الفصل الثالث عشر

2.3K 57 6
                                    


كانت ليلة هادئة من ليالي الصيف المعتدلة. أطل القمر على استحياء، مُحاطاً بهالته الباهتة، ليبدد قسما ضئيلا من ظلمة السماء دون أن يطغى على ردائها الأسود ... كما أطلت مشاعر الفرح المترددة متسللة وسط الآهات والآلام الكثيرة. كانت ليلة مفعمة بالأحداث.... ككل ليلة. شهدت أولى بوادر السعادة في قلبين متحابين كُتِبَ لهما الاجتماع برضا العائلة ومباركتها ... وتسترت على آلام روح بريئة لم تعرف مذاق الفرح منذ زمن وجسد غض لم يكتشف بعد طعم الأذى....

وقفت راشيل فجأة لتغادر المكان. لم يكن قد مر على وصولها إلى الحفل أكثر من ساعة واحدة. لكنها تذكرت أنها نسيت هدية ندى التي انتقتها من أجلها. ولما كان منزلها غير بعيد، فقد أرادت أن تغيب لبضع دقائق لتحضرها ثم تعود .

اقتربت من سونيا ووشوشت في أذنها ببضع كلمات، فهزت سونيا رأسها متفهمة.

سارعت راشيل بالخروج حتى تعود قبل تقديم الحلي... جلست إلى عجلة القيادة وأدارت المحرك وعلى شفتيها ابتسامة حالمة. لم تر ندى بمثل ذلك التألق من قبل، وقد تأنقت وأخذت زينتها .

كم تتمنّى أن تكون لها ابنة تعيش معها مثل تلك اللحظات!

خطيبها يبدو شخصا محترما ، وعائلته في غاية اللطف... لكنهم مسلمون وهو ما يفسر ضيق سونيا رغم تظاهرها بالسعادة. تذكرت حديثهما منذ فترة قصيرة. ها قد فرضت عليها ابنتها الثانية زوجا غير يهودي. بل مسلم، لكن ندى حرة في اختيار شريك حياتها ، مثلما اختارت أمها منذ أكثر من عشرين
سنة.

نزلت من السيارة متعجّلة، وحثت الخطى إلى مدخل البيت الرئيسي. كانت تقصد غرفتها ، حيث تركت الهدية فوق المنضدة. ما إن أدارت مقبض الباب حتى تناهى إلى مسامعها صوت صراخ وطرق عنيف على أحد الأبواب. وضعت كفها على صدرها في ارتياع وتسارعت دقات قلبها .

كان الصراخ يشتد كلما تقدمت في الممر. إنه صوت زوجها ! هرولت في اتجاه الصوت في فزع، فرأته وهو يطرق باب غرفة ريما الموصد في عنف وغضب شديدين:

- قلت لك افتحي، وإلا حطّمت الباب على رأسك !!

حدقت فيه بهلع ، وقد تطاير الشرر من عينيه. لم تكن قد رأته على تلك الحال من الانفعال من قبل. هتفت وهي تقترب منه وتشدّ ذراعه:

- ماذا هناك يا عزيزي؟ ما الذي يحصل؟

التفت إليها في ذهول، وقد انتبه لتوه لوجودها ، ابتسم في تودّد وهو يقول في هدوء :

- ما الذي جاء بك الآن يا عزيزتي؟

تجاهلت سؤاله وهي تهتف مجددًا في إصرار:

-ما الذي يحصل هنا ؟ لماذا الصراخ والطرق العنيف؟

ارتبكت الكلمات على لسانه، وهو يشير إلى الباب المغلق، وقد عادت إليه عصبيته واحمر وجهه وانتفخت أوداجه:

في قلبي أنثى عبريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن