  حسان سلاحه لذراع أحد الرجلين مطلقًا عليه مما جعلهما يتيقنان أنه ليس بتهديد بل فعلًا، جلس حمزة أرضًا يسعُل باصقًا الدماء من فمه، تحسس سلاحه ليخرجه ويشهره هو الآخر في تهديد
أطلق رصاصة أصابت ساق الآخر فصرخ قبل أن يتعكزا ويفران هاربين في ألم.
أعاد حسان سلاحه لملابسه وجلس بقرب حمزة قائلًا بحنو (اسند عليا يا ولدي أوصلك للمشتِشفى)
سأله حمزة وهو يسعل بتعب وإنهاك (إنت مين وسبتهم هربوا ليه..؟)
أجابه حسان دون أن يكشف اللثام عن وجهه أو يعرفه بهويته (أنا المديونلك بالعمر، وسبتهم يمشوا علشان ألحقك وأوديك المشتِشفى)
زاغت نظرات حمزة وثقلت رأسه، ليعاونه حسان ويسنده على كتفه قائلًا (شد حيلك يا ولدي و
وياريت تمشي وتهمل البلد)
بدا حمزة بنصف وعي مترنحًا لا يعي الكثير مما يقول المنقذ ولا يقدر على تثبيت نظراته فوق عينيه ليكشف هويته.
ساعده حتى وقفا بجانب الجسر الغربي ينتظر وقوف سيارة تنقلهم لمشفى المحافظة، لو عاد لوالدته بتلك الهيئة وهذا الضعف صُعقت وتألمت ربما فارقتها روحها، لن يعرضها لهذا الشعور ولن يسمح بأن يصيب قلبها حزنًا أو هم
لذلك حرص على توصيله لمشفى قريب وعلاجه حتى يفيق ويعود لها على قدميه بأفضل حال.
*******
🌿داخل منزل عبدالحكيم🌿
هتفت ورد بقلق بدأ في نهش راحتها (حمزة اتأخر جوي العشا أدنت) ظلت تتمسك بإيمانها تحارب به شيطان ماكر يوسوس لها بالخوف فتنقبض وتتوه، تستغفر وتسبح محتمية بثقتها فالله وظنها الحسن به
لن يضيعها ولن يفجعها فيه.
ابتلعت سكن ريقها فهي لا تقل خوفًا عنها وقالت مبررة بما تُغذي به عقلها ليكف عن التفكير(يمكن راح جنا يا مرات خالي)
قالت ورد وهي تقطع الصالة مجيئًا وذهابًا في ارتعاش (تليفونه مجفول ليه طيب ومن مِتى بيجفله)
وضعت سكن راحتها فوق صدرها وقد بدأت أنفاسها تضيق وتختنق داخل رئتيها، تذكرت كلمات هشام وتهديده فدارت الأرض من حولها وتهالك جسدها ساقطًا تهاجمه الظنون وتنحره الهواجس الخطرة
جلست ورد جوارها أرضًا تضمها وتمنحها اطمئنان زائف لا تشعر به مشفقةً عليها مما تعانيه (خير يا حبيبتي)
همست سكن بنشيج باكي وعذاب تسقط في حممه (يارب)
*******************
🌿في قنا  🌿
أفاق ليجد نفسه داخل المشفى فوق الفِراش، نهض بسرعة جالسًا يتفحص جسده، رفع أنامله وتحسس جانب شفتيه وأنفه المتألم ليسأل (إزاي غبت دِه كله)
دخل الطبيب الحجرة قائلًا (حمدالله على السلامة)
وقعت عينا حمزة على اسم المشفى المطبوق فوق زي الطبيب والأوراق التي بيده، نفس المشفى الخاص التي أحضر سكن إليها، القاطنة ببداية المحافظة أول جسر النيل لكن من الذي أحضره؟
أفاق على كلمات الطبيب (الحمدلله كل حاجه تمام)
نهض بعدما غادر الطبيب ينادي على الممرضة (لو سمحتي)
استدارات ملبية تسأل بإبتسامة (نعم)
أمسك برأسه متألمًا يسألها (مين جابني هنا)
أجابته بعملية (في واحد جابك ودفع حساب المستشفى ومشي)
سألها حائرًا (مجالش هو مين..؟)
ليجد زين يدخل الحجرة يخبره بدلًا عنها (هيفيد بأيه المهم إنك بخير)
ارتفعت نظراته له مندهشًا من معرفته ومجيئه (زين باشا)
صرف زين الممرضة وجلس قرب السرير قائلًا ما يريد السؤال عنه وقرأه في انفعاله (الي جابك بلغني)
ضيّق حمزة نظراته فوق ملامح زين المستكينة يسأل (تبعك..؟)
أجابه زين وهو يضع ساقًا فوق الأخرى (تقريبا)
ثم استطرد زين بنظرات ثاقبة وجدية (حمزة إنت لازم تمشي)
أجابه حمزة بتعب وإرهاق (فعلا حجزت الصبح وماشي)
أجابه زين موضحًا (عمك بقاله مدة بيلم فبلطجية وقطاعين طرق ومشغلهم معاه فتجارة السلام والمخدرات)
سأله حمزة بشك (هو الي حرج الأرض..؟)
أجابه زين وهو يمط شفتيه (ممسكناش حد بس مفيش غيره ليه مصلحة يورطك، وبالمناسبة هيستدعوك للتحقيق لإن هشام اتهمك فمحضر رسمي)
تأفف حمزة بضيق مما يحدث ، لينهض زين ويشير له (قوم أوصلك)
تحرك حمزة شاعرًا بالألم وهو يشكره (مفيش داعي هاخد تاكسي)
أمسك زين بذراعه في تصميم (قوم بلا تاكسي)
وقف حمزة تاركًا ذراع زين، يفرد قامته بصلابة رغم ألم جسده، يتحرك بقوة وثبات رغم وهنه وإرهاقه متمنيًا إن عاد لا تكتشف والدته ما حدث.
🌿🌿🌿🌿🌿
بعد مرور نصف ساعة كانت سيارة زين تركن أمام منزله، حيث تجلس مودة بصحبة والدته وسكن وورد منتظرين مجيئه في قلق، انتفضت مودة ما إن لمحته، وقفت متوترة توزع نظراتها المهزوزة حولها في إرتباك، خرج حمزة مترجلًا بينما بقيّ زين مكانه، قالت ورد متلهفة (فينك يا حمزة..؟)
أجابها وهو يقبّل رأسها مُطمئنًا لها (بخير كنت فمشوار مع زين)
تفحصته ورد مليًا غير مقتنعة، ليتهرب حمزة منها ممتنًا لخلو الشارع من الإضاءة اليوم، عاد لزين طالبًا منه (انزل اشرب حاجه..؟)
ضحك زين قائلًا (لا يا عم بنت عمتك كدا وهتتتبخر أمال لو نزلت)
ابتسم حمزة، مشجعًا له (انزل بس وهخليها تعملك القهوة هتعجبك من يدها)
ضحك زين قائلًا (كدا بتغريني يعني، لا ياعم مرة تانية واشربها شربات الوقت اتأخر ريح شوية)
تحرك بالسيارة رافعًا كفه في تحية ورحل بعدها، تاركًا حمزة يواجه نظرات الجميع وتساؤلاتهم غير المنطوقة، سألته سكن ونظراتها تهرب إليه تحيطه (في إيه يا حمزة)
ابتسم وهو يجلس جوارها فوق عتبة المنزل (مفيش يا بت حاجه اطمني)
رمقته ورد بشك فأشاح متهربًا، لترفع سكن أناملها لوجهه تتبع كدماته وجروح شفتيه بعدما رأت وجهه على ضوء صالة المنزل  (أمال إيه دِه..؟)
أمسك بكفها وضم أناملها بحنو موضحًا بتلعثم يوقفها حتى لا يكشف أمره(مفيش بسيطة جومي اعمليلي شاي)
نهضت بلا رغبة أو مرح، القلق يعربد داخل صدرها من هيئته وشحوب وجهه.. وقفت لصنع الشاي فاستأذن وتسلل للداخل ومن بعدها للأعلى لحجرته قبل أن تعود زوجته وتحاصره والدته بالتساؤلات.
خرجت تحمل كوب الشاي، سألت عنه فقالت ورد (جال هيريح ضهره ويغير هدومه)
وضعت كوب الشاي مكان جلوسه ورحلت مفتشةً عنه، صعدت للأعلى قافزة وقفت أمام الحجرة تطرق مستأذنة فسمح لها (ادخل)
وجدته عاري الصدر أمام المرآة يتتبع كدمات جسده بأنامله ما إن رأته حتى شهقت متفاجئة في خجل، عادت وأغلقت الباب قائلة (البس يا حمزة)
لم يكن في مزاج رائق ولا مرح يسمح له بمشاكساته، ارتدى تيشرت قطني واتجه يفتح الباب ويُدخلها.
سألها بنظرة غاربة وابتسامة جاهد ليظهرها فوق شفتيه المتضررة(فين الشاي..؟)
أجابته وهي تمنح نظراتها حرية التأمل والتفتيش (تحت)
خطا للداخل تمدد متسطحًا فوق الفِراش يكتم عنها تأوهات تعبه وآلام جسده لتقترب منه وتسأل (حصل إيه يا حمزة..؟)
أقرنت قولها بلمساتها الدافئة، مررت أناملها فوق جروحه وندباته برقة ليطلق من صدره تنهيدة ويخبرها بإبتسامة (مفيش بسيطة)
دخلت والدته الحجرة مقتحمة تسأله بحدة (هتجولنا يا حمزة حصل إيه..؟ من مِتى بنخبي حاجه عن بعض..؟)
اعتدل جالسًا في احترام وتقدير، أحنى رأسه مفكرًا لدقائق قبل أن يرفعها ويزفر بقلة حيلة ساردًا على مسامعهما ما حدث..
انهمرت دموع سكن كالسيل، تغرق وجهها متفاجئة خائفة، رغم خوف ورد إلا أنها كانت صلبة قوية
لم تهتز وحدها عرفت هويته، وأنه هو من أنقذ ولدها وسيفعل كل مرة ، أخبرته أن عليه رد الدين ففعل وسيفعل دون تباطؤ أو تخاذل.
اقتربت ورد متخلية عن قوتها، خطت ناحيته وضمت رأسه صدرها هامسةً (ربنا يحفظك يا حمزة ويبارك فيك، أنا واثقة ربنا يا ولدي هينجيك ويسلمك وينصرك)
أغمض عينيه متعبًا، حزينًا لما حدث فكشفت دواخله كعادتها وأخبرته بحنوها واحتوته هامسةً (الكترة تغلب الشجاعة يا حمزة، ربنا يكفيك شر ولاد الحرام)
قبّل حمزة ظاهر كفها ممتنًا لو جودها بحياته (ربنا يخليكِ ليا يا أمي ويباركلي فعمرك)
ربتت ورد فوق خده هامسةً (ويخليك ليا يا حبيبي)
أبعدته قائلة (هروح أجهزلك حاجه تاكلها)
نهضت ورد بعدما جذبت سكن لتجلس جوار زوجها لتكف عن البكاء (اجعدي جنبه)
غادرت ورد مغلقةً الباب خلفها، ليعاود حمزة التمدد قائلًا (في إيه يا بت هو انا مُت)
ارتمت على صدره منتحبة تهمس بجزع ممتليء بتوسلها (متجولش كدِه بعيد الشر عنك)
فضمها يهدأها نتدمًا على ما نطق به (خلاص يا سكن)
رفعت وجهها الغارق في الدموع تهمس (سلامتك يا حمزاوي شالله هما الي يموتوا)
ربت فوق رأسها مبتسمًا (ماشي بس كفاية بُكا)
رفع كفيه ومسح لها دموعها بأنامله  يشاكسها (بت يا سكن عايز خدمة)
همس يرجوها وهي تجاوره جلوسًا في استعداد (في أماكن مش عارف أحطلها المرهم ممكن تساعديني..؟)
فغرت فمها في بلاهة تستسيغ كلماته، ليبتسم رامشًا يتوسلها ببراءة كاذبة (تعالي على نفسك )
نطقت أخيرًا بإعتراض وهي تذم شفتيها (لاااه خلي أمك)
قال مُفسرًا بتهكم وتوبيخ (مش عايزها تشوف يا حمارة)
ذمت شفتيها بضيق، ليتراجع (خلاص يا سكن هتصرف)
أوضحت بخجل وعفوية (متزعلش بس هعمل دِه كِيف؟ اتكسف يا حمزة)
اولاها ظهره متنهدًا وهو يخبرها بتعب وروح منهكة (خلاص طيب هنام شوية روحي لورد)
تسطحت بجانبه في رفض (مش همشي هجعد جنبك، وخلاص هات الكريم هحطهولك بس جولي فين)
قال بخفوت (هاتيه من على الطربيزة وتعالي)
نهضت وذهبت لتُحضره ثم عادت وجلست في انتظار، جلس حمزة يوليها ظهره ثم رفع التيشرت خاصته وخلعه فشهقت بنعومة وخجل، ابتسم حمزة
موضحًا لها (شوفي لو في جروح أو كدمات يا سكن حطيلي عشان بتوجعني)
ابتلعت ريقها بإضطراب شديد وأجابته وصوتها يبتلعه الخجل (ماشي)
فتحت المرهم ووزعته بطرف أناملها على جروحه وكدماته، حركات مترددة بأنامل مهتزة أوضحت له مدى خجلها،فصمت زهدًا وتعبًا ورأفةً بها؛ أنهت بسرعة و أنفاس متسارعة
ليوليها وجهه وصدره قائلًا (شوفي هِنا)
عضت شفتيها تود الإعتراض لكن صمته وإغماضه لعينيه بإستسلام جعلها تتشجع وتقترب متأملة، وزعت المرهم بسرعة قائلة (خلصت يا حمزة)
فتح عينيه وسحب تيشرته وارتداه شاكرًا (شكرًا يا سكن)
عاد لتسطحه يوليها ظهره مفكرًا، لتقترب وتضع رأسها فوق رأسه متسائلة (مالك يا حمزة متخوفنيش عليك)
أخرج من بين ضلوعه نفسًا متوجعًا وهو يخبرها (مفيش أنا بخير)
ابتعدت عنه تبكي بصمت، رغم شعوره بها إلا أنه لم يستدر بل ظل مغمضًا عينيه في وهن لا رغبة له في تهدأتها فالضجيج داخله أعلى من أنينها. والصراع داخله أقوى من حيرتها
طاقته مستنفذة ولا يجد ما يطمئنها به.. دقائق وجاءت والدته بالطعام فاعتدل مُستقبلًا لها، وضعت الصينية الصغيرة أمامه فنهضت سكن واقفة
فطلبت منها ورد (تعالي وكلي جوزك)
قالت سكن متهربة وهي تمسح دموعها (نازلة وراجعة)
غادرت وبقيت ورد تناوله الطعام بحب، تسلّيه بالكلمات والحكايات القديمة كطفل، تصرف عنه تعبه بالثرثرة والابتسامات الدافئة، ما إن انتهى حتى خرجت ورد قائلة ( إنت ومرتك متنزلوش ناموا هِنا وأنا هبيت جنبك في الأوضة التانية)
أومأ وعاد لتسطحه منتظرًا مجيئها الذي طال وتأخرت، فنهض وهبط للأسفل مفتشًا عنها وجدها تقف بالمطبخ تائهة، ضمها هامسًا (مالك بس يا سكن وجاعدة هنا ليه…؟)
مسحت دموعها وتنفست بقوة، رائحته تطمئن خافقها بوجوده وقربه منها، همست (زعلانه عشانك ومش حابه أشوفك كدِه)
لف جسدها تجاهه، نظر لعينيها يخبرها بإبتسامة مستهلكة (أنا كويس)
هزت رأسها مؤكدة بدموع (مش كويس أنا حاسه بيك)
سخر منها بمشاكسة (لااه بتحسي بجد؟ )
ضربت كفه بخفةٍ ونظراتها الدامعة تلومه (أيوه بحس بيك يا حمزة)
ضمها بقوة لصدره وهو يخبرها بصدق (أنا بس متضايج من الي حصل وتعبان)
ضمته بقوة في مواساة رقيقة منها (متضايجش إن شاء الله تخف)
ابتعدت تخبره بفخر طفولي (أنا الي دهنتلك يعني هتخف)
قرص وجنتها قائلًا بسعادة (ماشي يلا بجا هنام فوج عشان نصحى بدري نمشي)
همست بحماس وهي تحاوط ظهره بذراعها (ماشي)
طلب برجاء وهو يقبّل رأسها (هتنامي فحضني يا سكن ومتمشيش)
هزت رأسها بخجل وموافقة مقتضبة وهي تصعد معه للأعلى،دخلا الحجرة، تمدد فوق الفِراش وانكمشت هي بأحضانه حتى صباح اليوم التالي.
********
جاورها على المقعد داخل المحطة منتظرًا، شردت في اللقاء الحار بينها وبين عاليا ومودة وبكائهما الحاد ورفض عاليا ترك أحضانها وتوصياتها الكثيرة لحمزة وكذلك فعلت راضية، انشق قلبها بوداعهم وأعاده هو أروع ما يكون بحضنه الدافيء الذي منحه لها قبل المغادرة مؤازرًا يبثها الطمأنينة ويعدها بالأمان والحب، كان صوت أنفاسة أبلغ من اي كلمات، بين طيات تنهيداته يعد ويمني.
ابتسم للذكرى فمال يهمس يخطفها من شرودها( افتكرتي..؟)
ابتسمت لهمسته الناعمة،وقد فهمت مقصده
تناول كفها وفرده أمام نظراتها، ومن جيب قميصه سحب القلم وكتب على راحتها بتمهل كأنه يحفرها بعقلها أولًا ( إنتِ متتنسيش علمتي فجلب وروح حمزاوي)
نظراتها تمر على كلمتها ببطء تركض خلف أنامله وفوق حروفه بلهاث، حتى توقف وترك كفها فرفعته تقرأ مبتسمة قلبها يخفق بجنون فهمست بشغف (حمزاوي)
مال يخبرها بسعادة حقيقية (هتنوري بيت وحياة حمزاوي)
صارحته بقلق  (أنا خايفة )
سألها بإحتواء وهو يضم كفها متخللا أناملها (ليه يا جلب حمزاوي.؟)
همست بنظرات شاردة تائهة (حياة جديدة ومختلفة)
همس بمؤازرة يضم شتاتها بنظراته (أنا جنبك ومعاكي)
ثم أردف بحماس ومرح ليصرفها عن التفكير الزائد(مرضتش أجهز أي حاجه فالبيت عشان تختاري كل حاجه بنفسك وتعمليها زي ما تحبي حتى الهدوم هختار أنا جزء واسيبلك جزء)
ارتفع جانب فمها بإمتعاض ساخرة منه بتأفف(كتر خيرك)
قال بمرح وهو يتنفس بقوة تاركًا الهواء يعبق رئتيه وهو يهتف (كتلة سعادة إنتِ ياسكن، مش مصدج إن كتلة السعادة دي خلاص راجعه معايا وهتبجى ليا لوحدي وفحضني)
تضرجت وجنتاها بخجل شهي، أرخت أهدابها بحياء سلبه لبه.. وهمست له (مبسوط يا حمزة...؟ أول مرة أشوفك كدِه)
شاكسها وهو يلف ذراعه حول ذراعها (أول مرة حمزة هيرجع وجلبه جوا صدره بيحيا من تاني)
مالت رأسها على كتفه هامسًا بغصة (اجولك سر ومتضايجش)
ضغط على أناملها موافقًا، لتردف بحزن شرخ صوتها (لما جيت اسلم عليكم طلعت لجيته مستنيني، روحت معاه البيت عند عمي جريب من هنا، فضلت عندهم لغاية بالليل وبعدها رجعت )
ضاق صدره وانقبض بألم وحرقة وغيرة، اطلق عدة أنفاس حارة يسيطر بها على انفعاله الحاد، ضمت كفه بقوة كأنما شعرت به، ليسألها بصوت خرج موجوعًا (حبيتيه يا سكينة؟)
رفعت رأسها عن كتفه، ركضت نظراتها له في لقاء عاصف وحديث غامض، تعجبت من سؤاله الذي توقفت عنده الف مرة تسأله لنفسها مرارًا وتكرارًا، صمتت لا تفهم هل أحبته حقًا أم كان بديلًا ومهربًا من حبها له..؟ هل كان ملاذها وقت أعلنت خيبتها فيه ويأسها منه واحترامًا لمشاعر أختها، أم تراه كان حلمًا بعيد المنال خافت أن لن تناله فزهدته وطوته كصفحة.
البعيد جدًا هذا لو فكرت لوجدته أقرب إليها من نفسها ينتظر لها.
أعادت رأسها لكتفه تسأله بعدما حمحمت تجلي صوتها وتخرج من تأثير أفكارها (مش عارفة كل الي متأكدة منه إن إنت غير كل الدنيا والناس)
ابتسامة باهتة رسمها وهو يخبرها بتفهم (هيجي الوجت وتفهمي أنا مش مستعجل مستني مراحل اكتمال الجمر حقي)
شاركته خوفها وهي ترى وقوف القطار (خايفة النوبة تجيلي ياحمزة)
ضم كفها لصدره يطمئنها (متخفيش لو حصل إحنا معاكي)
ابتسمت وهي تبتلع دموعها (ماشي)
ودعت المكان بنظراتها قبل أن تتحرك معه بجانب ورد التي كانت هي الأخرى تمسك بكفها في احتواء.
صعدوا للقطار ليلقي حمزة نظرة أخيرة علي المحطة ويدخل، همست ورد بإبتسامة (جولتلك ليك حاجه عندهم هتاخدها وترجع بس لو نسمع)
ابتسم متذكرًا كلماتها التي لم يفهمها وقتها وظنها هواجس وخيالات حمقاء، ليعتذر وهو يجاورها(سمعت، بس كنتِ جوليلي إنها زفتة هانم)
زفرت بضيق قائلة (أنا مش زفتة)
غمز لها بإبتسامته الحلوة قائلًا (إنتِ جمر حمزاوي)
أخفضت بصرها في خجل وحياء لتضحك ورد قائلة (كَلّ عجلك بكلمتين اهه يا خايبة)
رفعت نظراتها تخبرها بصدق (لاااه بمزاجي وحمزة بس الي مسمحله ياكله عادي وأنا هبجا مبسوطة) احتواها بتلك النظرة التي تحبها منه
فابتسمت ورد داعية بتضرع (ربنا يخليكم لبعض وميفرجكمش أبدًا)
نطقا خلفها بنظرات لامعة وقلوب مبتهلة (آمين)
وصلوا أخيرًا ليهبوا مترجلين، كان هيما في انتظارهم ما إن لمحهم حتى ركض بسعادة تجاه حمزة، ضمه بقوة وإشتياق ليترك حمزة ما بيده ويبادله عناقه معاتبًا (بالراحة أخوك متكسر)
رفع هيما نظراته لوجه حمزة يسأل بغضب (حصل إيه.؟)
أجابه حمزة (سلم على خالتك)
عانقها هيما بمودة وقبّل كفيها معاتبًا (كل دي غيبه شوية كمان وكنت هلم هدومي وأجيلكم والي يحصل يحصل)
ضحك حمزة قائلًا (وتسيب أمك وأخواتك؟)
هز هيما كتفيه بلا مبالاة وضيق (عادي كنت هجيبهم)
ظهرت سكن من خلف زوجها بخجل وارتباك ليهتف هيما بلهفة (سكن)
اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة (هيما ازيك وحشتني)
زجرها حمزة بنظرة حانقة محذرة، لتسأله (ايه..؟)
ضحك هيما قائلًا (قولتلك ابن خالتي بيغير مفهمتيش يا بقرة)
اتسعت عيناها بذهول متذكرة ما قاله، ليهز هيما رأسه بتأكيد قائلًا وهو يسخر منها(شوفتي يا غبية)
مدت سكن كفها بضحكة، وكذلك فعل هيما ولكن حمزة دفع كفه بعيدًا يخبرها وهو يحذر هيما بنظراته(ابراهيم متوضي يا سكن)
استنكر هيما بضحكة مغيظة (لا مش متوضي..جاي عامل حسابي هاخدها بالحضن بنت خالي )
دفع حمزة حقيبة صغيرة لصدر هيما قائلًا (بالحضن؟ طموح إنت)
اتجه ناحية ورد هامسًا بإستياء (الله يسهلك)
خرجوا ليجدوا حسن بإنتظارهم، ركض مندفعًا يعانق صديقه بمودة وشوق، ثم ابتعد يسلم على ورد وبعدها وقف أمام سكن قائلا (مبرووك نورتي مصر ونورتي وش حمزاوي بتاعك)
قالها بسخرية ليكتم هيما ضحكاته، اتجهوا ناحية السيارة ليوقف حمزة هيما ويمنعه من الجلوس بالخلف بجانب والدته قائلا (قدام يا بابا)
زفر هيما مغتاظًا منه خبره بضيق (حتى خالتي مش هقعد جنبها)
صعدوا السيارة وانطلقوا ليستل هيما سيف سخريته انتقامًا (بس إيه رأيك يا حسن حمزة وشه نور احنا لازم نتجوز)
كتم حسن ضحكاته وأيّده (وشه نور بس…؟
شكله جه على هوا قنا يا عم)
توعدهما حمزة بنظراته وهو يحذرهما  (لموا نفسكم)
ضمت سكن كف حمزة منكمشة فيه، تستمع بإبتسامة لمشاكستهم حمزة وضحكاتهم، شعرت أنها سترى هنا حمزة آخر غير الذي عرفته.
