الموتُ زائرٌ لمْ يتركْ بيتاً إلا وقدْ طرقَ بابَه.
أينما حللت ستجدُ أثرَهُ يتوارى في أعماقِ القلب، وينبضُ في ثنايا الروحِ، يتجسّدُ في أنفاسِ الوجودِ، ويتسلل بين نغماتِ الصوت، وصدى الأروقة...
...
فما هوَ شعورُ الفقد!؟
...
هو أن يأتي الموتُ فجأةً، فيسرقُ منْ بينِنا الأغلى والأحبّ، يختطفُ دفئهُ وابتسامتَهُ في لحظةٍ لمْ يُحّسبْ لها حسبان.فيهرعُ الأهلُ والأحبة بالإسراع إلى الطبيبِ والقلوب ترتعش، ستمرُّ الدقائقُ بهم كالسنين آملينَ أن يعود إليهمْ، يتحدثُ معهمْ ويمدُّهمْ بدفئِ نظراتِه ِوحنوِّ كلماته، لكنْ ما كلُّ ما يشتهي المرءُ يدركُه.
...
...وها قدْ أتى الخبرُ اليقين...! عزائِي لكمْ وأطال اللهُ في عمرِ الباقيين.
أتعلمون ما هوَ الشعورُ الذي سيجثم فوقَ قلوبِ أهل الفقيد!
سينكرون! ...
من المُحالِ أن يرحل، لقدْ كانَ يتحدثُ إلينا قبلَ بضع ساعات! هوَ سيعود سننتظرُهُ! ...
لن يموت، لنْ يرحلَ ويتركَنا! أنتم كاذبون!
...لكنْ عندَ رؤيةِ جثمانِ فقيدِهمْ!! هنا ستتلاشى آخرُ ذرةٍ منْ قوة، ستنصهرُ تلكَ الصلابة، البعض ستنسكبُ دموعُه والآخر ستتحول إلى جمراتٍ تحرقُ قلبَه.
...
سَيخِّرُونَ أرضاً يحاولونَ التقاط بعضاً منْ إكسير الحياةِ الذي مُنعَ منهُ فقيدُهمْ! ...ستجثمُ جبالَ الكونِ أجمع فوقَ صدورِهمْ.
...
ومنْ شدةِ الشعورِ يظنُّ المرءُ أن كلَّ ما يحدثُ هوَ مجرد كابوس، وسينتهي عندما يصرخُ المنبه كالعادةِ...
لكنَّ الحقيقة هيَ منْ صرختْ فيَّ وجوهِهمْ هذه المرة عندما اقتربوا متحدثينَ إليهِ علَّهُ يُجيب...
لكنْ هيهات!لا يسمعُ سوى صدى أصواتهم...!ذلكَ الجسدُ الدافئُ قدْ تجمد، وتلكَ الأعين الجميلة غربتْ، وذلكَ الوجهُ المحمرَّ قدْ اصفرَّ... كلَّ ما يرونَهُ يؤدي إلى طريقٍ واحد! وهوَ أن الروح قدْ عادتْ منْ حيثُ أتت وتركتْ خلفَها جسداً ينتظر أن يعود إلى حيث كانَ ...ينتظر أن يحتضنُهُ التراب ليمتزجَ بهِ وكأنَّهُ لمْ يكنْ.
...
...
...يحملونَ الجنازة، فتشعر أنهم يحملونَ أطناناً منْ الحديد، وليسَ جسداً قد فارقتْهُ الحياة.
همْ لا قدرةَ لديْهمْ على حملِ أجسادهم فكيفَ بحملِ ذلكَ النعشِ الذي يحتضنُ عزيزَهمْ!
سينهارُ الجميع سِوى الأقربين سينظرونَ إلى النعشِ في جمود، ثمَّ يبدأونَ في رميِ حباتِ الرملِ فوقَ ذلكَ الجسدِ الذي كانَ بينَهمْ منذُ قليل!...
فيبدأُ بالاختفاءِ حتى يندثر!
لقدْ أصبح تحتَ الرمالِ وهمْ فوقَها! الآن وضعوه داخلَ أحضان الأرض تضمُّهُ إلى قلبها تنتزع منهُ دفئَهُ وتبثُّهُ صقيعَها.
...
...ستنظرُ إلى الوجوهِ منْ حولِكَ تبحثُ عنهُ بينَهمْ، تريدُ أن تُكذبَ الواقع، لكنه يصفعك مخبراً إياك أن منْ تبحثَ عنهُ الآن أصبح منْ الماضي، ولنْ يكونَ لهُ بالمستقبلِ أي وجود.
أنت تقرأ
حِبْر قَلّبِي
Poetryبينَ طواحينِ الأيامِ قدْ تاهَ قلبِي، وجرتْ عليهِ جارياتٌ لا ترى ما تحتَ أقدامِها! تدهسُ قلبِي بلا رحمةٍ فتلاشتْ معالمَهُ... وتسارعتْ نبضاتُهُ مستغيثةً بي، فضاقتْ أوردتي وشراييني متحفزةً تطالبُ بالمزيدِ منْ الأكسجينِ لتتفاجئَ رئتايَ، فتنكمش حولَ نفسِ...