أغلق جاكوب باب مكتبه جيدا . ألقى نظرة أخيرة على غرفة المعمل المظلمة، ثم أحكم غلق بابها هي الأخرى، وتوجه إلى الباب الخارجي. كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساء، والعاملات غادرن معمل الخياطة منذ أكثر من ساعتين. لكن جاكوب بقي في المكتب إلى ذلك الوقت المتأخر، يراجع الحسابات ويتأكد من طلبات الأسبوع المقبل. كان قد ورث المعمل الصغير عن والده الذي كان خياطا ماهرا. لكن جاكوب لم يكن يتقن الخياطة بقدر ما يتقن الإدارة والتصرف. لذلك مكنه والده منذ تخرجه من إدارة المعمل وأعطاه مسؤوليته كاملة.
لكن شيئا آخر كان يشغل جاكوب ذلك المساء غير الحسابات والطلبات. كانت الأمور تسوء بينه وبين تانيا يوما بعد يوم، بسبب حجاب ريما وتصرفاتها المستفزة.
لم يكن يريد أن يضغط على الصغيرة، لكنه لم يكن يجهل تبعات ذلك على عائلته. كان بحاجة إلى الاختلاء بنفسه، والتفكير فيما يمكنه فعله لحل المشكلة التي باتت قائمة بين جدران بيته.- جاكوب
كان جاكوب قد خرج من معمله، وأخذ يتمشى على مهل، وقد أثقل كاهله التفكير. كان يمر أمام مقهى الحي الشعبي حين سمع من ينادي باسمه. التفت إلى الشخص الجالس إلى طاولة عند ناصية الطريق، يُدخن «الشيشة» في نهم وينفث دخانها حوله في إهمال.
- سالم؟
أشار سالم إلى كرسي قريب من طاولته المنفردة، كأنه يدعوه إلى مشاركته الجلسة. صافحه جاكوب في غير حرارة، وألقى بنفسه على الكرسي. لم يكونا قد التقيا منذ بضعة أسابيع، لكن علاقتهما لم تكن وثيقة بطبعها. انحنى سالم باتجاهه وقال في اهتمام:
- كيف حال البنتين؟
ابتسم جاكوب وهو يقول في رثاء:
- صارتا امرأتين الآن كلتاهما تدرس في الجامعة....
هر سالم رأسه وهو يزم شفتيه في تحسر :
- نعم... لا شك أنهما كبرتا ... ألم ترسل أختك راشيل صورا جديدة؟
- ليس بعد ... لكن ربما ترسلها بعد زفاف دانا ....
وقف سالم فجأة وهو يهتف في عصبية:
- دانا ستتزوج؟!
قال جاكوب في لهجة هادئة تشوبها سخرية خفيفة:
- إنها مخطوبة منذ سنة كاملة ... لا شك أنها ستتزوج قريبا ... بعد أن تنهي دراستها الجامعية....
جلس سالم مُجدّدًا وهو يتنهّد في إعياء. قال بعد صمت قصير:
- أريد أن أراهما ... أريد أن أرى ابنتي....
أجاب جاكوب في حزم:
- تعلم أن هذا ليس من صلاحياتي... راشيل تتقصى
أخبارهما قدر الإمكان دون علم سونيا ... فإن علمت سونيا أنك تلاحقها وتفكر في استعادة البنتين، فقد تختفي ثانية... إلى حيث لا يمكن أن تجدها أنت، ولا حتى راشيل
أنت تقرأ
في قلبي أنثى عبرية
Romanceيحسب أنه يعرف كيف يسترضيها حين تعبس، و يرسم الإبتسامة على شفتيها. حدثته بتفاصيل يجهلها كل من على هذه الأرض، كان معها في أدقّ لحظات حياتها... فضفضت إليه كأنها تحادث مرآتها حتى بات يعلم كل خبايا نفسها، حتى المناطق الأظلم منها. أحاط بنقاط قوتها و ضع...