وصلوا وترجلوا جميعًا، غادر هيما قائلا (هجيلكم بكرة مع أمي سلام)
صعدوا للأعلى  فتح حمزة باب الشقة فتقدمت ورد متمتمة ببعض الأدعية والأذكار، وقفت مستقبلة دخول سكن، ليهتف حمزة بمرح (نورتي بيتنا الصغير يا مدام حمزة)
خطت للداخل بإبتسامة ونظرة لامعة، ضمتها ورد في عناق طويل وهي تهمس لها بمودة (نورتي بيتك يا حبيبتي)
ممتنة هي لتفهمهما واحتوائهما ودعمهما الذي يحيطونها، به يفرشون لها بسط من حب تخطو فوقها بتمهل ودلال كأنها ملكة.
أغلق حمزة الباب بعدما ابتعدت عن حضن والدتها لينال هو أيضًا جرعته من هذا الحب والدفء، ابتعدت توزع نظراتها في المنزل، يشبه روح حمزة ودفء ورد، رائق مثل قلبيهما وفريد كروحيهما.
جميل في بساطته ورائع في رونقه.
شقة مقسومة بعمود وحائط أرابيسك،بالجزء الأيمن
يوجد سفرة صغيرة والجزء الأيمن شاشة عرض كبير وآريكتين بلون راقي، بينهما طاولة زجاجية صغيرة 
  اتجه بها ناحية الجزء الأيسر قائلا (تعالي شوفي أوضتك)
سحبها خلفه من الصاله لممر طويل بنهايته حجرة ويساره حجرة أخرى فتحها وادخل الحقائب قائلًا (دي أوضتنا) وأشارة للحجرة الأخرى(دي بتاعة ورد)
أمام حجرتهما يوجد مطبخ واسع مرتب ونظيف وممتلىء بالأجهزة الحديثة.
بجانبه وعلى بعد مسافة كان المرحاض،دخلت الحجرة لتجدها مرتبة ونظيفة رائحتها جميلة ومنعشة وقفت في منتصفها تتأملها، تحتوي على فراشين صغيرين بينهما كومود صغير وعلى الجانب الأيسر منها خزانة كبيرة والجانب الأيمن طاولة زينة وبجانبها مشذب، ابتهجت معبرة عما دار داخلها بصوت مسموع (سريرين حلو)
قطب وهو يضمها إليه مستنكرًا يفتت آمالها على صخرة الواقع (هغيرهم متفرحيش جوي يا أما هنضمهم على بعض لغاية ما نغيرها مش هبعد عنك تاني يا سكن)
  ابتعد قائلًا يترك لها مساحة من الخصوصية (غيري هدومك هروح أعمل مكالمة مهمة؟)
جلست فوق حافة الفراش قائلة (ماشي)
خرج وتركها فنهضت لتفتح الحقيبة الصغيرة تسحب منها بعض الملابس التي وضعتها في المقدمة، بجامة قد منحتها لها عاليا، تذكرت حينما جاءتها لتودعها فوجدت الإسدال جانبًا فأخذته قائلة (مش هتاخديه يا فجر هاخده أنا أولع فيه )
أدمعت عيناها وهي تخلع عنها ملابسها وترتدي الأخرى البيتية، فردتها سكن لتشهق لاعنة (يا بنت الك… ياعاليا بجامة شورت)
رمتها جانبًا وبحثت عن أخرى، ارتدت واحدةً بلون النبيذ أعطت لبشرتها رونقًا ولجمالها روعة ثم رفعت خصلاتها في ذيل حصان تاركة غرتها تتهدل على جبينها،فاعطتها مظهرًا طفوليًا.
طرق الباب فأذنت له بالدخول، شملها بنظرة طويلة وهو يهمس بتنهيدة (سبحان من خلقك وسواكِ يا سكن)
أخفضت رأسها بحياء وهي تلومه (كل ما هلبس حاجه هتجول كدِه..؟)
ولج للداخل قائلًا (إنتِ الي جميلة هعمل إيه..؟)
فتح الخزانة وسحب ملابس بيتية وخرج قائلًا (خدي راحتك هاخد حمام وارجع )
فتحت حقيبة كبيرة وأخرجت منها ما تحتاجه لتأخذ هي أيضا حمام بارد تزيل به عن جسدها إرهاق السفر وتعبه
انتظرته حتى جاء يجفف خصلاته دخل وتسطح فوق الفِراش لتغادر هي، بعد مرور مدة عادت شاحبة متوترة تمتلئ عينيها بالدموع مما جعله ينتفض جالسًا يسأل (في إيه….؟)
عضت شفتيها تسأله بإرتباك وهي تفرك كفيها (فين مرت خالي..؟)
أجابها وهو يترك الفراش ويقف أمامها (كانت بتجول هريح شوية تلاجيها نامت)
نطقت بهمّ وزعر (إيه نامت..؟)
أمسك بكتفيها يسألها بحنان (محتاجة إيه جوليلي)
تهربت بنظراتها منه، وهي تخبره بصوت متهدج (مفيش بس عيزاها ضروري)
طمأنها محتويًا خوفها وغربتها (هصحيهالك)
أوقفته قائلة بإضطراب (هروح أنام معاها)
تعجب من تهربها، ورغم رغبته في النوم بجانبها إلا إنه تركها تفعل ما تريده، غادرت تحت نظراته طرقت الباب تستأذن والدته في الدخول، حتى استيقظت وأذنت لها، جاورتها في الفراش بين الأغطية منكمشة بأحضان ورد تخبرها بهمس عما يحدث لها فابتسمت ورد بتفهم وطمأنتها.
رفعت ورد الهاتف تطلب من الصيدلية ما تحتاجه سكن ولم تستطع إخبار حمزة به، وانتظرت مجيئه وهي تربت على ظهرها ليسكن فزعها ويفارقعا خوفها.
دقائق وجاء ما طلبته حاولت ورد النهوض لكن سبقها حمزة وفتح مستلمًا الأوردر ، هتف يسأل والدته (أمي طالبين حاجه..؟)
أجابته ورد وسكن تنكمش بأحضانها متوترة من انكشاف أمرها أمامه (أيوة يا حبيبي حاسب وهاته)
عاد به حمزة، لمحته سكن يحمل حقيبة بلاستيكية سوداء فارتحت، حمزة لن يفتش خلف والدته ولن يجرؤ على فتحها.
وضعه جانبًا بتفهم وأغلق الباب، لتنهض سكن بعدما قبّلت ورد (شكرًا يا مرت خالي)
غادرت به للمرحاض وعندما خرجت متجهةً لحجرة ورد أوقفها قائلًا (سكن تعالي نامي عالسرير التاني)
وقفت متحيرة تريد الرفض، لكن لا يمكن إيضاح السبب فحاول برقة ووداعة جلبت ابتسامة رقيقة على شفتيها(مش لازم جنبي بس جريب مني يا سكن)
هزت رأسها بالموافقة وولجت للداخل لتجده أعد الفِراش لها وفرد فوقه غطاء ثقيل، القت بجسدها المنهك بين الأغطية وانتظرت مجيئه ، دخل الحجرة يحمل كوبًا من الأعشاب وضعه جانبًا فوق الكومود  وهو يقول بخبث رافعًا عنها الحرج (لاحظت إنك بتعطسي يا سكن وشكلك داخله على دور برد اشربي دا علشان تخفي بسرعة)
ابتسمت له ببراءة وعفوية مصدقةً كذبته، تناولتها بحماس وهي تسأله عن قربة المياة التي يضعها فوق رأسه متعمدًا ليلفت انتباهها ويثير فضولها فتطلبها دون أن يفرضها عليها ويمنحها لها فتخجل وتفهم أنه عرف سرها  (إيه دِه يا حمزة..؟)
قال بمكر شارحًا لها (دي جربة ياسكن لما بكون محتاج اعمل كمادات باردة أو سخنة بنملاها ونعمل بيها تجربيها..؟ )
قالت متلعثمة مترددة بعض الشيء(لاااه هعمل بيها إيه، هشرب وأنام)
نصحها وهو يندس تحت غطائه الخفيف (طيب اتدفي كويس يا سكن)
ارتشفت الكوب على آخره ووضعته جانبًا ثم غاصت بين الأغطية بتعبٍ و إرهاق.. ظل مستيقظًا ينتظر نومها حتى أحس بإنتظام أنفاسها فنهض من مكانه واتجه ناحيتها ممسكًا بقربة المياه، كشف الغطاء ووضعها فوق بطنها، ثم انحنى ولثم جبينها بإبتسامة وبعدها عاد  لينام، بعد مدة قصيرة استيقظ من جديد على صوت أنينها المكتوم وتألمها،تأوهاتها التي تزداد بغصة بكاء، نهض بفزع واتجه ناحيته يسألها (سكن فيكِ إيه..؟ )
أخبرته ما بين النوم واليقظة وهذيان الألم (حمزة تعبانه وموجوعة)
استدار للكومود، فتحه وأخرج حبة مسكن عاد إليها وضعها بين شفتيها هامسًا بحنان (خدي يا حبيبي مسكن هترتاحي)
رفعت جسدها قليلًا فتناول قارورة المياه الموضوعة جانبًا ووضعها على شفتيها هامسًا (خدي يلاا)
فتحت فمها وارتشفت مبتلعة الحبة، ثم وضع رأسها فوق الوسادة ودثرها جيدًا. تناول جهاز التحكم الخاص بمكيف الهواء وأخفض البروده قليلًا خوفًا عليها ثم عاد لفراشة من جديد بعدما اطمئن لنومها وتوقف أنينها.
**********
في الصباح
فتح النافذة علي مصرعيها يجدد هواء الحجرة، بعدما أطفأ مبرد الهواء، يسمح للشمس بالدخول ونشر أشعتها فيها.
تملمات في نومتها منزعجة، قبل أن تفرق بين جفنيها الثقيلين تغمغم(عايزه أنام)
جلس بجانبها مبتسمًا بحنو، وهو يهمس برقة (جومي أفطري وإقرأي سورة الكهف.. انهردا الجمعة)
إعتدلت بوهن، تضم جسدها المتعب بذراعيها ومازالت آثار تعب أمس عالقةً بجسدها فاستغاثت بعد أن منحته تحية صباحية(صباح الخير)
(صباح الورد جومي يلا كفاية كسل) قالها وهو يقترب ليسندها، يساعدها لتعتدل بعدما شعر بما تعانيه، بررت بخجل (تعبانة جوي ياحمزة كل حاچة فيا بتوچعني)
هوّن عليها بلطف كلماته ورقة مشاعره تجاهها وتفهمه (جومي أفطري وخدي دش دافي وهديكي دوا يريحك)
زفرت بخنوع مستسلمة وهي تحاول النهوض (حاضر)
سقطت القِربة فسألت (مين جابها هِنا)
تجاهل وتهرب منها (معرفش يمكن إنتِ خدتيها تشوفيها مش فاكر)
مطت شفتيها مندهشةً (يمكن)
لملمت خصلاتها وقيدتهم بالرباط ليهتف بإشفاق يحاول إفهامها بتريث(اتعاملي عادي يا سكينة، متخافيش من حاجة ولا تجلجي)
قالت بتوتر متذكرة أمس وماحدث(حاضر)
وقفت مستقيمة بملامح مُجهدة ونظرات غائرة تفقد لمعتها وبريقها الذي يعجبه، انقادت منطفئة الحماس، ليقف بعيدًا يتابعها
مما جعلها تقف وتستدير متوسلة (تعالى معايا)
هتف بها وهو ينشغل بترتيب الحجرة وتجميع المتبعثر منها (اتصرفي عادي يا سكينة إنتِ مش ضيفة، ادخلي وطلعي واتحركي براحتك زي هناك بالضبط)
بللت شفتيها محرجة قبل أن تهمس وملامحها ترتوي استنكارًا (بس...
أوقفها لا يستسيغ إعتراضها ولا يجد له صدى (مبسش البيت بيتك من دلوجت.. اتعودي عليه وخدي راحتك فيه واتنططي زي ما تحبي)
قال بمرح وهو يبدل ملاءة السرير بأخرى نظيفة(يلا بسرعة عشان نفطر)
خرج خلفها متجهًا للمطبخ، انتظرها حتى عادت وسحبها للداخل قائلًا (تعالي يلا جهزي معايا ومتتعوديش عالدلع بعد كدِه إنتِ الي هتعملي كل حاجه)
وقفت منكمشة فخلع عنه سترته(الهودي) الخفيفة واقترب يخبرها وهو يضعها حول كتفيها (البسيه واتدفي يا سكن غلط كدِه)
اخذته منه وارتدته على الفور متسائلة (ليه الجو مش برد)
قال بمكر وهو يعود للعمل (عشان دور البرد الي عندك ميزدش)
هزت رأسها بتفهم، لتدور بنظراتها في المكان قائلة (حلو المطبخ بس ايه كل الأجهزة دي..؟)
اخبرها وهو يقف أمام ماكينة القهوة (بتسهل عليا شغلي وأحيانا بعمل فيديوهات هنا أو بجهز شغل وأخده)
حاولت الجلوس فوق الرخامة، فاقترب ورفعها من خصرها ووضعها فوقها، أحاطت عنقه بذراعيها هامسةً (حلو اللون الأسود فيك يا حمزة)
ابتسم أمام نظراتها  هامسةً (عجبك يعني نكرره)
هزت رأسها بتأكيد، وهي تسحب ذراعها الأيمن من فوق كتفه وتقرب أناملها من وجهه تتحسس جروحه وكدماته متسائلة (مبتحطش مرهم كدمات ليه..؟)
هز راسه يخبرحها بمرح واستياء مفتعل (مرتي نامت وسابتني فمحطتش)
مررت كفها علي ظهره بعفوية وهي تسأله (لسه الي فضهرك بيوجعوك..؟)
هز رأسه بتأكيد، لتهمس وهي تضع جبهتها فوق جبهته (نفطر هحطهولك ياعم)
رنين جرس الباب جعلها تنتفض وتتحملق متسألة (مين هيجي دلوجت..؟)
ابتعد عنها برفق قائلًا (يمكن ابراهيم وعمتك)
صفقت بحماس قائلة (بجد دا واحشني جوي)
رمقها بغيظ وعدم رضا لتسأله (إيه..؟)
أجابها بضيق وهو يحاوط خصرها وينزلها قائلًا(مينفعش تجوليله كِده بتضايج )
هزت رأسها متفهمة دون جدال أو نقاش تخبره ببراءة (حاضر يا حمزة ميرضنيش تضايج)
مال ولثم خدها مبتسمًا يهمس لها (شطورة جلب بابا)
أفاق على صوت طفولي يقتحم المطبخ بجرأة وهتاف عالي صاخب (ميزوو)
التفت بمرح، يهتف بلهفة شديدة وهو يتحرك، ليعانق الصغيرة ويرفعها عن الأرض يدور بها في المكان (مرام)
منعت شهقة المفاجأة أن تعبر حدود شفتيها حينما حبستها خلف أناملها المرتعشة.
ابتعد يجلس على ركبتيه أمامها يسألها عن أحوالها وقد تبدل كليًا وأضحى طفلًا مثلها بإبتسامة رائعة ليس لها مثيل (وحشتيني يا مرام جوي)
سهام كلماته انغرست في قلبها العاشق، وتلك النبرة التي أحاطت حروفه النابعة من صدقه أرجفت خافقها، قالت الصغيرة وهي تحاوط عنقه بدلال(وإنت كمان يا ميزو)
وجهت نظراتها للواقفة منتظرة (مين دي..؟)
أدار حمزة رأسه لسكن ثم نهض مرتبكًا من اصفرار وجهها وشحوبها، ترك الصغيرة واقترب يضمها مُعرفًا لها (دي نصي الحلو يا….)
صمت يبتلع ريقه متذكرًا أن صاحبة الاسم يومًا كانت هي نصفه الحلو، اقتربت مرام بدلال تمد كفها لها قائلة (اهلا نورتي)
مدّت سكن كفها بإبتسامة رقيقة وسلمت عليها، لتخبر الصغيرة حمزة بغرور وهي تغمزه بشقاوة (حلو أوي نصك التاني يا ميزو)
ضحك حمزة راضيًا عن إطرائها ثم جلس أمامها يدغدغها قائلًا يقلد طريقتها (والله إنتِ الي حلوة أوووي أووي)
راقبته سكن بإبتسامة مهزوزة، وهي تضع كفيها المرتعشين داخل جيوب سترته شاعرة ببرودة غريبة تكتسح جسدها.
بالخارج كانت ورد ترحب بزهرة بملامح جادة مثقلة بالضيق والإنزعاج (اهلا يا بتي نورتوا)
اعتذرت زهرة بإرتباك (آسفة بس مرام صممت تيجي تشوف حمزة)
هزت ورد رأسها تكتم تأففها وزفرتها المغتاظة كلما استمعت لصوت وحيدها يضحك بإنطلاق ويشاكس الصغيرة بحب.
نادت ورد على سكن بتعمد (سكن سكن)
تركت سكن حمزة المنغمس بالحديث مع الصغيرة والمشاكسة وخرجت تلبي (أيوة جايه يا مرت خالي)
وقفت سكن بنهاية الممر واضعة كفيها بجيبي سترته، ترمق الجالسة باستنكار وضيق، متفاجئةً من وجودها فحمزة انشغل ولم يفسر أو يوضح كيف جاءت الصغيرة ولا مع مَن،عادت إليها ذكرى نسيانها فانقبض قلبها بألم وحزن بينما لمعت عينا زهرة وقد تذكرتها هي أيضًا، الجميلة التي خافت منها، أضحت زوجته، يوم جاء بها ورأتها اشتعل صدرها بالغيرة منها، حاولت جاهدة أن تلهيه عنها وتشغل وقته حتى يبقى بعيدًا عنها وتنطفيء نظرة العشق التي كانت تلك الصغيرة تطالعه به، فعلت كل ما جادت به قريحتها المتآكلة بالغيرة حتى ينساها، شتت أفكاره واستحوذت على كامل انتباهه، دارت حوله ومنعته عنها لتيأس الصغيرة وتصرف ذهنها عنه وتبتعد بعدما رأت منه ومنها ما يثير قلقها وخوفها، وتحقق مرادها انشغل حمزة بالحفل و بتعب الصغيرة مرام وبكائها الذي كان في صالحها وتصنعها هي القلق والخوف وادعائها الارتباك، أثقلت يومها على عقله بالأفكار وذكّرته باختها وماضيهما بعثرت دواخله بمكر متناسية والدته تلك التي تطالعها الآن بإنتصار.
ابتسمت ورد برضا وهي تراها ترتدي ملابس ولدها فاستغلت الأمر  بإستمتاع قائلة بخبث وكيد (ايه يا بتي معكيش هدوم يعني عشان حمزة بيلبسك هدومه)
ظهر الضيق والإستياء على ملامح زهرة بينما قالت سكن بعفوية أعجبت ورد (حس إني بردانه فلبسهوني)
وجهت ورد نظراتها لزهرة قائلة بفخر (سكن مرت حمزة يا زهرة)
ارتبكت زهرة وتلعثمت لكنها قالت بما استحقت عليه نقمة سكن وغضب ورد (مبروووك الف مبرووك عرفاها وشوفتها يوم الافتتاح فأسيوط)
وقفت تضم سكن وتقبلها، لكن سكن حافظت على برودها وجفاء مشاعرها تجاهها ولم تبادلها الاحضان وحينما ابتعدت زهرة قالت بنظرات خبيثة (دي الي نسيها حمزة تقريبا)
************
تصفحت الجروب الخاص بأصدقائها وفتيات القرية لتجد فيديو لها مصور من قلب منزل حمزة، اتسعت عيناها غير مصدقة تنتفض بفزع وذهول، كادوا لها وصوروها وهي تعتذر لسكينة وهي تقف أمامها منكسة الرأس متهدلة الأكتاف في ذل تتوسلها الصفح وتقبّل رأسها في خنوع، هطلت دموعها في حرقة عظيمة وغضب، كادت تجن وهي تستمع لفويس بصوتها تم نشره أيضًا تعترف فيه بفعلتها المشينة ومكيدتها لسكينة وحقدها،جن جنونها دارت بالحجرة صارخة وهي تقرأ الشتائم التي انهالت عليها.
الآن فهمت سبب ابتعاد صديقاتها عنها والنبذ الذي تشعر به ممن حولها، نظرات الجميع التي تكسر عنفوانها، المصمصات التي تحيط طريقها وتتبعثر حول مسامعها حينما تخرج، غربتها وسط الجمع  وابتعاد الناس عنها والتهرب من محادثتها، فعلها حمزة ورد لها الصاع صاعين بمكر.
خرجت ممسكة بالهاتف، وجدت خالتها تتكيء على حافة الآريكة بأريحية ممسكة بكوب شاي وقطعة فايش،سألتها بعينان ناعستان
(مالك بتجولي يا شر اشتر يا سما…؟)
صرخت بعنف وبكاء تسحب شهقاته من عمق صدرها (فين خالي..؟)
أجابتها ببرود (فشغله..؟ حصل إيه..؟)
أجابتها بصوت حاد قوي (سكينة وجوزها.. صوروني لما روحتلها ونزلوها عالفيس للبنته وبيحذروهم مني)
مال فم خالتها  الندي بقطرات الشاي، الملطخ بقطع الفايش المبتلة (خالك هيعمل إيه..؟)
صاحت بهياج (يعني إيه..؟ أنا اتفضحت)
ارتشفت خالتها بقايا الشاي الثقيلة بفعل قطع الفايش الساقطة داخله، ثم قالت وهي تمرر لسانها بفمها (سيبك من خالك واسمعيني)
جلست فوق الآريكة تطحن ضروسها بغيظ، تهتف بنفاذ صبر (جولي)
قالت خالتها وهي تطالع الشارع من النافذة (معاكي أتر للبت دي أو لجوزها)
استنكرت سما بغيظ وهي تعقد ساعديها (لااه هجيب جوزها منين وبعدين مالك بيه..؟)
ابتسمت خالتها فظهرت أسنانها الفضية واضحة، قالت ببرود وهدوء مُزج بخبثها(هنكدلك عليها وأخليها لا تطيجه ولا يطيجها تعيش فمرّ وغلب لا يطولها ولا تنول رضاه طول حياتها)
#انتهى

ملاذ قلبي سكن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن