الفصل الخامس عشر

2.8K 69 18
                                    

استلقت ريما على فراشها وهي تحدق في سقف الغرفة المظلمة في توتر. لم تستطع النوم بعد مكالمة جاكوب المسائية. هل تراه يسترجعها ؟ هل اتصل يطلب عودتها ؟ لم تكن متأكدة من ذلك، فراشيل لم تأت لتبشرها بعد أن أنهت المكالمة، بل دخلت إلى غرفتها على الفور. ولدقائق طويلة، سمعت صوتها وصوت زوجها يتعاليان في كلمات غير مفهومة، لم تصلها منها سوى الهمهمة.... لكن الحوار لم يكن هادئا البتة.

تسمرت في مكانها حين سمعت صوت باب الغرفة وهو يُفتح بعنف ثم يُغلق بعصبية... استوت جالسة وهي تضع كفها على صدرها في توجس. تناهى إليها وقع الخطوات الثقيلة على الممر. كانت تبتعد في اتجاه الصالة. تنهدت في ارتياح وهي تعود لتستلقي.

لم تعد تعرف طعم النوم الهادئ الذي كانت تنعم به في بيت جاكوب. بل صارت تستيقظ مرات عديدة في الليلة الواحدة، وهي تلهث من شدة الانفعال. فالذئب - كانت قد أطلقت على زوج مضيفتها هذا الاسم- لم يكتف بتنغيص أوقات نهارها حين يتواجد في المنزل، بل صار يتسلل إلى أحلامها، ويُفسد لياليها بالكوابيس المزعجة التي يلعب دور البطولة فيها ....

لكن ما أسهدها في تلك الليلة لم يكن الذئب وضرباته الموجعة. بل تفكيرها في مصيرها بعد تلك المكالمة الغامضة. أعادت إليها كلمات جاكوب القليلة الأمل. لم تكن كلماته ما أثر بها بقدر ما هي نبرة صوته ولهجته الحانية. بل لهفته واشتياقه حين سمع صوتها. عاد بابا يعقوب القديم الذي يحبها ويخاف عليها.

ظلت تستعيد لحظات طفولتها السعيدة والصور تطفو حولها وتتهادى مبددة ظلام الغرفة ومرسلة دفئا هادئا إلى أوصالها.

انتبهت من أحلامها على صوت الأذان الخافت الذي يصل إليها من مسجد الحي المجاور. كانت الساعات قد مرت متوالية دون أن تشعر بانسيابها ، وقد أخذتها الذكريات الجميلة. قامت بتثاقل وهي لم تنم لحظة واحدة. تذكرت ليلتها الأولى في هذا المكان فتنهدت. هل ترى رحلتها فيه قد انتهت؟

سارت في ممرات المنزل المظلمة. توضأت ثم وقفت إلى سجادتها في سكينة. أنهت صلاتها ، ثم جلست تناجي الله في سرها وأهدابها المتعبة تكاد تطبق على عينيها ....

- ريما ... عزيزتي....

انتبهت فجأة. فتحت عينيها في ذعر. كانت مستلقية على السجادة. أخذها النعاس وهي في تلك الوضعية فنامت في مكانها ، بعد أن أنهكها التعب والأرق. تلفتت حولها حتى استقرت عيناها على راشيل التي كانت تجلس القرفصاء بجانبها ، وتُطالعها بنفس النظرة الحانية:

- لماذا تنامين على الأرض؟

كان الصباح قد حلّ، وتسللت أشعة الشمس إلى الغرفة. لملمت ريما نفسها بسرعة ووقفت وهي تطوي سجادتها. تمتمت في ارتباك:

- كنت أصلي... و....

ابتسمت راشيل في تفهم وهي تقول:

-حسنا يا صغيرتي. لا بأس....

في قلبي أنثى عبريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن