الفصل الحادي عشر

2.1K 48 2
                                    


وقفت ريما أمام غرفتها وهي تقاوم الدموع التي تجمعت في مقلتيها منذرة بالهطول. وقفت تتأمل أثاث الغرفة الذي ألِفَتْه منذ سنوات طويلة، حتى حسبت أنها «غرفتها» فعلا، وأن هذا هو عالمها الخاص. العالم الذي تستسلم فيه لأحلامها وآمالها وتمارس فيه حريتها .... حرية الدين والمعتقد.

ظنت أن هذا هو بيتها الذي يُشعرها بالاطمئنان والأمان تلجأ إليه لتحمي أذنيها من الكلمات الموجعة، وعينيها من النظرات الحارقة. تسكب بين جدرانه دموعها الصامتة، وترتل فيه آيات طيبات من ذكر الله الحكيم حين يلف السكون البيت وأهله، ويخيم الظلام على كل شيء، عدا قلبها الصغير المؤمن. لكنها اليوم أيقنت أن كل ذلك كان وهما. وأنها غريبة عن المكان كما هي غريبة عن أهله. لم يعد هناك مجال للشك، فقد أزفت ساعة الفراق.

ألقت نظرة على حقيبتها الصغيرة التي جمعت فيها
بعض حاجاتها الضرورية، والكثير من الذكريات. إنها
ساعة الرحيل. ستفارق الغرفة التي عاشت فيها منذ
نعومة أظفارها، والبيت الذي آواها حين كانت في حاجة إلى عناية ورعاية، والشخص الذي أحبها حين فقدت الأب والأم والعائلة. هل تراه لا يزال يحبها ؟ لو كان يحبها لما رضي بإبعادها.

انهمرت الدموع من عينيها أنهارًا ، وانقبض قلبها الصغير في صدرها ... بابا يعقوب لم يعد يحبني! كانت تقاوم هذه الفكرة منذ أخبرها جاكوب بسفرها المرتقب. لكن جفاءه وقسوته تجاهها بددا كل شكوكها ... بابا يعقوب لم يعد يحبني !!

تانيا لم تعد إلى المنزل بعد ، وقد تزايد إصرارها على عدم العودة طالما في البيت نفس مسلم، وجاكوب كان يعاني في صمت من التفكك الأسري المفاجئ.

صدمته بتصرف تانيا كانت كبيرة. لكن الفراغ الذي خلفه غيابها في حياته كان أكبر، خاصة أنه لم يتعود أن يهتم بشؤونه بمفرده. وريما كانت عديمة النفع في هذا المجال، وأكثرت من الحماقات والتصرفات الخرقاء حين حاولت أن تطبخ له وتكوي ثيابه. وبدا أن صبره كاد ينفد في انتظار تجهيز أوراق السفر الخاصة بها ! لم يعد يطيق النظر إليها ... ليس بسبب قمصانه المحترقة أو الأكلات السيئة التي حضرتها ، بل لأنه بات يخشى نظراتها المعاتبة، ويتجنب تأثير انكسارها الحزين. لا يريد أن يضعف ويتراجع. فقد اتخذ القرار السليم وليس هنالك خيار آخر أمامه.

- أنت جاهزة؟

التفتت ريما لتجد جاكوب ينظر إليها في ارتباك. كان يحاول معاملتها ببرود في الفترة الأخيرة. لكن مع اقتراب رحيلها ملأت مشاعر الحزن قلبه، حتى لم يعد بإمكانه إخفاؤها ودفنها في أعماقه.

مسحت الفتاة عينيها بكم عباءتها وسارعت بأخذ حقيبتها بيدين مرتعشتين. لكن جاكوب تقدم نحوها وأخذها عنها، في محاولة أخيرة لإعطائها بعض العطف... ثم سبقها بخطوات سريعة إلى السيارة التي توقفت أمام المنزل.

في قلبي أنثى عبريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن