♕الواحد والخمسون♕

11.3K 242 65
                                    

المُكثِرُ من الصّـلاةِ على النَّبيِّ ﷺ
يُغـاثُ قلبـهُ من بعدِ قحطِـهِ وجفَافِـه 🦋"

| قال ﷻ : "إنَّ الله وملائكته يُصلّون على النَّبِيِّ يا أيها الذين آمَنُوا صَلُّوا عليـهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمـا" | ﷺالواحد والخمسون
همس عاليا مستشعرة التوتر السائد منذ ما حدث لسكن ووقوعها أرضًا فجأة دون سابق إنذار «بت يا مودة»
خرجت مودة من شرودها، منتزعة وعيها من بين مخالب الشرود وتوهة الأفكار وحيرتها مُجيبةً«إيه؟»
صارحتها عاليا بقلقها وخوفها الصارخ بوجدانها منذ ما حدث «خايفة يكون سكينة رجعت تتعب»
زفرت مودة تشاركها نفس المخاوف «أنا بجا مش خايفة أنا مرعوبة، أصلًا لو تعبت مين هيعالجها؟»
فكرت عاليا قليلًا ثم سألتها بتذكير «هو مش عمك جلكم تعملوا إيه؟»
ضربت مودة جبهتها متذكرة، منشرحة الصدر في أمل «أيوة صُح أداها ورجة تديها لمرت خالي عشان لو تعبت»
ابتهجت عاليا شاعرة بالفرج والأمل، لكن مودة قالت بقلق«يارب بس تكون أدتها لورد مضيعتهاش ولا خافت»
سألتها عاليا بإهتمام «رديتي على زين؟»
توردت مودة بخجل وهي تشيح مرتبكة «لاه» رن جرس الباب فنهضت مودة، وضعت فوق رأسها وشاحًا خفيفًا بعشوائية فتحت الباب لتجده أمامها بهيبته وطلته المُربكه الخاطفة للأنفاس، شملها بنظرة سريعة وابتسامة هربت ما إن وقعت نظراته على خصلاتها البنية هاربة من حجابها الخفيف،
(زين) كانت إجابة سؤالها تقييده لمرفقها وهزها بعنف «ما كنتي طلعتي بشعرك أحسن إيه لزمتها الطرحة»
تأوهت بألم وهي تحاول تخليص ذراعها من قبضته، وهي تنهره بإستياء فظ «زين سيب دراعي أنت جاي ليه؟»
جاء سؤال عاليا ليخلصها من براثنه«مين يا مودة» ترك ذراعها فأجابت وهي تُدلكه موضحةً «زين يا عاليا»
سحبت وشاحها الذي سقط شاعرة بالندم والضيق «مخدتش بالي لبسته عالسريع»
هتف من بين أسنانه بغضب مكتوم «ميخصكيش لوحدك دا عشان حد يشوفه»
بمكر تهكمت  في غيظ من قوله « لسه مجررتش يخص حد معايا ولا لاه» ابتسم قائلًا بسخرية«برافو»
عقدت ذراعيها أما صدرها قائلة بلا مبالاة  «شكرًا»
سألها بنفاذ صبر وهو يتأملها بإشتياق ونظرات تغازلها «فكرتي»
أشاحت بخجل من مرمى نظراته قائلة «وأنت سايبلي وجت ولا فرصة»
حذرها بغضب مكتوم «مودة اظبطي وجاوبلي» قالت وهي تهز كتفها بكبرياء «لما أرجع جنا وأفوج»
حملق فيها بذهول مستنكرًا قولها«ودا كلام مين»
عض باطن شفتيه بغضب قبل أن يميل بهدوء ما قبل العاصفة «هو كلام عيال»
ضيقت عينيها على ملامحه بصمت فزعق مناديًا «يا أم حمزة»
اقتربت في فزع وارتجاف وهي تتطلع حولها بإرتباك، كممت فمه بعفوية وهي تدير رأسها خلفها، لكنها تصلبت مكانها حينما شعرت برفرفات شفتيه وارتفاع وتيرة أنفاسه، عادت ببصرها إليه في مواجهة ليست متكافئة، أمسك بكفها وسحبه من على فمه ينثر قبلاته فوقه دون أن يفك قيد نظراتها كأنه يستفزها لتلعن غباءها وتوريطها لنفسها.. سحبت كفها منتفضة في خجل شديد قبل أن يبتسم قائلًا في حزم «الرد يوصلني بالليل»
رحل من أمامها فزفرت براحة وهي تغلق الباب، لكن قبل أن تختفي تمامًا ويغادر هو، هتف من الأسفل في تهديد «أبقي افتحي بشعرك عشان أعلقك منه»
كتمت ضحكاتها ووقفت تلتقط أنفاسها وتلملم بعثرتها قبل أن تعود لعاليا المنتظرة لها.
*********
جلس حسان جوار هشام بالمقهى الصغير على أطراف البلدة، سأله حسان عن أحواله «ازيك يا ولدي كيفها أمك وأختك؟»
أجابه هشام بحزن وانقباض وهو يحرّك لفافة التبغ بين أنامله «بخير ياعم»
سأله حسان بعين خبيرة ونظرة ثاقبة وهو يتأمل ملامحه المُجهدة وإرهاقه الواضح «عملت إيه في الي جولتلك عليه؟»
أخرج هشام من جيب بنطاله قماشًا متسخًا ملفوفًا كمثلث وأعطاه له قائلًا بحسرة مؤلمة وفجيعة «لجيته يا عمي تحت سريري»
تناوله حسان منه متعوذًا مستعيًنا بالله القوي، نظر إليه قائلًا «الله يسامحها ويغفرلها مكانتش محتجاله»
سأله هشام بشرود حزين وهو ينفث الدخان من فمه وأنفه والضياع يحتل نظراته «أعمل إيه؟  أطلجها؟  »
صمت حسان قليلًا ثم سأله «هي رجعت؟)
أخبره هشام بإشمئزاز ونفور احتل كيانه ما إن علم وأدرك أنها سبب ما يحدث له من نكبات «لاه عيزاني أبيع الأرض وأخدلها الشجة أو أسافر بيها وأسيب أمي وأختي»
نفخ يسأله بإستغاثة وحيرة تجلده وتعمي بصيرته «أعمل إيه يا عم دبرني؟»
تنفس حسان وباله منشغل بسكن، منذ أن رأي الكابوس وهو قلق للغاية يتمنى لو عرف أخبارها، عاد من شروده قائلًا برزانة «عظها يا ولدي وحذرها، و لو فضلت على حالها متأمنلهاش اخرجوا بالمعروف»
حك هشام جانب فمه مُفكرًا، وعذابه يشتد وندمه يزجره ليته ما ترك ابنة عمه واستبدلها بتلك، ليته وقف جوارها وتحمل وما فعل فعلته التي فعل، اشتد عليه العذاب ولم يشعر بنفسه إلا وهو يضرب الطاولة القديمة بقبضته فالتفت إليه الحضور مندهشين نظراتهم تمتلىء بالتساؤل، زفر وعاد لهدوئه من جديد لكن هيهات فبداخله بركان لا يهدأ.
هتف هشام في لوعة يشارك عمه وجعه وخيبته «ياريت يا عم ما كان الي كان»
ابتسم حسان بخشونة متذكرًا خيبته ولوعته التي تمزق أحشائه والنيران التي لا تخمد بصدره، رأى فيه نفسه القديمة وبَصَر نفس المصير على ملامح هشام ولمح نفس العذاب بعينيه فهمس «ميزان الرضا بكفوفه العدل  يا ولدي»
تلوى هشام متأوهًا وهو يغلق نظراته بأسى على صورة لأخرى بين ذراعي زوجها يتنعم بها، أمس شاهد بعض المقاطع القصيرة لزفاف حمزة ورأى سعادته فإزداد ألمه، وكأنما قرأ حسان ما في نفسه بعين بصيرته فقال في كآبة ناصحًا «النصيب غلاب يا ولدي وسيف العدل بتار،الجمر ميديش نوره غير للي يتحمل ضلمته »
فهم هشام مقصد عمه فإزداد ألمًا وتوجعًا مما جعل حسان يشفق عليه ويحزن لأجله فابن أخيه ليس بقوته ليتخطى، نهض حسان قائلًا«جوم نفك العمل دِه وأجرالك شوية وبالمرة أطمن على أختك وأمك»
أومأ هشام بصمت فهو يحتاج لجلسة هادئة مليئة بالذكر والخشوع وتلاوة القرآن.
جلس حسان بالمنزل بعدما انتهى من عمله تحت نظرات ابنة أخيه المرتعشة بخوف ووالدتها الصامتة بوقار حزين.
هتفت والدته متخلية عن صمتها تؤنبه «كان مالها بت عمك؟  حسرة جلبي عليك وعلى حظك»
بينما قالت أخته في غيرة حميدة وغبطة «حمزة عملها فرح ماشاء الله يبهج الجلب»
ابتسم حسان بفرحة غامرة وهو يسألها بلهفة «صُح يا بتي؟»
أجابته الفتاة بحماس «أيوة اللهم بارك يا عم والله»
ابتهج حسان وانشرح صدره بسعادة بينما صمت هشام واضعًا ذراعه فوق عينيه يخفي عنهم وجعه، مستمتعًا بجلد من حوله له فهو يستحق هذا العذاب وتلك النيران.
دعت والدته بطيبة «ربنا يهنيها سكينة جلبها أبيض وست البنات»
ابتسم حسان بتقدير لكلمات زوجة أخيه، شاعرًا بالفخر والفرح، من يعرف ابنته أكثر منه؟  جميلة بقلب رائع وروح تشبه الورد.
جلس حسان جوار رأس هشام بادئًا في علاجه وقراءة القرآن والأدعية على رأسه.
       ***********
بمنزل سما هتفت لها خالتها الجالسة فوق الأريكة  بإنتصار وظفر وهي تفرك أصابع قدمها «العمل المرة دي ميخرش المية مش هتشوف عَدَل واصل صاحبتك»
استمعت لها سما بإنصات قبل أن تقفز في فرحة وهي تسألها «صُح»
ابتسمت خالتها بقبح وبشاعة قبل أن تمصمص أسنانها مؤكدة وهي تهرش رأسها «جولتلك جيبي أترها وشوفي واهو جبتيه» ثم سألتها بنظرة غامضة غير مريحة «بس جبتيها منين طرحتها ؟  مش جولتي مش معاكي»
قالت في آسف وحقد عظيم انبثق من نظراتها وكلماتها «لجيتها مع سبع البرمة جوزي داسه وسط خلجه، لما شوفتها عرفته»
سألتها خالتها وهي تبلل إبهامها وتفرك باطن قدمها في أمر مقرف «جوزك جابه منين؟»
قالت بغيظ وحرقة شديدة«معرفش جابه من أي داهية تاخده وتاخدها المهم إني لجيته وهخرب بيه حياتها»
نهضت تدور في الصالة تخبر خالتها وهي تعض قبضتها بحسد مرّ«عملها فرح البنته بتتحاكى بيه في البلد، كل الناس ملهاش سيرة غير بت صالح الي جوزها عملها فرح تاني»
ضحكت خالتها بسماجة قبل أن تمنيها بشر «جبيلي أتره وأجوزهولك»
التمعت عينا سما وقالت بأمل وحلم يداعب مخيلتها «واه دا يبجى باب الهنا والسعادة اتفتح»
ضحكت خالتها ساخرة منها «جولتي كدا يوم هشام واهو مطيجاهوش»
لوّحت سما بمقت ونفور واضح على ملامحها «هو هشام دِه راجل، هو لو بيفهم كان ساب سكينة لحمزة»
همست متنهدة بابتسامة إعجابًا «واه من حمزة دِه راجل ولا الأحلام» أردفت بحقد شديد «طول عمرها سكينة حظها في السما ربنا يحرج قلبها ومتشوفش راحة ولا هنا»
ابتسمت خالتها بشرود غير مهتمة بنزاعات ابنة أختها ولا ما تعانيه هي تفعل لها ما تريده وكفى.
**********
       ♕بالقاهرة ♕
سألته مغمضة العينين في استرخاء داخل أحضانه  «خوفت؟»
تنهد هامسًا بوجع ينبض داخله ولا يتركه يهنأ«موت وحييت يا سكن»
رفعت رأسها وهمست بدموع مترقرقة تعتذر له بنظراتها عن إرعابه«سلامتك يا حمزة»
طلبت في تعب وإرهاق والنوم يتسلل لأجفانها «شيلني يلا على أوضتنا»
حملها بصمت ودخل بها الحجرة، وضعها فوق الفراش بقدسية وعناية ثم دثرها واندس جوارها جالسًا، عاتبته «مبتبصليش ليه؟»
لو التقى بنظراتها الآن لا يعرف أي جزء منه سينهار، ولا كيف يستجمع شتاته من جديد، ستسقط كل مقاومته مهزومة برصاصات الألم والرعب الذي عاشه منذ لحظات حينما شعر أنه سيفقدها وأنه على أعتاب ضياع من نوع آخر قد يُميته وهو على قيد الحياة.
طأطأ رأسه يغمض عينيه بقوة في وجع لا يتراجع بل يمتد ويسحقه، أخذت رأسه بين ذراعيها ووضعتها على صدرها تضمه كأم رؤوم، تحتويه في صمت وتفهّم، تعرف مقدار حاجته للمساتها وأحضانها، يريد أثباتًا ملموسًا أنها هنا بخير وجواره.
طمأنته بهمسها الحنون«أنا بخير يا حمزة»
لمّا طال صمته وفقدت هي بوصلة مشاعره وغاب عنها الطريق إليه همست بعتاب لطيف «بتفوّل عليا يا دكتور البهايم ولا عايز تنكد عليا علشان أصالحك أنا» أعتدل محاوطًا خصرها بذراعه في تملّك كأنه يخشى أن تتركه،يدفن وجهه في تجويف عنها  يريد الامتزاج بها ومعاها، ربتت على خصلاته بعطف قبل أن تهمس لتشتت أفكاره وتأخذه من دوامة الضياع  «حمزة أنا نفسي فبطاطا مشوية جوم اعملي» أجابها كطفل عنيد مشاكس «مش عايز» تأففت في ضيق كاذب «أتعب وأحايل كمان؟، أنت تروح لأمك»
رن الهاتف فسحبته واعتدلت؛لتجيب فنهض هو مبتعدًا يترك لها مساحة للحديث، غادر الحجرة وأجابت هي على عاليا ومودة اللتان لم يتوقف بكائهما للحظة حتى بعد أن اطمئنتا عليها «أنا كويسة»
«مموتش يا زفتة منك ليها» هددتهما بما حوّل بكائهما لضحكات «الي هتجول كلمة على حمزة هاجيلها يا رأس الكلب منك ليها» اطمئنتا عليها فأنهت الاتصال ونهضت تبحث عنه وجدته بالمطبخ ممسكًا بالهاتف ينقر فوقه، سألته بدهشة «بتكلم مين؟»
أجابها باختصار وهو يواصل ما يفعله «بطلبلك البطاطا»
استنكرت بمرح «ما نعملها سوى يا كسلان»
قال وهو يجذبها لصدره ويحاوط خصرها بذراعه «لاه متجوميش ولا تعملي حاجة»
اقترحت بشقاوة وهي تسحب من بين أنامله الهاتف وتضعه جانبًا «حموزتي عايزه أرجص»
قربها لصدره وربت فوق ضهرها بحنو «أنتِ مجنونة مينفعش»
تأففت هامسةً وهي تلثم ثغره بقبلات رقيقة «أنا كويسة والله لو سمحت مش عايزة أشوفك كدِه»
همس حائرًا وهو يبعد خصلاتها عن وجهها ويعيدهم خلف ظهرها «أعمل إيه طيب غصب عني»
زفرت بغيظ منه مهددةً له «والله هخاصمك يا حموزتي ولو مفكتش»
تنفس بقوة قبل أن يبتسم ويهمس «طيب خلاص بس لو حسيتي بحاجة جوليلي»
هزت رأسها بالموافقة قبل أن تهمس «جبتلي دكتور ليه؟»
صارحها والشعور يعود إليه من جديد «مجدرتش كل حاجه اتمسحت من دماغي»
ضحكت مشاكسة لها «متعودتش حد غيرك يعملي حاجة يا دكتور البهايم»
اعتذر منها «معلش» سألها يخرج بها من مضيق الحزن «أمك النهاردة طلعت كل المستخبي، أفهم كنتِ بتحلمي بيا وتناديني ليه»
أشارت له في تعب «جعدني على الطربيزة دي يا حمزة»
حملها ووضعها أمامه فوق الطاولة فطوقت عنقه وهمست وهي تغرس أناملها في منابت شعره مداعبة «معرفش أمك وأمي ومودة كلهم قالوا نفس الكلام»
اعترف وهو يلثم ثغرها برقة (بس أنا عارف، لما تعبتي وعمتي بعتتلي ناديتي اسمي وربكتيني مبجتش عارف أعمل ايه؟  أصحيكي أسألك ولا أسيبك وأجعد جنبك اسمعه تاني ولا أخدك فحضني واخبيكي»
ابتسمت لإعترافه الذي ترك أثر طيبًا في نفسها اقتربت منه في تلثم شفتيه وخديه، جبهته وأنفه وحينما وصلت لعيناه ذابت مقاومته كالشمع، سلمته القيادة بعدما هزمته وتيقنت أنه سيكمل بروح جديدة نابعة من إحساس بالفقد هاجمه ولم تنس أن تهمس له أنها هنا جواره وستظل وليس عليه أن يخاف أو يبتئس. 
بعد مرور وقت،نظر للبطاطا التي طلبتها بيأس، تناولت منها القليل وبعدها نامت بين ذراعيه بعدما تألمت من معدتها، مرر أنامله فوق وجهها بمتعة خاصة مُحبًا هو لتأملها، ابتسم لغمغمتها الكثيرة بإسمه نائمة كانت أو مستيقظة لا يشغل عقلها سواه ولا يعرف لسانها غير ترديد اسمه، أحبته كما لم يحبه أحد من قبل بطريقة تُدهشة حقًا، تعامله أحيانًا كأمه وأحيانًا كصديقة ومرات حبيبة مثالية لا يهمها سوى حبيبها.
تدفقت الحياة في أرضه من جديد بظهورها في حياته، منحته تلك الصغيرة النائمة بهدوء ما يحتاجه دون طلب أو توضيح تمنح لإرضائه ولا تنتظر مقابلًا بل تفعل أي شيء وكل شيء لأجل ابتسامة منه، لا يهمها سواه تجهل فنون الحب لكن تتقن العطاء وتفني نفسها لتُرضيه، تمتلك قدرًا كبيرًا من العشق الذي يحركها ويدفعها فتذوب معه وتنصهر دون قلق أو خجل... تسأله ماذا يتمنى وماذا يريد؟  فيُملي عليها كشهريار وتطيع هي بطيب نفس. تبذل ما في وسعها لإرضائه فقط ليبتسم براحه وينسى، همست له أمس أنها تريد أن تمنحه الكثير من الذكريات والأوقات السعيدة التي تجعله يضحك دائمًا ويبتسم لا تريد عابسًا، همست أنه تحب ثرثرته وحديثه الفوضوي المبعثر لأنها تستنشق منه رائحة سعادة روحه ورغبته في إرضائها، وأنها تعلم أنه لا يفعل ذلك إلا حين يصل لنشوة السعادة ولأجلها فقط، تعشق نسخته الجديدة كما تعشق قديمه الذي جمعهما، تريد له أيامًا جميلة ينسى بها أيامه القبيحة التي عبست له، تريد للدنيا أن تتذلل وتضحك في وجهه مبتسمة وتحب أن تكون هي سببًا في ذلك، تهمس بالكثير بين ذراعيه
الذي يحفظه بين جنباته ويحنط أثره  داخله ليبقى ولا يزول.
وتكرر دائمًا أنها تحب عيناه ولا تشبع من رؤيتهما، لا يعنيها اللون بل يعنيها السحر الذي يمنحها القوة والحياة، والدفء الذي يتدفق لكيانها كله ويغمرها في لحظة التفاته منه لا يُلقي لها بالًا، أنه يمنحها بنظراته ولادة جديدة وعمرًا جديدًا وسكن أخرى تتففتح كزهرة نادرة بين ذراعيه.
وهمس له هو في لحظة عشق توحدت فيها الأرواح أنها ابنة رحم قلبه مزقته وخرجت لتكون جزء وقطعة منه  .
              ♕في الصباح ♕
استيقظت بعد قليل  لتجده جوارها يأخذ من أنفاسها المترددة بانتظام الحياة، يسكب مشاعره وعنفوانها كله في نظرة طويلة لها، فرقت بين جفنيها مبتسمةً تسأله بحشرجة نعاس لم تفارق حنجرتها «صباحو يا حمزاوي»
كدث كل مشاعره اللحظة في النظرة التي يتوقها بها، مال واستقبل استيقاظها كحلوى العيد، يسكب رقته وحنانه في قبلاته المفعمة بالشوق فوق ثغرها صاحب الدعوة الدائمة والأحضان الناعمة الدافئة التي تجذبه وتغويه «وحشتيني»
كان صادقًا لأقصحى حد واقعيًا لأبعد مدى وقبلاته تتناثر بإشتهاء عرفته معه منذ توحدا، المؤدب لم يكن كذلك كما ظنت بل  ماكر أحيانًا وشقي كطفل مشاغب ومراهق يجرب المشاعر لأول مرة، حكيم يعرف ما يفعله وضائع ينتظر عطاياها ويتلقفها بلهفة وواثقًا يعرف تأثيره عليها وخجولًا أحيانًا ينتظر مبادرتها لكنه في النهاية يغرق فيها وتغرق فيه ولا تريد النجاة، رقيق هو لأبعد حد، أحاطت رأسه ووضعتها فوق قلبها وهي تهمس «هتطلعني النهاردة؟»
قال بنشاط وحيوية لا يفقدها معها بل تتجدد «حاضر» تنهد بإستسلام لرغبتها وإن كانت رغبته هو أن يبقيها بين ذراعيه يتنعم بها ويشبع من دفء أحضانها لا يريد وقتًا ضائعًا يحرمه منها.
تذكرت حلمها المزعج فعبست بقشعريرة خوف أحسها فرفع رأسه وسألها بنظرات قلقه «فيكِ إيه؟»
طلبت في استجداء ومشاعر الخوف تختزن في نظراتها وخوفها يسحق جمال اللحظة ويشوهه «خدني فحضنك»
سحبها كأنما يدمغها بصدرها، لو أخبرها أنه يريد ابتلاعها وإبقائها داخله في أمان لعنتته بالجنون، لكنها هي إبنة قلبة من رحمه يريدها جواره في أمان، يخشى عليها من الدنيا ويخاف فقدانها، أن يتعلق بها حد الهوس وتتسرب هي داخله ببطء تمتزج بدمائه وتجري في شرايينه تتوحد مع روحه
بعدما لاذت بحصنها الآمن، وشعرت بأنها بمعزل عن الآسى تحتمي به فتنظر لأوجاعها ومخاوفها من علو وبتعالي من فوق صرح قلبه ومن خلف أسوار حمايته لها، هو قعلتها المحصنة التي لاتنجس أرضها أقدام الخوف والجزع ولن يقتحمها عدو يتربص بها «حلمت حلم مش حلو، بحبك ياحمزة» بعثرته بكلماتها غير المتناسقة الغريبة فقال بفورة مشاعر «وأنا بحبك»
نطقتها أخيرًا حررتها وهي في قلعتها المحصنة «خايفة»
«أنا جنبك» بضعة حروف منحتها الأمان واستنشقته فهدأت، هو جوار وهذا يكفي، هي بين ذراعيه وهذا رائع.
ابتعدت عنه بحيوية، قفزت بشقاوة ونشاط، تخشى عليه من الحزن والخوف وتمزيق الهواجس، أمس رأت دماء روحه بين أنياب الخوف رأت بقايا لحمه بين مخالبه ففزعت وتلوت، هي لا تحبه، هي تعشقه هو نبتة ألقتها يد الصُدف فكبرت داخلها وترعرت ومدت جذورها من يقتلعها عليه أن يقتلع روحها أولًا، منذ أن اعترف لها بخباياه وتعرى أمامها وهي تشعر بالمسئولية تجاهه وبحرص شديد على إسعاده وتعويضه عما فات، تجاهد لتنزع قدميه من فوق أرضية المشفى البارد الذي أخبرها أنه مازال هناك يقف فيها عاجزًا تحارب وستنتصر، ستنتزعه من الماضي وشوائبه ستعيد إليه ضحكته وإنطلاقه هذا وعد قطعته لنفسها.
«يلا نجهز الفطار يا حموزتي»
لفت ذراعه حول كتفيها كأنها تستنده واتكأ عليها هو بقلبه وسار معها للمطبخ، أكلت رأسه بثرثراته، وعذبته بقبلاتها التي لا تنتهي، تطير حوله كفراشة وتضحك وتدعوه للسعادة والفرح فيفعل وكيف لا يفعل وهو معها.
كانت أمه مُحقة وصادقة حين اختارتها وأصرّت، روحها كانت هي الترياق الذي بحث عنه آلام روحه، السر فيها هي، قلبها يخرج نباتات نادرة تقطفها وتعصرها له ثم تمنحها له وحده، هي علاج كل شيء وأي شيء.
تناولا الفطور واطمئن لشهيتها المفتوحة وقوتها، نهمها عاد وأكلت اليوم من بين أنامله شاكسته عضت أنامله مرارًا لكنه سعيد، عاد سريعًا للمرح للعب معها ومشاكستها، طلب حقه فيها بطريقته الخاصة فتمنعت وتدللت عليه، حتى اقترب منها وهمس «بحبك يا سكني» ذاب كل شيء وتبخر العناد والدلال بل طوعتهما لإرضائه، ليس أحب عندها من دعوته وإرضائه.
***********
في بداية المساء هاتفتها ورد لتطمئن، قلبها ينبئها بشيء خاطيء ويرتجف بإنقباض غريب لذلك تهتافهما كثيرًا لتطمئن
أجابت فورًا وهي تبتعد عنه بينما نظراته تلاحقها وتتودد إليها «أيوة يا حبيبتي لا أنا بخير، لا متعبتش، بقرأ ومحافظة ع الأذكار وكله»
التفتت لزوجها والتقت بنظراته ثم همست كأنها تفعل ما تؤمر به «فعنيا حمزة حاضر»
أنهت الاتصال ففتح ذراعيه ودعاها للسكن و ملاذها الآمن «تعالي»
مالت بجسدها قليلًا في دلال وهي تربط نظراتها بنظراته في تفكير كاذب قبل أن تهمس بضحكة «لاه مش عايزة»
أعاد ذراعيه جواره في خيبة، ومازالت نظراته عندها ليقرأ فعلها التالي لن ترفض إلا لمكرًا تمكره، فك سحرها ودمر تعويذاتها وبادلها المكر بآخر، رفع هاتفه ينقر فوقه بإنشغال وتجاهُل  ، فانسحبت للحجرة، مكثت فيها قليلًا ثم خرجت متهادية، صوت خلخالها وهي تضرب الأرض بقدميها وصله فانتبه في ترقب تاركًا الهاتف جواره، كلما ضربت بأقدامها الأرض عزف قلبه ورقصت دقاته في انتظار شغوف ولهفة قاتلة..
حتى وصلت إليه، طبيعية كما يحب دون مستحضرات تجميل ترتدي بدلة رقص رأها يومًا بها.
منحها نظرة متروية بطيئة ضمتها وغازلتها، يتأمل كل ما فيها بأعين متوسعة كأنه يبتلعها، يزدرد ريقه عدة مرات بوضوح جلب الابتسامة لثغرها..
اقتربت منه بغنج وقفت أمامه هامسةً «ليا عندك رجصة وليك عندي رجصة مستعد؟»
تنفس بعمق قبل أن يهز رأسه بالموافقة فسحبته ليقف أمامها وحاوطت عنقه بدلال «مستعد؟»
هرش مؤخرة رأسه وهو يُضيق عينيه على وجهها في صمت وتفكير شتتها، قبل أن يضم خصرها بكفيه «مستعد طبعًا؟ متى مكنتش مستعد لطلباتك يا سكني؟»
ضحكت متذكرة يوم أحضر لها ما تمنت من أطعمة، ليوفي بوعده لها فهمست ونظراتها تتألق وتلمع «صح يا حمزة»
أشارت بهزة رأس «إيه رأيك في البدلة؟»
شاكسها «مشوفتيش رأيي فعنيا»
عضت شفتيها بخجل قبل أن تهمس «شوفته، بس أنت عارف دي بتاعة مين؟»
هز رأسه بالرفض فهمست بحرج وهي تضمه واضعة خدها على خده «دي كانت المفضلة لخالي، تخيل كانت سبب إنك تجيلي للدنيا»
ارتجت نبضاته وثارت أنفاسه الدافئة فوق بشرة عنقها، فتابعت الهمس«جيت بيها ولبستهالك أنا»
ضحك وهو يضمها لصدره بقوة،قال بمغزى وحده من يفهمه «آه من أمي»
ابتعدت عنه متمايلة في دلال، سحبت الهاتف من جواره لتبدأ ليلتهما وملحمة أخرى من ملاحم العشق، فليس كل ما يُكتب في دفاتر العشاق للذكرى فقط، بل هناك ليالٍ تستحق أن تخلّد ويبقى أثرها
******
بعد العشاء جاء الجد وراضية لزيارتهما بصحبة هيما الذي تركهما وغادر على وعد بالعودة حين يقرران المغادرة.
انكمشت بأحضانه كقطة أليفة لا تترك جواره ولا تريد، تتحدث وتثرثر، تضحك وتعترض وتشاكس وهي بمكانها محاطة بذراعه وجوار قلبه، انشغل الجميع بالحديث فحرّك رأسه ونظر إليها مُعترفًا بهمس وحدها من سمعته «بحبك يا بت عمتي»
أهدته نظرة متألقة وهمست «كلمة زيادة وهبوسك جدامهم والله»
ضحك بمرح وهو يبعد نظراته قائلًا «اعمليها وهعلجك يا سكن»
همست لتُعيده إليها راضخًا «وحشتني»
عاد يهمس بلوم «هو أنتِ سبتي حضني؟»
همست مرة أخرى «واخدينك مني وأنا عيزاك ليا لوحدي مشيهم يلا»
ضم رأسها بذراعه وقربها لصدره معاتبا «بطلي جنان يا سكن  هيمشوا ومش هيبجا فوشك غيري أنا وورد»
همست كأنما أوشكت على تقبيله مما جعله يتراجع في حذر «جماله هو في أحلى من كِده»
«هتجننيني والله» قالها وهو يتركها وينهض ليجاور عمته، زمت شفتيها بحنق فلاحظت راضية وابتسمت «جومت من جنبها ليه؟»
همس حمزة لعمته «عايز أشبع منك وهي مش سيباني» قبّل كفها فربتت على رأسه داعية «ربنا يجبر بخاطرك يا ولدي ويهنيك»
طالعتها راضية بنظرة خبيرة قبل أن تميل وتهمس «هتجوم تتجنن علينا أنا عرفاها»
ضحك بصوت عالي عن قصد ليغيظها وهو يهمس «سيبك منها أنتِ جيباها منين دي؟»
قالت ضاحكة «نايبك بجى يا حمزة هنعملوا إيه وهو حد كان يتحملها غيرك»
قال بنبرة عتاب لعمته وقلبه لا يطاوعه على الاستمرار في الحديث بهذا الشكل عنها حتى لو مزحًا «من حظي والله، وأنا كنت هلاجي زيها فين ست البنات كلها»
ختم كلماته بفتح ذراعه الأيسر ومناداتها «تعالي يا سكني»
ركضت تجاهه ضاحكة بعدما ذاب غضبها وتبخر ونسيته، ارتمت بأحضانه فحاوط كتفيها بذراعه الأيسر وأكمل حديثه مع والدتها.
بعدما غفى جده قليلًا بتعب.
بعد قليل
هتفت راضية لا يفارق نظراتها التعجب من هذا الثنائي « مرتك نامت يا حمزة على كتفك»
ابتسم بحنو وقال وهو يضمها أكثر وقد شعر بارتخاء جسدها ودفئه «عارف يا عمتي، لو صحيتها مش هترضى تجوم»
مصمصت راضية بإندهاش متعجبة من حنانه وصبره عليها واحتوائه لها ومعاملته لها كطفلة، والله أنها لا تعرف أي دعاء دعته لها فارتفع للسماء وجاء لها بحمزة ليكون أبًا وسندًا.
وجّهها حمزة وهو يهمس برفق ورقة «سكن اتعدلي يا بابا وحطي راسك على رجلي»
فعلت ما أمرها به، وضعت رأسها على فخذه بعدما تسطحت فوق الأريكة، خلع معطفه ودثر به نصفها العلوي ثم عاد للحديث مع جده وعمته واضعًا كفه فوق رأسها بحنان طاغي وساحر،يطمئنها بلمساته .
بعد مغادرتهما أيقظها بهمسه الدافيء ورفقه«سكن جومي»
همست بسؤالها قبل أن تفتح عينيها «هما مشيو»
أجابها وهو يملّس فوق رأسها بحنان «ايوة»
فقزت كأنها لم تكن نائمة، اعتدلت تحت نظراته المندهشة فسألها «مش هتكملي نوم»
ركضت للمرحاض القريب وغسلت وجهها وهي تقول بصوت عالي ليصله «لا طبعا جولت أنام لغاية ما يمشوا واستغل الوجت عشان أسهر معاك ومنمش» ابتسم لمراعاتها له واهتمامها ببقائها ساهرة معه، لكنه أراد مشاكسها كالعادة
خطا ناحية الحجرة قائلًا ببرود وكسل «ما أنا تعبان وهنام مكسل أسهر»
رفع الدثار وغاص تحته بعدما وضع الهاتف جواره، خلعت هي عباءتها وحجابها ورشت عطرها ثم جاورته، فأغلق المصباح الكهربائي وأعطاها ظهره منبهًا «نامي يا سكن مش رايج»
تأففت بغيظ شديد قبل أن تندس ملتصقة به تهمس«بطل غلاسه وجوم»
أجاب ببرود ولا مبالاة وهو يكتم ضحكاته «لاه تعبان»
أعطته ظهرها في غصب وضيق وهي تغمغم «بجالك كتير بتتكلم ومشغول عني وأنا سيبتك»
نهضت متزمتة، تنفخ بغيظ وسأم، فتحت الخزانة وسحبت قميص نوم أسود وغادرت للمرحاض الموجود بالحجرة.
اطمئن لدخولها فسحب هو الآخر ملابسه وغادر ليأخذ حمامًا ساخنًا ويبدل ملابسه ويُعدّ المكان والطعام لسهرتهما.
خرجت بعدما استعدت مستسلمة للنوم في استسلام وإحباط، نظرت للفراش الخالي بضمة شفاه متعجبة قبل يظهر أمامها يخطف الأنفاس بوسامته ، عبقت رئتيها برائحته التي ملأت الحجرة قبل أن تسحب نظراتها وتقترب من الفِراش، أوقفها «سكن تعالي»
لوت فمها متهكمة في فظاظة مُتعمدة «هنام تعبانة ومش رايجة»
اقترب منها سحب الدثار ورماه، أحاط خصرها وجذبها لأحضانه هامسًا وهو يتأملها بقميصها الأسود الناعم الذي يظهر تناسق جسدها ورشاقة خصرها، خصلاتها الندية، همس وهو يتلمس أطراف خصلاتها «منشفتيش شعرك ليه؟»
همست مؤكدة « نشفته»
مال ولثم عنقها وكتفها هامسًا «يلا يا حلوة»
قالت بتحدي وهي تتملص من ذراعيه في عناد «يلا إيه أنا هنام»
همس وهو يلثم شفتيها برقة «تعالي نامي فحضني جدام التلفزيون»
ابتعدت عنه سحبت الدثار وعدلته ثم اندست تحته قائلة «لاه»
نظر إليها بقوة فأشاحت تكتم ضحكاتها،عاد لجلسته التي أعدها بصمت في القسم الثاني من الحجرة،تمدد فوق الأرض المفروشة وأمسك هاتفه يقلب فيه منتظرًا مجيئها لكنها تأخرت كثيرًا ولم يتبقى الكثير فالساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل،نهض ليتفقدها وجدها غارقة في النوم قبّل جبينها ودثرها جيدًا بحنان ثم عاد لمكانه مستغلًا ما حدث لصالحه، تدثر جيدًا وأسلم وعيه للنوم في غيظ منها.
قبل الفجر أستيقظت باحثة عنه،فتشت عنه بفزع حتى وجدته أمام التلفاز يفترش الأرض ويضع جواره العديد من الأطعمة والعصائر
نظرت بشفقة متألمة لفعلتها قبل أن تندس جواره مُحيطة ظهره في همس «حمزة»
تُكرر همسها وقبلاتها فوق رأسه وعنقه حتى استيقظ  ، استدار يسألها بنظرة عتاب «صحيتي ليه»
اعتذرت وهي تلثم كل إنش بوجهه «حمزاوي نمت من غير ما أحس»
تنهد متأثرًا بقبلاتها الناعمة لكنه أجاب بجفاء كاذب«عادي براحتك»
اغرورقت عيناها بالدموع في أسف وندم «خلاص»
وضع كفه خلف رأسها وسحبها لأحضانه تدفن وجهها بين عنقه وكتفه، همس وهو يربت على ظهرها «خلاص نامي»
انكمشت باحضانه تمسك بطرف تيشرته وترفعه لتمسح به دموعها وأنفها هامسةً «لاه كفاية»
سحب التيشرت من بين أناملها موبخًا «يا جزمة»
ضحكت مستمتعة بإثارة غضبه تبرر فعلتها «أنت ممسحتهمش  زي كل مرة ومفيش حاجة أمسح بيها»
هتف بإنزعاج وسخط «جومي هاتيلي غيره أبدله»
استنكرت بغيظ «ليه جرفان عادي يعني»
انتفض جالسًا منزعجًا بسخرية «لاه المفروض مجرفش»
رفضت أن تجلب له آخر فنهض مُتجهًا للخزانة وقف مفتشًا اقتربت وضمته واضعة رأسها على ظهره فزفر قائلًا «اللهم اخزيك يا شيطان»
ابتسمت بصمت،ليهمس «روحي كملي نوم»
همست بإعتراض وهي تتشبث به «لاه»
استدار يعاتبها بكلماته « أنا منمتش،فضلت مستنيكي وبعدها لما مجتيش معرفتش أنام»
قبلت موضع قلبه معتذرة «مش هكررها»
لا يهم كررتها أو لا إن كانت ستكررها ويحصل هو على ترضية تشبع رغبته لا ضرر، لثمت شفتيه بقبلاتها الرقيقة قبل يعانق
هو شفتيها في غير صبر، قبلة رقيقة ناعمة وكلما استجابت له وبادلته بشغف تعمق فيها حتى غرق متناسيًا  خصامه وعتابه لما حدث والذي تعمده لينال مكافأته وقربًا خاصًا بنكهة قبول واستجابة لذيذة لقربه منها.
*********** 
           ♕بعد الغداء ♕
سألته وهي تجاوره فوق الأرجوحة المُعلقة بحجرة نومهما «بتعمل إيه؟»
أجابها دون أن يلتفت منشغلًا بالرد «برد عالناس» دست بفمه حبة مقرمشات قائلة بملل «يلا يا حمزاوي خلّص»
تنفس بعمق وملامحه المسترخية تتشنج وتتبدل من الراحة للعبوس والضيق فتركت ما بيدها وسألته بقلق «مالك يا حمزة حصل إيه؟»
رفع نظراته من على الهاتف وأجابها بحسرة فتتت قلبها «مستغرب يا سكن حسن شاف المباركات والفيديوهات ويادوب كتب عالجروب وبعت استيكرز»
انقبضت بألم وضيق لاعنة حسن وأيامه في سخط، قبل أن تسحب الهاتف وتُلقيه فوق التخت، فقطب منزعجًا من فعلتها «سكن التليفون»
قررت أن تشغله عما يشعر به كارهة أحساسه بالحزن ولومه لصديقه، همست وهي تحاوط عنقه بدلال «أنا التليفون والشغل وصاحبك وكله، لو مسكته تاني همشي أروح لورد»
رافع حاجبه متسائلًا بجمود مصطنع «آه وعايزه إيه؟ أنا بديت أملّ وهنزل المطعم»
فغرت فمها مندهشة من تصريحه بالملل في حضرتها وبأول أسبوع زواج، فاستنكرت «نعم ملل ومني»
كرمش ملامحه مؤكدًا في كذب«أيوة عادي وعايز أروح لأمي دلوكت»
أمطرت وجهه بالقبلات وهي تهمس بدلال مغوي«أنا مملتش منك يا حمزاوي»
عانق شفتيها برغبة أججت نيرانها بلمساتها الناعمة وإصرارها وجنون قبلتها التي تحمل الشغف، زحفت قبلته لجيدها وكتفها لكنها أوقفته بابتعادها للخلف قائلة بمرح«أنت مليت خلاص»
همس وهو يلثم جيدها ويستنشقه «أنا مشبعتش عشان أملّ»
همست بعتاب ناعم «لاه أنا زعلانة»
همس وهو يغرقها في موجة عشق «أنا هصالحك يا حلوتي»
بعد مرور ساعات
استيقظ على رنين هاتفه تحرك من جوارها؛ لُيجيب «أيوة يا حبيبتي تمام هنستناكم»
أنهى الاتصال عاد لمجاورتها، ومال يوقظها هامسًا «سكني جومي»
سألته وهي تتململ بضيق وإنزعاج ورغبة في تكملة نومها «شوية يا حمزة»
همس وهو ينهض تاركًا الفِراش بعدما استيقظت «الجماعة جايين يا سكن»
فتحت ذراعيها في دعوة «هات حضن وهجوم»
تأفف في لوم ورغبة شديدة للتلبية تنازعه «كده مش هنجوم الله يهديكِ»
أنزلت ذراعيها وسحبت الدثار على وجهها قالة في عناد وإصرار «خلاص مش هجوم مع نفسك»
عاد للفراش مُرغمًا ففتحت ذراعيها واستقبلته بضحكة ناعمة، ضمته تلثم ذقنه ورقبته فقال بتنهيدة مستسلمة «كنت عارف مش هنجوم أصلًا»
همست وهي تضع سبابتها على شفتيها توضح له الطريق «هنا»
هتف بإستسلام وشغف شديد للقرب «أشهد أن لا إله إلا الله، دعوات أمي كلها اتجمعت مرة واحدة»
ضحكت بنعومة قبل يندس معها تحت الغطاء في رغبة وحاجة للوصل.
****""*******
              يوم السفر
ضمتها عاليا معاتبة بحنان «ليه جيتي؟»
صارحتها سكن بحنان مماثل واهتمام «متمشيش من غير ما أشوفك»
هتف حمزة الواقف جوارهما بأدب واهتمام «تأمريني يا عاليا بأي حاجة؟  محتاجة أي حاجة؟ والله تشريفك على رأسي نورتينا نردهالك يوم فرحك »
نظرت إليه عاليا بإمتنان شديد لمعاملته الطيبة واهتمامه وتقديره مجيئها ثم قالت « ربنا يبارك فيك يا دكتور بس هطلب متاخدش مننا سكن وتيجي تزورنا»
ضمتها سكن متأثره بدموع فهتف حمزة «إن شاء الله»
سألته عمته بإندهاش وهي تقترب منه بعدما ارتدت ملابسها في إستعداد «واه يا حمزة إيه الي في العربية دِه كله؟»
أجابها وهو يقبّل رأسها «تيجي وتنوريني وترجعي كِده والله ما يحصل؟»
قالت معاتبة في حنو  «كل دِه؟ كتير يا ولدي؟»
قال بإهتمام كأنما يوزع فرحته ويريد للسعادة أن تسكن كل القلوب «ليكِ ولحبايبك وحبايب حبايبك يا عمتي والي يفضل لجيرانا وأهلنا»
سألته راضية بلوم (ليه يا ولدي بس؟)
نظر لزوجته كأنما يوجّه كلماته إليها «لو فرحتي بسكن تتجدر يبجى الي شيفاه كتير دِه ميجيش نجطة في بحر»
توهجت نظراتها وابتسمت في تقدير وبهاء من إطرائه ونظراته التي لامست روحها لتهتف دون خجل في فخر «ربنا يخليك ليا يا حبيبي وميحرمنيش منك»
أجابها بإبتسامة واسعة ملتزمًا الأدب والرزانة في قوله «ولا منك يارب»
تنهدت مودة بصوت مسموع قبل أن تقترب منهما وتقول بمزاح «الله يسهلكم واحنا لاه»
ابتسم حمزة قائلًا وهو يغمزها بعد أصبح أكثر انطلاقًا  وتبدل حاله للنقيض «بلي ريج حضرة الضابط وهيسهلك»
تلونت مودة بالحياء وهي تبتسم قائلة بجفاء«لاه خليه شوية»
سخرت منها عاليا «جبنة جديمة هو هتعتجيها عالسطح في الشمس»
قالت مودة وهي تضم سكن «لما يخلص شهر العسل وهتيجوا تحضروا هرد عليه مش هتيجوا خلاص»
دعت لهما راضية «ربنا يسعدكم ويهنيكم كلكم»
ضمت الثلاث فتيات بعضهما بعاطفة ودموع سخية همست سكن من بينها «شكرًا أنكم جيتوا فرحتوني»
انفجر ثلاثتهم في البكاء فأشاح حمزة متأثرًا ببكاء زوجته الذي يزعجه ويضايقه، هتفت ورد «واه يا بت منك ليها في إيه كلها تمن ساعات بينا وبينكم »
ابتعدن الفتيات متحركين جهة ورد، تضمانها بحنو وشكر وتقدير لمعاملتها وكرمها هتفت ورد لعاليا أولًا وهي تضمهما «بيت عمك  وواد عمك يا عاليا مفتوح تنوري وتشرفي فأي وجت افتكري ليكِ أخ هنا وجت ما تحتاجيه هتلاجيه، وأنتِ يا مودة بيت أختك وعيالها وبيت واد خالك وأخوكي الكبير، لو ضاجت بيكم الدنيا بيت عبد الحكيم براح يشيل من الحبايب ألف»
قبلتاها الفتاتان في شكر قبل أن ترحلا، ضمت راضية سكن بقوة داعية لها بعدما فعلت المثل مع ورد وحمزة الذي هبط ليودع جده
وركض  بعدها للأعلى في همة وحماس.
وجد سكن منكمشة بأحضان ورد تبكي في افتقاد وحزن، جاورها يدلك كفها بحنو مهدئًا «خلاص يا سكن كفاية»
مسحت دموعها واعتدلت قائلة «خلاص مفيش حاجة»
نهضت ورد مستأذنة «هلحق الظهر خليكم)»
تركتهما وحدهما فضم حمزة سكن لأحضانه يقبل رأسها في مواساة، همست تسأله «سامحت عاليا يا حمزة»
ابتسم وهو يبعدها عن أحضانه مطالعًا عينيها وهو يهمس بصدق «من لما جاتلك وخلتك تضحكي فقنا وكأنه محصلش حاجة»
ابتسمت مندهشة من تصريحه «نسيت الي قالته عشاني أنا وعشان خلتني أضحك؟)
أجابها وهو يقرص وجنتها في تأكيد «زعلتني فأمي وراضتني فيكِ يا حبيبتي وكفاية أنك بتحبيها دِه يخليني أحبها»
انقلبت ملامحها في لحظة، ضربته بقبضتيها على صدره وكتفه زاعقة «تحبها»
ابتعد عنها متأففًا يكتم ضحكاته «افهمي يا بجرة»
أمسكت بتلابيبه وقربته منها هامسةً «أنت متحبش غيري يا دكتور البهايم أنت»
ابتسم وهو يلثم خدها بعاطفة «حبيب دكتور البهايم والله جلبي مش لاجي فيه مكان منك لو لجيت هحبك أنت بيها يا سكني »
أراحت جبهتها فوق جبهته متنهدة بإستسلام وهي تحيط عنقه هامسةً «بتثبتني يا حمزة»
شاكسها وهو يبعد ذراعيها عن كتفه «أحنا مش فبيتنا»
لوت فمها قائلة وهي تهز حاجبها «وده بيتنا ولينا فيه أوضة برضو ولا نسيت»
نهض منتفضًا يقول بضحكة مبتورة ومشاكسة «عارف الحركة دي وراها إيه» ثم هرب من أمامها ينادي والدته «ورد فينك كل دِه صلاة ضهر» 
شيعته سكن بقولها الضاحك «مسيرك تجيني يا حمزة»
طرق الباب مستئذنًا فأذنت له والدته بالدخول، جاورها بضحكة رائقة يضمها مُقبلًا رأسها في اشتياق «وحشتيني يا ورد هو أنا موحشتكيش فسيباني لبت أخوكي»
وقفت سكن أمام الباب متخصرة تتوعده بنظراتها، ليضحك متجاهلًا لها بينما قالت ورد «لاه وحشتني بس مطمنه عليك مع بت أخوي»
اتسعت ابتسامة سكن وابتهجت، ليعقد حمزة حاجبيه معترضًا«متطمنيش جوي محدش زيك ولا هيحبني زيك»
نظرت إليها ورد كأنما توصيها بأن تفعل «لا سكن روحها فيك زيي أنا عارفة»
صرفتها ورد لتختلي بولدها«سخني وجهزي الغدا يا سكن خليكم تاكلوا جبل ما تمشوا»
تحركت سكن للخارج ليلتفت حمزة ويسأل«ليه مش هتمشي معايا؟»
أجابته ورد وهي تربت على ركبته «لاه لسه بدري هجعد مع خالتك منى شوية»
اعترض حمزة بضيق واستياء من قرارها «ليه يا أمي الشجة كبيرة  وواسعة وأوضتك بحمامها معزولين عشان تاخدي راحتك»
ابتسمت بحنان وهي توضح له «أنت عريس يا حمزة افرحوا شوية واتهنوا وخدوا راحتكم)
قطب حمزة بضيق مستفسرًا«ووجودك هيمنع؟  إيه الكلام ده يا أمي هتزعليني ليه؟)
ربتت على كفه محتوية «لاه يا ضنايا أنا عارفه بس اتهنى ولما تخلص أجازتك هنجل عندك»
اعترض حمزة بإنزعاج وضيق من رغبتها «لاه مش عايزك تبعدي وأبجى جلجان عليكي كفاية الأسبوع الي فات»
هدأته ورد موضحة «اسمع بس ولا جلج ولا حاجة يا ضنايا أنت تعالى مع مرتك»
قال حمزة برفض وهو يحلف «لاه خلاص خلينا معاكي والله…
قاطعته والدته متنفسة بضيق من إصراره «متحلفش واسمع كلامي ومتراجعنيش يا حمزة بدل الشهر ما يبجى شهرين»
توقف زافرًا بضيق لتربت على كتفه وتهمس «طمني على أحوالك سكن حلوة معاك؟  بتتعب؟»
أخفض بصره وهو يجيبها بصوت يختنق بالحرج «حلوة وزي الفل تتمنالي الرضى أرضى»
ابتسمت ورد بسعادة غامرة وهي تؤكد له «بتحبك جوي يا حمزة بتفهمك من عنيك»
هز حمزة رأسه بتأكيد لما تقوله ليرفع كفها ويلثمه قائلًا في ندم «ياريتني رجعت من بدري جنا يا ورد»
ضحكت ورد بإنطلاق قبل أن تمصمص متعجبة «شوف الدنيا» ثم سألته بإهتمام «بتتعب يا حمزة؟»
شرد حمزة قائلًا في محاولة للتذكر «لاه هي المرة الي كنتوا فيها عندي بس الكوابيس رجعتلها»
انقبضت ملامح ورد بحزن قبل أن توصيه «ارقيها علطول يا حمزة واقرأ على رأسها العين حج يا ولدي»
هز حمزة رأسه بالموافقة لتدخل سكن حاملة صينية كبيرة، نهض ليساعدها شاكرًا جهدها بإبتسامة «تسلمي يا حبيبي وتسلم يدك)
هبطت ورد لتتناول الغداء وجلست سكن متربعة وجوارها حمزة، طوال الجلسة اهتمت سكن فقط بأكله يتحدث مع والدته منغشلًا بينما هي تدس الطعام بفمه في عناية واهتمام ومراعاة تحت نظرات ورد المبتسمة الراضية،  لكنها احتجت بحنان «سكن يا أما مكلتيش حاجة ونسيتي نفسك»
أجابتها سكن بابتسامة رضا وقناعة تامة «هشبع لما يشبع حمزة»
أشارت ورد لولدها «وكّل مرتك يا حمزة ومتخلهاش تجوم جعانة) نهضت ورد حامدة الله على فضله ونعمته تاركة كلماتها مُعلقة (هستناكم بره في البلكونة  خلصوا وتعالوا نشرب الشاي )
قرّب حمزة قطعة لحم من فم سكن منبهًا «خدي يا سكني»
اقتربت سكن تفتح فمها فتناول شفتيها في قبلة لذيذة أشبعتها فرحة وسعادة، ابتعدت هامسةً بحرج«ورد تشوفنا»
همس لها بنظرات لامعة «مش هتشوف ولا هتيجي دلوك »  أطعمها حتى أعلنت الشبع حمل الصينية ووضعها بالمطبخ وسار خلف زوجته ليغسل يديه.
دخل الحجرة مُدعيًا أنه يبحث عن منشفة فدخلت سكن وراءه بالمنشفة، أغلق حمزة الباب بالمفتاح واحتجزها بين جسده والحائط هامسًا «وحشتيني»
قالت بجدية كاذبة متهربة منه «احنا مش فبيتنا»
قال وهو يمرر أنامله على خدها وجيدها برقة ونعومة ساحرة«أوضتنا موحشتكيش»
دفعته بكفيها واستدارت تفتح الباب فأحاط خصرها وسحبها ناحيته قائلًا«بمزاجك هو؟»
ضحكت برقة وهي تهمس «حمزة عيب مرت خالي»
همس قبل أن يميل مقبلًا شفتيها بنهم «انسي متفتكريش فحاجة غير وجودك فحضني»
همست بعتب وهو يترك شفتيها لجيدها «حمزة هتكسف بجد منها»
ابتعد عنها ينظر لعينيها بحنان قبل أن يبتسم متفهمًا ويقبل جبينها هامسًا «خلاص يا حبيبي متضيجيش»
خرج وهو يوصيها «اعمليلي نسكافية هروح أجعد مع أمي في البلكونة»
أومأت في طاعة قبل أن تهمس بأسف قبل رحيله«متزعلش يا حمزة»
ألقى لها قبلة في الهواء وهو يشاكسها بمرح «هاخد حقي فبيتنا متجلجيش »
********
في القطار
انتفضت مودة من شرودهاعلى صوت والدتها تهتف «زين ازيك يا ولدي»
رحّب بها في بشاشة، وهو يميل ويسألها بإهتمام «محتاجين حاجة»
شكرته راضية بحنو وكفها تربت على كتفه«لاه يا ولدي تسلم حمزة مجصرش»
ابتسم زين قائلًا «واد الاستاذ مسبلناش حاجة»
قالت راضية شاكرةً «البركة فيك يا ولدي»
رفع نظراته لزوجته التي غطت وجهها في خجل وابتسامة لذيذة تداعب شفتيها التقطها فاقترب يهمس لعاليا الجالسة جوارها «اخدميني يمكن يجي وقت أخدك»
وقفت عاليا تخلي له المكان جوار مودة  قائلة «من غير خدمات»
جلس جوارها يعرض عليها بابتسامة «تشربي برتقال بالجزر يا ميمو»
التفتت إليه تسأله بهمس «أنت بتجيبه منين علطول ماشي بيه زي الببرونة ماتتفطم بجا »
رمقها بنظرة طويلة قبل أن يخبرها بابتسامة مستفزة «احترمي نفسك عشان لو رديت هتعيطي»
ابتلعت كلماتها وصمتت ليميل ويهمس وهو يرتشف من كوبه «تاخدي تجربي هيعجبك؟»
سألته بضيق كاذب «جاي ليه معانا؟ مش جولنا لسه»
جعّد جبينه قائلا باستنكار «مش أنتِ الي بعتيلي وقولتيلي على القطر عشان أحجز فيه وقولتيلي إن هديتي عجبتك بس بتحبي اللون الوردي عشان أعمل حسابي المرة الجاية»
فغرت فمها بذهول مما ينطقه قبل أن تهتف «مكتبتش حاجة»
وضع الشاليموه بفمها المفتوح وهو يؤكد بإبتسامة «أمال أمي،اشربي اشربي»
أبعدت الكوب عنها بكفها قائلة «أنا كتبتلك إني بحب الوردي؟»
تأملها بنظرة جريئة ختمها بتنهيدة قائلًا (الشهادة لله هو هيبقى يهبل عليكي»
فغرت فمها بذهول ووجها يتورد بخجل، فدفع الشاليموه لفمها قائلًا (اشربي بدل ما فتحاه عالفاضي ولا أبوسك»
قبضت بشفتيها على الشاليموه في زعر من تهديده الساخر ليشجعها «جدعة هيعجبك والله» ثم مال وهمس مؤكدًا بغمزة وقحة «بس البوس أحلى أقسم بالله أديني فرصتي »
انتفضت واقفة بعدما أبعدت العصير عنها مرتجفة بخجل من كلماته تستنجد نظراتها بعاليا التي ضحكت وتجاهلت، أمسك بذراعها وأعادها للجلوس قائلًا (ما تهدي مش هنزل من القطر غير لما أحدد الفرح)
قالت في رفض «أنا مردتش»
ارتفع جانب فمه بإستهزاء قبل أن يهمس «أمال اعمل حسابي فوردي والهدية عجبتك هو كلسون دا قميص نوم يعني خلاص كدا الرد وصلني»
عضت أناملها في غيظ مكذبة تنفي عن نفسها «مبعتش، طيب امتى»
أخرج هاتفه وأظهر الرسالة فقرأتها وهي تسحب جسدها في الكرسي تريد الاختباء وتتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها لكنها سرعان ما تذكرت تهديد سكينة الغليظ فقالت بغيظ وحرقة «سكن»
سألها وهو يعيد الهاتف لجيب معطفه «مالها أكيد هي الي أقنعتك»
تصنعت البكاء وهي تؤكد بانهزام وقهر«أيوة جدًا ربنا يخليهالي»
بعد دقائق راسلتها سكن بعدما علمت من عاليا بظهوره، فضت مودة الرسالة بسرعة «عشان تبعتي لحمزة يارب يكون المجلب عجبك»
كتبت بانفعال «افرض مكنتش هوافج»
كتبت سكن «كدابة عيزاه وهتموتي عليه»
سبتها بسخط «ماشي يا جزمة»
كتبت سكن تغيظها أكثر «خليه يجبلك الوردي»
وبختها مودة «كلبة»
كتبت سكن بضحكة «مش أنتِ الي جولتي يومها ياريت كان جابه وردي كدبت أنا»
تركت مودة الهاتف فهمس زين ليغيظها«اشكريلي سكن»
تأففت بغيظ فابتسم ونظر أمامه متنهدًا بعدما حقق النصر وعادت إليه، هو بخبرته وبدرايته بها وبشخصيتها يشعر بخطأ وأنها ربما مكيدة من أختها وها قد تأكد بعدما قرأ الرسائل في غفلة منها وانشغال بسبب غضبها ونقمتها، غمغم باستمتاع «أهم حاجة إنها بتحب الوردي فعلا» ثم مال وسألها بعدما تركت الهاتف «تاخدي لب»
أجابته بانهزام واستسلام تام «هات كدا كدا خربت» 
**"*"*"
أثناء جلوس حمزة مع والدته في الشرفة استمع لصوت تحطيم وتكسير فركض للداخل وخلفه ورد، صرخ بإسمها في فزع وهو يراها أرضًا على ركبتيها أرضًا جسدها كله يرتجف وأنفاسها تتسارع، جلس أمامها يستفهم بفزع«مالك حصل إيه؟»
أنفاسها متسارعة لا تستطيع التحدث فضمها مهدئًا بحنو «اهدي يا بابا اهدي»
بفزع شديد أخبرته وبكلمات متقطعة «مش عارفة فجأة محستش برجلي يا حمزة ووجعت»
***************
بحثت عنه في محيطها فلم تجده، نظرت في حجرته وباقي المنزل لكنها لم تعثر عليه فقررت الخروج لتعريشة العنب علها تجده
بالفعل وجدته يجلس فوق آريكة مصنوعة من جريد النخل مفروشة بكليم نضيف يضع خلف ظهره وسادة، جاورته متسائلة بحزن «حصل إيه يا سليم ومزعل أمي ليه؟»
همس بصوت مخنوق بالعبرات مقيد بالحزن «ما عشت ولا كنت يا أبرار لو زعلتها»
سألته بقلق وهي تراقب حزنه وانقباض ملامحه بألم «أمال في إيه؟»
نظر لمسبحته التي بين أنامله وقال وهو يغالب حشرجة وضيق صدر «أمي عيزاني أتجوز بت خالتك»
عبّرت عن جزعها ورفضها بشهقة مكتومة، بحصن كفها المرتجف، لكنها أبعدتها واستنكرت ملامحها برفض «ليه؟»
تنهد بحزن ثم أجابها بهدوء «مش عارف»
صمتت بحزن قبل أن يعصف بها السؤال «وعاليا»
ضم قبضته حتى أبيضت مفاصله وهو يهمس «مش عايز غيرها ولو فضلت العمر من غير جواز»
ابتسمت أبرار متأثرة بقوله، مشفقة عليه «وأمي هتوافج وترضى بالكلام دِه»
صارحها وهو يسلب نفسًا قويًا «لاه ومجولتهوش من الأساس»
صمت بقهر قبل أن يهمس وهو يضع كفه فوق قلبه «جلبي مش لغير عاليا، هظلم أي واحدة هتجوزها وده حرام»
أدمعت عينا أبرار وهي تسأله بدهشة «كد كده بتحبها يا سليم؟ متى حصل كل دِه وأزاي»
ابتسم يخبرها في حيرة هو الآخر «معرفش»، نهض من جلوسه وتمشى بين الزروع بحزن حتى جلس أرضًا وتمدد فاردًا ذراعيه في إرهاق وتعب، يغمض عينيه هامسًا «سحرك محدش يفكه عني غيرك يا عاليا»
دخلت وجلست أبرار جوار والدتها معاتبةً «من متى بتجبرينا على حاجة يا أما؟»
قالت السيدة بهدوء وهي تراقب ولدها بعين الحزن «لما أشوفه بيتعلج بحبال دايبة هلحجه»
ابتسمت أبرار تتوسلها برقة «ربنا هيراضيه سبيه يختار الي عايزها»
قالت السيدة بحدة وألم داخلها وغيظ «سيبته وراح وجلل من جيمته وإيه النتيجة»
حاولت أبرار تهدأتها «جلبه رايدها يا أما»
هتفت السيدة بغيظ شديد وحنق «ولدي أحسن الناس يتجوز أحسن منها، مين أبوها؟  ) قالتها السيدة بإنفعال ثم أكملت بنفور «راجل ميعرفش ربنا ومعروف فالبلد كلها وولده زيه هما الي نسبهم ميشرفنيش أنا ربيتكم بالحلال أبوكم شيخ الجامع سبلكم السيرة الحلوة»
حاولت أبرار تهدأتها لكنها أكملت «ينساها الي خلجها مخلجش غيرها؟»
دخل سليم مقاطعًا «الي خلقها حطها فجلبي يا أم سليم»
انتفضت رافضة بغضب «العشج مش لينا  ولا بتاعك يا شيخ»
جلس مطأطأ الرأس في أدب وحزن يحاورها بتعقل «مبعملش حاجة غلط»
قالت زاعقة لا يروقها ما يحدث «كل الغلط فالي بتعمله خلاص رفضوك شوف غيرها هتربط نفسك بيها ليه؟»
أجاب بإختصار ومازال يخفض رأسه «مش رايد غيرها لو فضلت العمر كِده»
ضربت السيدة على صدرها بجزع وهي تحملق فيه غير مستوعبة كلماته«واه طب وأنا ماليش حق عليك؟  ربيتك وشجيت عليك عشان تكبر وتشيل عني وتفرحني بعيالك»
شبّك أنامله أمام نظراته وألقى بقراره «لو أمهم مش عاليا مش هجيبهم ولا عايزهم»
صرخت السيدة بفزع مما يقول «اتجنيت يا سليم»
هتفت السيدة بصرامة «بكرة تروح لبت خالتك وتتجدملها ولو عصيتني يا سليم جلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين»
ربط نظراته بها متوسلًا بدموع متحجرة «متصعبيهاش عليّ»
قالت وقلبها يرتجف من هول نظرته وحزنه «بفوقك يا شيخ، الناس دي لا من توبنا ولا أحنا من توبهم»
صارحها في أمل «جدها موافق،وعمها وولده كويسين »
قالت وهي تزفر بغيظ «جدها لا له جوله ولا كلمة من بعد موت الأستاذ»
همس سليم كطفل مذنب ضائع « هستنى وربنا يحلها»
هتفت بقوة «هتعصاني؟  هتوقع كلمتي يا سليم»
أغمض عينيه وهو يهمس بصدق «أموت جبلها بس أنتِ متجبرنيش أظلم واحده معايا»
ضربت السيدة فخذيها في اعتراض وفزع، تحاول أبرار تهدأتها لكنها لا تفلح، نهض سليم واقترب يقبل رأسها متوسلًا «مش هجدر أرفضلك طلب فمتجبرنيش وادعيلي يريح جلبي ويراضيه»
انسحب بعدها لحجرته وبقيت أبرار مشتتة  الروح والنظرات بينهما.
جلس خلف مكتبه يكتب في دفتره كما أعتاد
« قالوا أن عيناكِ ذنبًا وقعتُ فيه سهوًا فلا توبة تردني ولا غفران يمحو الذنب،
فلينصفي قلبك وتصطفيني عيناكِ يا عالية المقام » 
ترك القلم ونهض، لملم عباءة والده ووضعها حول كتفيه محتميًا بها من البرد ثم خرج متجهًا للقرية المجاورة

#انتهى

ملاذ قلبي سكن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن