♡الثامن والأربعون ♡

10.6K 318 55
                                    

المُكثِرُ من الصّـلاةِ على النَّبيِّ ﷺ
يُغـاثُ قلبـهُ من بعدِ قحطِـهِ وجفَافِـه 🦋"

| قال ﷻ : "إنَّ الله وملائكته يُصلّون على النَّبِيِّ يا أيها الذين آمَنُوا صَلُّوا عليـهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمـا" | ﷺ♡الثامن والأربعون♡
أنهى اتصاله مع مودة ودخل الحجرة يُلقي على زوجته نظرة ويطمئن على صحتها، وضع كفه فوق جبينها متحسسًا قبل أن يرفع الغطاء على جسدها جيدًا وقاية لها من البرد ، نهض متجهًا للخزانة ارتدى ملابسه وخرج بعدما أغلق الباب بلطف حتى لا تنزعج وتستيقظ فزعةً بعد ليلة عصيبة.
سألته والدته التى رأت ملابسه واستعداده للخروج (مش هتريح شوية يا حمزة؟)
أجاب وهو يتحرك تجاه الباب (لاه مش فاضي معايا شغل كتير)
قالت بنبرة حزينة يتهدل منها اللوم (ولا هتجعد معايا؟  هتفضل كتير تُهرب مني؟)
سحب كفه من على مقبض الباب في تراجع واستسلام بعدما هدمت نبرتها العاتبة حصونه وأسقطت اعتراضه تحت أقدام أمومتها، تنفس بعمق قبل أن يعود إليها الآسف والندم يملأ نظراته ويفيض فتتلقفه هي بحنانها وتفهمها وتضرب الأريكة جوارها مطالبةً بحقها فيه معاتبةً  فيه قلبه (أمك موحشتكش يا حمزة تسيب كل حاجه وتيجي لحضنها تحكيلها)
ركل كل شيء مُلبيًا دعوة يحتاجها، أقترب منحنيًا في تقدير يقبل ظاهر كفها بمودة ويضمها في عناق خرجت منه مبتسمة كأنما منحها عقارًا للسعادة، همست وهي تنظر لعينيه المتهربة (وحشتني يا واد عبدالحكيم، جاعد جنبي وبعيد فدنيا تانية وخداك)
أسبل أهدابه في آسى وآسف غير منطوق فربتت على رأسه وملّست برأفة قائلة (حجك ومجدرش ألومك، وهو عبدالحكيم يتفات حقه ولا يتنسي لو معملتش كِده متبجاش ولدي)
بسمة بسيطة ظللت شفتيه، سرقها عنوة في غفلةٍ من أوجاعه، لتربت على خده قائلة (منويتش على الفرح)
قطب بضيق واعتراض واضح فقالت (زعلت يوم ولا عشرة هتتجوزها، جلبك محروج غيرة عليها مأخر ليه؟  الجرب هيصفي الي ما بينكم ويجرب المسافات كتير يا ولدي)
هز رأسه بتفهم وهو يهمس بحشرجة (ربنا يسهل لما تخف)
ابتعدت مسترخية داعية له (ربنا يريح بالك ويرضيك)
نهض بعدما مرر نظراته لساعة معصمه الجلدية (هروح عشان أرجع بدري وأتابع مع مودة)
ابتسمت متفهمة (ماشي يا ولدي ربنا يسلّم طريجك)
قبّل رأسها بتقدير قبل أن يرحل ويتركها لمصحفها وأذكارها.
************
بمنزل مودة كان الجد يهتف بتفكير عميق (مجدرش أسيب عاليا وأنا معارفش أبوها ناوي على إيه؟)
اقترحت مودة بحماس شديد مُعجبة بالفكرة التي اعتنقت أفكارها اللحظة (ما تجيبها وتيجي نروحوا كلنا)
نظر إليها الجد طويلًا بتدقيق يتخلله تفكير عميق وتقليب للفكرة في عقله، وقد أضاءت له مودة باقتراحها فكرة لطريق جديد ظنه مسدودًا (حمزة عنده مكان؟)
أخبرته مودة مشجعةً له (المكان اللي عايشين فيه شجتين الاتنين معزولين عن بعض)
عاد الجد ليجلس طارقًا بعصاه في تفكير قبل أن تخبره مودة وهي تجاوره (أصلا اشترى بيت كبير وبيجهزه عشان هيعمل فرح لسكينة وهينجل فيه)
نطق جدها بابتسامة رضا (فرح)
أكدت مودة وقد راقها حماسه فقالت تشجعه (أيوة عشان معملهاش يا جدي)
طرق الجد بعصاه في تفكير قبل أن يقول (روحي أنتِ لو كِده هبجا أجي وراكي)
تنفست بعمق وارتياح بعدما حصلت على الموافقة المُصدّقة والقرار الحاسم من فم جدها.
************
خرجت من الحجرة فاستقبلتها ورد بلهفة وحنان غمرت به طريقها حتى وصلت وجاورتها، ضمتها متسائلة (بجيتي بخير؟  حاسة بحاجة)
رسمت فوق ثغرها ابتسامة رقيقة وهي تخبرها بإمتنان (بجيت بخير الحمدلله، حمزة مجصرش)
تطلعت إليه حيث يجلس، ترمي إليه سلامًا حُف بإشتياقها، ليجيبها بجدية دون النظر إليها (أجر وعافية)
عادت بنظراتها متنهدة، فهمست لها ورد (معلش بكره يصفا)
ابتسمت متفهمة ما هو فيه ومعاناته (خليه براحته يا مرت خالي)
سألتها ورد وهي تتأمل شحوبها وذبولها الواضح(اسخنلك شوية شوربة؟)
ابتسمت بحيوية وهي تخبرها بطاقة ونشاط (لااه تعبت من الجعدة هجوم اسخن أنا وأكل في المطبخ)
تركتها تفعل وهي على يقين بأن ولدها سيغادر خلفها للمساعدة ولن يتركها، لذا قالت بمحبة تاركةً لهما المساحة التي تُعينهما على خصوصية العتاب (ماشي يا بتي بالهنا والشفا)
لفحها الدوار فاستندت على حافة الأريكة تستعيد توازنها قبل أن تغادر، فطن إلى ما حدث فترك كل شيء وغادر خلفها، وجدها تقف أمام الموقد بإرهاق، همست بإبتسامة ما إن طالعت محياه  (ازيك يا دكتور؟)
اقترب يجيبها بنبرة خافتة (تمام أنتِ أحسن؟)
ضحكت قائلة وهي تحرك الطعام وترفع بعضه على المعلقة لتتذوقه (بعد دوش امبارح كويسه الحمدلله)
خبأ ابتسامته وقال بعملية لا يمنحها المساحة للحوار (الحمدلله)
عطس فقالت ضاحكة وهي تصبّ الحساء في الطبق (لا أجمد مش هجدر أنزلك تحت الدوش الله يكرمك)
حمد الله وتجاهل تعليقها الساخر على ما حدث، ثم اقترب يساعدها، وضع لها الحساء فوق الطاولة وما تحتاجه فجلست وظل هو واقفًا يتابعها بحنو كطفلة تتعلم ، تركت المعلقة متأففة (يا تيجي توكلني يا تمشي يا دكتور، على حد معرفتي لما بهيمة عندك بتعيا بتوكلها، اعتبرني واحدة منهم) ختمت قولها في مشاكسة جعلته يجلس بصمت غير مستجيبًا لمزحتها سوى بالفعل، ملأ المعلقة وصوّبها لفمها فتناولت متلذذة (حلوة تسلم إيدك يا شيف)
تابع بصمت لا يشاركها ثرثرتها ولا مزاحها، يستمع ويعمل بآلية حتى أوقفته هامسةً بتعب (كفاية حاسة هرجع)
أبعد عنها الطعام وهو يأمرها (اطلعي ارتاحي وهعملك حاجة سخنة)
خرجت من المطبخ متجهة للصالة حيث تجلس ورد كعادتها، أشارت لها ورد (تعالي يا ضنايا)
وضعت رأسها فوق فخذي ورد وتمددت منكمشة على نفسها مسترخية بتعب، مستسلمة لأنامل ورد التي تتجول في فروة رأسها مدلكةً برقة.
خرج حمزة يحمل كوبًا من اليانسون وضعه فوق الطاولة وجلس يسأل (نامت؟)
أدّعت سكن النوم في هروب، ليظل حمزة متأملًا لها يضم ملامحها بنظراته في احتواء وحنان... فرّقت بين جفنيها فنزع نظراته ونهض متجهًا صوب الحجرة مختليًا بنفسه وبقيت هي تثرثر مع ورد في شتى المواضيع.
رن جرس الباب فنهضت ورد لتفتح الباب وتستقبل زائرها المشاغب وصخبه (ازيك يا خالتي)
قالت وهي تدخل خلفه بينما سحبت سكن الحجاب فوق خصلاتها (الحمدلله أمك زينة والبنته؟)
جلس جوار سكن وهو يضربها بقوة على رأسها حتى تأوهت متألمة، تعاتبه بدموع (بالراحة يا هيما دماغي وجعاني)
التقت نظراته بعيني حمزة المتوعدة غضبًا لفعلته، الزاجرة بحنق من ضربه لها، مما جعله يهتف مبتلعًا ريقه (سلامات)
جلس حمزة قريبًا منهم، فتأملها هيما وهو يسألها (مالك يا بت بتموتي ولا إيه؟)
نفخ حمزة بغضب مكتوم، لتُجيبه ورد وهي تتأمل ذبولها و اصفرار وجهها بإشفاق(تعبانة وسخنة)
سألها هيما وهو يأخذ كوب اليانسون خاصتها ويرتشف منه (مكشفتيش ليه؟)
أخبرته سكن بفخر ونظراتها تهرب إليه متمنية أن يضمها ويحتويها في واحات عينيه (حمزة جبلي علاج)
كتم هيما ضحكته بصعوبة قبل أن تنفلت ويقهقه تحت نظرات سكن المنزعجة من طريقته، ضربته ورد على كتفه لائمة له (مالك يا واد؟)
التفت إليها هيما موضحًا ومازالت آثار الضحكات عالقة بنبرته (مش ملاحظة إن سكن مبيعالجهاش غير حمزة؟)
هتفت سكن وهي تتنهد بهيام (حمزة طبيبي ودوايا)
قهقه مرة أخرى قبل أن يتوقف موضحًا (لا وأنتِ الصادقة عشان من نفس الفصيلة المتخصص فيها  )
كتم حمزة ضحكته تلك المرة، بينما شاركته ورد الضحك معاتبةً (بس يا واد)
انتفض سكن زاعقة فيه بغضب من كلماته الهزلية الساخرة (أنا مش بهيمة)
توقف هيما يسألها مثيرًا غيظها واستفزازها أكثر (اتأكدي من العلاج الي أدهولك ليكون من بتاع البهايم)
عرجت نظراتها لزوجها باستفهام غير منطوق، قطعة هيما بسخريته الفظة (مش هيعترف)
وضعت ورد كفها فوق فمه مانعةً له (متعكرش دمها دي عيانة يا ولدي)
تخطتهما متجهة صوب زوجها الجالس حول طاولة السفرة يدّعي الإنشغال بهاتفه تهربًا، وقفت أمامه تسأله ببراءة (حمزة أنت عالجتني بدوا البهايم بتاعتك صُح)
دفع هيما كف خالته وقال من بين قهقهاته (استني لو نهقتي يبقا بتاع حمير لو هوهوتي يبقا بتاع كلاب لو بيضتي بقا يبقا بتاع فراخ)
أحمرّ وجهها من شدة الغضب وهي تراقب صمت زوجها وإعراضه عن الإجابه كأنه يؤكد صحة ما قاله هيما،صرخت به في حدة (حمزة رد عليه)
أجابها وهو يبتلع ضحكاته لا يقوى على النظر إليها وهي بتلك الحالة المضحكة من الغضب والغيظ ( جوليله كان بيعالجك بيه وأنت صغير عشان كده طلعت حيوان كبير ) قالها وانسحب للداخل وهو يمسك بهاتفه تحت نظراتها الدامعة،تحركت أنامله تحت ذقنه بتوعد لهيما الذي تمادى في إحزانها وإغضابها.. قفزت سكن مصفقة في أعقابه وهي تغيظ هيما بضحكاتها المستمتعة (طيرت الجبهة يا حموزتي)
قلدها هيما بحنق وهو يُخرج لها لسانه بتهكم ( ماشي يا بتاعة حموزتك)
تركتهما وذهبت خلفه حيث يجلس وحدة أرضًا بالحجرة، اقتحمت عزلته التي يفرضها على نفسه وجلست أمامه متربعة وهي تخبره مازحةً له بابتسامة  (طيب نرجع العفريت ولا إيه يمكن ترتاح؟)
رفع نظراته من على شاشة الهاتف وصوّبها نحوها فاتسعت ابتسامتها وشاكسته بحنو (شمّت العفريت فيا يا حموزتي)
سيطر على ابتسامته وعاد في صمت لشاشة هاتفه فقالت بضحكة خلابة تردد صداها في قلبه (على العموم لو ملجيش سيطرة يمكن يرجع، جال إنه بيحبني مش زي ناس)
هتف بلا مبالاة وهي ينظر إليها  (خليه يرجع) غمزته قائلة في شقاوة (مش عيب يا دكتورنا تسيب مرتك حبيبتك لحتة عفريت ناجص رباية،يرضيك هو يتمسك بيا أكتر منك)
حك مؤخرة رأسه يسألها بجدية (عايزة إيه يا سكن؟)
تمدد أمامه مبتسمة تخبره (ولا حاجة هنام جنبك لغاية ما تخلص)
أخبرها وهو يعود بنظراته للهاتف(أمي جالتلك إن مودة جاية؟)
قفزت جالسة تسأله بنظرة لامعة وحماس طفولي (بجد؟ متى يا حمزة)
لم تتعدى الابتسامة حدود نظراته وهو يخبرها (هروح أجيبها أنا وإبراهيم الساعة 10)سارت على ركبتيها حتى وصلت إليه وتوسلته (خدني معاك)
أخبرها بجدية وحزم رفيق وهو يتهرب من تأثيرها عليه (برد)
سحبت من بين أنامله الهاتف واقتربت أكثر ترجوه بدلال (عشان خاطري يا حموزتي خدني معاك)
حمحم مرتبكًا من قربها المهلك، يشيح عنها وهو يتنفس بسرعة قائلا(استنيها هنا يا سكن)
ضمت شفتيها تطالعه بغيظ وقهر من تسلطه قبل أن تصرخ مؤكدة (أنت شرير)
سحب من الهاتف بهدوء هامسًا بوجع ترك ندوبًا بقلبه (حتى أخوكي له نفس الرأي)
عقدت حاجبيها في حزن عميق ترك أثره على ملامحها ولطخها، لكنها سرعان ابتسمت وسألته بمشاكسة(أخويا مين أنا معرفش غير حمزة عبدالحكيم)
جذبت كفه وفردته أمامها ثم عددت على أنامله تتنقل بينهما وهي تمنحه نظرة رائعة وهو مشدوهًا بسحرها (هو أخويا وأبويا وصاحبي وحبيبي وجوزي بس دي لما يبطل جمص)
قالتها وهي تلوي فمها متنهدة بإستياء ويأس،تمنى لو زرعها بأحضانه وحاوطها بسورعشقه، نال من شفتيها الرحيق المسكر، رفعت نظراتها واقتربت بعدما قرأت ما في نفسه فابتسمت تفعل هي ما حرّمه على نفسه، فردت ذراعها اليسرى فوق كتفه وتركت اليمنى حرة، حاول الحديث فوضعت سبابتها فوق شفتيه مانعة(ششششش)
اعتذرت وهي ترمش ببراءة (معلش خد دور البرد مني)
اقتربت تمنحه ما تمناه ولكن كبريائه الجريح أبى، همست فوق شفتيه بالكثير ونثرت فوقهما حروف تعويذتها لينفك السر، أغمض عينيه مستسلمًا يستقبل دون مشاركة، حتى همست هي تستجديه التحرر ولو قليلًا (حموزتي)
تكسرت باقي الحروف فوق شفتيها، فالتهمها في جوفه وأكمل في رغبة وتوق وشوق كان أقوى من عناده وخاضعًا للمساتها، ضمها بين ذراعيه بقوة.. رن هاتفه فانتفض منسحبًا، عادت خطوة للوراء بينما أمسك هو بهاتفه ليعرف هوية هذا المتطفل المنقذ، حمحم قائلًا بإرتباك (مودة)
حررت خصلاتها وقالت بلا مبالاة (رد عليها)
نهضت متجهة للخزانة لتجهيز ما سترتديه للخروج، أنهى حمزة الاتصال وسألها بحاجبين منعقدين في دهشة وهو يقترب منها (بتعملي إيه؟)
ألقت أمنيتها في حيز التنفيذ وهي تفتش بين ملابسها (بطلع هدوم البسها عشان أروح معاك)
وقف جوارها يبحث عن ملابس مثلها وهو يخبرها بحسم (مش هتروحي)
استدارات متحدية، تخبره وهي تلتصق بصدره هامسة (هروح يا حمزة)
****************
بعد مرور ساعتين كانت تجلس جواره في المحطة بعدما أجبرته ورد على أخذها معه، تأفف وعاند بغيظ من أفعالها وشكواها لوالدته وتدللها عليه ليرضخ في النهاية.
همست وهي تجلس جواره في المحطة منتظرة مودة،تسعل أحيانًا فيلتفت لها بقلق ثم يعود لشروده وعزوفه عن الكلام (هات ايدك يا حمزة)
نظر إليها بجمود وتساؤل غير منطوق، فابتسمت ببراءة قبل أن تمنحه نظرة بألف عناق  ثم جذبت هي كفه وتخللت أنامله بأناملها ثم وضعتهما بجيب معطفها قائلة (ايدي مبتدفهاش غير بيدك يا حمزة)نظر إليها طويلًا، تائهًا، معتم النفس لولا مصباح ابتسامتها وعطاء حبها الغير محدود أو متقيد بصمته، تستمتع بالثرثرة وهي تهمس له كلما اندهش من أفعالها (صح لسانك مبينطجش بس عنيك بتجول كتير،بترد عليا بأحلى مما أتخيل)
صمت مستمتعـًا بما يحدث له معها شعوره الفريد والجديد تجاهها وكأنه يتعرف عليها وعلى حبها له ،تثرثر أكثر فيفتح نوافذ قلبه لها بصمت،يدع عشقها يتغلغل داخله ويقاتل وحوش أفكاره منتظرًا نصرها عليهم.
تطلّع حوله بشرد بعدما نزع نظراته منها  فقالت وهي تسعل (لينا ذكريات كتير في المحطات)
منحها زجاجة المياه بصمت، فقالت رافضة أن تلتقطها منه تريد دلالًا  لا يبخل به،عقله غائب لكن قلبه حاضر يلبي قبل الطلب (شربني أنا بردانه ومش هطلع إيدي)
مال قليلًا في استجابة، سحب كفه من جيب معطفها وفتحها لها ثم قربها من فمها لترتشف، انتهت وأبعدتها شاكرة (شكرا يا حموزتي)
ضحكت برقة وهي تخبره في حسرة (لو كنت جيت بدري شوية جنا يا حمزاوي مش كنت دلعتني شوية حلوين)
صمت متمنيًا مثلها، تركها تتحدث وتحكي وتتدلل وهو منعزل يراقب ويقدم المساعدة ويهتم دون مشاركة أو تجاوب، نادته برقة (حموزتي)
التفت لها بحاجبين منعقدين على الدوام فابتسمت بوداعة قبل أن تضحك مُصارحةً له  (أجولك سر )
ابتلع ريقه بتوتر وهو يهز رأسه بصمت فقالت وهي تأسر عيناه حبيبتاها وتراقص نظراته الدافئة
(أنا هغير عليك من مودة لو جات وضحكت فوشها ، لإن بجالي كتير محرومة من ضحكتك الحلوة ووحشاني فحرام هي تشوفها وأنا لاه)
صمت وأشاح بمشاعر صاخبة وقلب خافق حد الجنون،أكدت(هزعل غصب عني والله يا حمزة) تنهد قائلًا بنبرة حافظ على حيادية المشاعر فيها (أكشر فوشها يعني عشان تمشي؟) كورت شفتيها ثم قالت بصدق وبراءة (مش عارفة بس هزعل وهبكي والله)
بداخله رغبة تنازعه اللحظة تأمره بأخذها والمغادرة وترك كل شيء خلفه يحتاج لدفء أحضانها، يريد الإخلال بوعوده لوالدته وتمزيق الاتفاقيات ونيل حقه كاملًا، سحبته من شرود مقترحةً عليه ببراءة (خليها ابتسامة عادية، مش الابتسامة الحلوة التانية)
ضم شفتيه وهو يهز كتفيه متحيرًا لا يعرف ما عليه فعله سوى أنه يشتاق لها حد الجنون، لم تتوقف ثرثرتها وتابعت (اضحكلي أنا الأول قبلها وهسامحك لو ضحكت فوشها)
تأفف بخفوت قبل أن يسألها ليغير الحديث (أخدتي العلاج)
تجاهلت هي الأخرى قوله وسؤاله وطلبت (عشان خاطري متهزرش ومتبجاش حلو جوي يا حمزة غير ليا أنا بس مرتك حبيبتك، وريهم النسخة الكئيبة التانية)
ابتسم رغمًا عنه وهو يشيح للجهة الأخرى حتى لا تلتقط ابتسامته، عاد يستمع لها بصبر (أنا بغير والله ممكن أموت)
مرر لها إنزعاجًا كاذب واستهانة بقولها لكنه كان يحفظ طلباتها منه كأوامر وجب تنفيذها.. صمتت بحزن قليلًا قبل أن تعاود الثرثرة مبتسمة (تعرف إن دِه أول شتاء لينا مع بعض يا حمزة، ياريت نرجع نسهر، بحب كده)
تأثر مثلها لكنه أخفى ونطق أخيرًا(اسهري مع أختك)
ضحكت بخفوت قائلة بما رتبته هي وورد (ورد جالت هنام كلنا مع بعض وأنت لوحدك بيحلموا، أنا ههرب وأجيلك زي كل ليلة )
همس بجفاء مفتعل وهو يخبيء فرحته وضحكته عنها متخذًا الجدية قناع (لااه خليكي مع أختك عيب)
استنكرت فعلى صوتها قليلًا (لو هتبعدنا هجولها امشي وربنا، معرفش أنام غير فحضنك)
وهو أيضا قلق من مجيء مودة خائف أن يُحرم منها لكنه لا يبوح، يخشى أن تنشغل عنه وتنساه وهو الذي لا يطيق بُعدها ولا يصبر عليه، يغار عليها بشدة كما تفعل هي، ماذا لو أخبرها أنه لا يريدها أن تثرثر مع مودة وتتركه ولا تنشغل بسواه، لا تحكي ولا تشارك غيره أي شيء... حقا سيصاب بالجنون لذلك يصمت ويدّعي غير ذلك..
وصلت مودة فركضت سكن ما إن لمحتها قادمة، ضمتها بقوة ووقف مبتسمًا فرحًا لفرحتها سعيدً لأجلها، يهنئ نفسه على حظه الذي أوقعه فيمن تحمل هذا القلب الماسي..
أقترب مُرحبًا بمودة لكن قبل أن ينظر منح حبيبته أروع ابتساماته كأنه يخبرها أنها لها أولًا وهل عليها أن تظن غير ذلك؟
(ازيك يا مودة حمدالله على السلامة)
تحدث ونظراته مثبتة على سكن يمنحها ما تريده من ابتسامته وضحكته، التقطت إشارته الخفية وفعلته فضحكت وغمزته في غفلة من مودة، ما إن استدارت مودة حتى أرسلت له قبلة طائرة شكرًا على ما فعل..
حمل حقيبة مودة الصغيرة وسار  أمامهما وهما خلفه تثرثران وتضحكان، صعدت سكن جواره ومودة بالخلف معتذرة (معلش عطلتك يا دكتور)
أجابها بمودة وترحاب شديد(ما تجوليش كده ده أنتِ نورتي والله)
شكرته مودة بشدة وامتنان، لتدير سكن الحديث قائلة بحماس شديد تعبر بشتى الطرق عن سعادتها الواضحة لعينيه(عمتك مستنياكي على نار ومن امبارح تعملك فالأكل الي بتحبيه طلعت عيني مساعدة وعين حمزة طلبات)
حمحم حمزة قائلًا ما جلب سخط سكن وغيرتها (عنيا لبت عمتي والله كفاية جيتها وتشريفها)
توعدته بنظرة خاطفها تفاداها وهو يكتم ابتسامته، بينما شكرته مودة في أدب (ربنا يخليك يا دكتور) 
توعدته في سرها قبل أن تعود للثرثرة مع أختها، وانشغل هو بالقيادة في صمت حتى وصلوا المنزل،فكان استقبال ورد رائعًا خفف من توتر مودة وامتص حرجها من مجيئها السريع العاصف،جلست بالقرب من عمتها التي سألتها عن الجميع، وتدخّل حمزة في الكثير من الحديث بانطلاق وترحاب
نهضت سكن من جلستها قائلة (هروح أسخنلك العشا يا مودة عشان تاكلي وترتاحي يا حبيبتي)
شكرتها مودة بخجل (أنا مش جعانة يا سكن)
أصرّت سكن وهي تغادر صوب المطبخ (لاه لازم تاكلي)
حادت أولًا للحجرة، أبدلت ملابسها بأخرى بيتيه مريحة وبعدها للمطبخ، انتظرت مجيئه إليها لكنه أخلف ظنها وظل معهم بالخارج يتحدث مع مودة ممتصًا بضحكاته وأريحيته في التعامل حرجها وتوترها الواضح.
سألتها مودة بقلق وهي تنقل نظراتها بين ورد وحمزة (سكن بتسخن أكل وبتجهز بجد؟)
قطب حمزة متحيرًا في معنى سؤالها، ليؤكد (أيوة بجد)
فأوضحت بدهشة (مش هتكسر حاجة ولا تدلق حاجة سيبينها عادي)
اتسعت ابتسامة حمزة وهو يخبرها بإعجاب (هتنبهري)
همست مودة بتشكيك (على الله)
جهزت سكن السفرة وجلست مناديةً على مودة (يلا يا ميمو، عشان تاكلي)
استأذنتهما أولًا قبل أن تلحق بسكن، لكن حمزة نهض وتبعها قائلًا(البيت بيتك وبيت أختك يا مودة اتصرفي عادي بعدين أنا كمان عايز اتعشى)
جلس جوار زوجته مقابل مودة يقدم منها الأصناف قائلًا(مجولتيش نويتي على إيه فموضوع الدراسات العليا)
منحته نظرة شاكرة وهي تلتقط منه الأطباق قائلة (نويت أكمل أنا حابه كِده)
أثنى على قرارها (جدعة يا مودة تعرفي أنا كمان كان نفسي أكمل؟)
سألته بابتسامة عملية وهي تتناول طعامها بحياء (معملتش كِده ليه؟)
أجابها منشغلًا عن الجالسة جواره ستموت غيرةً وقهرًا (كان لازم اختار ما بين المطعم وحلمي والدراسات)
أثنت على صنيعه بإعجاب (كدا نجحت هنا وهنا يا دكتور وده كويس)
منحها نصف ضحكة وهو يقول مشاركًا لها حماسها (مكتبة خالك فأوضة ورد عيشي بجا)
تنفست بقوة مبتهجة بما سمعت، تخبره بفرط حماسها (أنتوا تسيبوني جواها مع الكتب)
ضحك قائلًا وهو يراقب حرجها من التعامل بأريحية (براحتك، كُلي يا مودة لو مكسوفة مني فأنا جايم خلاص)
نفض كفيه ونهض حامدًا الله، غسل كفيه وجاور ورد في جلستها تلك التي مالت وهمست (مرتك هتموت من الغيرة يا حمزة خف على الغلبانة)
ابتسم حمزة لالتقاطها مكره وكشفها دواخله بسهولة وفهمها لما يفعل، لكنه تصنع عدم الفهم وسألها (أنا عملت إيه عادي)
رمقته بنظرة مشككة وهي تلكزه (متعملهمش علي) ضحك بخفوت 
وتابع زوجته من بعيد حتى نهضت تلملم الأطباق فنهض وساعدها فيما تفعل لكنها تجاهلته مقررةً خصامه، انعزلوا بحجرة ورد يثرثرون ويضحكون حتى غافلهم النوم وسرق وعيهم، بعد مرور ساعة استيقظت من نومها متعبة، فتركت الفراش وخرجت تبحث عن دوائها، دخلت المطبخ وتناولته ثم جلست واضعة رأسها فوق ذراعيها على الطاولة.
خرج من حجرته وقد أيقن أنها لن تأتي الليلة فها قد فوتت موعدها.
ارتجف بخوف وهو يراها على وضعها في المطبخ، اندفع صوبها يستفسر (سكن جاعدة هنا ليه؟)
أجابته بعينين ناعستين (جيت أخد العلاج ونمت من غير ما أحس)
أمسك ذراعها وساعدها قائلًا (جومي عشان متاخديش برد تاني وأنتِ تعبانة)
نهضت متعكزة على ذراعه وقبل أن تصل للحجرة رنى لمسامعها صوت البرق وقطرات المطر فدبت الحيوية في جسدها وهتفت بفرحة طفولية (مطر يا حمزة مطر)
قطب أول الأمر قبل أن يفرج عن ابتسامته متذكرًا يوم قابلها، هتفت برغبة(عايزة أشوف المطر)
قادها للحجرة معترضًا بجبين متغضن (لااه أنتِ تعبانه)
توسلته بطفولية وهي تقف أمامه محاولةً أخذ موافقته (عشان خاطري)
رضخ بتأفف قبل أن يأمرها بحزم (طب استني هنا)
دخل الحجرة وجلب معطفه، ألبسها إياه قائلًا (يلا)
فتح الشرفة وحذرها بجدية وصرامة (متدخليش، تشوفيها بس) نظرت للمطر مبتسمة بمرح، الأجواء ملأت صدرها بالتفاؤل والأمل فأغمضت عينيها هامسةً (ادعي يا حمزة وأنا هدعي)
توقف المطر مع آخر إلحاح لها بدعوتها، ليهمس لها وهو يغلق الشرفة من جديد (يلا)
سألها وقلبه يهفو لقربها تلك الليلة (هتنامي فين؟)
همست وهى تلف ذراعها حول ذراعه بتشبث (فحضنك)
قال كذبًا وباطن حروفه ومقصده لومًا وعتاب (مش كنتي نايمة مع أمي؟)
فسّرت بصدق وصراحة عاهدته عليها (كنت عيزاك تنام عشان سهرت معايا امبارح)
قال بإحباط وهو يلج للحجرة قبلها مرتبًا الفراش لاستقبالها (منمتش...كنت بشتغل)
تسطح فوق التخت متدثرًا، فجاورته منكمشة فيه كعادتها كل ليلة وهي تخبره (أنا زعلانة منك يا واد خالي؟)
أجابها بمشاعر حيادية (عارف)
سألته بنبرة عاتبة (وعادي معاك؟)
قال في استعداد للنوم محاولًا الهرب والتملص (حسب الي زعلانه فيه)
طلبت بضيق شديد (لفّ وبصلي ياحمزة)لمس في نبرتها الجدية ففعل واستدار لها،فقالت ( إني غيرت عليك وإنت عارف)
استنكر قولها (من أختك)
لفت ذراعها حول عنقه وداعبت أنفه بأنفها هامسةً(خايفة أجول من أمك كمان تجول عليا مجنونة)
أغمض عينيه وابتسامة حلوة تقفز فوق ثغره ليقول لها بتنهيدة (نامي طيب عشان نازل الفجر)
لثمت خده وامتثلت لأوامره وطلبه ونامت.
***********
                ♡ في قنا♡
دفعوه للداخل بقوة ليقف أمامه مزعورًا برهبة حقيقية وخوف تجلى في نظراته المتجولة في الحجرة الواسعة ، ما إن استقرت نظرات عمار عليه حتى اندفع مستنجدًا (الحجني يا زين؟)
تصنع زين الدهشة وهو يطفيء سيجاره منتبهًا له بجدية كاذبة (في إيه؟  إيه جايبك هنا؟)
جلس عمار أمامه فوق الكرسي يخبره بتلعثم (معرفش وجفوني أول جنا وجابوني هنا وبيجولوا الشنطة فيها مخدرات)
نهض زين مُدعيًا الفزع ونظراته تلاحق عمار بالتشفي (مخدرات؟  هو أنت الي اتقبض عليك؟)
تملّص عمار وأعلن براءته من تلك التهمة في خوف وارتجاف (مش بتاعتي ولا أعرف عنها حاجة  )
أردف زين بجدية وهو يفتح الملف الموضوع أمامه (بس الشنطة كانت معاك وفيها سلاح بدون ترخيص وحشيش)
ابتلع عمار ريقه و صمت مُفكرًا بقلق قبل أن يتهرب من الإعتراف (مش بتاعتي حتى معرفش إيه فيها؟)
مال زين وسأله مدققًا النظر في ملامحه المرتجفة (أمال جات عربيتك إزاي؟)
صمت عمار بشرود وتردد، صدره يعلو ويهبط بإنفعال قبل أن يشجعة بأسلوب ملتوي وهو يصدر تنهيدة مستسلمة  (خلاص أنا آسف مش هقدر أساعدك دي فيها حبس وسين وجيم )
هتف عمار متخليًا عن الكتمان يسلك الحقيقة طريقًا لينجو (صُح معرفش مين حطها يمكن خالي هو الي بيجبلي شنط زي دي أوصلها لمعارفه فجنا)
ابتسم زين بانتصار، قبل أن يتنهد ويسأله بجدية (دي مش أول مرة؟)
ابتلع عمار ريقه بتوتر ملحوظ وهو يهز رأسه مؤكدًا القول، نهض زين ودار تتابعه نظرات عمار المشوشة المهتزة، ليميل زين واضعًا كفه فوق كتفه ويهمس قرب أُذنه بسخرية (أنت عارف دي فيها كم سنة يا حيلة أمك)
سكن جسد عمار تحت كفه، نظراته مرتبكة وحركة ابتلاعه ريقه واضحة، تركه زين وجلس في الكرسي المقابل له قائلًا بحدة (مالك أنت ومال خالك وشغله؟)
(أنا مرسال بس وتلاتة بالله العظيم ما أعرف فيها إيه؟  ) قالها عمار بصدق متملصًا من مصائب خاله، ليطالعه زين بنظرة غامضةً قبل أن يسأله مواجهًا له (يعني مبتشتغلش معاه ؟)
تفاجىء عمار من السؤال وتشتت بخوف ورهبة عظيمة بينما كان زين أمامه مستمتعًا منتشيًا، مال وضغط الزر قائلًا بأسف كاذب (على العموم خالك مش هيجي ينقذك ولا يقول إن الشنطة بتاعته)
أدرك عمار جدية الموقف وصدق قوله فقال (معرفش حاجة عنها والله خالي مقليش)
دخل الشرطي مؤديًا التحية فأشار له زين وهو يعود لكرسية (خد المتهم عالحبس)
توسله عمار بانكسار (أرجوك يا زين اتصرف)
سحبه الشرطي وأغلق الباب ليفتح زين الحقيبة ويخرج قطعة الحشيش منها ثم يقضم منها بأسنانه قائلًا (والله صارف ومكلف عشانك يا عمار دي شيكولاته غالية والله من كارفور) أعادها للحقيبة متوعدًا له(إما ربيتك من أول وجديد وعرفتك إن الله حق وسيبتك من خالك وراعيت لأمك وأخواتك مبقاش أنا زين ) رفع هاتفه ونقر فوقه ليأتيه صوتها متسائلًا (مين؟)
ضحك زين قائلًا (أخس عليكي يا كوكي بقا نسيتي صوتي؟)
سألته بتلعثم وارتباك (مين؟)
ضرب زين فوق مكتبه قائلًا بغضب (فوقي يا روح أمك لأجي وأفوقك ملفك متقفلش)
تداركت الأمر وأجابت برهبة (زين باشا عاش من سمع صوتك)
سخر منها في فظاظة وهو يميل بظهره للكرسي ويدور به (فكراني مش هعرف أوصلّك عيب على بابا؟)
هتفت بهدوء ينافض ثورة الغضب داخلها (أنا بس كنت برتب وهكلّم حضرتك)
استهزأ بقولها في برود غليظ ( كنتي مستنية تجوزي خالتك لرفعت وابنها لعاليا) ختم قوله بضحكة عالية جلبت سخطها وتأففها الحارق، ليتوقف هادرًا فيها بغضب (اتعدلي بدل ما أعدلك يا روح أمك)
امتصت غضبه بقولها (أنت يهمك فأيه مين يتجوز ولا يطلق المعلومات الي أنت عايزها هجبهالك زي ما اتفجنا)
حذرها بغلظة شديدة (جوزي خالتك لرفعت وماله خليه يتدلع حبة بس عاليا إبعدي عنها أحسنلك)
حاولت الحديث وجداله في الأمر لكنه هدر فيها وأوقف الكلمات في حلقها (فاهمة ولا أفهمك بطريقتي؟)
هتفت بنبرة مرتجفة خنوعًا (فاهمة فاهمة)
أنهى الاتصال ورمى الهاتف بعيدًا م يدور بكرسيه مفكرًا.
*******"*
بعد مرور يومين، قضاهما حمزة ما بين البيت والعمل مع ترك مساحة لمودة لتتصرف المنزل بحرية، حيث قرر المبيت في المطعم لتبقى على راحتها أطول فترة ممكنة.
خرجت مودة للصالة مُلقية عليهما السلام، فابتسم حمزة وتحرك منتقلًا من جوار ورد حتى تجلس مودة جوارها ويجلس هو على كرسي منفردًا، سأل عنها (سكن فين؟  صحتها أحسن؟)
لمعت عينا مودة قبل أن تقول بأسف كاذب ومكر سُطر في نظراتها المتصيدة لرد فعله (تعبت خالص بالليل حرارتها وصلت 41)
انتفض واقفًا في زعر وهو يسأل بقلق (محدش كلمني ليه؟ وحرارتها نزلت ولا لا؟) أخفضت ورد رأسها تستمع وتراقب بصمت وابتسامة، أجابت مودة بأسف كاذب وهي ترسم على ملامحها الحزن والألم (بدأت تنزل روح شوفها)
هرول تجاه الحجرة ليطمئن عليها بينما كتمت مودة ضحكاتها بباطن كفها في تلذذ واستمتاع، لتميل ورد وتهمس لها (بتشتغلي الواد؟)
همست لها هي الأخرى بسعادة (جبل ما تنام كانت بتجول نفسها تصحى تشوفه جولت بما انه جه بدري أدخلهولها)
ابتسمت ورد وصمتت، بينما أمسكت مودة بهاتفها تنقر فوقه..
وجدها نائمة بهناء وهدوء، تلمّس جبهتها ووجهها في خوف وحنو لكن صفعته برودتها فقطب مندهشًا، تململت في نومها قبل أن تفتح عينيها على وجهه أمامها يراقبها بعين القلق، همست وهي تتمطأ بكسل(حموزتي)
سألها باهتمام (أنتِ كويسة ؟  مودة جالتلي انك تعبتي وسخنتي بالليل)
ثبتت نظراتها على وجهه تسعيد وعيها وتربط الكلمات بعقلها قبل أن تتلوى بألم كاذب وتدّعي المرض مستغلة خوفه عليها (ايوة تعبت خالص يا حمزة بجد)
سحب الدثار من على جسدها يأمرها بجدية (جومي هوديكي للدكتور مش هينفع)
سكنت قليلًا مكانها تدلك رقبتها بأنملها في عبث وانشغال وهي تحارب خصلاتها المتناثرة، سألها وهو يعود من جديد للجلوس جوارها (في إيه؟)
زمت شفتيها يضيق طفولي وهي تفرك جانب عنقها بقوة وإنزعاج (في حاجة بتجرصني)
اقترب منها ليرى، سرقت من فوق شفتيه قبلة وهي تبتعد ضاحكة تخبره بدلال (كدا بنبدأ الصباح يا حموزتي) ثم واصلت مُقلدة خشونته معها (مش يلا جومي هوديكي للدكتور)
ابتسم رغمًا عنه من فعلتها الطفولية، فاستغلت انشغاله وسرقت من خده قبلة أخرى قبل أن تقفز من فوق الفِراش قائلة بغمزة ماكرة (هدف فمرماك يا حموزتي، عشان الابتسامة الحلوة تنور أكتر)
نهض واقفًا يقيد ذراعها بأنامله قائلًا (جولت هنروح للدكتور)
عادت واقتربت، مالت ولثمت خده هامسة وهي تهديه عطر أنفاسها (مودة بتشتغلك عشان تجيني تصحيني)
رفع حاجبه، فلثمت خده الآخر وقالت (أنا بخير يا حموزتي يلا عشان تفطرني)
ترك ذراعها متخليًا متحديًا،يقول بلا مبالاة (مبفطرش حد)
استطالت قليلًا وأحاطت عنقه بذراعيها ومالت تلثم شفتيه برقة وهي تهمس بدلال له تأثيره (طيب وكده؟ وبعدين احنا مش هنتصالح بجا أنا بسدد ديون مش بتاعتي ؟)
رن جرس الباب فأبعدها بكفيه قائلًا ونظراته تتوجه ناحية باب الحجرة بقلق انتزعه من سكينته (خلصي بطلي رغي)
تخطاها راحلًا لتقف مدبدبة بقدميها في حنق من أفعاله وخصامه.
أشار لوالدته بنظرة مرتجفة(استني يا أمي)
فتح الباب فهتف زين بنبرة رائقة (دكتور حمزة ازيك)
سلّم عليه حمزة بترحاب شديد قبل أن يتراجع مُعلمًا والدته (زين يا أمي)
انتفضت مودة من جلستها لاعنة له، قبل أن تستدير هاربةً منه.
لفّت ورد الحجاب حول رأسها جيدًا قبل أن تهتف ببشاشة (ينور يا ولدي)
دخل زين يغض بصره في تأدب محمحمًا،لتستقبله ورد (يا مرحب يا ولدي)
سلّم عليها زين بأدب وتقدير قبل أن يجلس
دخلت مودة الحجرة وأغلقت خلفها بعنف جذب انتباه سكن وجعلها تسأل وهي تراقب ملامح وجهها المحمرة من شدة الغضب (في إيه..؟)
قالت مودة بغيظ وهي تفتح الباب قليلًا لتسترق السمع (زين جه بره)
لفّت سكن حجابها جيدًا وثبتته وهي تضحك قائلة (ده عنده إصرار بجا)
خرجت سكن من الحجرة قائلة بضحكة (هروح اعملهم حاجه يشربوها)
دخل حمزة المطبخ ليجد سكن تُعدّ لهما مشروبًا فاستحسن فعلتها وسألها عن مودة فأجابته (حابسة نفسها في الأوضة)
أعطته الصينية قائلة (كويس جيّته هنا معناها عايزها، غيره بايع وبيتحجج عشان لا يعمل فرح ولا يكمل)
لكمته كلماته فتوعدها وهو يتناولها منها (حسابك بعدين)
ضحكت بدلال قبل أن تميل مستغلة انشغال كفيه بما يحمله ولثمته على خده، نهرها بنظراته قبل لسانه (بت النسكافية)
خرج وخلفه هي، وضع الصينية ووقف لتقف هي جواره مرحبة بزوج أختها (ازيك يا حضرة الضابط منورنا)
(ازيك يا خالة العيال) قالها زين بابتسامة قبل أن يخفض بصره عنها في أدب.
جلست ملتصقةً بزوجها تمسك كفه في تملّك
قال زين بجدية شديدة  متعمدًا أن يصل صوته لمودة فيستفزها (يرضيكِ الي بيحصل يا أم حمزة ولا الي بنتكم عملاه فيا ومشحططاتي وراها، لا وتيجي ومتقوليش)
هتفت ورد برزانة (هي مجاتش بيت غريب يا ولدي بيت أختها وواد خالها في مجام أخوها الكبير تشرف وتنور فأي وجت)
خرجت مودة مندفعة، وقفت أمامهم فخبأ ابتسامة النصر ولوّن محياه بالجدية وهو يطالعها بصبر منتظرًا قولها الذي خرج صاعقًا (أنت جاي ورايا ليه؟ )
هتفت ورد تلومها على تهورها (عيب يا مودة الراجل ضيف عندنا)
أخفضت نظراتها الدامعة في أسف (حجك عليا يا مرت خالي)
شعرت ورد بتقلبها المزاجي فخشيت أن تشعر ورد بالإحراج والضيق من قولها فهتفت بابتسامة (تعالي جنبي فحمايتي وجولي الي عيزاه)
نظرت إليها مودة شاكرة ممتنة لتفهمها وجميل أفعالها التي تربت على قلبها وتحتوي توهتها، جلست مودة جوارها فضمتها ورد تخبر زين في حزم (مودة بت أخوي يا حضرة الضابط وليها هنا فبيت خالها زي ما لحمزة، أي حاجه تزعلها منك أنا الي هجفلك)
أخفض زين رأسه وأشار في أدب (على رأسي أنا جاي عشان أتكلم وأشوف إيه يرضيها)
هتفت مودة بإنفعال حاد (تطلجني هو ده الي يرضيني)
وجّه زين كلماته لورد متجاهلًا قولها ( أنا شاري وعايز فرصة تانية منها لو مش بتحبني تحاول لو حست مش قابله أنا وقتها هطلق) تمخضت ملامحه عن ألم لم يستطع كبحه متذكرًا كلمتها..
فقالت ورد بوقار ورزانة (عداك العيب يا ولدي) وجهت قولها لمودة التي تشتعل غضبًا منه (وأنتِ يا بتي جولك إيه؟) صمتت مودة بقهر قبل أن تخبرهم(متجوزني عشان خالي يروح يجتله بعيد عني)
عارضتها ورد في قولها موضحةً في تساؤل(يا بتي زين لما جه واتجدم كلّم مين؟)
هتفت سكن بدلاً عنها (حمزة)
فابتسمت ورد وأكملت(أنا وحمزة عارفين أن زين له تار عند خالك ومش هيسيبه ولا فكرك يعني يجي ويحضر الصُلح كده؟)
انتبهت مودة لقولها في ارتباك فأكمل حمزة بدلًا عنها( زين لما دور وعرف وفتح ملفات الجضية يا مودة أول حد جاله وسأله كانت أمي وهي الي حكتله على كل حاجه ومش بس كده، هو الي كان بيديني الصور والمعلومات الي كنت بهدد بيها خالك عشان يسيبك تمتحني ويبعد عنكم، هو مكانش يعرفك ولما شافك جه علطول اتجدملك متأخرش)
نقّلت مودة نظراتها بينهم جميعًا غير مصدقة، لتؤكد ورد القول (لو هو زي ما بتجولي ما كان اتجوز عاليا ورفعت مكانش هيمانع واصل)
قلّبت مودة الكلمات في عقلها قبل أن تسأل (كده معناه هيجتل خالي)
هتف حمزة بحدة (ما يجتله خالك، حقه يزعلك فأية طالما هيعاملك بالمعروف)
قالت مودة مرتبكة مشتتة الأفكار (هيجف بينا)
أوضح زين تلك المرة برفق (مش هيقف يا مودة أنا هاخد حقي بالقانون واظن دا ميزعلكيش، وكمان اعتبري جوازي منك عربون صلح زي ما بتعملوا لما بتصلحوا بين عيلتين بينهم تار)
صرخت بإندفاع من كلماته (اهو قصده فدية وأنا مش هفدي خالي سكن لما عملتها كان حب فحمزة أنا ميفرجش معايا خالي )
شدد حمزة من ضمه لكف سكن وضغط بخفة جعلتها تبتسم وقد وصلها انفعاله على كلمات اختها، فأوضحت سكن (أنتِ مش هتفادي حد هو هيتصرف مع خالك بطريجته)
شعرت مودة بالمحاصرة منهم والاختناق الشديد مما يحدث،فتحدثت ورد حينما لمحت ضياعها الراكض في نظراتها وارتعاشة جسدها (سيبها أسبوع تفكر يا ولدي وبعدها هتبلغك قرارها،مش كده يا مودة؟)
هزت رأسها في حيرة شديدة من أمرها وتوهة،قبل أن تنهض سكن وتشير لها (تعالي يا مودة معايا)
أوقفهما زين قائلًا (استني لو سمحتي أنا جاي فموضوع تاني وهقول كلام مهم ليكم أنتم الاتنين ورسالة مهمة)
وجّه نظراته لسكن التي عادت لتجلس متشبثة بكف حمزة في خوف وترقب لاتعرف مصدره ولا سببه،فعلت مودة مثلها وهي تصوّب نظراتها المستفهمة تجاهه فقال بجدية (حسان باعت معاي رسالة، أنا عارف الوضع وفاهمة بس أنا هقولها وأوضح، وليكم حرية القرار)
شعر حمزة أن الأمر متعلق بزوجته فترك كفها، يطلقها تأخذ القرار بنفسها تلك المرة ودون قيود أو ضغوط..
حثته ورد (جول يا ولدي لعله خير)
هتف زين بعملية وهو يشبك أنامل كفيه أمام عينيه (حسان عايز يشوف سكن ومودة ويودعهم جبل ما يمشي من هِنا)
تلاحقت أنفاس سكن برهبة وخوف حينا عادت كف حمزة تقبض على كفها  بقوة تبين مدى غضبه واعتراضه على القول..
نظرت مودة لسكن المنكمشة بزعر لحساسية ما نطق به زين وحمله كرسالة لكن أوضح زين (بيقول دي آخر مرة ومش هتشوفوا وشه تاني و زي ما كنت كريم معاه يا حمزة كمل جميلك وخليه يودعها قبل ما يمشي)
تسارعت أنفاس سكن في صدرها وارتجفت، تحاول السيطرة على دموعها التي تنخر مآقيها وتلهبها راغبةً في التحرر.
انهارت صلابة حمزة وتماسكه، فهدر بغضب (جوله لاه وينسى ويمشي ومتدخلش يا زين )
صمتت ورد بحزن عميق ووجع تهدل من نظراتها الململة لوحيدها في نظرة.
تنفس زين بهدوء قبل أن يناقشه مقترحًا (سيبهم يروحوا يا حمزة وأنا هروح معاهم بنفسي)
زعق حمزة بغضب وهو يقف معترضًا في ثورة (لاه أنا مش مانعهم خوف منه ولو على الي عمله أنا ردتهوله)
نهض زين من مكانة مفجرًا قنبلته فوق رؤوسهم (لا أنت رديت الي يخصك، سيب سكن تروح وترد الي يخصها وتودعه)
استنكر حمزة في انفعال حاد (الي يخصني؟)
التقط زين أنفاسه وقال بهدوء وحكمة (حسان هو الي أنقذك من يد رجالة عمك في التُرب يا حمزة، هو الي شالك على كفه ووصلك المستشفى وكلمني أجيلك دي مكانتش صدفة)
تواجهت نظراته بنظرات والدته التي أطرقت بصمت، بينما سمحت سكن لدموعها بالتحرر ولشهقاتها بالانفلات الذي أباح له التهور والسخط، التفت يواجهها بغضب يرمي الشرارات في وجهها، قبل أن يطلق سخافاته وحماقاته النابعة من صدمته واستنكاره بكائها الذي أجج حرقته وكواه،  تراجع والتفت لزين مقررًا(سكن مش هتروح مكان، الموضوع ده أنا جطعت صفحته ولو هو الي قلك تجولي كِده جوله بيجولك كنت سيبته يموت)
تقدمت سكن خطوة وهي تقبض بقوة على كف حمزة غير متخلية، مسحت دموعها وأجابت بصلابة دون تراجع وتلعثم يلوّث نواياها الحقيقية، أو تباطؤ يمنحه مساحة للشك، الترد خيارًا لا تتيحه الظروف ولا يسلّم به عشقها لهذا الواقف ينتظر منها كلمة تحييه ووقوفًا يرمم دواخله (مفيش جُول بعد جُول حمزة يا حضرة الضابط هو صاحب القرار ، اشكرلي عمي على معروفه معاي ووجفته)
طالعها حمزة بنظرة مرتعشة هدهدتها هي بإبتسامتها ومنحته الثقة والقوة في إدارة الموقف وعدم الخوف من نواياها أو التشكيك في رغبتها إرضائه.
نهض زين قائلًا (طيب تمام أنا لسه هنا أسبوع فكروا تاني وردوا عليا)
أوصله حمزة للباب مودعًا، ثم عاد ململمًا أغراضه تحت نظراتهم وخرج خلفه.
جلست سكن بانهيار، لم يسمح لها بمداوات جرحه الذي ينزف الآن، ترك كل شيء وهرب مختبئًا يتألم وحده وتنهشه وحوش أفكاره بأنيابها السامة
ساد التوتر وانقلبت الأجواء في لحظة، لعنت مودة زين ومجيئه العاصف بينما شردت ورد ونأت بنفسها وبمسبحتها عمن حولها.
جاء المساء ولم يحل عليهم حمزة ضيفًا، بقيت تتنقل في الشقة بغير هدى وراحة، نظراتها تفتش ودقات قلبها تسأله وألف حنين داخلها يعصطف، الجميع صامت بتفكير، أيقنت سكن أنه لن يأتي لذا ارتدت ملابسها واتخذت قرارها بالمواجهة وعدم تركه وحده مهما حدث،أيدت ورد قرارها وشجعته في صمت مكتفية بنظرات ممتنة شاكرة ومستحسنة  ، على الفور كانت أمام حجرته الخاصة بالمطعم، طرقت فأذن لها، ارتبك قليلًا بعدما عرف هويتها سألها دون أن يرفع نظراته من على الجهاز بعدما وصلته رائحتها وعبقت رئتيه(جيتي ليه يا سكن)
همست بنبرة عميقة سلمتها له كهواء منعش معبق برائحة زهور استوائية (مكنتش عايزني أجي ياحمزة؟)
ابتعد عن الأوراق يحك أسفل ذقنه بتفكير عميق وأنفاس ملتهبةً، ثبت نظراته عليها وقال(عايزة إيه ياسكن؟)
اقتربت منه وجلست فوق حافة المكتب أمامه وقالت بهدوء وهي لا تفلت نظراته(مش عايزة أنا بس بوفي بوعدي إلي أنت نسيته وبتخالفه)
قال بعصبية وهو يبتعد بكرسيه للخلف، متهربًا من نظراتها (وعد إيه؟  سكن جولي عايزة إيه؟)
تابعت بنظراتها الحنون هروبه، وعصبيته.. احتوت شتاته بابتسامة وقالت بنبرة مهتزة بالأسف (اتفجنا محدش يبعد ويزعل لوحده، اتفجنا نتكلم ونحكي ونتناقش)
انتفض من جلوسه بعدما لامست كلماتها الصادقة قلبه، نفّث عن شتاته بعصبية وحزن (مخالفتش حاجة)
قالت بقوة وثبات (لا خالفت مرام لما جات وكلمتها زعلت إني حاسبتك على حاجه مش بيدك، أنت دلوجت بتعمل نفس الحاجة يا حمزة بتحاسبني على حاجة مش بيدي كنت طوع أمر عمتي فيها)
راوغ وهو يتأمل دموعها المتهادية على  خدها بخجل، تعلن وجع صاحبتها وعذابها
حاد بنظراته (أحاسب أمي؟)
مسحت دموعها وهمست بثبات وهي تأخذ أكبر قدر من الهواء (مجولتش كده، جولت متحاسبنيش وتيجيّ عليا)
اقترب منها يسألها بغضب، وهو يتحاشى سهم نظراتها خوفًا من أن يصيب قلبه فيهلكه (لا حاسبت ولا جيت عليكي يا سكن أنا ساكت وبتقبل لوحدي وفهدوء)
أمسكت بقميصه وجذبته ليواجهها ليقترب منها ويرى ألمها الذي يتهرب منه، زرعت نظراتها بنظراته وقالت (سكوتك بيوجعني أكتر من كلامك جيت عليّ لما حرمتني منك وأنا حرماني منك موت يا حمزة) أزهقت دموعها وأفلتت غصتها ثم واصلت بانهيار (جيت عشان متبجاش لوحدك وعشان أجولك أنا هنا إزعل فحضني وأغضب فحضني متبعدش إلا لو...؟)
صامت بتأثر يستقبل عاطفتها السخية بعشق، يأخذ من مشاعرها بجوع
ارتجفت نبرته وإن حملت استنكارًا غليظًا (إلا لو إيه؟)
عضت شفتيها مسيطرة بقوة على دموعها وهي تخبره بانهزام (مش هتكمل والي حصل وجف بينا)
سحبها لأحضانه محاوطًا بذراعيه يملّس على رأسها بحنو وهي يخبرها بعاطفته (مفيش حاجه تجدر تجف بينا مهما حصل) تعلقت به متشبثة تنتحب بقوة، تنكر قوله (وجف اهو وخلفت وعدك وبعدت) همس لها وهو يواصل تهدأتها بربتاته (في حاجات مش هعرف احكيهالك)
سألته وهي تنزع جسدها من بين ذراعيه (ليه يا حمزة؟  مستصغرني؟  ولا شايف إني مش هحس بيك)
نظر لعينيها بقوة حد الغرق في زيتونيتها، سبح مفتشًا عن نفسه وهويته في عشقها، ليخبرها بتوهة حقيقية لا يدعيها (مش عارف) همست بحنان واحتواء هامسة تستدعيه برقتها لجنة قربها (ما تجرب يا حمزاوي مش احنا اصحاب)
استدعته بعاطفتها تطرق أبوابه ليفتح  فهمس راضخًا وهو يسقط نظراته من عليها ابتعد وجلس فوق الأريكة يخبرها بحزن وهو يدفن وجهه بين راحتيه (مش هعرف أسامحه يا سكن متحاوليش) جلست جواره في مؤازرة ودعم تمنحه أمان الاحساس (مين قالك سامح؟ متسامحش ده حقك ولو أنا مكانك مش هسامح)
كشف عن ملامحه المظلمة بالحزن، المنطفيء وهجها بالألم  وهتف بانهيارمؤلم يؤنبها   (بكيتي امبارح شفجانة عليه؟ وأنا مشفجتوش عليّ ليه ولا مرة)
استنكرت وهي تدير وجهه ناحيتها بكفها (بعد الشر عنك)
نهض ملسوعًا بجمر الذكرى دار في الحجرة بغير هدى ولا يعرف للسكينة طريق فيسلكه، ليت الراحة مثل شربة ما نرتشفها فتهدأ نفوسنا الثائرة (مش عارف أنسى لسه واجف عند اللحظة الي جالولي فيها أبوك مات يا سكن)
تصلّب جسده وشخصت نظراته للمجهول وهو يخبرها بنبرة شاخت بشعيرات بيضاء من الحسرة والحزن (لسه مش عارف أحرك رجلي وأمشي من هناك، لسه مش فاهم أعمل إيه وأروح لمين؟ لسه عنيا بتدور عليه) 
انتزع نفسه واستدار يخبرها بنظرة غارقة في الضياع محمرة تخضبت بدماء الذكرى المنحورة فوق عتبات البوح، دماء والده انعكست من ذاكرته لنوافذ عينيه، فشهقت لا تتحمل رؤيته هكذا، اقترب وانحنى يخبرها بما حدث له يومها (وجفت ومشيت يومها عشان أدور عليه وأسأله حصل إيه؟  طيب أعمل إيه؟)
اعتدل بقامته واستدار وقال بحسرة يبتلعها كأمواس حادة (كان صاحبي يا سكن دنيتي كانت مجفولة عليه هو وأمي)
نهضت راكضة تجاهه رمت نفسها بين ذراعيه فتأوه بألم حاد، وزئير أسد جاءته الضربة من موضع أمان (لسه ضهري مكسور ولو مشفتيهوش،الوجع مبيهداش ولو كل الدكاترة جالوا سليم، جدامكم صالب طولي بس أنا لسه مفردتش ضهري ولا اتحركت من جنبه)
توسلته من بين شهقاتها الراكضة (خلاص يا حمزة عشان خاطري)
تابع بمرارة وهو يغمض عينيه
(لسه فاكر جعدتي جنب سرير أمي وهي تايهه عن الدنيا وأنا مش عارف أعمل إيه؟ولا أبدأ منين؟)
دفنت وجهها بصدره تتوسله الصمت (بس يا حمزة)
هتف بأنفاس متسارعة موضحًا
(روحت وعالجته عشان مخسرش انسانيتي يا سكن، مكنتش هتحمل أعيش بالندم ولا بالذنب حتى لو هو يستاهل الموت ألف مرة وعشانك )
أبعدها عنه ينظر لعينيها متخذًا قراره (روحي ودّعيه يا سكن ومتشفيهوش تاني أدفنيه زي الي اتدفنوا بس هتكوني على الأجل جبلها سلمتي ، ياريت كان حد قالي تعالى ودّع أبوك وصاحبك، تعالى شم ريحته لآخر مره، تعالى ارمي على كتافه لأخر مرة جبل ما الموت يخطفة وتعيش بضهر محني وكتاف شايلة طول العمر،كل ما أزوره بسأله مسلمتيش عليا ليه يا أبوي )
حاوطت وجهه براحتيها وهي تهز رأسها بهستيريا (مش عايزه مش هروح كفاية اهدأ)
أبعدها عنه وجلس فوق الأريكة منهكًا، مفتت العزيمة بوهن، يشعل لفافة تبغ مستهينًا رغم رفض نظراتها.. جلست جواره في صمت لاتتخيل ما يحبسه داخله ويحمله بين دفتا قلبه في صفحات الذكرى المهترئة الملطخة بالدماء.
أنهى الملعونة حتى أحرقت أنامله المرتجفة وبعدها ابتسمت تدعوه لأحضانها، لكنه غيّر الاتجاه وطلب (عايز أنام على رجلك يا سكن زي ما بنام على رجل أمي)
ابتعدت قليلًا فمدد جسده فوق الأريكة واضعًا رأسه فوق فخذيها.
نظر لعينيها باحتياج شديد وتوسل قبل أن يغلقهما ،يطلق سراح آهات الوجع من صدره وبعدها صمت، ملست فوق خصلاته بكف وبالأخرى كان تمسح دموعها المنهمرة حتى نام أخيرًا وكفّ عن الأنين المتوجع .
استيقظ ليجدها مثله غارقة في النوم برأس تتدلى على حافة ظهر الأريكة، انتفض معتدلًا يشعر تجاهها بالذنب ويحاوطها بنظرات الندم الحارقة، يلوم نفسه بزفرة كآبة (ليه كده يا حمزة)
(سكن جومي) همسها برفق ولين وهو يحمل رأسها المتدلي فوق كفه بحنو بالغ، فرقت بين جفنيها مبتسمة، قبّلت باطن كفه الموضوع قرب خدها وهمست (صباح الفل يا حموزتي)
اعتذر لها بأسف حقيقي أفرطت نظراته فيه (معلش نمت ومصحتش غير دلوك آسف، ليه مصحتنيش؟)
تثاءبت قائلة (أنا نمت برضو ومحستش يا حمزة فعادي)
دلك لها موضع وضع رأسه على ساقها معتذرًا بلوم حاد لذاته (آسف والله)
سحبت وسادة صغيرة وضربته بها ضاحكة في امتعاض من أسفه الكثير (ما خلاص دوشتني)
سألته وهي تتمطأ (الساعة كم أصلًا)
رفع ساعة معصمه لعينيه قائلًا (خمسة)
زمت شفتيها بحنق قبل أن تعاتبه (وصحتني ليه عايزة أنام )
هتف بجدية وهو ينهض واقفًا (جومي نرجع البيت)
ألقت بجسدها فوق الأريكة قائلة بكسل (لاه خلينا للصبح عايزة أنام)
أشار لها (جومي طيب)
سألته وهي ترفع جسدها بتأفف وإنزعاج (ليه يا حمزة)
سحبها من ذراعها لتقف ثم فتح بطن الأريكة وأخرج من جوفها غطاء ووسادة، ثم فردها ووضع الوسادة وأشار لها (تعالي يلا)
صفقت بحماس (حلو كده)
خلعت حجابها والمعطف الذي كانت ترتديه ووضعتهم على المكتب ثم قفزت وجاورته مشاكسة (مين بجا الي جايب دول)
أجابها وهو يغطي عينيه بذراعه (أنا)
وضعت رأسها على كتفه وسألته(كنت بتبيت حد معاك ولا إيه اعترف)
ابتسم قائلًا (أنتِ أول واحدة تنول الشرف ده)
مالت ولثمت جانب عنقه بقبلات رقيقة ناعمه جعلته يهمس متأثرًا (نامي يا سكن مش ناجص أمي)دفنت وجهه بين عنقه وكتفه وهمست (تصبح على خير)
بعدها غرقت في النوم سريعًا ليهمس وهو يميل مقبلًا شفتيها(وأنتِ بخير يا حبيبي)همست بنعاس (حسيت على فكرة وسمعتك)
ابتسم ورفع الغطاء مدثرًا لها جسدها جيدًا قبل أن يغرق معها في النوم.
***********
في الصباح أوصلها البيت وجلس مع مودة ووالدته قليلًا قبل أن يراسل زين ويخبره بموافقته على الزيارة، على الفور كان زين يهاتف مودة ويخبرها بقرار حمزة النهائي وموافقته لكن سكن أخبرته برفضها القاطع وطلبت منه عدم الحديث مجددًا في هذا الأمر، وإفهام عمها الذي بالتأكيد سيلتمس لها العذر ويتفهم سبب رفضها.
هاتف زين حمزة وأخبره بقرار سكن النهائي الحاسم فاقتراح عليه أن يقابلهم في أرض محايدة دون علم سكن، صدفة كاذبة ينال بها كافة الأطراف غرضهم. استحسن زين الأمر ووافق
سأله زين (غيرت رأيك ليه؟)
أجابه بحسرة مازالت مرارتها عالقة في جوفه تسمم وجدانه (سكن متستاهلش تعيش حسرة زي دي ولا ندم كفاية الدنيا حرمتها من أبوها، خليها تشوفه وأنا عارف إنه مش هيحاول تاني يجابلها)
ابتسم زين بتقدير لقوله وإعجابًا بصراحته وحبه لزوجته ثم سأله (تحب تكون موجود؟)
برفض قاطع هتف (لاااه بس مش هوصيك عليهم)
أخبره زين بجدية ومسؤولية (متقلقش مش هترجعلك ناقصة أيد ولا رجل)
ختم زين كلماته بضحكة هازئة ملطفة، فقال حمزة يسايره في مزاحة (والله وجتها لو ضفر واحد منها بيك وبعيلتك)
سخر زين وهو يضحك (عارف أنكم قتالين قتله والله من غير ما تحلف)
طلب حمزة متغاضيًا عن القول دافعًا الظن السيء متفهمًا يعرف نوايا زين الحقيقية دون سؤال أو لوم (خلّص وتعالى عازمك في المطعم)
وصاه زين بضحكة عابثة (مش هوصيك بقا خروف مشوي على كم جوز حمام)
ضحك حمزة قائلًا (خلّص بس وتعالى وأطلب الي عايزه)
(بس مش هدفع) هتف بها زين ليخبره حمزة بتهكم (عارف الحكومة بخلاء اطمن)
هتف زين ضاحكًا (وأنتم أهل كرم)
أنهى حمزة الاتصال وانشغل بالعمل ليصرف تفكيره عن تلك المقابلة والتفكير فيها وصرف ذهنه عن التخمين والتوقع والتخيل الذي يشتته ويلقي به في آتون الحزن.
***********"""
جذبت انتباهه بقولها وضحكتها الرائقة (مشغول فأية يا شيخ سليم)
فرد ذراعه يدعوها بمحبة لأحضانه، اقتربت فضمها مُقبلًا رأسها بتقدير قبل أن يُجيبها بإبتسامته التي حلّت على وجهه بالسعادة (ولا حاجه يا جلب الشيخ سليم)
نظر لوجهها الضاحك يداعب ذقنها بأنامله وقوله اللين (أخت الشيخ محلوة ليه بزيادة الأيام دي؟)
ألصقت حاجبيها ببعضهما متسائلة بدهشة (بجد؟  )
أكّد قوله بابتسامة ومرح (أيوة بجد)
قلّبت نظراتها مفكرة قبل أن تبتسم وتخبره (يمكن من التفاح الأحمر الي مغرجنا بيه الشيخ سليم الأيام دي)
اهتزت نظراته بتوتر ملحوظ من كلمات أخته، التي التقطت توتره وسألته (إيه حكايتك يا جناب الشيخ)
تركها متجهًا لمكتبته يتهرب من إجابة سؤالها ببعثرة الأوراق والبحث بين الكتب (مفيش يعني عادي)
اقتربت ومالت تهمس في مزاح امتزج بمرحها (اكتشفنا الجاذبية وخلاص إيه لزمته؟)
رفع نظراته من على الكتاب وقال بجدية كاذبة (بأكد عليها عندك مانع؟)
اقتربت مستندة بكفيها على كتفه تسأله (بدلت الحلقة ليه مع زميلك؟  حتى عاليا سألت ليه؟)
رفع نظراته يستفسر بلهفة (بجد؟)
عدّلت له الكتاب ساخرة (بجيت بتقرأ بالمجلوب يا شيخ؟)
رمى الكتاب فوق المكتب وسألها بغيظ من تهربها ومراوغتها (جوليلي الأول جالت إيه؟)
ابتعدت عنه تدور أمام نظراته المتلهفة وشوقه المترقب لأي بادرة (عادي) استدارت وسألته (جولي الأول بدلتها ليه؟) شرد مبتسمًا يخبرها بتنهيدة (أخاف أبصلها بصة وهي مش حلالي ربنا يعاقبني بحرماني منها ودعوتي بيها متستجبش)
تنهدت أبرار وهي تضع راحتها على قلبها هامسةً (يا عيني يا شيخ سليم)
جلس خلف مكتبة يخبرها بلا مبالاة (وفري معلوماتك مش عايز أعرف جالت إيه)
أخرجت له لسانها قائلة بضحكة رائقة ومشاكسة (ولا أنا هجولك)
خرجت من الحجرة على نداء والدتها بينما انشغل هو بكتبه (كلما ذكرتُك تجدد لكِ وعدي بالحب وتجدد لكِ عهدي بألا يكون قلبي لسواكِ)
بسم الله على قلبك يا عالية المقام حتى يأتيني،بسم الله على روحك حتى أضمها بين ضلوعي، بسم الله على كُلك حتى تكوني لي. 
#انتهى

ملاذ قلبي سكن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن