الفصل الثامن

2K 55 0
                                    


كانت ندى منهمكة في قراءة فصول روايتها الفرنسية «جولتي وحيدا عبر هذا القرن»، التي يقص فيها روجيه جارودي، الفيلسوف والكاتب الفرنسي سيرته الذاتية ابتداءً من الحرب العالمية الأولى، وتأرجحه بين الشيوعية والكاثوليكية، مرورا بصراعاته السياسية والفكرية في منتصف القرن، وصولا إلى إسلامه في أوائل الثمانينيات.

كانت قد سمعت عن جارودي ودرست بعض نصوصه في كليتها. وما إن وقعت عيناها على الرواية في المكتبة العامة، حتى تملكتها رغبة غريبة في قراءتها . كانت تريد أن تتعرف عن قرب إلى هذه الشخصية التي واجهت المنظمات الصهيونية، وتصادمت معها في مناسبات عدة، وخاصة وهي تعلم بمبادرته لإصدار بيان يدين العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان سنة 1982.

لم تكن قد أتمت الكتاب بعد، لكنها اندمجت بشدة مع أحداثه، وأخذت في كل مرة تحاول تقمص شخصية الكاتب، وتدرس الخيارات التي كانت أمامه، والقرارات التي اتخذها طوال مساره الديني والفكري.

كانت تجد أن جارودي أخطأ المسار الصحيح، وتغافل عنه ليركز على ما يناسب ملابسات حياته، أو ربما اكتفى بما أهدته إليه الحياة من فرص، ولم يتعمق في البحث حتى يصل إلى روح الفكر اليهودي... كانت تعلم مسبقا أن جارودي سيلقي مرساته أخيرا على شواطئ الإسلام ولم تكن قراءتها لتلك الرواية إلا لسببين اثنين: الفضول لمعرفة الدوافع التي حملته إلى تلك النتيجة، والرغبة في إيجاد الخلل في تفكيره الذي قاده إليها ! فلا بد من وجود خلل ما ...

كانت تشعر بالغيظ لأن جارودي يقول إنه وجد المعاني التي بحث عنها طوال حياته في الإسلام، وهو ما لم يجده في التوجهات الأخرى التي اعتنقها أو درسها ... كما أنه شكك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين، وبالمحرقة في حد ذاتها، مما حدا بالمحاكم الفرنسية إلى محاكمته!

فتح الباب فجأة، وأطلت دانا وهي تقول بسرعة:

- ندى... لديك زائرة

-زائرة؟ من تكون؟

لكن دانا كانت قد اختفت. تنهدت ندى وهي تضع روايتها جانبا . ستعود إلى جارودي ومغامرته الغريبة فيما بعد. وقفت بسرعة وألقت نظرة عابرة على هندامها في المرأة. لم تكن لديها صديقات كثيرات، ولم تكن تتلقى الزيارات منهن نظرا لتحفظ عائلتها الشديد في الاختلاط بغير اليهود. توجهت إلى غرفة الجلوس حيث توقعت أن الزائرة تنتظرها.

لمحت فتاة تجلس، وقد أطرقت في احتشام. كانت تضع غطاء رأس وترتدي ثوبا طويلا فضفاضا. أيقنت على الفور بأن الفتاة مسلمة. فالفرق واضح بين الحجاب الإسلامي وغطاء الرأس اليهودي المعاصر.

النساء اليهوديات الملتزمات لم يعدن يرتدين أوشحة، بل يفضلن القبعات والشعر المستعار الذي يمكنهن من الظهور في هندام لائق وعصري، دون أن يتنازلن عن قناعاتهن الدينية، أو يجلبن إليهن الأنظار في المجتمعات المختلطة. وحتى مَنْ حافظن على الغطاء التقليدي منهن مثلما تفعل ندى فإنهن يتركن جزءا من مقدمة الشعر تطل من تحت الوشاح، ويكشفن جزءًا من العنق وفتحة الصدر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الثياب، فإن الفرق واضح فيها، حيث لا تهتم اليهوديات بطول أثوابهن فيكشفن سيقانهن، ويُضيّقن على خصورهن بالأحزمة.

في قلبي أنثى عبريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن