إلى الصامِتُون

91 17 29
                                    

إلى الصامتونَ دوماً، وفي قلوبِهمْ يقعُ الضجيج، إلى الهادئينَ رغمَ ما يولعُ في النفوسِ الأجيج، إليكمْ اكتبْ يا معشراً قلةَ منْ يفهمُهمْ، وقلةُ منْ يحبُّهمْ ويشعرُ بهمْ ...

اعلمْ أنَّ ما حولَكَ قدْ تمادى في الجورِ على قلبِك، تلكَ المضغةُ الصغيرة التي تحملت فوقَ تحمُلِها، واعلمْ أنَّ الصمتَ لمْ يكنْ يوماً سبيلاً في إفراغِ ما يكنُّهُ قلبُك، لكنْ في كلِّ مرةٍ كنتَ تحاولُ إفراغَ ما كُبتَ داخلَك تذهبُ مسرعاً إلى ذلكَ القلمِ، وتلكَ الورقة جليسوا أحزانِك، تخطُّ ما شقَّ عليكَ قولُهُ، في كلِّ مرةٍ كنتَ تحاولُ الهروبَ تهرعُ إلى ملجئِكَ الأمنَ، لكنْ ما الذي سيحدثُ إنْ اختفى ذاكَ الملجئ، وحلَّ مكانَهُ الصمت، ماذا سيحدثُ إنْ تعبتْ روحُكَ حتى منْ الكتابةِ، وهربت الكلماتُ منك، ولمْ تجدْ سوى الصمت.

هلْ أخبرُكَ ما الذي سيحدثُ؟

ستتراكمُ الخيباتُ واحدةً تلوَ الأخرى، وستُنقَشُ ندباتٌ إلى أنْ تُصبحَ ندبةً فوقَ ندبة وجُرحاً فوقَ جرح حتى يتخدرَ قلبُكَ، وتشعرَ أنَّ المشاعرَ جميعُها سواسية، إذا أصبحتَ في تلكَ المرحلةِ فعزائِي لكَ؛ لأنَّكَ بعدَها حتى مواساةُ الدمعِ لنْ تجد، وعنْ ألمِ القلبِ لنْ تحيد، ستشعرُ بكلِّ مرةٍ تجرحُ فيها أنَّ قلبَكَ سينفجر، ولكنَّهُ لنْ ينفجر!... ستشعرُ بكلِّ نبضةٍ وكأنَّها انتقامٌ منْ قلبِكَ لما حملتْهُ منْ تراكماتٍ طيلةَ تلكَ المدةِ، كلُّ نبضةٍ تساوي ألفَ طعنة، ستحاول أنْ تهرعَ إلى الكتابةِ علَكَ تجدُ فيها ما يخففُ عنكَ، ولكنْ هيهاتَ ستجدُ نفسَكَ عاجزاً عنْ خطِّ كلمة فما بالُكَ ببيت قصيدٍ أوْ حتى خاطرة، ستقفُ مدهوشاً مما يحدثُ لا شيءَ سوى صمتٍ يحيطُ بكَ..!
منْ يرى ظاهرَكَ يظنُّ أنَّكَ لا تبالي لشيء، لكنَّ المصابَ الأعظم هوَ ما لا يراهُ أحدٌ سوا اللهُ هنالكَ حيثُ أنَّ أنياط قلبِك لمْ تسلمْ ولمْ يتبقَّ منها شيء، هناكَ حيثُ الأفكارُ والكلماتُ التي تتخبطُ، لكنْ لا شيءَ منها يجرؤُ أنْ ينزلقَ على حافةِ لسانِكَ أوْ حتى قلمِكَ لا شيء.

سيسألُكَ أصدقاءَكَ ما بكَ؟

فتجيبُ بلا شيء...! منهمْ منْ سيصدقُ منهمْ منْ يتظاهرُ بتصديقِكَ، ومنهمْ منْ يصرُّ عليكَ أنْ تتحدثَ، حسناً يا منْ تصرّ على حديثنا، إصرارُكَ يسعدُنا لكنْ واللهِ لوْ استطعنا البوحَ لما بخلنا، خطيئتُنا هيَ الصمتُ...، صمتنا في بدايةِ الأمرِ توقعاَ منا أنَّ الصمتَ قوة لكنْ الآنَ!!
أصبحَ الصمتُ هوَ كلَّ ما نملك لا الأحرفُ والكلمات تُسعفنا، ربما عناقٌ دافئ قدْ يفيدُ، لكنَّ الأشدَّ سوءاً إنْ كانَ الصامتُ ذا كبرياءٍ عظيمٍ أنتَ أيها الصديقُ في مصيبةٍ كبرى، ولكنَّكَ إنْ لمْ تتمسكْ بقرارِكَ وإصرارِكَ، وتخليتَ عنهُ مرةً أعدْكَ بأنَّهُ حتى ولوْ فكرَ مرةً في أنْ يعانقَكَ ويبكيَ هوَ لنْ يفعلَ بعدَ انسحابِك؛ لأنَّهُ أصبحَ على علمٍ تامٍّ أنْ لا أحدَ سيتحملُهُ، فإنْ كانتْ روحُهُ تريدُ الخلاصَ، فهلْ ستكونُ أنتَ منْ يتحملُهُ!

حِبْر قَلّبِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن